صفحات الثقافة

شيطان الشعر/ لقمان ديركي

 ينتمي شيطان الشعر إلى صنف من البشر القساة في بعض الأحيان عندما ينكمش دهشة من حدث جلل واحتراماً لهوله، يشعر بالرهبة أيضاً من تفوّق الواقع عليه بهذه السهولة. فشيطان الشعر متمرّد على الواقع وَجَد نفسه غائصاً حتى رأسه في خيالات الواقع اللانهائية. يبدأ بالصراخ، ويحاول أن يلمس مصدر إلهامه كي يأخذ منه شحناً، ويبدأ برمي الكلمات جزافاً هنا وهناك، ويصبح تفسير الواقع هو قمة الخيال، فيعود إلى الانكماش راضياً مرضياً كميِّت عاد إلى الحياة فوجد الدنيا وأحوالها قد سبقته لمئة عام.

 ماذا لو استيقظ الماغوط وقال؟ هل كان صمتَ أو قال؟ ذلك هو السؤال يا خال. وماذا كان قد قال؟ قد قال فيما قال كل أصناف العشق للحرية إلى درجة العبادة، فماذا كان سيقول الآن؟! لواستيقظ يوسف العظمة على هدير الفداء فما كان حاله الآن؟! هل كان سينشقّ عن وزارة الدفاع انشقاقاً، أم كان سينقلب مع الجيش انقلاباً على المخابرات؟! أم كان سيظهر مع وليد المعلم وبثينة شعبان ولونا الشبل  ناهيكَ عن  الجعفري؟! أم كان سيفرّ انشقاقاً إلى الغرب ويترأس المجلس الوطني ثم يستقيل بعد ملاسنة مع هيثم المالح اللي من عمره تقريباً لو كان لسه عايش؟! أين كان يوسف العظمة سيكون؟! لكن لو عاد ميِّتٌ منذ ألف عام لما شعر بالغربة، فما من شيء قد تطوّر في الصراع منذ ذلك الوقت. هذا هو، ذات الهراء. فقط سيلاحظ تطور أدوات القتل، وسيندهش من المروحيات، وينفلج من الدبابات، والراجمات، والصواريخ. باختصار سيشاهد جهنّم الحمراء قبل أن تتكحّل عيناه بمعاصرة الكيماوي، فما الذي كان سيقول ابن بدرية؟ وماذا كان سيجود ابن أبي حلزة الجهنويري؟ هل كان سيعرف أن وصف هذا الحال محال؟ لكن وصف حال عرضه على الشاشات ليس مستحيلاً من المستحيلات. يحتاج إلى صفنة مدتها ألف عام لتفسير الواقع لا أكثر عبر إدارته الناجحة من قبل أجهزة الإعلام بالتعاون مع أجهزة المخابرات من كافة الأنحاء والأصقاع.

 في الحقيقة لا مكان لشيطان الشعر وسط هذه اللعبة الدموية التي تدار برؤوس من ينابيع الشرّ الخالص التي تحكم بقبضتها على هذا الكوكب العجيب. ما يحدث الآن عندنا ـ يا فرحتي ـ  تَفوّقَ على اللامعقول الذي شهدته أوروبا في الحرب العالمية الثانية. الصراع الآن أذكى، والأوراق الخفية أكثر، لذلك فإن دمار حمص وحلب ودير الزور صار متفوّقاً على دمار باريس وبرلين وبراغ. والتلذّذ واضح على وجوه رعاة المؤتمرين وهم يراقبون السجال الهزلي بين وفدي المعارضة المسكينة والنظام الكهين الذي يظهر لك في كل لحظة أنه كهين، في كل مداخلة، في كل تصرّف، وبخفة تجعلك تفكر بالمادة التي صنعت منها أدمغة وقلوب وضمائر هؤلاء. تبدو تصريحات رؤساء العالم مثيرة للضحك، ويظهر أوباما وكأنه عادل إمام، ألا توجد في هذه المادة ميزة الخجل على الأقل؟!

 يختفي شيطان الشعر، فروايات الواقع تملأ الفضاء الآن، ولا جدوى من وصف المجزرة. لا جدوى أيها الناشطون الأبرار، فلقد انفلج شيطان الشعر، وصار معه حب شباب وفوق اللي منه شلل أطفال.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى