صفحات العالم

هل يثق العالم بالشعب السوري؟!


عبدالله ناصر العتيبي *

< أكتب هذه المقالة قبل انعقاد مؤتمر أصدقاء سورية في إسطنبول بيوم واحد. وكما تتناقل وسائل الإعلام، فإن المؤتمر سيعمل على توفير الضغط اللازم دولياً، للمضي قدماً نحو تطبيق خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان.

لكن، هل هذا ما يريده المحتجون في الداخل والمعارضة في الخارج ونظام بشار؟! الإجابة نسبية من طرف لآخر، ونسبية أيضاً في إجابة الطرف الواحد نفسه!

أنان ضمّن خطته ست نقاط رئيسية: الالتزام بوقف جميع أعمال العنف المسلح، بما في ذلك وقف استخدام الأسلحة الثقيلة، وسحب القوات، ووقف تحركات القوات باتجاه المناطق المأهولة بالسكان.

وتطبيق هدنة يومية لمدة ساعتين للسماح بإحضار المساعدات إلى جميع المناطق المتضررة من القتال. والإفراج عن جميع من جرى اعتقالهم تعسفياً، بمن فيهم المعتقلون لقيامهم بنشاطات سياسية سلمية.

وضمان حرية الحركة للصحافيين في جميع أنحاء البلاد، وتبني سياسة لا تقوم على التمييز بشأن منحهم تأشيرات لدخول البلاد.

وضمان حرية تكوين المؤسسات، وحق التظاهر بشكل سلمي على أنها حقوق مضمونة قانونياً.

وأخيراً، الالتزام بالعمل مع أنان من أجل عملية سياسية شاملة يقودها الشعب السوري.

ومع أن هذه الخطة هلامية ورجراجة وتسير في الطريق الخطأ وتتعارض نقاطها في ما بينها، إلا أن النظام الأسدي وافق على تبنيها على الفور، لأنه ببساطة شديدة، يعرف أنها غير قابلة للتطبيق!

هلامية لأنها تدعو إلى مهلة ساعتين يومياً لإيصال المساعدات إلى المناطق المنكوبة، فيما تدعو في فقرة أخرى إلى وجوب الالتزام التام بوقف كل أنواع القتال خفيفة وثقيلة! كيف يمكن تضمين الجزء إلى المطالب فيما أنت تطالب بالكل؟!

ورجراجة لأنها تدعو نظاماً مثل نظام بشار إلى الخضوع إلى الرغبة الشعبية للتغيير السياسي في البلاد، بعد حكم ديكتاتوري امتد 42 عاماً. كيف تطلب من جبل الحجارة أن يتحول إلى ينبوع صافٍ؟!

وتسير في الطريق الخطأ، لأنها لم تختصر الوقت والمسافة وتتوجه مباشرة إلى المحتجين الحقيقيين في الشارع، لأنهم مَن بدأوا الفعل وليس بشار!

بشار يريد من المحتجين أن يتخلوا عن الاعتصامات والتظاهرات والخروج إلى الشوارع ليتوقف عن قتلهم. وخطة أنان تسير في هذا الاتجاه بكثير من اللطف. تطلب من المحتجين التوقف عن عرض صدورهم في الشوارع لبنادق الجيش النظامي والعودة إلى منازلهم، وتعدهم بعد أن يفعلوا ذلك بالدخول في عملية سياسية شاملة تدخل فيها كل مكونات الشعب السوري، ويديرها نظام بشار، ويعمل عليها كوفي أنان بإشراف مباشر من الأمم المتحدة.

أي رئيس ديكتاتوري لا يوافق على هذه الخطة؟! من هو الزعيم الطاغية الذي لا يجيد حسابات المرحلة، ويرفض مثل هذا العرض الكريم؟! هذه الخطة نصرٌ لبشار ونظامه وكسر لمجاديف الشعب الثائر.

خطة أنان تعود بالمحتجين إلى المربع الأول. تضعهم في قلب القمع اليومي الممنهج وترفع عنهم القمع العسكري الطارئ! تسلبهم انتصاراتهم ومكاسبهم التي حققوها على الأرض خلال السنة الماضية، بينما النظام متحرر من أي ضغوط داخلية وخارجية. هو مرتهن فقط لوعود هلامية ورجراجة وتسير في الاتجاه الخطأ!

الشعب السوري «المهاجم» يحتاج إلى مبادرات جريئة تتجه إلى مطالبه مباشرة، وليس إلى «المدافع» عن وجوده؟

يحتاج إلى مبادرات تدعم تحركاته، وتناصر موقفه. يحتاج إلى التفاتة قوية من المجتمع الدولي تضعه في المنطقة الوسطى ما بين ثوار ليبيا ومتظاهري تونس والقاهرة.

المجتمع الدولي ينمق العبارات ويرسم الحيل ويلون الهواء ويجدل الرياح، وينتظر! لا يستطيع أن يتدخل عسكرياً لضرب كتائب بشار لحساسية المنطقة تجاه أي حرب قد تتداخل فيها الحساسيات القومية والطائفية والدينية، ولا يستطيع أن يزود المتظاهرين بالسلاح، لأنه يخاف من نشوء حركات إسلامية متشددة في المستقبل غير قابلة لنزع السلاح. ولا يستطيع أن يحرض مؤسسات المجتمع المدني على الخروج في تظاهرات مليونية لا يستطيع النظام التعامل معها عسكرياً، بسبب غياب المنظمات المدنية في سورية من جهة، ولعدم قدرته على زرع خبراء أجانب قادرين على تحريك الجموع، باستخدام حيل وأساليب استخباراتية من جهة أخرى، بسبب التمحيص الدقيق لكل داخل إلى سورية وخارج منها.

ماذا عليه أن يفعل إذن؟! يجد طريقاً وسطاً بين ثوار السلاح في ليبيا، والمتظاهرين السلميين في مصر وتونس. عليه أن يعمل على تحييد الجيش ما استطاع.

المجتمع الدولي لا يستطيع أن يتنبأ بنتائج تسليح الثوار، لكنه قادر على تخيل الانقلابات العسكرية التي تذهب بالسيئ وتجيء بالمادة الخام التي يعتمد تحولها الى جيدة أو سيئة على عمل كوفي أنان وإشراف الأمم المتحدة!

من هنا فقط يبدأ الميل الأول الذي بلا شك سُيسقط خطة أنان في نصفه الأول، ويقضي على حزب البعث الحاكم في نصفه الثاني.

أما المعارضة، وما أدراك ما العارضة، فهي تنتظر ما تنجلي عنه الأمور، حالها كحال جماعة «تشيلية» مهتمة بالحفاظ على الطبيعة في أعالي جبال الأنديز!

سؤال أخير: لماذا تسمي وسائل الإعلام العربية جيش بشار بالجيش النظامي حتى الآن؟! لماذا لا تسميه كتائب الأسد مثلما كانت تفعل مع جيش القذافي؟!

* كاتب وصحافي سعودي

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى