صفحات المستقبل

فادي زيدان الصحافي الذي وجد جثّة أبيه على “يوتيوب”


ريّان ماجد

“شاهدت فيديو المجزرة صباح ذاك اليوم، لم يخطر في بالي أن والدي كان من بين 20 شخصاً أُعدموا في حيّ جوبر(دمشق) في 19 من الشهر الجاري. اتّصلت والدتي بي من الشام عند الخامسة عصراً، وبعدما عَرفت أنني مع أصدقائي ولست وحدي، أخبرتني بما حصل. أعدتُ مشاهدة الفيديو أكثر من 10 مرّات لأصدّق أن هذا أبي. لم أكن أريد التصديق. الكادر ثابت. عشرون جثّة. حاولت تشغيل الفيديو ببطء لأمرّ بين الجثث وأراه، وأتفقّد ما إذا كان يوجد شهداء آخرون أعرفهم. ما يثير الجنون في الموضوع، أنني صرت أمرّ على الجثث وأفرح عندما أرى أنها لا تخصّني،  أقول: الحمدالله لا أعرف الشخص. لا يمكن تفسير هذه المشاعر. في هذا النهار، سقط 188 شهيداً في سوريا، شخص عزيز وحبيب أصبح رقماً من بين هذه الأرقام”.

لم يكن يشعر الصحافي فادي زيدان بأزمة تحويل الأشخاص إلى أرقام، هو الذي عمل على توثيق أعداد الشهداء، إلى أن أضاف “رقم” والده، محيي الدين زيدان، على القائمة. تُهمة الشهيد محيي الدين الذي خُطف قبل يومين من المجزرة على حاجز طيّار للجيش النظامي السوري في منطقة التجارة في الشام، وتعرّض للتعذيب قبل إعدامه بطلقة في عينه، أنه والد فادي زيدان الذي يعمل منذ بداية الثورة السورية على تغطية قصص الناس هناك. “لست مسلحاً كي ينتقموا منّي، أنا مصوّر صحفي”.

عمل فادي مع وكالة “أسوشيتد برس” ويعمل الآن مع “رويترز”، وهو معروف بنشاطه مع الصحافيين العرب والأجانب في مناطق الداخل. جال بكاميرته بين ريف دمشق وحمص وريف إدلب وريف حلب، وحاول إظهار الجوانب الإنسانية وتفاصيل النضال اليومي للشعب السوري. “العرض المتواصل في المحطّات الإعلامية هو عن الحرب. أما التظاهرات وانتخابات التنسيقيات ورسوم الغرافيتي والنشاطات العديدة التي لا تزال مستمرّة في سوريا، فهي لا تدخل ضمن اهتمامات المحطّات الإخبارية الكبرى”. روى فادي من بين ما رواه في تحقيقاته، قصّة صبيّة “علوية”، هربت من بيت أهلها لتعمل ممرّضة في مشفى ميداني في حي “الخالدية” في حمص. وقصّة أخرى عن “العمّ ويليام” الذي أصر على شرب قهوته الصباحية يومياً على “بلكون” بيته المدمّر في بستان الميدان في حمص أيضاً.

خسر فادي أباه، لأنه صوّر المدن السورية المنكوبة والتقط قصصاً لأناس يمارسون العمل المدني و”يعتزّون به”. لم يتمكّن من وداعه ودفنه.

شاهد من بيروت صور والده عبر “يوتيوب”، وآثار التعذيب واضحة على جسده.

“مقرّر ما إحزن لبعد ما يسقط النظام”، يقول فادي الذي استشهد الكثير من رفاقه منذ بداية الثورة السورية. فالموت في سوريا أصبح حدثاً يومياً عادياً. “عندما أكون في ضيعة وأريد الذهاب الى ضيعة أخرى ليوم واحد وأعود، أودّع الناس، لا أعرف إن كنت سأجدهم عند عودتي، أو إن كنت سأعود أصلاً”.

اعتقلته الأجهزة الأمنية ثلاث مرات منذ بداية الثورة، ترك بعدها سوريا في شهر تشرين الأول من العام الماضي، وأصبح يدخل إليها “تهريباً” لتغطية الأحداث. وفي كل مرة، كان يعود ليجد أن الموت قد أخذ العديد ممن أمضى معهم أياماً وليالي. ” عملنا سوّياً أنا والسينمائي باسل شحادة في حمص. وكنت معه حين استشهد نتيجة القصف العشوائي. عملت فيما بعد مع أناس لم أجدهم عند عودتي، وآخرين فقدوا أولادهم وأحباء لهم. نِمت في بيوت قُصفَت ورحل سكّانها…”.

لفادي طفلان، لم يرهما منذ ستة شهور، يتواصل معهما عبر “سكايب”. وابنته، كما العديد من الأطفال في سوريا، لم تذهب الى مدرستها مع مطلع هذا العام الجديد.

تسكن والدته في الشام، وترفض المغادرة. “الناس في سوريا باقون، سيُكملون الطريق، ويريدون أن يعيشوا ليشهدوا اليوم الذي سيسقط فيه النظام، ويروه قريباً”.

فالمعنويات عالية رغم كل ما يحدث. يذكر فادي أنه عندما كان في “سراقب” في إدلب، ماتت عائلة بأكملها نتيجة القصف. بعدها بيوم، خرجت تظاهرة ليلية، رقص فيها المتظاهرون وغنّوا للحرّية. جوّ “الفرح” يشمل المقاتلين أيضاً. يروي أنه أمضى 15 يوماً برفقة مخرجة دنماركية في ريف إدلب، وصوّرا معركة دامت ست ساعات، “حاول خلالها الجيش الحرّ منع رتل عسكري من المرور والوصول الى حلب. في آخر المعركة، أحضر أحد المقاتلين بطّيخة، وأخذ يوزّعها على الموجودين. يترك المقاتل بندقيته، يأكل البطّيخ ويعود”.

فادي سيعود أيضاً، ليتابع سرد حكايا الناس هناك وليكمل مع من بقي الطريق الى الحريّة. عندها، يمكنه أن يحزن ويبكي أباه وكل من قضى “دفاعاً عن الحرّية والحياة”.

لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى