أعداء النظام . . عامٌ من الإنتقام: عبد السلام إسماعيل
عبدالسلام إسماعيل
(1)
لم يقلق النظام في بداية الثورة ممن يتظاهرون. فاستنادا إلى خبرة سابقة، لا مشكلة مع تظاهر عدد محدود من الناس في مناطق محدودة –على حرمانيته الملطقة- طالما النظام يملك القدرة والقوة على سحق المتظاهرين وتحويلهم إلى درس عملي ينعش ذاكرة محكوميه ويقوِّم نشوزهم. المشكلة كانت مع الذين يوثقون المظاهرات وينشرونها للعلن. وهي مشكلة فعلاً، لأن من يقوم بذلك لا يكتفي بممارسة العمل الاحتجاجي، بل يقوم بتوثيقه أيضا، مما يخلق تاريخا غير التاريخ الرسمي، ورواية غير الرواية الرسمية، فأمام عشرات ومئات ولاحقا آلاف الفيديوهات تنهار مقولة “التاريخ يكتبه المنتصرون”، وفيها إيضا إشهار بأن هناك سوريون تخطوا عتبة الخوف وقالوا لا في وجه العدم، وتاليا سيتشجع آخرون في مناطق أخرى للإنخراط في الحركة الإحتجاجية. الجانب الثالث للمشكلة، تقييد قدرة النظام العنفية في تعامله مع المتظاهرين. لقد اشتغل النظام كثيرا على صورته أمام الرأي العام العالمي، ويكاد يكون برنامج عمل بشار الأسد منذ استلامه الحكم محصور في هذه النقطة، وكل ما يشاهده المواطن من تحسنيات هنا وهناك تخدم الصورة “التجميلية” للنظام في عيون العالم. الإفراط في القتل سيهدم جهد السنوات العشر الماضية.
مع مرور الوقت تحققت كوابيس النظام كافة، الثورة انتشرت والعنف المحدود نسبيا الذي مورس في بداية الثورة، لم يكفي لردع الثوار، وبنفس الوقت بدأ في تهشيم صورته أمام الرأي العام العالمي. وأصبح النظام يواجه مشكلة جديدة غير توثيق المظاهرات والإنتهاكات . . سلمية المظاهرات، لا مبرر أخلاقي لمواجهة تظاهرات سلمية بالرصاص، والرصاص لا يكفي لإسكاتهم، صورته في تدهور متواصل . . لا بد من حل ما، ولا يجيد النظام سوى العنف، إذا العلاج بالصدمة يبدو خيارا مناسبا يتماشى مع عقلية النظام وخبراته. يحقق العنف الصادم هدفين، يكفيه تحقق أحدهما، الأول: إرعاب الشعب وكسر شوكته، فتتراجع التظاهرات وتنحسر بشكل تام، وبذلك تنتهي الثورة/المشكلة. الثاني: تضاعف القتل، وكثرة المجازر ستدفع الناس إلى حمل السلاح عاجلاً أو آجلاً للدفاع عن حيواتهم، وبذلك يسقط الحرج الأخلاقي عن النظام وتصبح روايته عن قتاله لمجموعات إرهابية مسلحة منسجمة مع الواقع.
بالتوازي مع ذلك، عمد إلى تصفية واعتقال الناشطين السلميين، ودفع البقية إلى الهرب خارج البلاد، كان يريد تقريغ الثورة من رموز السلمية ودعاتها، ليحل محلهم المؤمنين بالحل العسكري، هذا مفيد للهدف الثاني في الأعلى. ويمكن النظر لتصفية غياث مطر المفزعة على أنه انتقام النظام من العمل السلمي.
(2)
يحب النظام السيطرة الشاملة (الهيمنة على المجال العام والإستئثار المطلق بالسلطة)، ولا يحب المؤسسات ويكره العمل الجماعي المنظم وكل الأشكال التي يمكن لها أن تزاحمه السيطرة. ولأنه لا يحب المؤسسات، أنشأ مؤسسة وحيدة “المؤسسة الأمنية”، لا تشبه المؤسسة في آلية عملها بل أقرب إلى المنظومة، مهمتها نشر الرعب والحفاظ على جو الخوف الدائم، وزرع الشك والريبة بين المواطنين، من حيث تأثيرها تشبه المؤسسة كثيرا. الخوف والشك كفيلان بوأد أي بادرة عمل جماعي مستقل، أي قتل نواة العمل المؤسسي في المهد. ومع ذلك حرص على إغراق البلد بجمعيات وهيئات واتحادات متنوعة تستوعب كافة الشرائح المجتمعية والمهنية. تفيد في تفريغ العمل الجماعي من محتواه البناء وتساعد على تحويل المؤسسة الأمنية إلى أخطبوط تصل مجساته إلى أقصى قرية نائية في سورية. الرقابة الشاملة على الطريقة الأوروولية.
(3)
لا يحب النظام توثيق المظاهرات والإنتهاكات، ويكره المظاهرات السلمية ودعاتها، ويرى في العمل الجماعي المستقل عدوا يهدد ملكه. بطريقة ما اجتمعت كل تلك الأشياء في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير . . حتى إسمه “الإعلام وحرية التعبير”، يجعل الطغاة يتحسسون عروشهم، الإعلام أقاموا له وزارة تتحكم فيه والثاني يستخدم دائما في جملة مفيدة واحدة: حرية التعبير بما تراه السلطة مناسبا.
عندما تجتمع كل تلك الموبقات في مركز واحد، من الطبيعي أن يكونوا أعضاءه هدفا مهما للطغيان، التصفية والموت السريع ليس الخيار المناسب، أحيانا يكون الموت رفاهية وخدمة غير مستحقة في عين النظام. السَجن، التعذيب الجسدي والنفسي، الموت البطيء، الحرمان من الحياة فيما أنت تمارس عادة الشهيق والزهير، الوقت الطويل يساعد على تلبية الرغبات السادية، ربما تشبع غريزة الإنتقام لديه، وربما لا. أيهم غزول استشهد تحت التعذيب. أطلقوا سراح البعض وثلاثة لا يزالون رهن الإعتقال، في المجهول المرعب، لا أخبار عن مازن درويش رئيس المركز، ولا عن الصديق المدون حسين غرير وهاني الزيتاني ثالثهم. مرت سنة كاملة على سجنهم. هل يعلمون أنهم قضوا سنة واحدة، أم سنين طويلة؟! مفاهيم الزمان والمكان تجد حيزا كبيرا في السجن، ودلالات مغايرة!
ولأن الإعلام وحرية التعبير يوحيان دوما بالتحليق في السماء، قامت المخابرات الجوية بمهمة الإعتقال، لا غرو أنه الفرع الأكثر قذارة بين كل الفروع الأمنية.
استنفد النظام كل مبررات اعتقالهم، ولم يعد لسجنهم أية رمزية ذات مغزى مفيد في ترويض الجماهير الثائرة، ولم يستنفد حقده ورغبته غير المحدودة في الإنتقام، وربما لأنه يزال يريد المحافظة على كافة رسائله، ومنها: لا مكان لحرية التعبير، ولا لتوثيق الانتهاكات!
يعتقد النظام أن انتصاره في صلابته وفي عدم تغييره أيا من سياساته، وهذا مقتله.
إلى الصديق حسين غرير . . اشتقتلك. لك ولرفاقك الحرية القريبة.
خاص – صفحات سورية –