أردوغان بين الجد واللعب/ امين قمورية
سياسة “صفر مشاكل” التي اعتمدتها أنقرة عنواناً لسياستها الخارجية منذ وصول حزب اردوغان الى السلطة جاءت نتائجها عكسية، أو بالمقلوب، اذ انتهت بـ”صفر جيران” و”صفر أصدقاء”.
علاقات أنقرة تدهورت مع كل من دمشق وبغداد، وتراجعت مع طهران. وصلاتها أصلاً لم تكن على ما يرام مع أرمينيا، وهي تكاد تخسرها تماماً مع روسيا التي فوتت عليها أحلامها بسوريا. ووصلت الى الحضيض مع مصر. ولم يقتصر أمر التراجع على أهل الدار حيث للجيرة حسنات وسيئات، بل وصل أيضاً الى اصدقاء كانوا في عداد الحلفاء الاستراتيجيين، وفي مقدمهم الحليفة الاولى واشنطن التي اتسعت شقة خلافها معها في شأن الوضع السوري وخصوصاً المنطقة الأمنية والدعم الأميركي للأكراد. وأخيرا جاءت الصفعة الكبرى من الحليف الأوروبي الاول ألمانيا.
محاولات أنقرة للتنصل من تسوية أزمة اللاجئين الموقعة مع الاتحاد الاوروبي، هي سبب أساسي للمشكلة مع برلين، وبما ان جذر هذه الازمة سوري، فان سوريا وتفرعات قضيتها هي القاسم المشترك لكل انواع الصداع التركي. لولاها لما خرج الأكراد من القمقم ولما بلغت طموحاتهم وآمالهم هذا الحد الذي يهز أعصاب تركيا، ولولاها أيضاً لما تحركت موسكو بجيشها وأسطولها جنوبا ولما كان التوتر بين البلدين الذي كاد يبلغ حد الحرب. وهي أيضاً سبب وجع الرأس مع أميركا ولولاها لما تفاقمت قضية اللجوء الى حد تهديد استقرار أوروبا. وهكذا كيف سيتصرف اردوغان ازاء المأزق الذي أوقع تركيا فيه؟ هل يعيد بناء الجسور التي دمرت مع الجيران والأصدقاء ويجري مراجعات شاملة لسياساته الخارجية وخصوصاً في أصل العلة: سوريا؟ أم يواصل ورشة هدم كل ما راكمه من بناء منذ عقد ونيف؟
صدرت إشارات إيجابية عن أكثر من مسؤول تركي توجها رئيس الوزراء الجديد بالقول إن حكومته “ستعمل على زيادة الأصدقاء وتقليص الأعداء”، ووصف الحرب في سوريا بأنها عبثية، ونقل عن مسؤولين آخرين تلميحهم الى تحسين العلاقات مع موسكو والقاهرة وتجديد الحوار مع الأكراد، الامر الذي اعتبره المتفائلون انعطافاً إيجابياً من شأنه ان يمهد لانقلاب على إرث السنوات الاخيرة واعترافاً بالأخطاء السابقة. لكن اردوغان نفسه سرعان ما بدّد هذا التفاؤل عندما لمح الى احتمال “اضطرار” تركيا الى “حسم الامر” في شمال سوريا بنفسها لمنع تبلور المشروع الكردي في شكل دويلة، وبغض النظر عن مواقف الآخرين، بمعنى آخر انه مستعد لكسر الجرة مع الجميع حتى لو كلف ذلك حرباً واسعة.
الخطر الكردي صار داهما وهو ما يقرب أنقرة اكثر من “الخطوة الاضطرارية”، بينما لا يزال صانع القرار التركي غير جاهز لتجاوز السقف الأميركي وخطوطه الحمر. وقد تغضب خطوة كهذه الخصم الروسي والحليف الأميركي على حد سواء.
المأزق التركي كبير وحسم الخيارات أصعب، فهل يقدم اردوغان على خطوة جبارة توقف نزف الأصدقاء، أم ان من شب على شيء شاب عليه؟
النهار