أريد صورة لكم.. أريد ابتسامة من سوريا/ ميرفت أحمد
كيف هم اليوم؟ كيف هي وجوههم؟ ماذا فعلوا؟ ماذا أكلوا؟
صورة واحدة أريدها لهم.
أريد صورة واحدة لأهلي في الحسكة، وأريدها أن تصل واضحة.
شرطي الوحيد أن تكون قد التقطت في غرفة مضيئة، إن توفرت الكهرباء، كي لا أبحث عن وجوههم في الظلمة.
بسعادة أو من دونها، بابتسامة أو من دونها، المهم أن أعرف كيف صارت أشكالهم .
ترى هل صار شعر أمي أبيض؟ وهل ما زال أبي يدخن “الحمراء” الطويلة؟
هل أنهكهم الصيف بحرارته القاسية؟ وهل يعدهم الشتاء الآن ببرد أقسى؟
اشتقت لهم. اشتقت للمنزل، اشتقت لأرضيته الباردة.
صور الطفولة البعيدة تقفز في ذاكرتي عندما كنت أمشي حافية في حديقة المنزل في فصل الصيف، فتحترق أصابع قدميّ، وأقف فجأة في وسط الحديقة وأنا أتقافز قبل اتخاذ قرار سريع بالهرب إلى الداخل.
والآن يتقدم الشتاء بسرعة بينما تتأخر الكهرباء كثيراً، ويتأخر الوقود والانترنت والأمان والفرح.
ستمسك أمي بلحافها الصوفي السميك وتلف جسدها كله لتبقى عيناها فقط تراقب ما حولها بأسى، وهي تنتظر سماع صوت جريان الماء في الخزان لتنظف ما تراكم من صحون وثياب منذ أيام وأسابيع. أو أنها ستضطر إلى حمل دلائها في أرقى أحياء المدينة لتحصل على بعض الماء من بئر الجيران الذي حفروه في منتصف الشارع الإسفلتي العريض.
من أجل تلك الصورة التي لم تصل، أحمل هاتفي الخلوي معي في كل مكان، حتى أثناء إعداد الطعام . أتفقد شاشته الصغيرة بين الحين والآخرلأبحث عن آخر ظهور لأخوتي على “الواتس آب” كي أعلم إن وصل دواء السكري لأبي، والذي أرسلته لهم مع الحج سراج قبل شهر، أم لا.
ما زلت أحاول الاتصال بتلك الشبكة اللعينة التي لا تلتقط أصواتنا، لأعلم ماذا تطبخ أمي كل يوم. وكيف استعاضت عن “صواني” الدجاج بالفرن والبطاطا المحمرة المحشوة باللحم، بأنواع أخرى من الطعام التي لا تحتاج إلى أفران الكهرباء.
الشبكة مشغولة دائماً. مالذي يشغلها يا ترى؟ هل يشغلها أخي الذي يعيش قصة حبه الأول من دون أن يجرؤ على التفكير في الزواج؟ لأن الزواج فرح والفرح الآن ليس لديه تصريح بالدخول إلى سوريا.
ربما ما زال هذا الفرح واقفاً عند الحاجز الأول. وقد لا يصل قبل أن يصبح شعر أمي أبيض بالكامل. وربما إلى أن يهرم أخي وهو يحدث حبيبته عن الأوضاع السيئة التي تمنعه من الزواج بها. أو عندما يبدأ أخي المحامي بحفر بئر في غرفة الاستقبال للحصول على الماء.
وربما عندما يترك أبي تدخين الحمراء الطويلة . ليس لأنه يعاني من أمراض مزمنة في الشرايين منذ سنين طويلة، بل لأن السجائر أصبحت غالية وثقيلة على جيوبه الصغيرة.
المدن