خولة دنياصفحات سورية

النساء والثورة… ثورة مضاعفة


خولة دنيا

عندما يبدأ الطاخ والطيخ.. تبتعد النساء إلى الخلف…

الخلف لا يعني اللا مكان، قد يعني المكان تماماً ولكنه المكان المخفي، المكان الأكثر أمناً، الأكثر حمايةً، والأكثر عملاً في أحيان كثيرة..

هي المرأة السورية الرائعة.

عندما نزلنا لأول مرة في المظاهرات كانت تجمعات النساء قليلة، نراهن متجمعات على ذواتهن، وفي أماكن كثيرة يتم التعامل معهن بحماية مطلقة، دائرة من الأيدي المتقاطعة والمتشابكة لشباب غيورين، وبين أيديهم تتجمع النساء، عشرات أو آحاد، يهتفن ويصرخن، ويعبرن عن رفضهن. من غير المسموح لهن الخروج من دائرة الأيدي المتشابكة إلا بعد مشاحنات….

دائماً الحجة في ذلك تتعلق بالحماية، ولكن الحماية مما؟

في البداية، كانت النساء يشاركن من بيوتهن، من الشرفات، من نواصي الشوارع، يتفرجن على الشباب وهم يعبرون عن رفضهم، ولكن لا صوت للنساء..بعدها رويداً رويداً بدأت المظاهرات تتلون بالوجوه النسائية، حتى في أكثر المناطق تشدداً، ولكن دائماً كنّ خاضعات للحماية التشابكية الأيدي.

هي المرأة السورية من جديد، وكما قلت الخلف لا يعني اللامكان فقد يكون المكان عينه.

دائماً ما دفعت النساء أثماناً متراوحة للرفض، فهنَّ من يتلقين الإهانات حتى بغيابهن، حيث ينصبّ عليهن السباب والشتائم إن بشكل مباشر وجهاً لوجه، أو بشكل غير مباشر عن طريق كيل الشتائم للشباب..

تتم إهانة الرجال من خلال إهانة نسائهم، وكأن المرأة يجب أن تدفع الثمن.. وكأننا نعود لعصور العبودية والسبي.. حيث كان يتم قتل الرجال وسبي النساء للمتعة والعمل.. وحيث كانت ملكية الرجل تزداد أبهة بعدد ما يملكه من النساء.

هي المرأة وكثيراً ما كانت جسد بدون روح.. هكذا بنظر المقموع، كما بنظر القامع… هي المرأة التي يتم شتمها وضربها واغتصابها كي يثبت القامع سطوته على المقموع، كما انتصاره عليه… وكأنه لا يكفي مئات السنين من التبعية والتغييب.

ولكن هل كانت المرأة مختلفة في ثورتنا؟

صراع المرأة منذ بداية الثورة كان واضح المعالم، فهي تريد التغيير، وتريد الكرامة وتريد الحرية. ولكن التعامل معها بقي كما هو، هي عنصر أضعف يجب أن يغيب عن الصورة العامة لصراع الرجال بين بعضهم البعض…. مالم يكن إدخالها من باب كسر العظم وإثبات الغلبة لطرف على آخر..

في أحيان كثيرة تم النظر إليهن كلون مختلف للثورة يجب أن يظهر بين حينٍ وآخر، كما الأطفال.. لكن كثيرات من النساء رفضن أن يكن في خلفية المشهد، فكانت لهن تظاهراتهن، ومشاركاتهن… يشهد عليهن نسبة الشهيدات الكبيرة، كما المظاهرات النسائية العديدة، كما أصواتهن الصادحة في الساحات… الثورة بالنسبة لهن، كانت ثورة لإثبات الذات، والفاعلية والمشاركة بكل الأشكال..

قدمن المساعدات كذلك وكنَّ حجر أساسٍ في السلمية التي يتقننها، على الأرض كما على النت…

لديهن شبكات التواصل الخاصة بهن، كما شبكات التواصل بمشاركة الآخرين.. لديهن جلسات نقاشهن، وفاعليتهن، وصوتهن الذي لا يمكن إنكاره…

لم يتلقين الرصاص كما الرجال، ولكنهن قدمن حصتهن من الدماء كما الرجال، كنَّ أمهات ثكالى، وأرامل متحملات، وبنات صابرات لشهداء يتساقطون في كل لحظة..

ومن جهته النظام لم يوفرهن أبداً، وإن تعامل معهن كنساء بكل ما تعنيه الكلمة.. فتم اغتصابهن في بعض المناطق، كما تم اختطافهن والمساومة عليهن، وكذلك تهديد الرجال بهن..

تعامل معهن النظام، كمعارضة درجة ثانية فهل تعاملت معهن المعارضة بالمنطق ذاته؟

للأسف نعم، سنلاحظ هذا في نسب المشاركة في التجمعات التي أسستها المعارضة، كانت نسبة النساء المشاركات محددة سلفاً، وبشكل لا يقبل النقاش في أحيان كثيرة، هي نسبة مشاركة للمرأة كمرأة وليس كمعارضة لها رأيها ووزنها ومشاركتها..

هي المرأة تدفع الثمن مرات ومرات..

ولكن هل ستكون هذه الثورة فعلاً ثورة على التمييز ضد المرأة؟

هو ما ستثبته النساء، الآن في الثورة، وفي المستقبل خلال بناء الدولة..

ثمن كبير تدفعه نساءنا، وثمن أكبر سيدفعنه تالياً، هن مستعدات لذلك، ومضحيات من أجل ذلك، يستطعن أن يغطين كل الحجج التي يقدمها الرجال.. وفي مناطق غابت عنها وجوه النساء لعقود، تعود اليوم بوضوح للمشاركة، لا يهم إن كان وجهها مغطى، أو محجب أو سافر.. لا يهم فاللحظة تفرض نفسها عليها وعلى محيطها…

تقوم بأدوارٍ تبتدعها، وتؤسس لثقافة من نوع مختلف، هي المرأة التي تهتم ببناء ذاتها وفهم ما يحصل، والتي تدخل إلى شجون البلد، وثقافة المختلف، التي تريد أن تفهم ما حصلَ خلال أربعين عاماً، كي تستطيع ولوج المستقبل من باب المعرفة..

تقوم بأدوارها المتعددة، ويجب أن لا تقبل بدور الدرجة الثانية أبداً.

واليوم، عندما بدأ يعلو صوت الرصاص، المرأة ستكون صوت العقل، كما ستكون كما المسيح تفتدي أبناءها بلحمها ورفضها وسلميتها…

وعندما تزداد صرخات الثأر، ستكون هي صوت الحكمة… هكذا كانت أبداً وهكذا ستكون اليوم..

هناك ما تغير، وماسوف لن يعود بنا للوراء، النساء جزء من هذا التغيير، كما الشباب الذين عرفوا اليوم طعم الحرية لا يمكن ان يعودوا لزمن الصمت والعبودية..

ثورتنا ثورة على التابوات بكل أشكالها، يكفي أن تزور دوما، وزملكا والمعضمية وقطنا، كما تزور القامشلي وحمص ويبرود والزبداني… سترى الفرق في عيون النساء.

ما علينا المحافظة عليه هو مسار ثورتنا، لمزيد من النجاحات.

هو عبء جديد على النساء تحمله

وحتى ننتصر وينتصرن وينتصروا… ما زال الكثير بحاجة لإعادة البناء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى