صفحات العالم

مقالات تناولت ا لانتخابات الرئاسية في لبنان وتأثرها بالوضع السوري

رئيس للبنان بعد ملء الفراغ من بغداد إلى حلب!/ جورج سمعان
في ظل الاصطفاف الحاد والانقسام العمودي بين كتلتين كبيرتين يكاد يكون مستحيلاً على مجلس النواب اللبناني اختيار رئيس جديد للجمهورية. ولعل الذين يتبادلون الاتهامات بتعطيل هذا الاستحقاق ويتراشقون، يغالون في ردّ القرار النهائي في هذا الاختيار إلى أنفسهم. أو إلى ما اصطلحوا على تسميته «من صنع لبنان». بل لعلهم يغالون أكثر عندما يتوقعون انفراجاً في لحظة ما كما حصل لدى ولادة الحكومة بعد نحو أحد عشر شهراً، ثم التوافق على بيانها الوزاري فإقرار الخطط الأمنية وإطلاق يد الجيش والأجهزة الأمنية لوقف التدهور في أكثر من منطقة. لن تحصل معجزة أو مفاجأة كبيرة. لن يكون هذا الاستحقاق مغايراً لما سبق منذ نالت البلاد استقلالها. لم يكن خياراً داخلياً إلا في ما ندر. لم يكن كذلك في أحسن الظروف فكيف يكون اليوم فيما المنطقة تعيش على وقع صراع مذهبي، وتعيش سورية على وقع حروب متعددة الجنسية والأطراف الإقليمية والدولية فضلاً عن نزاعاتها الأهلية والطائفية.
من المفيد ألا يغالي بعض المرشحين الذين يكاد بعضهم يخير اللبنانيين بين انتخابه أو توقع الفوضى. ويتناسى معظمهم أنهم كانوا ولا يزالون جزءاً من الانقسام الداخلي. وجزءاً من الأزمات التي يعيشها البلد، سواء زمن «الوصاية السورية» أو بعده. لم يجاف الرئيس نبيه بري الصواب عندما وصف الواقع على حقيقته: «كل فريق بات يعرف حجمه وحجم الطرف الآخر، ويعرف أيضاً أن ليس بمقدوره الحصول على حجم أكبر كي يتمكن من ترجيح الكفة لمصلحته. لا المواقع ستتغير ولا الأصوات ستتبدل». تغيرت التوازنات الداخلية إلى حد بات مستحيلاً في ظل الانقسام السياسي والمذهبي توفير النصاب المطلوب لانتخاب الرئيس الجديد. لذلك من العبث مواصلة التراشق العلني الذي يفاقم الانقسام. ولا طائل من إضاعة الوقت في محاولات يائسة لإيصال مرشح لا يحظى بالاجماع. أو بالأصح لا يلقى توافقاً من الكتلتين الاسلاميتين الكبيرتين. فقد المسيحيون فرصة «تقديم» مرشح اجماع من صفوفهم يقدمونه إلى شركائهم، كما فعلوا في مناسبات قليلة ماضياً.
سيمر وقت قبل أن ينسحب «الصقور» من الميدان. هم يعرفون سلفاً صعوبة التوافق على واحد منهم. لو حصل هذا يعني أن انقسام البلاد إلى زوال. بل يعني أن التفاهم بين المتناحرين في الإقليم وصل إلى نهايته. وهذا ليس واقع الحال بالتأكيد. لعل أقطاب فريق «14 آذار» يريدون من وراء التمسك بالدكتور سمير جعجع الوصول في النهاية إلى إسم آخر من تكتلهم أكثر قبولاً لدى الطرف الآخر، يقدمونه بمثابة «تنازل». أما قوى «8 آذار» التي تنتظر التوافق على الجنرال ميشال عون فقد تنتظر عبثاً. لو كان ثمة أمل لما كان هناك ما يوجب مقابلة الفريق الآخر بفتح ملفات قديمة لمرشحه المعلن. كيف يخدم هذا الموقف سعيهم إلى التوافق؟ والأهم كيف التوافق بين برنامجين متعارضين؟
لم تحصل «معجزة» في التوافق على تشكيل الحكومة أو على الخطط الأمنية. استغرق الرئيس تمام سلام أحد عشر شهراً كانت كافية لتوكيد توازن القوى القاتل والمعطل، وانتهت بتقديم تشكيلة لم تستثن أحداً أو تغلب فريقاً على آخر. فهل يعقل بعد هذه التجربة أن يفكر مرشح من هنا أو هناك في أنه قادر على الوصول إلى بعبدا من دون الحصول على مباركة كل هؤلاء الممثلين في مجلس الوزراء؟ لعل ما دفع إلى قيام حكومة سلام هو إدراك المعنيين المحليين وأهل الخارج أن التوافق على الرئيس الجديد ربما استغرق وقتاً طويلاً، فكان لا بد من ملء الفراغ بوزارة تسير شؤون الناس حتى حصول «المعجزة» المنتظرة، أو ربما أكثر من معجزة من خارج الحدود. وما دفع إلى التوافق على إطلاق يد الجيش شعور الذين وفروا غطاء ودعماً لجبهات القتال شمالاً أو بقاعاً بأن هذه الورقة استنفدت أغراضها. وخشيتهم من تدهور واسع لا قدرة لأحد على التحكم بنتائجه ولا مصلحة لأحد في انفجاره. ما تحقق على الأرض من القصير إلا القلمون عزز مواقف «حزب الله» وسهل عليه التقدم نحو خصومه. لا يريد جبهة في الداخل تشغله عن الجبهة السورية. وكانت رغبة خصومه في التوافق واضحة أيضاً بعدما عززت الجماعات المتشددة تقدمها في كل من طرابلس والشمال عموماً والبقاع الشمالي على نحو بات يهدد حضور هؤلاء الخصوم ونفوذهم. وعزز هذه الرغبة أيضاً خوفهم من فراغ رئاسي قد تملأه حكومة مستقيلة غابوا عنها.
لكن المبالغة في البناء على أن توافقاً إقليمياً ودولياً كان وراء ولادة حكومة الرئيس سلام لا تخفي تماماً حقيقة الأجواء المختلفة في المنطقة كلها التي تواكب المحادثات الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني والحوار القائم بين واشنطن وطهران. بالطبع لم تصل الأمور إلى خواتيمها لارتباطها بأكثر من من طرف وملف وقضية في الإقليم. لذا لن يكون بمقدور اللبنانيين اليوم أن «يصنعوا» رئيسهم داخل الحدود لأن التوافق الخارجي ليس في متناول أيديهم. سيكون عليهم انتظار العراقيين الذين لن يكون بمقدورهم هم أيضاً أن «يصنعوا» حكومتهم بأيديهم. وانتظار السوريين من أهل النظام الذين لن يكون بمقدورهم أن يسوقوا نتائج الانتخابات الرئاسية مطلع الشهر المقبل. هناك ترابط بين هذه الاستحقاقات لا يجب تجاهله أو التقليل من أهميته.
لذا سيكون على اللبنانيين، على الأرجح، أن ينتظروا ما سيؤول إليه الصراع في بغداد بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. قد لا يكون من مصلحة إيران هذه المرة أن تتمسك بنوري المالكي كمل فعلت قبل أربع سنوات، على رغم معارضة دول الخليج وتركيا وسورية في حينه. وما كان على واشنطن سوى الرضوخ لهذه الرغبة. كانت فقدت الكثير من وسائل النفوذ والضغط على رغم أن القوات لم تكن انسحبت بعد من العراق. هذا «التوافق» الإيراني – الأميركي ربما تجدد على قاعدة ما يشي به الحوار الدائر بين الطرفين. ستظل الكلمة الأولى لطهران التي حرصت عشية الانتخابات على الظهور مظهر البعيد عن أي تدخل، خصوصاً في المعركة بين القوى الشيعية. لكنها لن تقف هذا الموقف مع انطلاق الصراع على تأليف الحكومة الجديدة. قد ترضى بالتخلي عن زعيم «دولة القانون» لكنها لن تجازف بحل التحالف الشيعي الواسع أو تجازف بعزل زعيم «دولة القانون» عن ساحة القرار، بل ربما ضغطت لعودته ثالثةً. أي أنها لن تقبل بانقلاب على دورها بقدر ما قد تقبل بتدوير المناصب في الصف الشيعي إذا كا من شأن ذلك تسهيل الحوار مع أميركا، وتوجيه رسائل طمأنة خصوصاً إلى الجوار الخليجي لحضه على حوار مماثل. وأبواب سلطنة عمان مفتوحة. أدت دوراً مساعداً بين واشنطن وطهران فلماذا ستتردد في المساعدة على إطلاق حوار بين هذه والرياض؟ هذا إذا لم تكن بدأت بجس النبض. وكانت أدت دورها وساهمت مع الكويت في لملمة الخلاف الخليجي داخل مجلس التعاون عشية قمة الخليج والقمة العربية.
في أي حال ستؤشر المعركة القادمة في بغداد على شكل الحكومة المقبلة إلى قدرة كل من الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة على توليف وزارة على شاكلة سابقتها قائمة على مبدأ التوافق، أي المحاصصة التي لا تغني ولا تسمن بقدر ما تعمق خيارات التفكك والانقسام والتقسيم. وربما جاء الفراغ في بغداد هذه المرة أطول مما كان إثر الانتخابات السابقة. وسترسم نهايته حدود التوافق الإقليمي والدولي بين كل المتصارعين.
الوجهة في بغداد ليست وحدها تؤشر إلى الوجهة في لبنان. التطورات في سورية لها نصيبها الأكبر. قد لا تغير الانتخابات الرئاسية في مسار الأزمة، إلا إذا نجحت أطياف المعارضة في إبعاد حلب عن صناديق الاقتراع بعد استعادة النظام حمص وإن خالية من أهلها. وليس خافياً هنا دور تركيا التي بدأت باكراً في تسهيل معركة كسب لفتح بوابة للعاصمة الشمالية وإدلب وريفها من نحو البحر… لعل وعسى! فإذا كان لا مفر من تقسيم البلاد بفعل الأمر الواقع، كما هي حال العراق اليوم، يكون لهذا الجزء السوري واجهته على البحر. وإذا كان ثمة بعض الأمل بتسوية سياسية مع تقدم قوات النظام، سيكون على المعارضة ممارسة مزيد من الضغط على جبهة اللاذقية ساحلاً وجبلاً لإقامة حد أدنى من توازن يكاد يكون صعباً.
لا بد إذاً من انتظار التوافق بين اللاعبين الإقليميين ومن خلفهم القوى الدولية قبل أن يتقدم اللبنانيون بحثاً عن رئيس توافقي، أي رئيس يحظى بقبول الطرفين السني والشيعي أساساً ما دام أن المسيحيين والموارنة خصوصاً سلموا بعجزهم عن التوافق على مرشح واحد يتقدمون به إلى شركائهم الذين يتذرع كل منهم أو يتلطى اليوم وراء ما يسميه «مسؤولية» الشريك المسيحي في تقديم مرشح واحد. لا مناص من رئيس توافقي والمنطقة على انقسامها، ولبنان جزء من هذا الانقسام بل جبهة متقدمة فيه. وما دامت سورية مرشحة لمزيد من التدهور، فإن لبنان سيبقى في قلب هذا التدهور. وسيبقى مرشحاً لمزيد من الصعوبات الأمنية والاقتصادية بفعل هذا الكم الكبير من اللاجئين السوريين الذين يعرضون بنيته الديموغرافية لخلل خطير، وبفعل تفاقم الحراك الاقتصادي الداخلي الذي لا يخلو من تحريك سياسي. قد تعزز هذه التوقعات القاتمة دور المؤسسة العسكرية، ووتعزز تالياً الاجماع على هذا الدور… ولعل ذلك يشكل مدخلاً لتوافق خارجي وداخلي على قائد المؤسسة، المرشح غير المعلن، ويكررها اللبنانيون مرة ثالثة بعد الجنرالين اميل لحود وميشال سليمان!
الحياة
دراسات التابع» اللبناني/ حسام عيتاني
ربما بات علينا في لبنان الاهتمام بتطوير «دراسات التابع» لفهم أفضل لآليات السياسة والاقتصاد السائدة هنا، ذلك أن الواقع يشير إلى تجاور عدد كبير من التواريخ أو السرديات المعزول بعضها عن بعض والمناقض بعضها للآخر.
من يتابع وسائل الإعلام اللبنانية يخرج بانطباع أن الانتخابات الرئاسية يجري التحضير لها في ظل موازين القوى المحلية وأن «الأقطاب» يختارون اسم الرئيس المقبل. لكن للواء رحيم صفوي، المستشار العسكري لمرشد الجمهورية الإيرانية، رأي آخر. فبلدنا هو حدود إيران مع إسرائيل. زميل صفوي، اللواء همداني، أبلغنا بتصريح سارعت وكالة الأنباء الإيرانية التي نشرته إلى سحبه بعد ساعات، إن سورية، بدورها، تخضع للانتداب الإيراني وإن 130 ألفاً من قوات التعبئة «الباسيج» سيتوجهون إليها.
كيف السبيل إلى مواءمة العملية الانتخابية التي يفترض أن تسفر عن اختيار رمز للسيادة الوطنية والحفاظ على الدستور في مقاطعة حدودية إيرانية؟ لا جواب.
عند «التابع» اللبناني رواية أخرى للواقع. هو أولاً «تابع» لتحالف من قوى داخلية وخارجية مهيمنة ومتسلطة. ويتحدث عن أزمة اقتصادية واجتماعية طاحنة تلامس فيها مؤسسات الدولة حدود من التوقف عن العمل، ليس فقط المدارس الحكومية الأكثر تعرضاً للإهمال حيث لا تعتبر الدولة تعليم أبناء الفقراء واجباً ملحاً، بل أيضاً في كل ما يمكن أن يوصف بالمجال العام. يجري ذلك في ظل اكتظاظ غير مسبوق آيته استمرار تدفق اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب الأهلية في بلدهم والذين لا يجدون مكاناً يقيمون فيه غير المناطق الأكثر فقراً وحرماناً في لبنان. جل ما يهم الهيئات الدولية من مأساة اللاجئين السوريين هو ألا تنتقل عبر الحدود إلى أوروبا أو غيرها.
هذه السردية لا تظهر على الرادار السياسي اللبناني، وهو ما يبرر الحديث عن روايتين منفصلتين للواقع. واحدة علنية مقروءة في الصحف والإعلام عن اتصالات ومشاورات وأجواء، تقدم لبنان كبلد يصنع حاضره ومستقبله بأيدي نخبه السياسية المدركة للمصالح الوطنية. وثانية، تدور أحداثها في الشوارع والبيوت الصغيرة وأمام مقرات توزيع بطاقات التموين التي توفرها هيئات محلية وعربية قليلة، على اللاجئين وتظل من دون تسجيل أو توثيق.
والحال أن المجموعة السياسية اللبنانية، استفادت دائماً من هذا الانفصال بين الواقع الذي تعيشه الشرائح الأعرض من اللبنانيين وهو واقع لا يبدو أنه يتحرك إلا نحو الأسوأ، وبين الفقاعة التي يعيش وينشط السياسيون داخلها والمستمدة أسباب بقائها من خداع المواطنين من جهة ومن الالتحاق بالقوى الإقليمية والدولية المتنفذة، من الجهة المقابلة.
«هل يستطيع التابع أن يتكلم؟» هو السؤال الشهير الذي طرحته الكاتبة الهندية غياتري سبيفاك في دراسة لها بهذا العنوان. حتى اليوم، لا يبدي «التابع» اللبناني علامات اعتراض عميق على الضائقة التي تحاصره من الجهات كلها، على رغم احتجاجات مطلبية ونقابية عدة. بل الأقرب إلى الصواب أن هذا «التابع» لم يطور بعد لغته وما زال أسير التلاعب الطائفي الغريزي الذي تمارسه النخبة الحاكمة، إلى الحد الذي يستطيع أنه يعبر بها عن رفضه هذه التبعية المشينة.
يدفع الأسر المذكور اللبنانيين إلى البقاء صامتين عن معاناتهم الحقيقية والعميقة وعن انسداد آفاق المستقبل أمامهم وإلى السعي لنقض ما تقوله الرواية الرسمية القائمة، على رغم إفلاسها. عليه، تنهض ضرورة صوغ لغة جديدة تحمل رواية «التابع» لواقعه وحياته واضطراه إلى التأقلم مع بلد يخضع لأنواع شتى من الاحتلال.
الحياة
النزف السوري مستمر… والرئاسة اللبنانية في خلفية المشهد/ سام منسى
تتردد في أوساط عدد من المراقبين والمتابعين لقضايا المنطقة أسئلة كثيرة في شأن ملامح تغيير في السياسة الخارجية الأميركية حيال قضايا منطقة الشرق الأوسط ونزاعاتها، لا سيما تجاه الحرب الدائرة في سورية منذ أكثر من ثلاث سنوات. متغيرات عدة حصلت في الأشهر القليلة الماضية أهمها الحدث الأوكراني في أوروبا وتداعياته على العلاقات بين واشنطن وموسكو، وإصرار الرئيس السوري على إجراء انتخابات رئاسية تسمح له بالبقاء ولاية جديدة لسبع سنوات مقبلة، إضافة إلى توقف عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية المتعثرة أصلاً على وقع مفاجأة المصالحة الفلسطينية بين السلطة الوطنية وحركة «حماس». بالطبع هذه التطورات تشجع على توقّع، أو تلمّس ملامح تغيير في سياسة الإدارة الأميركية.
إنما إذا أنعمنا النظر، والتدقيق في ما يصدر عن هذه الإدارة في العلن وما تمارسه بالفعل على الأرض في شؤون الشرق الأوسط وقضاياه ونزاعاته، فنستنتج أن سياسة الإدارة باقية على حالها.
أكثر من سبب يدفع إلى هذا الاستنتاج، أولها المفاوضات النووية مع إيران. فلن تعيد الإدارة الأميركية النظر في سياساتها في المنطقة قبل نهاية المفاوضات النووية، أو أقله قبل معرفة مصير هذه المفاوضات، أي حتى نهاية تموز (يوليو) المقبل. كما يصعب أن نتوقع أن توقف واشنطن هذه المفاوضات حتى لو لم يتم التوصل إلى تفاهمات أو تسويات، ما سيؤدي إلى تمديد فترة المفاوضات إلى ستة أشهر جديدة، مرة أو مرتين وحتى أكثر.
السبب الثاني والمتعلق مباشرة بالشأن السوري، مفاده برأي الإدارة الأميركية أنه لم يحصل في سورية حتى الآن أي تغيير حاسم على الأرض يدفع الإدارة إلى إعادة النظر في سياستها تجاه الحرب في سورية.
أما الانتخابات الرئاسية المنوي إجراؤها وعلى رغم وصفها بـ «المهزلة»، فتبقى غير كافية في نظر المسؤولين الأميركيين لاتخاذ مواقف وسياسات جديدة كونها غير جدية في أي حال. ومن جهة أخرى، واشنطن على اقتناع بأن ما يروج في الإعلام من انتصارات يحققها نظام الأسد هو من باب الأوهام لا أكثر وأن ما يجري هو بمثابة Pause أو «وقفة» في حرب طويلة لن تسمح بإعادة تعويم بشار الأسد بعد المجازر والدمار والمآسي والخسائر التي حصلت وستحصل في سورية.
أما السبب الثالث وهو الحدث الأوكراني، فيرى عدد من المراقبين والمعنيين بشؤون العلاقات الروسية – الأميركية أن الوقت لا يزال مبكراً لمعرفة أثر تداعياته على العلاقات بين واشنطن وموسكو. أولاً لأن ما يجري في أوكرانيا لم يرسُ على نهاية واضحة، بل بنظر البعض لا تزال الأزمة في أوكرانيا وما قد تستدعيه من مواقف وأفعال وردود أفعال روسية غير معروفة أو محسومة. ثانياً، واشنطن لم تهضم كفاية حتى الآن ما آلت إليه العلاقات مع موسكو نتيجة الأزمة في أوكرانيا، وفي ظل الدور الروسي في سورية خصوصاً، وفي منطقة الشرق الأوسط عموماً من مصر إلى إيران وغيرهما. وتحتاج واشنطن في نظر خبراء العلاقات مع روسيا إلى مزيد من الوقت لاستيعاب ما يجري قبل أي تغيير في السياسة.
لا تغيير قريباً
تأسيساً على كل ما سبق، وبمعزل عما إذا كان أداء الإدارة الأميركية هذا صائباً أم لا بالنسبة إلى الملفات الثلاثة التي ذكرناها، نستطيع القول إنه إذا صح تحليل المراقبين والخبراء، لن نشهد تغييراً في أداء هذه الإدارة قريباً. وما يرشح عن دعم أميركي لفرق معارضة مقاتلة في سورية، لا سيما في الجنوب وبعض المناطق الشمالية مثل حركة «حزم» وغيرها، لا يعدو كونه توسيعاً مدروساً ومحدوداً لسياسات سابقة بدأت قبل حوالى سنتين.
بل إن ما يجري على أرض المعركة في سورية هو استمرار ممنهج للتدمير والقتل والتعذيب وبكل الأسلحة بما فيها غاز الكلور الذي يحكى عن استعماله أخيراً، إضافة إلى البراميل المتفجرة التي اعتادت وسائل الإعلام الأجنبية الحديث عنها وكأنها أمر مألوف، من منظور أن الحرب في سورية هي جبهات قتال بين دول متحاربة بينما في الواقع تسقط هذه البراميل على رؤوس الأبرياء من المدنيين.
أما خارج أرض المعركة، فتمارس واشنطن ضغوطاً قاسية على الأطراف الراغبة في تسليح المعارضة.
ولا بد في هذا السياق من الإشارة إلى العرض العسكري الأخير بعد المناورات غير المسبوقة للجيش السعودي في حفر الباطن، والذي ظهّر الحذر السعودي من إيران. فهذا العرض تميز بأمرين، الأول استعراض صواريخ «دي إف 3 إس» الصينية. والأمر الثاني هو حضور قائد الجيش الباكستاني الجنرال شريف. فالأمران يعززان صدقية معلومات متداولة بأن المملكة دعّمت قواتها بصواريخ صينية جديدة هي «دي إف 21».
كل ما سبق يؤدي إلى نتيجة واحدة هي استمرار النزف السوري، ما يحوّل سورية إلى اشلاء مدمرة ومتروكة للاهتراء. وفي هذا الإطار، يردد البعض في واشنطن أن الولايات المتحدة لن تسمح لإيران بالسيطرة على سورية من زاوية أنه لن يبقى شيء حتى تسيطر عليه إيران.
بالطبع، هذا نوع من المبالغة الفجة التي تدافع عن أداء هذه الإدارة تجاه الحرب في سورية.
ينبغي أيضاً أن يضاف إلى مشهد استمرار الحرب في سورية نتيجة تراجع واشنطن عن القيام بما يساعد على وقفها تفاقم أزمة اللاجئين السوريين في دول الجوار.
ويحاكي التراجع الأميركي عن السعي الجاد والفعال لوقف الحرب في سورية موقف واشنطن المتفرج على تدفق النازحين إلى لبنان. فقد بات العدد يتجاوز المليون ونصف المليون سوري. ما يعني أن أهم مشكلة تواجه لبنان اليوم هي مأساة اللاجئين السوريين بما أنه لا أفق واضحاً لما ستؤول إليه الحرب في سورية، أو متى سيتوقف القتال ويعود السوريون إلى بلادهم.
وفي سياق الحديث عن التغيير أو عدمه في السياسة الأميركية لا يمكن تغييب صورة معركة رئاسة الجمهورية في لبنان. هل يفيد حلفاء إيران وسورية من جمود السياسة الأميركية، ويحصدون ما يسعون إليه من الإمساك بمفاصل الدولة نتيجة انتخابات تأتي برئيس وفق مواصفات يرضون عنها، أو في أسوأ الأحوال عدم إجراء هذه الانتخابات وجر البلاد إلى مؤتمر تأسيسي، وإعادة تركيب النظام السياسي في ظروف أمنية ودولية ومحلية لمصلحتهم؟
أكثر من طرف يقول ومنذ بدايات الثورة في سورية إن هدف إيران البعيد المدى هو الإمساك بالساحة اللبنانية بواسطة طرف أو اطراف مسيحية متحالفة معها تدعم المحور الإيراني – السوري وتساند نظام آل الأسد في ما سيتبقى له من مناطق في سورية القديمة إذا ما قدر له ذلك.
الخشية أن تنجح الضغوط الخارجية ومن أكثر من جهة غربية وعربية في إيصال «الرئيس المسيحي القوي» الذي يرضي «حزب الله»، أو الرئيس الضعيف الذي يرضى عنه ويقبل به الجميع، وفق صفقة ظاهرها تسويات وتفاهمات تجميلية وباطنها إمساك المحور الإيراني – السوري التام بمفاصل الدولة والأمن والاقتصاد (ملف النفط)، ما سيؤدي إلى تداعيات خطيرة أولها تشجيع التطرف في أوساط السنّة، ويهدد الاستقرار النسبي في لبنان.
يردد العارفون أن السياسة الأميركية تجاه لبنان، إذا كان هناك من سياسة تجاه لبنان، تهدف أولا إلى محاربة التشدد والإرهاب، وثانيا المحافظة على الاستقرار النسبي الممكن.
هل تسمح واشنطن بتقويض أهدافها؟ الإجابة تحتاج إلى مزيد من الوقت!
* إعلامي لبناني
الحياة

 

رئيس لبنان… وإيران بأمها وأبيها/ زهير قصيباتي
فليكن لبنان سيفاً لمنطقة يريدها «حزب الله» جنّة في الشرق الأوسط. وما دام الحلم بهذا الحجم، هل يستقيم الانشغال بانتخاب رئيس للجمهورية، التي باتت جزءاً من الحدود الدفاعية عن إيران؟
فلنصغِ جيداً إلى «حزب الله»، لعل ساعات الحقيقة باتت قريبة، أو لعلنا نخفف أعباء الغموض. فنحن في «غابة يسودها وحوش مفترسون»، وما المشكلة في أن نكون من جنس الملائكة؟ هكذا يبدو الحزب رائداً في إعادة الثقة إلى نفوس اللبنانيين وعقولهم، متعففاً عن قصر نظر الذين يغرقون في مستنقع البحث عن رئيس يخلف الرئيس ميشال سليمان.
ولأن فلسطين في القلب دائماً ووجدان الجميع، فلنبرهن على وطنيتنا و «نحارب في سورية ضد المتآمرين كي نحرر فلسطين». فليصغِ الرئيس محمود عباس الى نصيحة «حزب الله» لعله يوفّر على نفسه وعلى شعبه آلاماً كثيرة. ورغم كل شيء، هل يحق لبعض اللبنانيين التذمّر من حيرة أوقعهم فيها الحزب، فهو أولاً أراد القتال في سورية دفاعاً عن حدود لبنان وسيادته، وهو ثانياً غذّى القتال حين أصبح تحرير فلسطين يمر في الغوطة والقلمون والقصير. على هذا النهج، لماذا لا يحق لفريق 8 آذار ان يطالب برئيس للجمهورية «الدفاعية» تتوافر لديه كفاءة الشراسة في الدفاع عن قتل المعارضين في سورية، وتخيُّل أسراب من الطيور تلاحق المدنيين في حمص وحلب، لتبديد كل الأقاويل عما يُحكى عن البراميل المتفجّرة؟
أليس معيباً أن نترك نحن اللبنانيين معركة الرئاسة تُطبخ على نار إقليمية أو دولية، أليس الرئيس الذي «يُصنع في لبنان» مؤتمناً أكثر على لبنان وسيادته وحدوده؟ المشكلة الوحيدة التي باغتت 8 آذار أن ليست لديها دالّة على كل رموز السلطة في إيران، فالجمهورية الإسلامية هناك ليست خط الدفاع عن الحدود اللبنانية، بل العكس، كما يبشّرنا مستشار القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية اللواء يحيى رحيم صفوي. والحال أن الأخير اجتهد قليلاً ليطوّر مقولة «سورية محافظة إيرانية» أو لبنان على الطريق، وهو كذلك منذ استخدمته طهران ساحة لتصفية حسابات وخلط أوراق في ملفها النووي، في حرب تموز عام 2006. ولماذا لا يحق لبعضنا أن يتباهى بأن حدودنا باتت الحدود الدفاعية عما يعتبره الإيرانيون «القوة العظمى» في الخليج والشرق الأوسط؟
تحرير فلسطين يمر الآن في الغوطة والقلمون وحلب وحمص، من أين إذاً يبدأ تحرير اللبنانيين من أوهامهم؟ ولكن لمَ التشاؤم؟… فـ «بفضل بشار الأسد وجيش سورية والمقاومة الإسلامية» سنشهد كما قال رئيس المجلس السياسي لـ «حزب الله» السيد ابراهيم أمين السيد: «منطقة في الشرق الأوسط إيران أمها وأبوها، وسورية قلبها، ولبنان سيفها».
ولنعرف حدودنا، والمستقبل الذي ينتظر لبنان وحدوده الدفاعية عن جمهورية يسمّيها بعض المتشنجين في فريق 14 آذار «فارسية»، فلنتأمل في الغد الواعد لقلب تلك المنطقة في الشرق الأوسط، ذاك القلب الذي دفع دماء 150 ألف سوري ليواجه «المتآمرين» ممن يحسدون التعددية في جمهورية بشار، حيث البراميل المتفجّرة حمام زاجل على رؤوس المسلمين والمسيحيين، وما عدا ذلك إشاعات تروّجها كتائب «التكفيريين».
لا تمييز بين سنّي وعلوي وشيعي ومسيحي في سورية، في المحرقة الكل سواسية، وشارة البناء والنهضة تبدأ بخراب عامر يستحضر المغول، لاستئصال «المتآمرين». وبالقياس، إذا انتاب بعض اللبنانيين شيء من الحسد من جمهورية السيد الرئيس، فما عليهم إلا التبصّر بنعيم الغوطة ودرعا والقلمون وحلب. مؤلم بعد ثلاث سنوات من «انتفاضة البعث» على الثورة أن يصبح الخبر السعيد إجلاء مقاتلين معارضين من حمص القديمة، كأن النظام يجلي الثورة الى الماضي. ومؤلم مضحك أن تتباهى المعارضة باعتقال مرشح محتمل، كان «سينافس» الرئيس الأسد.
هناك، في «قلب العروبة»، لا أحد سيتجرّأ على تطيير النصاب في مجلس النواب. لذلك، ألا يحق لنا أن نتباهى بممارسات 8 آذار مع النصاب في البرلمان اللبناني، ولأن كل السنوات التي تلت حرب 2006 بما فيها 7 أيار (مايو) كانت سمناً وعسلاً وبحبوحة وسياحة، يأنف هذا الفريق التفريط بهذه النِّعم باختيار رئيس للجمهورية «الدفاعية»، بلا لون ولا طعم.
نعم، نريد رئيساً مقاوماً، يأخذنا كل سنة أو اثنتين الى حرب، تارة دفاعاً عن حدود لبنان من قلب الغوطة وحمص، وتارة تحضيراً لتحرير فلسطين… ومَنْ يدري، أليست للولي الفقيه في طهران دالّة على الحدود الدفاعية التي باتت لإيران في جنوب لبنان، على الحدود مع إسرائيل. هنيئاً لنواب الأمة في لبنان أن يغرقوا في اللعبة الديموقراطية، مهما طالت جلسات البرلمان لاختيار رئيس جديد للجمهورية المنكوبة بأوهام الفرسان. ولكن هل صحيح أن الفراغ مجرد تهويل، أم هو مجرد ملعب لدمى منطقة، إيران «أمها وأبوها»؟
هنيئاً للذين ما زالوا يعتقدون بأن الطموحات الإيرانية المعلنة بلا وجل، مجرد كلام للاستهلاك… هنيئاً لهم في سباتهم، وبإيران وأمها وأبيها.
خليفة الرئيس ميشال سليمان، كيف يُصنع في لبنان إذا كانت الحدود تُصَنَّع في الخارج؟
الحياة

 

لبنان .. الفراغ الرئاسي ينتظر توافقات إقليمية ودولية
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
بعد فشل جلسة الانتخاب الأولى التي عقدت يوم 23 نيسان/إبريل، وجلسة الانتخاب الثانية يوم 30 أبريل/ نيسان في الاتفاق على رئيس جديد، تعاظمت مخاوف اللبنانيين من حدوث فراغ في سُدَّة رئاسة الجمهورية. وكانت المهل الدستورية لانتخاب الرئيس الجديد قد بدأت في الخامس والعشرين من مارس/آذار 2014، لتنتهيَ في 25 مايو/أيار، وهو اليوم الأخير من ولاية الرئيس ميشال سليمان، وفق نص المادة 73 من الدستور اللبناني. ويكتسب انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان أهميةً خاصةً، بالنظر إلى أنّه الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، فضلًا عن أنه “رمز وحدة الوطن. ويسهر على احترام الدستور، والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه”.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد في الدستور ما يعقد الرئاسة الأولى في لبنان للموارنة، وهي الحال عينها بالنسبة إلى تخصيص الطوائف الأخرى بالرئاسات المختلفة (رئاسة مجلس النواب للطائفة الشيعية، ورئاسة الحكومة للطائفة السنية، ونائب رئيس مجلس النواب للروم الأرثوذكس)، فقد أرسى “الميثاق الوطني” الذي أُقرَّ عام 1943، من خلال اتفاق غير مكتوب، التوزيع الطائفي المعمول به حتى اليوم.
ويُنتخب رئيس الجمهورية بأكثرية الثلثين في دورة الانتخاب الأولى، وبالأكثرية المطلقة في الدورات اللاحقة. ومنذ الاستقلال حتى اليوم، تُبين الانتخابات السَّابقة أنّ الممارسة استقرت على اعتماد نصاب الثلثين في كلّ جلسات انتخاب رؤساء الجمهورية، منذ عام 1943، بما فيها التي جرت في أجواء الحرب عام 1976 لانتخاب خلفٍ للرئيس سليمان فرنجيه، وجلسة انتخاب بشير الجميل صيف 1982. فلقد طال انتظار اكتمال النصاب في المدرسة الحربية في الفياضية؛ لذلك، لم تنعقد الجلسة إلَّا بعد انقضاء ساعتين ونصف، وبعد ما اكتمل نصاب الثلثين.
إنّ اشتراط نصاب الثلثين في كلّ جلسات الانتخاب غير وارد في الدستور، بل هو اجتهاد من مكتب المجلس، تحوَّل إلى عُرف، ما يجعل من المستحيل إتمام عملية انتخاب الرئيس إلا بالتوافق مع الشريك المسلم (نصف البرلمان)، بقطع النظر عن الانقسامات والخلافات السياسية والحزبية بين المسيحيين. وفي وضع انقسام حادٍّ شِبه تناصفي، (كما هو الحال اليوم بين تحالفي 8 و14 آذار) يصبح غير ممكن تأمين نصاب الثلثين، لانعقاد الجلسة، أو حصول انتخابات حقيقية، وإحلال محلّها عملية توافق مسبق على شخص الرئيس، تفرضها معادلات دولية وإقليمية، كما حصل في معظم الانتخابات الرئاسية السَّابقة، أو عبر تغيير ميزان القوى؛ بمعنى الغلبة العسكرية، كما حصل في مناسبات عديدة سابقة أيضًا.
صلاحيات رئيس الجمهورية قبل الطائف وبعده
طرأت، بموجب اتفاق الطائف الذي جرى التوصل إليه عام 1989 لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت نحو 15 عامًا، تغييرات مهمّة على صلاحيات رئيس الجمهورية، فقبل الاتفاق، كانت السلطة الإجرائية، بموجب المادة 17، “تناط برئيس الجمهورية، وهو يتولاها بمعاونة الوزراء، وفقًا لأحكام الدستور”. وجرى تعديل هذه المادة في الطائف، لتصبح السلطة الإجرائية “منوطةً بمجلس الوزراء، وهو يتولاها وفقًا لأحكام هذا الدستور”. وبموجب المادة 18، كان “لرئيس الجمهورية ومجلس النواب حقّ اقتراح القوانين”. أمَّا في الطائف، فقد سُحب هذا الحقّ من رئيس الجمهورية، وأصبح “لمجلس النواب ومجلس الوزراء حقّ اقتراح القوانين، ولا ينشر قانون ما لم يقره مجلس النواب”. وبموجب المادة 33، كان لرئيس الجمهورية أن “يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية”، وبعد التعديلات أصبح “لرئيس الجمهورية، بالاتفاق مع رئيس الحكومة، أن يدعو إلى العقود الاستثنائية”.
وتنص المادة 49 من الدستور، المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، على أنّ ولاية الرئيس مدتها “ست سنوات، ولا تجوز إعادة انتخابه، إلا بعد ست سنوات لانتهاء ولايته، ولا يجوز انتخاب أحد لرئاسة الجمهورية، ما لم يكن حائزًا الشروط التي تؤهله للنيابة، وغير المانعة لأهلية الترشيح”. وفي التعديلات، أضيفت إلى هذه المادة، أيضًا، فقرة تؤكِّد أنه “لا يجوز انتخاب القضاة وموظفي الفئة الأولى، وما يعادلها في جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة، وسائر الأشخاص المعنويين في القانون العامّ، مدةَ قيامهم بوظيفتهم، وخلال السنتين اللتين تليان تاريخ استقالتهم، وانقطاعهم فعليًّا عن وظيفتهم، أو تاريخ إحالتهم على التقاعد”. ولكن، جرى خرق هذا الشرط في عهد الرئيس بشارة الخوري (1943 – 1952)، والرئيس إلياس الهراوي (1989 – 1998) والرئيس إميل لحود (1998-2007)؛ إذ مُدِّدت رئاساتهم إلى نصف فترة رئاسية، بعد تعديل الدستور في كلّ مرَّة.
وبموجب المادة 52 من الدستور، كان رئيس الجمهورية “يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية، وإبرامها، ويطلع المجلس عليها حينما تمكنه من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة”. أمَّا بعد الطائف، فقد بقيَ رئيس الجمهورية يتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها، لكن “بالاتفاق مع رئيس الحكومة، ولا تصبح مبرمةً، إلا بعد موافقة مجلس الوزراء. وتطلع الحكومة مجلس النواب عليها، حينما تمكنها من ذلك مصلحة البلاد وسلامة الدولة”.
وبعد أن كان “رئيس الجمهورية يعين الوزراء، ويسمي منهم رئيسًا، ويقيلهم، ويولي الموظفين مناصب الدولة، ما خلا التي يحدد القانون شكل التعيين لها، على وجه آخر”، جاء تعديل المادة 53 لتُسحب منه هذه الصلاحية، ويسمح له “بتسمية رئيس الحكومة المكلف، بالتشاور مع رئيس مجلس النواب، استنادًا إلى استشاراتٍ نيابيةٍ ملزمة، يطلعه رسميًّا على نتائجها”، كما أصبح على الرئيس أن “يصدر، بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء، مرسوم تشكيل الحكومة، ومراسيم قبول استقالة الوزراء، أو إقالتهم” (بعد موافقة ثلثي أعضاء الحكومة بموجب المادة 69)، ثمّ إنه صار في إمكانه أن “يدعو مجلس الوزراء استثنائيًّا، كلما رأى ذلك ضروريًّا، بالاتفاق مع رئيس الحكومة”. وتركت له هذه المادة أن يصدر منفردًا مرسوم تسمية رئيس مجلس الوزراء، ومراسيم قبول استقالة الحكومة، أو المراسيم التي تعدُّها مستقيلةً، وإحالة مشاريع القوانين التي تُرفع إليه من مجلس الوزراء على مجلس النواب، واعتماد السفراء، وقبول اعتمادهم، وترؤُّس الحفلات الرسمية، ومنْح الأوسمة، والعفو الخاص بمرسوم، وتوجيه رسائل إلى مجلس النواب، عندما تقتضي الضرورة ذلك، وعرْض أيّ أمرٍ من الأمور الطارئة على مجلس الوزراء من خارج جدول الأعمال.
وبموجب المادة 55 من الدستور، كان يحق لرئيس الجمهورية أن “يتخذ قرارًا، معللًا بموافقة مجلس الوزراء، بحلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة”. وجاءت تعديلات الطائف، لترتبط بالحالات المنصوص عليها في المادتين 65 و77 من الدستور، و”يعود لرئيس الجمهورية عندها الطلب إلى مجلس الوزراء، حلّ مجلس النواب قبل انتهاء عهد النيابة. فإذا قرر مجلس الوزراء، بناءً على ذلك، حلّ المجلس، يصدر رئيس الجمهورية مرسوم الحل”. وهذا يعني أنّ رئيس الجمهورية يبقى مرتهنًا بموافقة مجلس الوزراء على طلب حلّ مجلس النواب. وأعطت المادة 56، المتعلقة بنشر القوانين، الرئيس بعد تعديلات الطائف “حق الطلب إلى مجلس الوزراء إعادة النظر في أيّ قرار من القرارات التي يتخذها المجلس، خلال خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعه رئاسة الجمهورية. وإذا أصر مجلس الوزراء على القرار المتخذ، أو انقضت المهلة من دون إصدار المرسوم أو إعادته، يعتبر القرار أو المرسوم نافذًا حكمًا ووجب نشره”.
ونصت المادة 57 بعد الطائف على “حق رئيس الجمهورية طلب إعادة النظر في القانون مرةً واحدةً، ضمن المهلة المحددة لإصداره”، مضيفةً إلى ذلك شرطًا نصُّه “بعد اطلاع مجلس الوزراء […] وفي حال انقضاء المهلة دون إصدار القانون، أو إعادته، يعتبر نافذًا حكمًا ووجب نشره”. وقد أُضيف إلى المادة 58 تعديلات بوجوب إدراج كلّ مشروع قانون، ترى الحكومة أنه مستعجل “في جدول أعمال جلسة عامة لمجلس النواب، وتلاوته فيها، وفي حال مضي أربعين يومًا من دون أن يبت به”، يمكن حينئذٍ لرئيس الجمهورية أن يصدر مرسومًا، يقضي بتنفيذه، بعد موافقة مجلس الوزراء. وبما أنّ السلطة الإجرائية أُنيطت بمجلس الوزراء، فقد تحولت صلاحية دعوة مجلس النواب إلى عقد استثنائي للبتِّ نهائيًّا في شأن مشروع الموازنة، من رئيس الجمهورية منفردًا، بموجب المادة 86 من الدستور، تجاه اتفاقه مع رئيس الحكومة على توجيه هذه الدعوة، بموجب النص الجديد للمادة، وأُنيط كلّ ما كان للرئيس بمجلس الوزراء.
وتوضح مجمل هذه التعديلات التي جرت الإشارة إليها أنّ معظم الصلاحيات التي كان ينفرد بها رئيس الجمهورية قد أُنيطت بمجلس الوزراء، في إطار الصيغة التي بينت مدى التغيير الذي طرأ على ميزان القوى الاجتماعي والسياسي في لبنان، بسبب الحرب الأهلية. وعلى الرغم من ذلك، ظلّ منصب الرئيس مهمًّا، تدور حوله معارك سياسية كبرى في البلد العربي الصغير والمتنوع.
مغزى الخوف من الفراغ الرئاسي
تتمحور معظم المخاوف القائمة اليوم من احتمال تعذُّر إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، حول أمرين أساسيين، هما:
أولًا، المخاوف التاريخية التي عبّر عنها المسيحيون مرارًا (والموارنة خصوصًا) تجاه انتقال صلاحيات الرئيس إلى مجلس الوزراء، بحسب المادة 62 من الدستور، وهي تنصّ على أنه “في حال خلو سدة الرئاسة، تناط السلطة الإجرائية وكالةً بمجلس الوزراء”.
ولقد سبق أن حصل فراغ في سدة الرئاسة مرتين، قبل دستور الطائف، ومرةً بعده وبموجبه. وكانت السَّابقة الأولى مع الرئيس بشارة الخوري، عندما كلَّف قائد الجيش الماروني، اللواء فؤاد شهاب، ترؤُّس حكومة انتقالية (1952). واستعان الرئيس أمين الجميل بتلك السَّابقة ليلجأ إليها عشية انتهاء ولايته الرئاسية بساعات، في 22 سبتمبر/ أيلول 1988؛ إذ عمد إلى تعيين قائد الجيش الماروني، العماد ميشال عون، رئيسًا لحكومة موقَّتة، شكَّلها من الضباط السته الأعضاء في المجلس العسكري، منعًا للفراغ في مركز الرئاسة، بعد أن عجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية، في المهل المحدَّدة دستوريًّا.
ولكنّ هذه الحكومة لم تحظَ بقبول الفريق الآخر (أنصار سورية يومئذ)، وقد استقال الوزراء الضباط المسلمون من الحكومة العسكرية؛ فانقسم البلد بين حكومتين: واحدة في قصر الرئاسة ببعبدا، وأخرى في السرايا الحكومية في بيروت الغربية. واستمر الانقسام على الرغم من توقيع اتفاق الطائف (22 أكتوبر/ تشرين الأول 1989) ، وانتخاب رئيسين جديدين للجمهورية (رينيه معوض في 7 نوفمبر، وقد اغتيل في 22 نوفمبر، ثمّ إلياس الهراوي في 24 نوفمبر 1989)، حتى أنهت القوات السورية – في ظلّ غطاء أميركي – “تمرد لعماد عون” (في 13 أكتوبر/ تشرين أول 1991). أمّا تجربة الرئيس إميل لحود، فكانت في ظلّ الدستور الحالي، مع انتهاء ولايته، من دون انتخاب رئيس جديد، ومن دون اتخاذ أيِّ إجراءٍ؛ فانتقلت السلطة دستوريًّا إلى مجلس الوزراء، وتولَّى رئيس الحكومة السني صلاحيات الرئيس الماروني.
ثانيًا، الخوف من تغيير صيغة النظام السياسي الحالي الذي يقوم على المناصفة أوَّلا، وعلى إعطاء الموارنة والمسيحيين مناصبَ أساسيةً في البلاد، أهمها- بعد رئاسة الجمهورية- قيادة الجيش. فالمسيحيون، ولبنانيون كثيرون، يخشون أن يكون الرئيس الحالي، في تاريخ الجمهورية اللبنانية، آخر الرؤساء الموارنة. ثمّ إنّ المسيحيين، ولبنانيين كثيرين أيضًا، يخشون رسم موازين القوى الداخلية اللبنانية في السلطة، والعلاقة بين مختلف المكونات، على قاعدة التوازنات الجديدة، الناشئة عن صعود القوة الشيعية المدعومة من إيران وسورية، في مقابل القوة السنية المدعومة من السعودية وسائر الخليج العربي.
ويتخوف بعضهم من أن يكون كلام الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، بشأن ضرورة عقْد مؤتمر تأسيسي، مقدمةً لانتزاع ما تبقَّى من “حقوق” المسيحيين في لبنان، على قاعدة إعادة النظر في مبدأ المناصفة الذي جاء به الطائف، تمهيدًا لإحلال المثالثة بديلًا منه. وما يعزّز من وجاهة هذه المخاوف والهواجس أنّ الوضع الإقليمي والدولي الذي منع إنجاز الاستحقاق الرئاسي في 23 و30 أبريل/ نيسان ما يزال قائمًا ومحتدمًا، خصوصًا من جهة تداعيات الثورة السورية، وتورُّط حزب الله في القتال إلى جانب نظام بشار الأسد، وتفاقم مسألة اللاجئين السوريين، وارتدادات المعارك على الحدود اللبنانية – السورية من جهة، علاوةً على خوفٍ فعليٍّ، يتملك اللبنانيين الناجم عن حيرتهم تجاه تطورات الصراع السعودي – الإيراني، وتمظهراته، ومآلاته، وارتباط الموقف الأميركي والغربي، عمومًا، بالملف النووي الإيراني، وسعي إيران إلى تأمين نفوذها وسيطرتها في المنطقة، مقابل انفراط عقد النظام الإقليمي العربي من جهة أخرى.
يأتي ذلك في وقت يستعد فيه حزب الله الذي “تدخّل في الوقت الحرج لتغيير ميزان القوى على ساحات الصراع السوري، للمشاركة في الإشراف على عملية إعادة انتخاب الرئيس بشار الأسد في منتصف حزيران”. في ما تستمرّ إدارة أوباما في الانكفاء شرق أوسطيًّا، وتستمرّ روسيا في تقديم الدعم المطلق للسياسة السورية- الإيرانية في لبنان. وأمام هذا المشهد المحلي والإقليمي والدولي، من المرجَّح أن يقع لبنان في الفراغ السياسي الكامل، في انتظار التشاور الدولي أولًا (الأميركي – الروسي – الفرنسي)، والإقليمي ثانيًا (الإيراني – السعودي)، وذلك كله مرتبط بمجريات الثورة السورية.

 

بين دولتين: فاشلة ومؤجلة/ حسام عيتاني
تقدم حالة الانتظار التي يعيشها لبنان لوصول القوى المؤثرة الى توافق على اسم رئيس الجمهورية المقبل، صورة اضافية عن حقيقة الأزمة العميقة التي تعصف بهذا البلد.
السياسيون اللبنانيون أصحاب الأصوات المرتفعة في الحديث عن السيادة والاستقلال والقرار الوطني، اكثر من يدرك مدى تبعيتهم للجهات الخارجية. وهم أول من يعلم صعوبة الاتفاق في ظل موازين القوى الحالية على اسم الرئيس الذي سُيطلب منه الالتزام بجدول اعمال متناقض الى حدود الانفجار. والحال ان ما من مرشح قادر على الوصول الى قصر بعبدا، لا بالقوى الذاتية لفريقه المحلي ولا بالمساندة التي قد يقدمها فريق خارجي واحد.
الأيام التي كان فيها قائد القوات البريطانية في الشرق او ممثل اجهزة الأمن المصرية والسورية، يفرض فيها رئيساً في لبنان، ولت الى غير رجعة. بيد أن المأساة تكمن في ان البديل هو وقوع لبنان وبالتالي كل الاستحقاقات السياسية فيه وأولها انتخاباته الرئاسية على تقاطعات مصالح وتوزانات دول متصارعة، وليس حصول لبنان على استقلاله السياسي كما يرغب بعضهم في الترويج.
ومن دون مبالغة، يمكن الجزم ان كل «الاتصالات والمشاروات والحوارات» التي يجريها السياسيون اللبنانيون بين بعضهم، ليست أكثر من اطلاع على ما يتوافر من قواسم مشتركة بين القوى الدولية والعربية المختلفة. الأهمية الضئيلة للبنان كساحة صراع بالوكالة، ترجئ الانتقال في البحث الجدي من العناوين العامة التي تتمسك بها الولايات المتحدة والسعودية وإيران وسورية، الى التفاصيل الكامنة تحت العناوين وأسماء المرشحين القادرين على الالتزام بتنفيذها.
واقع الأمر ان القوى الدولية لا تبالي كثيراً بما يجري في لبنان ما دام انه لا يتجاوز حداً ادنى من التماسك الأمني. انتشار «الدول الفاشلة» في المنطقة من الصومال الى سورية مروراً بالعراق واليمن، بات حقيقة تتعامل معها المجموعة الدولية كأمر واقع لن تبذل جهداً لاستيعابه الا بما يبعد الأخطار عنها. ولبنان لامس في العامين الماضيين حالة «الدولة الفاشلة» واقترب اكثر من مرة من الانهيار الأمني الكامل، ما أنقذه من مصير «صومالي» هي قلة اهتمام القوى الخارجية بفتح ساحة قتال جديدة تضاف الى الساحات الموجودة بالفعل في العراق وسورية وغيرهما. بكلمات ثانية، «لا أهمية لبنان» هي ما نجاه هذه الدورة من جحيم العنف الأهلي.
عليه، تبدو كل محاولة للاستحواذ على السيطرة السياسية الكاملة عليه، من اي طرف كان، بمثابة الاستفزاز الصريح للأطراف الأخرى ويشكل خروجاً على الاتفاق الضمني بتجاهل هذه الساحة ولو الى حين. ما يرفع مستوى الخطر هو اقدام طرف محلي على اساءة الحساب والاعتقاد بقدرته على المناورة بين القوى الكبيرة التي تمسك حقاً بخناق الجميع. عندها سيكون الخطأ هذا بمثابة استدعاء لعملية رادعة من الطرف المؤهل لقمع الآخرين اكثر من غيره.
من هنا، يظهر من يبرّر اللجوء الى «المرشح التوافقي» الذي سيحول دون حصول صدام مسلح او تشرذم لما تبقى من مؤسسات الدولة. والجميع يعلم ان أولى صفات المرشح ذاك هي افتقاره التام الى الصفات. سيكون مجرد شخص يملأ مقعد الرئاسة ويدير الآثار الداخلية للزلزال الذي يهز المنطقة منذ ثلاثة اعوام ونيف. والأسماء المستعدة للجلوس على مقعد الرئيس لا تنفي هذه الحقيقة بل تؤكد انها مرشحة انعدام الفعل وغيابه.
عليه تكون خيارات اللبنانيين محصورة بين «الدولة الفاشلة» و «الدولة المؤجلة». المشكلة الكبيرة هي ان كل تأجيل في علاج ازمة النظام اللبناني علاجاً جذرياً، هو خطوة اضافية في اتجاه الفشل العميم.
الحياة

“حزب الله” ينسحب من سوريا!/ غسان حجار
أتمّ “حزب الله” مهمّته في حماية الحدود اللبنانية وتحرير القرى السورية المتاخمة للقرى البقاعية، حيث له جمهور واسع، من المسلحين الاصوليين، وتعاون مع الجيش اللبناني وسائر القوى الامنية في ضبط المعابر الشرعية وغير الشرعية، مما خفّف وتيرة، او ألغى التفجيرات المتنقلة التي أصابت جمهور الحزب تحديداً في أكثر من منطقة من لبنان.
أمّا حماية المقدّسات فلم تعد حجّة مقنعة لأحد للقتال في سوريا، إذ ثمّة مقدّسات أيضاً في فلسطين وقد وقعت تحت الاحتلال منذ زمن بعيد، ولم يحرّك أحد ساكناً. مبرّر القتال صار واهناً، خصوصاً مع بدء مجموعات من المسلحين الاصوليين والتكفيريين الانسحاب من مدن سورية تمهيداً لمغادرتها البلاد، إن أمكنها ذلك، ربما بتأثير القرار السعودي الذي حظّر على كل مواطن سعودي المشاركة في الحرب السورية، وهو قرار ينعكس بالطبع على كل رعايا الدول الخليجية. يضاف الى ذلك تراجع عدد كبير من الدول الغربية عن تسليح المعارضة السورية لأن وفق الناطق باسم الخارجية الاميركية، التمويل وتسليح المعارضة لا يساهمان في الحلّ.
هكذا يبدو أن الحلّ بدأ يسلك طريقه وإن بخطوات بطيئة تحتاج الى سنين معدودة ومؤتمرات ولقاءات، والأهم متغيّرات على أرض الواقع، وفي نظام الحكم، وآليات المشاركة الفاعلة، وما اليها.
وسيؤدي تقدم الجيش السوري النظامي على أكثر من جبهة الى تخفيف الاتكال، أو تقليص الاستعانة بالمقاتلين الاجانب الموالين للنظام، ومنهم مقاتلون شيعة من ايران والعراق وغيرهما، اضافة الى عناصر”حزب الله” اللبناني الذي دفع حتى الآن اثماناً باهظة في الداخل السوري، وبات على أهبة اعادة مقاتليه الى وطنهم.
صحيح أن قرار “حزب الله” لا يرتبط فقط بالداخل اللبناني، بل بالمصالح الاقليمية الاستراتيجية لايران وبمفاوضاتها الجارية مع الادارة الاميركية، وبحسابات أخرى معقدة، لكن الأكيد أيضاً ان للحزب هامشاً من الحرية، إن لم يكن في اتخاذ القرار في شكل منفرد، فعلى الأقل في توقيت اعلانه.
وإذا كان القرار بالانسحاب قد اتخذ، وفق مصادر سياسية وأمنية، او صار على قاب قوسين، واذا كان المطلوب من العماد ميشال عون ان ينتزع من الحزب تعهداً بالانسحاب والتوقف عن المشاركة في القتال السوري في مقابل دعم فرص وصوله الى قصر بعبدا رئيساً للجمهورية، فإن توقيت الاعلان عن القرار سيكون شأناً لبنانياً وسيكون مرهوناً بالافصاح عن الطلب اذا ما تقدمت حركة التواصل ما بين “التيار الوطني الحر” و”تيار المستقبل”. والاعلان عنه في ذاته سيكون ترجمة لتقدم حركة الاتصالات الخارجية، وسيشكل ورقة رابحة يفيد منها الخارج والداخل على السواء، فهو أولاً يريح الوضع اللبناني برمّته، ويخفّف الأثقال عن كاهل الحزب، ويسقط الحجج من داعمي المسلحين في سوريا ومموليهم، ويدفع بالاستحقاق الرئاسي قدماً.
النهار

 

من “شعب واحد في دولتين” سوريا ولبنان إلى “حدود واحدة مع دولة إيران”!/ اميل خوري
في الماضي قال الرئيس الراحل حافظ الأسد إن في لبنان وسوريا شعباً واحداً لكن في دولتين، وظلّ يعمل على أن يجعل الدولتين دولة واحدة في ظل وصاية سورية دامت 30 عاماً. لكن الشعب الواحد صار شعبين بل شعوباً، وبالأمس أطل الجنرال يحيى رحيم صفوي القائد السابق للحرس الثوري والمستشار العسكري الحالي للمرشد علي خامنئي على اللبنانيين بالقول: “إن نفوذ بلاده تمدَّد ليصل إلى البحر المتوسط وان حدودها تصل إلى جنوب لبنان”. وكان قد قال في مناسبة تحرير “خرمشهر” عام 1982 “إن خط دفاعنا الحدودي أصبح في جنوب لبنان وعند الحدود مع إسرائيل، وإن عمقنا الاستراتيجي قد تمدّد إلى شواطئ المتوسط وتحديداً إلى شمال اسرائيل”، وهذا يؤكد ان “حزب الله” هو فصيل مقاتل في جيش إيران وان الأرض التي يوجد فيها خاضعة للمدار الثوري الإيراني الذي يشمل العراق وسوريا وأجزاء في افغانستان واليمن وغيرها.
لذلك، فان الوصاية السورية على لبنان استمرت 30 عاماً ولم تخرج منه إلا بانتفاضة شعبية عرفت بـ”ثورة الأرز”، واستطاعت سوريا زمن الوصاية أن تحلّ محلّ الدولة اللبنانية وتجعلها شبه دولة، فهي التي كانت تضع قوانين الانتخاب على قياس المرشحين الموالين لها لتضمن فوز أكثرية نيابية تتألف منها حكومة تؤيد بقاء هذه الوصاية وتسمي رئيساً للجمهورية يعلن قبل تسميته أنه مع بقاء الجيش السوري في لبنان بدعوى أن استقرا الأمن لا يزال في حاجة إلى بقائه، وقد ابتدعت الحكومات المتعاقبة عبارة “ضروري وشرعي وموقت” تدرجها في كل بياناتها الوزارية لتبرير استمرار الوصاية…
وبعدما انتهت الوصاية السورية بدأ العمل لوصاية إيرانية غير مباشرة ولا تزال مقنّعة من خلال “حزب الله” الذي أثبت بقوّة سلاحه قدرته على التحكّم بنتائج الانتخابات النيابية وعدم الاعتراف بالأكثرية التي فازت بها قوى 14 آذار معتبراً إياها أكثرية نيابية وليست أكثرية شعبية كي لا تتشكّل حكومة منها فتستأثر باتخاذ القرارات المهمّة من دون الأخذ برأي الطرف الآخر، وإن كان أقلية نيابية، إلا أنه يملك أكثرية شعبية، وان يعطّل انتخاب رئيس للجمهورية غير مقبول من الحزب وحلفائه في 8 آذار. وإذا كانت الوصاية السورية قادرة على اجراء الانتخابات النيابية وفق القانون الذي يضمن فوز أكثرية موالية لها وقادرة أيضاً على تشكيل الحكومات التي تغطي الوجود العسكري السوري في لبنان وتسمية رئيس للجمهورية مؤيد لهذا الوجود، فإن الوصاية الإيرانية غير المباشرة على لبنان لم تستطع ذلك إنما استطاعت وضع اللبنانيين في كل استحقاق بين خيارين: إما الفراغ النيابي أو الحكومي أو الرئاسي، وإما القبول بما يقبل به “حزب الله” ومن معه. وهو ما يحصل حالياً في الانخابات الرئاسية، فلا ترشح أحد من قوى 8 آذار ليكون منافساً لمرشح قوى 14 آذار وهو الدكتور سمير جعجع، إنما ظل مصراً على ترشيح الفراغ علّه يتحوّل ورقة ضغط وابتزاز لقوى 14 آذار تجعلها تقبل لسدّ هذا الفراغ بأي رئيس ممكن من “حواضر البيت”.
وإذا استمر الفراغ فإنه يظلّ ورقة ضغط وابتزاز في يدّ “حزب الله” وحلفائه من خلال الحكومة الحالية عندما تنتقل إليها صلاحيات الرئاسة موقتاً، ولا شيء يدوم سوى الموقت، فإن الحزب يستطيع عندئذ التهديد بالانسحاب منها ساعة يشاء ليكون الفراغ الشامل والمخيف والذي لا خروج منه إلا بفرض القبول بعقد مؤتمر وطني تأسيسي يعيد النظر باتفاق الطائف توصلاً إلى وضع صيغة جديدة تؤمن بصورة أفضل استمرار العيش المشترك وصون الوحدة الوطنية والسلم الأهلي، كأن يصبح انتخاب رئيس الجمهورية مثلاً من الشعب وليس من النواب الذين يستطيعون تعطيل هذا الانتخاب لأسباب شتى كما هو حاصل اليوم، أو أن تصبح الرئاسات الثلاث أي رئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس ورئاسة الحكومة مداورة بين الطوائف الكبرى الثلاث. ولوحظ أن الدعوة إلى عقد هذا المؤتمر بدأت في المؤتمر الصحافي الذي عقده النائب طلال أرسلان وردّ فيه بصورة غير مباشرة على اعلان الرئيس ميشال سليمان تمسّكه باتفاق الطائف وبالمناصفة.
الواقع أن الفرق بين الوصاية السورية المباشرة على لبنان والوصاية الإيرانية غير المباشرة عليه حتى الآن من خلال “حزب الله” هو أن الوصاية السورية كانت تحكم لبنان بتطبيق “ديموقراطية” التعيين على رأس السلطات والمؤسسات، في حين أن الوصاية الإيرانية غير المباشرة التي لا تستطيع أن تفعل ذلك حتى الآن، فإنها تطبق “ديموقراطية” التعطيل والفراغ لحكم لبنان إلى أن تقبل 14 آذار بسدّه كما تريد إيران بواسطة حلفائها في لبنان…
النهار

 

عن زيارة الراعي بيت لحم/ حـازم الأميـن
من غير المرجح أن تستعر الحملة على البطريرك الماروني بشارة الراعي بسبب زيارته إسرائيل في حضرة بابا الفاتيكان، ذاك أن من نصّب نفسه ضميراً للأمة مستعد للتساهل مع الزيارة، خدمة لسيد آخر لطالما قدم له الخدمات.
فموقع البطريريك الراعي في الانقسام السياسي اللبناني والاقليمي هو مؤشر التخوين الرئيسي وليس زيارته بيت لحم. لنتذكر أن العضو السابق في الكنيست الاسرائيلي عزمي بشارة كان بطلاً قومياً وطريقه من تل أبيب الى بيروت والى دمشق كانت معبدة بالورود، فقط لأن النظام السوري كان راغباً في أن نعتبره بطلاً قومياً. وما إن ساءت العلاقة بينه وبين النظام السوري حتى كف عزمي بشارة عن كونه بطلاً قومياً، وصار مجرد “مفكر سابق”. لم تتغير علاقة عزمي “الصراعية” بالاسرائيليين، لا بل إن الرجل استقال من الكنيست وغادر إسرائيل، لكن ذلك لم يكن المعيار. فقط العلاقة مع النظام في دمشق هي وسيلة القياس، ولا شيء غيرها.
الكثير من الأمثلة يمكن أن تُساق لتأكيد هذا الافتراض. إيلي حبيقة مثلاً جرى “صفح” ممانعاتي عن كل ماضيه لمجرد أن سيد الممانعين في دمشق أراد ذلك، وصورة الجنرال ميشال عون مع جنرالات اسرائيليين والتي يمكن الحصول عليها ما إنْ تكتب اسم الجنرال على صفحة “غوغل”، هذه الصورة غير مُدرجة على لائحة الممانعين بصفتها “سقطة تطبيعية”. ناهيك عن أن ثبوت عمالة أقرب الرجال إلى عون، فايز كرم، لم يهز وجدانات الممانعين، فالمعركة في مكان آخر تماماً. المعركة هي على خط الإنقسام الطائفي والمذهبي، وليست على الخط الأخضر، هناك حيث تُشيد إسرائيل جدارها العنصري.
هذا المنطق هو ما يجعلنا نعتقد أن الراعي لن يكون هدف الممانعة المقبل، ذاك أن إدراج الرجل خصماً، والزج به في معركة هامشية سيؤدي بالممانعة وبمن لفّ لفها إلى خسارة موقع كانت هللت حين تغير شاغله فحل الراعي مكان الكاردينال صفير.
معركة زيارة الراعي اسرائيل تبقى هامشية أمام معارك الممانعة الجوهرية هذه الأيام. على الصعيد الداخلي هناك الصراع بين السنّة والشيعة وتسابق كلا الطرفين على الفوز بالمسيحيين، وعلى الصعيد الاقليمي هناك الحرب الدائرة في سورية، وادعاء النظام هناك بأنه يخوض معركة حماية الأقليات، وهو ادعاء لا يستقيم في حال جرد النظام في دمشق وحلفاؤه في بيروت حملة على رأس الكنيسة المارونية.
فلسطين على هامش هذه القضية، وهي على هامشها منذ وصل “البعث” الى دمشق فأدار الجندي ظهره من الجولان واتجه الى دمشق. وعلى هامشها أيضاً منذ حرب عام 2006 حيث أدار بعدها “حزب الله” ظهره واتجه الى بيروت ومنها إلى دمشق أيضاً. ولم يبق من فلسطين إلا لغة التخوين الخشبية تُشهر في وجه من يخرج من القطيع، ويُعفى منها من يؤدي فروض الطاعة للسلطة، حتى لو اتصل بإسرائيل وخابرها.
لن تُضحي الممانعة بالبطريرك الراعي لسبب سخيف. ما شُهر بوجهه حتى الآن يوحي بأن واجباً لا يمكن تفاديه يجب أن يقوم به راقصو مقاومة التطبيع، لكنه لن يكون سياقاً سياسياً. علينا أن نتذكر هنا أن الممانعة تألمت عندما تم الكشف عن علاقة فايز كرم بالإسرائيليين وجُرح شعورها، لكنّ ذلك لم يؤدِ الى أي خطوة سياسية عقابية. المسألة الأهم كانت أن يبقى الجنرال في موقعه من خط الانقسام المذهبي السنّي الشيعي.
موقع لبنان ناو

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى