أدونيس.. مستسهِلاً ومختزِلاً/ د. طيب تيزيني
ظهر الشاعر المعروف أدونيس على إحدى القنوات التلفزيونية العربية (لبنانية) قبل أسبوعين ونيّف، وتحدث عن عدة أمور منها خصوصاً المسألة السورية، وكان مما لفت النظر في إجابة له حول المسألة المذكورة، أنه قال ما معناه التالي: إن ما يحدث الآن في سوريا إنْ هو إلا صراع بين فريقين اثنين كلاهما إسلامي، مُلخّصاً بذلك، كما يرى، صراعاً يدور بين مجموعتين منذ أربع سنوات، وبكل الدمار والتشريد اللذين لحقا بسوريا على نحو غير مسبوق.
إن الإجابة التي قدمها أدونيس تعاني من قصورين اثنين، تقرير الحقائق عبر أجهزة الاتصالات السمعية والإعلام الغربي، وهو الذي يعيش في الغرب منذ عقود بعيداً عن الوطن السوري، مثله في ذلك مثل العديدين من المعارضين السوريين في الخارج أولاً، ووقوعه في فخ الأيديولوجيا الإسلامية، كما ينظر إليها فريق كبير من الغرب بمثابتها اللاعب الأيديولوجي والسياسي الرئيسي.
وبتعبير آخر، ينحو أدونيس نحو الرؤى الغربية الجديدة القائمة على اعتبار أن التاريخ قد انتهى إلى ما بشّر به فوكوياما من أن قاطرة الغرب الجديدة العولمية قد اختزلت التاريخ الحضاري الأخير بكونه تاريخ الغرب الوحيد، أي بكونه القوة الراهنة العظيمة الواحدة، التي على الآخرين أن يلحقوا بها في إطار «السوق المطلقة»، التي أصبحت سيدة الأشياء والقوى والعوالم العالمية. أما ما قد يظهر معادياً لذلك، فيبرز الإسلام والأيديولوجيا الإسلامية والتيارات الإعلامية بمثابته أحد العاملين الخطيرين المعاديين للغرب، في حين أن العامل الثاني يتمثل في الحضارة الصينية.
من هنا وبحسب ذلك، تسقط العوامل الأخرى الفاعلة في المجتمع والتاريخ، مثل الصراع الاجتماعي والسياسي والفكري والحضاري، ليبقى العامل الإسلامي فقط بمنتجاته المختلفة، ولكن بصيغته الإرهابية. ها هنا نتلمس المنحى الذي سلكه أدونيس ونظراؤه من المثقفين ودعاة العودة إلى اختزال عوالم تأزم العالم الراهن المضطرب والمتجه نحو الدمار ومزيد منه، وليس مستحيلاً -هكذا يُستنبط- أن نضع يدنا على حضور هذا الموقف الاختزالي فيما يجري على الساحة الدولية، مجرداً من العوامل الأخرى.
ووفق ذلك وانطلاقاً منه، يصبح القول وارداً ومسوِّغاً بأن عوامل التاريخ الأخرى الكلاسيكية أخرجت أو خرجت من حيّز الفعل، مثل الصراعات المجتمعية (الطبقية والفئوية والجيلية والاقتصادية والسياسية وغيرها). وإذا ما انطلقنا من ذلك، تبين لنا أن القول بصراعات حول السلطة والثروة وحول مسائل التنمية والتقدم ضمن أطر مجتمعية مثل المجتمع المدني والحرية والديوقراطية، أصبحت كلها غير ذات أهمية. إن في ذلك شطْباً لحيثيات وتَبِعات الاستبداد والفساد والإفساد والإفقار، التي كانت قد بلغت درجات قصوى في سوريا، ناهيك عن هيمنة الشمولية ورفض التعددية على الأرض بصورة قاطعة ومُجسِّداً ذلك خصوصاً بالقانون رقم 63، وهو قانون الأحكام العرفية.
إن الصراعات التي بدأت تظهر بوضوح منذ أربع سنوات ها هنا كانت صراعات من أجل التحديث والمساءلة والتعددية السياسية والمجتمع المدني الديمقراطي. وفي إطار ذلك كانت المناكفات والصراعات الإسلاموية مع غيرها قد ظهرت أصلاً.
الاتحاد