حسين العوداتصفحات سورية

ماذا حل بنا؟


    حسين العودات

تمارس بعض السلطات العربية والإسلامية أبشع أنواع الممارسات، كالتعذيب والقتل وارتكاب المجازر والإبادات الجماعية، وغالباً ما يكون ذلك ضد شعوبها وليس ضد العدو، وتخالف هذه السلطات أبسط التقاليد العربية والإسلامية، فضلاً عن شرعة حقوق الإنسان والقوانين والمعاهدات والاتفاقات الدولية، حتى غدت همجية الممارسات العربية والإسلامية ضد هذه الشعوب مضرب الأمثال في العالم كله.

وهي في الخلاصة تخل عن منظومة قيم العرب والإسلام وتقاليدهم التي مارسوها منذ أربعة عشر قرناً، واحترموها طوال هذه القرون واعتبروا مخالفتها من الكبائر، إلى أن جاءت الدول الحديثة والسلطات العربية والإسلامية الحديثة، فضربت بهذه القيم والتعاليم الدينية عرض الحائط، وأطلقت العنان لغرائزها وجشعها، وأخذت تتصرف خارج نطاق القيم والعقل والعواطف الإنسانية.

قبل مجيء القرون الوسطى، وعلى التحديد في الثلث الأول من القرن السابع الميلادي، أوصى أمير المؤمنين أبو بكر الصديق اسامة بن زيد، قبيل إرساله قائداً لجيوش الفتح الأولى المتوجهة إلى العراق فقال مما قال:(لا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً.

أو شيخاً كبيراً، ولا امرأة، ولا تعقروا نحلاً ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيراً إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما فرغوا أنفسهم له). ولنتذكر أن هذه الوصية وُجهت عندما كانت معظم المجتمعات البشرية ترزخ تحت نير التخلف والبدائية والهمجية.

من جهة أخرى جاء في القرآن الكريم (ولا تزر وازرة وزر أخرى) (الزمر، فاطر)، كما جاء في الحديث النبوي (لا يؤخذ المرء بجريرة أبيه ولا أخيه)، وقالت العرب في أمثالهم (كل شاة معلقة بكرعوبها).

وتشير الآية الكريمة وهذه الأقوال الأخرى إلى فردية الجرم وفردية المسؤولية عنه والعقوبة لمرتكبيه، أي أن كل شخص مسؤول عن أعماله، وأن الله أعطى الحرية للإنسان ليمارسها في الحياة الدنيا ويحاسبه عليها في الآخرة، فيما بعد، ولا يحاسب عليها أحداً غيره.

وبالتالي فإن المرجعية هي مرجعية الفرد الحر، وهذا ماجاء في بيانات الثورة الفرنسية بعد ما يقارب اثني عشر قرناً من ممارسته في المجتمعات العربية والإسلامية وهو ما كان أساساً لشرعة حقوق الإنسان.

لنلاحظ الآن كيف تعاملت البلدان الإسلامية الحديثة وتتعامل مع هذه القيم، وكيف مارستها وطبقتها وتطبقها على شعوبها وليس ضد الأعداء فقط. وأشير إلى ما جرى خلال العقدين الأخيرين في بلدان إسلامية كأفغانستان وباكستان ومالي وإيران، وبلدان عربية مثل سوريا وليبيا واليمن وغيرها، حيث تجاهلت سلطات هذه الدول وأجهزة قمعها وأمنها وجيوشها والمنظمات المسلحة فيها، جميع هذه القيم، وأخذت تقتل شعوبها وتدمر البيوت على أصحابها، ولا توقر شيخاً أو امرأة أو طفلاً أو رجل دين، وتسرق ما تجده في بيوت الآمنين وتعتقلهم بدون سبب وبدون تهمة.

وأحياناً بل وفي معظم الأحيان عندما لا تجد الرجل أو المرأة المطلوب اعتقاله أو اعتقالها تأخذ الوالد أو الأخ أو الأخت أو الأم كرهائن، هذا إضافة إلى قتل المدنيين الآمنين، من غير أن يكونوا طرفاً في الصراع، وتقطع الأشجار والغابات أو تحرقها، وما أكثر مثل هذه الأمثلة وما يشبهها. فقد تراجعت ثقافتنا وقيمنا وتقاليدنا بعد أربعة عشر قرناً حتى وصلت إلى مثل هذا الدرك الذي نحن فيه.

ولم تكتف الأنظمة الشمولية والاستبدادية في البلدان العربية والإسلامية بتدمير بنى الدولة ومعاييرها، وتسليط قوى الأمن والقمع على شعوبها، ورفض الحرية والديمقراطية والعدالة في الدول التي تحكمها، بل هيمنت السلطة على الدولة بكاملها، وحولت المواطن إلى تابع لا رأي له ولا معنى ولا أهمية، إلى الدرجة التي يعامل فيها أسوأ بكثير مما تعامل السوائم.

لقد غدت الصراعات الداخلية في معظم المجتمعات العربية والإسلامية بدون ضوابط ولا قوانين ولا قيم، سواءً كانت حروباً أهلية أم حراكاً ضد السلطة أم ما يشبه ذلك، واتصفت بالوحشية وتحولت إلى جرائم ضد الإنسانية مثل الجرائم التي ارتكبت في الجزائر في تسعينات القرن الماضي، وفي العراق في العقد الأول من هذا القرن.

وفي أفغانستان بعد سقوط نظام طالبان، والتي ترتكب في سوريا في أيامنا الحاضرة، حيث لا حدود للارتكابات واختراق القانون وتعاليم الإسلام وقيم العرب، وحيث كل مسلح يعطي لنفسه الحق بالقتل بأية وسيلة يختارها والتمثيل بالجثث ونهب بيوت المواطنين بدون مبرر، واغتصاب النساء وذبح الأطفال، وعدم احترام الشيوخ، ومخالفة القانون والنظام بدون محاكمة أو شهود أو أدلة أو ما يشبهها.

وبالتالي تحول المسلح إلى وحش سائب يعطي لنفسه الحق بقتل فريسته وانتهاكها كما يشاء، أو كما تشتهي غرائزه، والملاحظ أن مثل هذه الممارسات انتهت من معظم مجتمعات عالم اليوم، باستثناء بعض الدول الإسلامية والعربية، وقد تخلصت منها دول أميركا اللاتينية قبل ثلاثة عقود وتخلصت منها دول العالم الأخرى منذ عقود بعيدة، بما في ذلك معظم الدول الإفريقية.

بينما بقيت الدول العربية والإسلامية مصرة على ممارسة هذه الفواحش دون حدود ولا قيود، حتى أن السلطة في بعض البلدان تشجع مثل هذه الأعمال إذا كان لها مصلحة بذلك وتغض النظر عنها، أو تأمر أحياناً بممارستها، وفي الحالات كلها تعتبرها ممارسات عادية، متجاهلة قيم الأمة وتعاليم أديانها كافة، فضلاً عن تجاهل شرعة حقوق الإنسان والعهود الدولية والإقليمية المتعلقة بهذه الحقوق.

فأي حال هذا الذي وصلنا إليه؟.

البيان

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى