أبعد من الدستور: سوريا الى اين؟
رفيق خوري
ليس من المألوف اجراء استفتاء شعبي في صراع دموي على النظام ومعه ضمن صراع اقليمي ودولي على موقع سوريا وما هو ابعد منه. فالمشهد نافق بأعلى من صوت الرصاص: ناس تضع الاوراق في الصناديق. وناس تحمل الضحايا الى المدافن وتبحث عن مستشفى للجرحى وتسأل عن المعتقلين في السجون والنازحين الى تركيا ولبنان والاردن. والكل يعرف الواقع وما وراءه: لا الدستور ينهي العنف او يحل الازمة. ولا لعبة الامم تتوقف امام القراءة في مواد الدستور.
والسؤال ليس فقط ماذا بعد الاستفتاء بل ايضا كيف وبماذا تنتهي اللعبة. ففي منطق النظام وحلفائه ان رمزية الاستفتاء، في المشهد الحضاري اهم من الدستور لجهة التأييد ونسبته وتوظيفه في الصراع. وفي منطق المعارضين وحلفائهم ان المسألة ابعد مما سموه مسخرة الاستفتاء والدستور.
ذلك ان تأييد الدستور هو، في جانب منه، رهان على معلوم خوفاً من مجهول. والاعتراض عليه يبدأ بالشكل ولا ينتهي بالمضمون. فالدستور، في الشكل، جاء من طرف واحد. لم يخرج من جمعية تأسيسية جرى انتخابها في ظل حكومة وحدة وطنية، حسب العرف في كل البلدان. ولا اعطي المواطنون فرصة لقراءته ومناقشته. ولا كانت هناك هيئة مستقلة للاشراف على الاستفتاء تحت انظار مراقبين حتى من روسيا والصين. ولا حتى وقف للنار، اقله يوم الاستفتاء.
اما في المحتوى، فان البعض اعترض على المادة الثالثة التي حددت دين رئيس الدولة، والبعض الآخر على تجاهل المكونات غير العربية في المجتمع. لكن الموضوع الاهم في الاعتراض كان تركيز السلطات في يد رئيس الجمهورية ضمن نظام رئاسي شديد.
حتى ما جرى حذفه من المادة الثامنة، فانه بدا نوعا من تسجيل واقع كشفته الاحداث. البعث لم يكن عملياً او لم يستطع ان يلعب دور القائد، لا في الدولة ولا في المجتمع.
والمفارقة ان البعث كان من اقوى الاحزاب في سوريا قبل حله عند قيام الوحدة مع مصر، وانا دوره في السنوات الاولى من ثورة ٨ اذار ١٩٦٣ كان اكبر من دوره، بعدما نص دستور ١٩٧٣ على انه القائد في الدولة والمجتمع.
والمسألة، قبل الدستور وبعده، انه ليس هناك سوى حل جيد وحيد هو التسوية من اجل الانتقال الديمقراطي للسلطة. والبقية اندفاع في صراعات لا احد يعرف الى اين تقود، وسط مخاطر الحرب الاهلية وتقدم لعبة الامم على الحل الوطني.
الأنوار