صفحات المستقبل

ما رأيته في التشييع اليوم في الميدان


رأيت في التشييع

اتصلت بي وسألتني عن مكاني, أخبرتها أني وصلت إلى الميدان, وطلبت منها القدوم إلى جانب جريدة تشرين, وما إن وصلت السيارة حتى انطلقنا إلى المكان المحدد, كان الوقت مبكراً بعض الشيء لكننا كنا نتوق لرؤية المظاهرة, وما إن وصلنا حتى رأيت أكثر من أربعة آلاف شخص متجمهرين عند ثانوية زين العابدين التونسي, وما إن اقتربنا حتى بدأت الهتافات بالاشتعال, كان الهتاف الأول الذي سمعته (أبو حافظ .. يلعن روحك) اقتربت من مكان التجمع أكثر محاولاً عدم الابتعاد عن صديقتي وصديقاتها, حتى بتنا داخل الجموع, واشتعلت الهتافات, في الحقيقة كنت مستغرباً لغياب الأمن والشبيحة عن المظاهرة ولفت انتباهي علم الاستقلال الذي يلوّح فوق رؤوس الجميع, كانت هذه أول مرة أراه عن قرب, بصراحة كنت أحب العلم القديم أكثر, لكنني اليوم كنت أراه يذكرني بعلم فلسطين الحبيبة خاصة ولو بدلت نجومه الثلاث بمثلث أحمر.. لأول مرة أعيش حالة من الحب لعلم !

لا صوت يعلو على صوت الشباب, كانت حناجرهم تزف لنا عرساً من الأمل الذي غاب عنا طويلاً, لم أكن أصدق ما أرى إنه الميدان بحق, كانت دقات قلبي تنتفض وجسدي يرتجف وعيوني تراقب كل من يتحرك على مدى نظري, صديقاتي أمامي, وعيوني على المدى أبحث عن قناصة أو بندقية لكنني لم أجد ذلك ..

فجأة ظهر على يميني البعيد شاب يرتدي مريولاً أبيضاً يركض نحونا, نعم عرفته إنه يعمل في أحد محلات الحلويات, يركض مسرعاً ويخلع في ذات الوقت مريوله متحرراً من كل ما يعيق حركته, استغربت سرعته بالركض لكنني ما لبثت أن اطمأنيت عندما رأيته لا يحمل أي نوع من أنواع الأسلحة إنما هو يركض ليشاركنا الكرنفال

أهتف مع الجميع وأراقب, شاب يقف على عامود الكهرباء ويقود المظاهرة, ثم يتبدل الشاب وهكذا, من أجمل الهتافات التي سمعتها (عبد الباسط .. الله يحميك) , ( واحد واحد واحد الشعب السوري واحد) وغيرها الكثير فلم أعد أذكر من كثرتها, إلا أن صوت الحناجر كان يهز البيوت العربية القديمة, صوت البنات كان واضحاً تماماً , العدد مناصفة ولكن البنات كنّ يهتفن بكل ما أوتين من قوة, حتى الصفقات كان صوتها أقوى من صوت الرصاص الذي يطلقه الأمن عادةً, وفجأة طُلب من الجميع الجلوس, وبدأ قائد المظاهرة يهمس:(الشعب يريد إسقاط النظام, الشعب يريد إعدام الرئيس) وقبل أن ينتفض الجميع قافزين للأعلى كانت اللافتات قد وزّعت على الجميع, عبارات جميلة (لا لقتل أطفالنا, حي على الإضراب, الشعب السوري واحد…)

انتفض الجميع للأعلى هاتفين بصوت واحد (الشعب يريد إعدام الرئيس) مازلت غير مصدق أن هذا حصل في قلب العاصمة دمشق, كانت معظم الفتيات قد غطّين وجوههنّ لأن الكاميرات كانت مقابل وجوههم تماماً, لكن العيون كانت تبرق بالحب وتعصف بالأمل, الجميع ينظر للجميع بحب, كنا نشعر بالأمان مع بعضنا, لأول مرة أمارس حقي الطبيعي في دبكة المظاهرة التي كنت أراها على قناة الجزيرة, الأيدي على الأكتاف والجميع يتمايل ويرقص رقصة النصر التي لطالما حلمنا بها, كانت المناشير تتساقط مثل زخات المطر المنهمر على العطاش وأشهد أن التنظيم كان جيداً إلى حد كبير.

العدد يتزايد, رأيت أصدقائي الذين لم أرهم من وقت خروجنا من المعتقل, الكل كان متيقظاً, حذراً والكثيرون يصوّرون, تخطى العدد الستة آلاف بتقديري, ثم انطلقت المظاهرة باتجاه المقبرة, هكذا اضطررنا لنخرج من حارة فرعية لتأمين الصبايا إلى كورنيش الميدان, ثم انطلقنا بالسيارة إلى (تحت الجسر) كانت سيارات الأمن والشبيحة تتحضر للغزو, وتتهيأ للهجوم على المقبرة علمت بعدها أن الأمن والشبيحة قد أطلقوا الرصاص على المتظاهرين وهناك أنباء عن شهيد وعدد من الجرحى, وكان الخبر السيئ ونحن في السيارة حيث علمنا أنه تم اعتقال السيد عبد الكريم علي والد الفنانتين (ريم علي ولويز عبد الكريم) على حاجز في قطنا, أبو أوس يبلغ من العمر أربعة وستين عاماً, الحرية له ولجميع المعتقلين, لم يوقف هذا الخبر السيئ فرحتي بما رأيته اليوم في الميدان, فها أنا أنول الشرف مرة أخرى وأتظاهر في الميدان, بالفعل, طعم آخر للتظاهر تتذوقه مع أول هتاف يخرج من شفتيك, شكراً يا أصدقائي الأحرار على هذا الشعور الرائع .

رامي العاشق

19-12-2011

موقع جدار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى