أردوغان في طهران.. أي اصطفاف؟/ خورشيد دلي
تشهد منطقة الشرق الأوسط تطورات دراماتيكية، سرعت من تغيير المواقف والتحالفات والاصطفافات، فعلى وقع هذه التطورات، انتقلت العلاقات التركية – الروسية التي وصلت إلى حد المواجهة في سورية إلى تقارب كبير سياسيا واقتصاديا وعسكريا، كما انتقلت العلاقات التركية ـ الإيرانية من المواجهة غير المباشرة في العراق وسورية إلى مسار للتعاون في مواجهة التحدي الكردي الصاعد، ولا سيما بعد الاستفتاء على الانفصال عن العراق.
وجاءت زيارة الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، طهران بعد سلسلة زيارات متبادلة قام بها كبار المسؤولين العسكريين في البلدين، حيث أظهرت المحادثات قدرا كبيرا من التنسيق الأمني والعسكري إزاء الملفين الكردي والسوري، بعد سنوات من الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، وشن الحرب بالوكالة في ساحات سورية والعراق، إذ أظهرت هذه المحادثات توافقا إزاء ثلاث قضايا أساسية:
رفضُ الجانبين الاستفتاء للكردي، بل تجاوز الأمر الرفض إلى حد اتخاذ إجراءات حدودية، وصولا إلى التهديد بعمل عسكري مشترك، على اعتبار أن الانفصال الكردي في العراق يهدد الأمن القومي للدولتين، وهو ما يعني وجود خشية حقيقية لدى الجانبين من أن تنعكس نتائج الاستفتاء على القضية الكردية في تركيا وإيران، على اعتبار أن الكرد في البلدين قد يطالبون لاحقا بمثل هذا الاستفتاء، أو حتى رفع سقف المطالب القومية.
الاتفاقُ على التنسيق والتعاون العسكري والأمني ضد حزب العمال الكردستاني، بشقيه التركي والإيراني (حزب بيجاك يشكل الفرع الإيراني). ويأتي هذا الاتفاق بعد سنوات من اتهامات تركية لإيران بدعم الحزب، وحليفه السوري، حزب الاتحاد الديمقراطي، وجناحه العسكري “وحدات حماية الشعب”.
تكثيفُ التعاون بشأن مناطق خفض التوتر في سورية، وتحديدا في شماله، حيث محافظة إدلب
“أي توافق إيراني– تركي بخصوص ملفات سورية والعراق والخليج يخلق حالة اصطفاف إقليمية جديدة” التي تحولت إلى وجهة للمجموعات المسلحة، على الرغم من سيطرة جبهة النصرة أخيرا على كامل المحافظة تقريبا. ويأتي هذا التعاون بعد سنوات من الاحتراب المتبادل في الميدان، وسط اتهامات متبادلة بممارسة سياسة طائفية، وصلت إلى انتقاداتٍ متبادلة على الهواء مباشرة.
لا يعني تلاقي المصالح التركية – الإيرانية على هذا النحو التطابق الكامل في المواقف، أو سهولة إقامة تحالف بينهما، فللبلدين استراتيجيات مختلفة، بل تقف العلاقات بينهما على إرث من الصراع والتنافس على مناطق المشرق العربي والخليج وآسيا الوسطى، ولعل هذا الإرث، وعلى الرغم من تحسن العلاقات بينهما في لحظات الاتفاق ضد التهديد الكردي، يبقى يظلل العلاقة بينهما على أسس، يتداخل فيها الطائفي بالمصالح الاقتصادية والنفوذ الإقليمي والدور السياسي، على شكل مواجهة بين الشمس الإيرانية (اختار الشاه إسماعيل الصفوي الشمس رمزا لعلم إيران) والقمر التركي الذي يشكل رمزا لعلم البلاد منذ عهد الدولة العثمانية، في إشارة إلى التصادم الإقليمي بين البلدين، أساسه الصدام على الجغرافيا السياسية والاجتماعية، منذ ثبتت معركة جالديران 1514 الحدود الجغرافية بينهما. وانطلاقا من هذا الإرث، تختلف رؤية كل طرف إلى قضية التقارب الحاصل حاليا، فطهران
“التوتر في العلاقة التركية – الأميركية يشكل أهم دوافع التقارب التركي مع كل من روسيا وإيران” تقابل رغبة تركيا بالانفتاح، على أساس أنه تنازل عن سياسة سابقة، ومن زاوية اليأس التركي، والانقلاب على شعار إسقاط النظام السوري، فيما ترى أنقرة أن لا تغير جوهرياً في سياستها، وإنما مقاربة جديدة لكيفية حل أزمات المنطقة، ومع أن التقارب التركي مع إيران يبدو كأنه استمرار لمسار الانفتاح على روسيا، إلا أن ثمة مفارقة هنا، وهي أن تطوير العلاقة التركية بروسيا يفتح خيارات عسكرية جديدة أمام تركيا لجهة تدخلها عسكريا في شمال سورية، انطلاقا من تجربة عملية درع الفرات، وهو ما قد يكون على حساب التعاون العسكري الروسي – الإيراني في سورية، خصوصا إن شنت تركيا عملية عسكرية جديدة في شمال سورية، كما يقول المسؤولون الأتراك.
تشكل زيارة أردوغان إلى إيران في هذا التوقيت دلالة بالغة، لجهة الاصفطافات الإقليمية، ولا بد أن يترك التقارب التركي – الإيراني تداعيات على مسار الأزمة الخليجية، وكذلك العلاقات التركية – الخليجية، خصوصا في ظل التوتر الذي تشهده العلاقات الإيرانية – السعودية. وعليه، فإن أي توافق إيراني – تركي بخصوص ملفات سورية والعراق والخليج، لا بد أن يخلق حالة اصطفاف إقليمية جديدة في المنطقة، على شكل مراجعة للعلاقات مع دول الخليج، بعد أن تحسنت في السنوات الأخيرة على خلفية الموقف المشترك من الأزمتين، السورية واليمنية، لكن يبقى الأهم هنا، نظرة الغرب إلى التقارب الجاري بين أنقرة وطهران وموسكو، وفيما إذا كان ينظر إليه مقدمة لتحالف سياسي ضده أم مجرد توافق مرحلي، فرضته ظروف الاستفتاء الكردي، والخوف من ولادة دولة كردية مستقلة في المنطقة، مع الإشارة إلى أن التوتر في العلاقة التركية – الأميركية يشكل أهم دوافع التقارب التركي مع كل من روسيا وإيران.
العربي الجديد