صفحات الناس

طوفان الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.. أجندة الأزمات وتداعياتها/ أنور علي

 

 

السودان – «القدس العربي»: يبدو أن إحدى الثمرات المرة لما يسمى بالربيع العربي بالنسبة للاتحاد الأوروبي هو المعدل المتضاعف للمهاجرين غير الشرعيين، اذ توضح آخر إحصائية أوردتها وسائل الإعلام على لسان السلطات الإيطالية الأسبوع الماضي أن العدد في النصف الأول من عام 2014 يزيد قليلا عن مجموع ما رصد في 2011 كاملا حسب وكالات الأنباء. ويبدو أن جميع الجهات ذات الصلة بملف الحد من الهجرة غير الشرعية قد تعطلت بوصلتها عدا المهاجرين غير المبالين بأخطار الموت المحدق بهم خلال رحلتهم الطويلة لأوروبا. ويحدث كل هذا الزحف والاتحاد الأوروبي غارق في ملفاته الاقتصادية الداخلية كما أن شركاءه في مشروع وقف الهجرة غير الشرعية، كليبيا وتونس ومصر، هم الآخرون غارقون في أزماتهم الداخلية، فيما الجميع تلفهم الصدمة عقب كل كارثة غرق لمهاجرين. وسرعان ما تجرف عواصف الأحداث دول شمال المتوسط وجنوبه لتعود إلى ملفاتها المنفصلة في انتظار كارثة جديدة.

مناشدة رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي أوروبا مؤخرا، الداعية لزيادة المساعدة في التصدي لموجات المهاجرين عبر البحر المتوسط بعد وصول 66 ألف مهاجر إلى سواحل إيطاليا العام الجاري مما يحطم الرقم القياسي المسجل في عام 2011 والبالغ 63 ألف مهاجر حسبما نشرته وكالات الأنباء، تعد تطورا لافتا ليس بسب قائمة الضحايا المأسأوية على الأقل على امتداد العام المنصرم إنما عدد ضحايا (لامبدوزا) وحدها يعتبر فاجعة انسانية. ومع ذلك فان اللافت هنا هو ان الحكومة الإيطالية وإنْ لم تعلن لكنها تتحسب لطوفان كاسح في طريقه لعبور إيطاليا في الطريق إلى الدول الأوروبية الأخرى إذ أن مجمل مجريات الأحداث في شمال افريقيا والقرن الافريقي على وجه الخصوص وهي مصدر لجحافل الزاحفين بحرا برغم آلاف الجثث التي ابتلعها البحر إلا أن رحلات مغامرات الموث لاتتوقف ليل نهار .

وبالعودة للمناشدة الإيطالية لجيرانها الأوروبيين فهي تبدو مبررة وتحمل في مضامينها غير المعلنة تذكير دول الاتحاد الأوروبي بأنها إن لم تجد الدعم لوقف الزحف لذلك كل أوروبا ستدفع فاتورة التبعات بلا استثناء.

وكانت الحكومة الإيطالية قد اقترحت أن يدفع الاتحاد الأوروبي التكلفه الشهرية لدورياتها البحرية حسب ما نشرت وكالات الأنباء والتي تبلغ نحو عشرة ملايين يورو (6ر13 مليون دولار) غير أن المربك في الامر وما يضاعف تعقيداته هو وإن أغدق الأوربيون الدعم لخط دفاعهم الأول إيطاليا فان حلول الأزمة تقبع بعيدا عند الساحل الجنوبي للبحر المتوسط وما وخلفه.

ولنضع هنا كل الأوضاع على طأولة التحليل البسيط جدا، فثمة خمس دول تمثل مصدر القادمين عبر رحلات الموت سواء كانوا مواطنين في تلك الدول أو عابرين لها وهي ليبيا، مصر، سوريا، السودان، ثم اريتريا. ومن هنا تبدأ تعقيدات القضية.

السوريون… من البراميل المتفجرة

إلى القوارب المهددة بالغرق

ففي سوريا وعقب كل نشرة أخبار ودوي قنابل يزحف الهاربون من رائحة الموت ومشاهده صوب أي حدود دولية متاحة. وبعد تطورات ما بعد لافتات (داعش) في سوريا والعراق فإن مجموع الباحثين عن الأمان سيتضاعف. معسكرات اللاجئين السوريين في كل من الاردن ولبنان وتركيا تئن تحت وطأة معاناة الملايين وبالتالي لا مهرب أمان لهؤلاء سوى البحث عن طريق جديد بكل مخاطره سيما أن مصر التي كانت تستقبل آلاف السوريين قد قلبت لهم ظهر المجن عقب إزاحة الرئيس السابق محمد مرسي، وبالتالي يشق هؤلاء السوريون طريقهم عبر أمواج البحر الأبيض عبر السواحل الليبية أو غيرها غير مبالين بمخاطر الموت. فمن نجا من الموت عبر البراميل المتفجرة التي يلقيها عليهم النظام السوري، أو محاكم اللاعدالة للمجموعات المتطرفة من الجهة الثانية، أو مشقة عبور الحدود لمعسكرات اللجوء بكل مشاكلها من جهة ثالثة تراه يخشى خطر الموت على متن قارب. أما مهربو البشر فكأنهم يحاكون بقصور بالغ دور ملك الموت. إنهم يحملون المئات بعد قبضهم المال ثم يودعون جثامين الضحايا عباب البحر أو خفر السواحل الإيطالي ثم العودة في انتظار فوج جديد وموت جديد.

إذا ولكي تتوقف تلك الأفواج فيجب أن تهدأ الأوضاع في سورية ولو إلى حين … فمن يملك ذلك وكيف؟ الاتحاد الأوروبي نفسه يحدق في المشهد بلا فاعلية يشار إليها برغم استقباله عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين بينما الموت يحاصر الملايين. وفقط وللتدليل على ذلك فإنه، ووفقا لوكالات الأنباء، فإن البحرية الإيطالية أعلنت الأسبوع الماضي أنها أنقذت 834 مهاجرا غير شرعي قبالة سواحل جزيرة مالطا، وتم نقلهم إلى ميناء ريجيو كالابريا بجنوب إيطاليا ( من بينهم 482 سوريا).

الاريتريون… ثلث الضحايا

لا يذكرهم أحد إلا وهم موتى!

أما الآلاف القادمون من دولة اريتريا فيتبادلون، ولسنين مضت، مواقعهم مع من سبقوهم إلى معسكرات اللاجئين في شرق السودان، فثمة عشرات الآلاف ممن قهرهم نظام الحكم في اسمرا ولوا وجوههم شطر حدود السودان الشرقية حيث معسكرات (شقراب1 ، شقراب2، شقراب 3 ، وود شريفي ). لكن نظام الخرطوم، المتحالف في بعض الملفات مع النظام الاريتري وربما بتساهل من مفوضية الأمم المتحدة للاجئين في السودان، أعاد سجنهم بطريقة أخرى بإقامة تلك المعسكرات التي تشهد حوادث الاختطاف وموت الفاقة، وأحيانا ترحيل بعض طالبي اللجوء إلى بلادهم. كما ترفض السلطات السودانية مقترح التوطين المحلي وتمارس سياسات تضييق عديدة تفتح الممر اليومي للهروب في رحلة طويلة عبر الصحراد ثم البحر…. وهنا السؤال ايضا .. هل يملك الاتحاد الأوروبي أو إيطاليا مع علاقاتها التاريخية بمستعمرتها السابقة ( اريتريا ) أي كروت ضغط أو حل لتخفيف جموع الزاحفين؟ وهل يمتلك مجموع المكونات الأممية أي قناة تفضي إلى إصلاح ولو في سياسات الحكم في اسمرا ؟ وهي ذات اسمرا التي تعيش بمعزل عن المجتمع الدولي، أو يمضي المجتمع الدولي بعيدا عنها ولا يتذكر مأساة شعبها الا عند غرق مركب مهاجرين غير شرعيين في البحر المتوسط لأن ثلثهم في غالب الاحيان يكون من الاريتريين! وفقط وللتدليل ايضا نشير إلى أنه ووفقا لوكالات الأنباء كانت البحرية الإيطالية كانت أعلنت الاسبوع الماضي أنها أنقذت 834 مهاجرا غير شرعي قبالة سواحل جزيرة مالطا، وتم نقلهم إلى ميناء ريجيو كالأبريا بجنوب إيطاليا من بينهم ( 36 اريتريا ).

مصر والسودان واثيوبيا…

الأولويات المتضادة

وإذا صدقت الاخبار، التي حملتها وكالات الأنباء مؤخرا بخصوص فإن السودان سينظم مؤتمرا دوليا للحد من ظاهرة الاتجار بالبشر بمشاركة دول الجوار مصر واريتريا واثيوبيا وفقا لتصريحات منسوبة لوزير الدولة بوزارة الخارجية السودانية عبيد الله أحمد عبيد الله، فهي تفيد بأن المؤتمر سيعقد في أكتوبر/تشرين الأول القادم وأنه قد تم الاتفاق على أن يقام في مصر أو السودان وعلى ضرورة تطوير الآليات الكفيلة بالتصدي لهذه الظاهرة، وكذلك وضع الاتفاقيات اللازمة لهذا الأمر. الآن هناك تفاهم يجري بين الحكومة السودانية والحكومة المصرية.

وبانتهاء الخبر يطلق المراقبون الاسئلة الموضوعية جدا… كيف تبدو علاقات التقارب بين الدول الثلاث المشار اليها؟ كم هو شائك هذا الملف والآن تحديدا .. فمصر في عهد رئاسة المشير السيسي على خلاف مع إخوان السودان. ومن الجهة الأخرى مصر نفسها تلوح بتهديداتها لاثيوبيا على خلفية سد النهضة، واثيوبيا بدورها لم تغلق تماما باب أزماتها مع اريتريا التي استقلت عنها، وبالتالي فإن ملف ذاك التعاون المشار إليه في مكافحة تهريب البشر ليــس سوى استهلاك عابر.

ويرجح المهتمون بالملف أنه حتى لو عقد المؤتمر فهو لن يفضي إلى نتائج البتة لسبب رئيسي هو أن المجموعات القبلية الناشطة في تهريب البشر ولسنوات مضت وحتى الآن تتحرك في حدود الدول الأربع ذاتها، وتلك المجموعات وبالدلائل ظلت كما تهرب البشر تهرب الأسلحة. وكم من مرة أغارت الطائرات الحربية الاسرائيلية على قوافل قادمة من شرق السودان وما يجاوره في طريقها إلى سيناء مصر.

خلاصة الأمر، وفقا لتحليل أجندة تلك الدول، تقود إلى وجهة اخرى تماما فأولوية مصر الآن مسح الاخوان المسلمين ووجودهم من وفي ذاكرة الدولة المصرية مع العمل على ضمان حصتها التاريخية من مياه النيل، بينما يبحث السودان في أولوياته عن قروض لدعم اقتصاده المنهار. أما اثيوبيا فسد نهضتها هو الأولوية المطلقة، وفي اريتريا معضلة اخرى، إذ ليس ثمة من يمكن أن يكون جادا وقادرا على العمل للحد من جريمة تهريب البشر من محطة القادمين من شرق افريقيا عبر- ومن – السودان إلى مصر.

ويكفي وللمرة الثالثة الإشارة إلى أنه، ووفقا لتصريحات البحرية الإيطالية الأسبوع الماضي فإن هذه البحرية أنقذت 834 مهاجرا غير شرعي قبالة سواحل جزيرة مالطا، وتم نقلهم إلى ميناء ريجيو كالابريا بجنوب إيطاليا، وأن من بين المهاجرين ( 177 مصريا و108 فلسطينيين و31 سودانيا ).

ليبيا… ترفض دور شرطي

حراسة سواحل أوروبا

تشير الإحصائيات المنشورة على لسان رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رنزي، في مؤتمره الصحافي الذي عقده مؤخرا مع رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو إلى أن، وعلى ذمة وسائل الاعلام، «عدد النساء والرجال والأطفال الذين يصلون إلى سواحلنا بلغ مستوى قياسيًّا، وهم يأتون في 96٪ من الحالات من ليبيا»، ولا يخفى على أحد أن المسيطر الأول على الأوضاع في ليبيا الآن هو حالة الفوضى الماثلة والسواحل المتنازع على تبعيتها وإدارتها بين مجموع الفصائل المتناحرة من جهة والحكومة الليبية من الجهة الاخرى. وفي ظل مناخ اللااستقرار تولد مجموعات المستثمرين ليجنوا أرباحا طائلة في تجارة لا يخسرون فيها سوى موت آلاف الضحايا من الهاربين من الموت إلى الموت وهم حالمون.

وبما أن رئيس الحكومة الإيطالية أوضح أن هدفهم الأول في السيناريو الحالي هو مساعدة السلطات الليبية على السماح للمفوضية العليا للاجئين بالتواجد في المكان لإدارة تدفق الرجال والنساء ومعرفة من هو طالب اللجوء ومن هو عكس ذلك». وأكد على وجوب «تطبيق نتيجة الانتخابات» كي تتمكن ليبيا من «أن تطلب رسميًّا مساعدة المفوضية العليا للاجئين» التابعة للأمم المتحدة. ولكن السؤال الأهم هنا هل ما تراه إيطاليا أو كل دول الاتحاد الأوروبي سيجد الأهمية ذاتها لدى ليبيا والليبيين في الظروف الراهنة؟ والإجابة المباشرة هو تصريحات لمسؤولين ليبيين هو أنهم ملتزمون بما اتفقوا عليه سابقا مع الدول الأوروبية بهذا الشأن ولكن لابد من توفير كل أوجه الدعم لليبيا وتونس ومصر للحد من الهجرة، وأن ليبيا لن تكون شرطي الحراسة للسواحل الأوروبية.

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى