أكاذيب!/ ميشيل كيلو
يسهر حزب الله بحرص شديد على أسطورة تجعل منه قوة لا تقهر، يستحيل على أحد مواجهتها. هذه الأسطورة شاركت أطراف متعددة في الترويج لها، وبرع زعيم الحزب السيد حسن نصر الله في تسويقها، مستغلا سذاجة وطائفية جمهور موال يصدق منذ نيف وألف عام سخافات مضحكة لا يقبلها إنسان في رأسه عقل، ويخضع خضوعا أعمى لمن يتلاعبون بمشاعره، ويمتطون ظهره من رجال الدين والزعماء السياسيين، الذين يتعيشون من التلاعب بعواطفه وامتثاله لأي شيء يقولونه.
يعلق الحزب أهمية خاصة على أسطورة تزعم أن قواته هي التي حررت القصير واقتحمت يبرود، وأنجزت انتصارات «إلهية» في كل مكان خاضت فيه القتال. غير أن الوقائع تكذب هذه الأسطرة، فمن قاتل في الحالتين كان الجيش الأسدي بعشرات آلاف المجندين المنضوين في وحداته النظامية وكتائب شبيحته، في حين اقتصر دور مرتزقة الحزب وأبي الفضل العباس وغيرهما من تنظيمات المرتزقة التي غزت سوريا بأوامر إيرانية على المساندة هنا والمشاغلة هناك. ومن ينظر إلى الحقائق الميدانية سيجد أن الشجاعة الأسطورية كانت من نصيب مقاتلي الجيش الحر وفصائل المقاومة الأخرى، وإلا ما معنى أن تقاتل وحدات نظامية من الفرقة الثالثة والعاشرة والحادية عشرة، ومن اللواء 167 فضلا عن المدفعية الثقيلة للواء كامل وللواء مدفعية صاروخية، إلى جانب الطيران الحربي، طيلة 33 يوما من أجل اجتياز 15 كيلومترا تفصل المناطق المحيطة بيبرود عن المدينة، من دون أن تتمكن من دخولها قبل أن تلجأ إلى استخدام أسلحة حرارية لم يسبق أن استعملت في أية حرب شهدتها المنطقة؟ فأين هنا دور حزب الله، وأي إنجاز تحقق على يديه؟ ولو كان يقاتل بمفرده للاستيلاء على يبرود، إلى كم قرن كان سيحتاج لإنجاز مهمته؟ وهل كان سيتمكن أصلا من الوصول إليها، أو كان أحد من عناصره بقي حيا كي يحتفل حزبه بانتصاره في ضاحية بيروت الجنوبية؟
يتحدث الحزب عن نفسه وكأنه يقاتل بمفرده، رغم أن ما لديه من عديد وعتاد في سوريا يفرض عليه أن يبقى في أغلب المناطق قوة مساندة تستخدم لتخفيف الضغط عن الجيش الأسدي، الذي كان يمر بعملية إعادة تنظيم شاملة جعلت من الضروري دخول غزاة أجانب إلى المعركة، لشد أزره ورفع روحه المعنوية، كان بينهم مرتزقة حزب الله الطائفيون.
لا يريد هذا التقويم الاستهانة بجريمة غزو وطننا والتهوين من شأنها. ولا يبغي تجاهل من يناضل في سبيل مطالب عادلة، أهمية رفد قتلة النظام بمأجورين ومرتزقة قتلة على شاكلتهم، أرسلوا لمساعدته على كسب حرب طائفية تسفك فيها دماؤنا لأننا نرفض الرضوخ له طائفيا وسياسيا. ما أتوقف عنده هو أكذوبة تقدم أطباق الحلوى في شوارع الضاحية الجنوبية احتفاء بها، تزعم أن حزب الله يحقق الانتصار تلو الانتصار لأنه قوة لا تقهر ولا تقاوم، ليس لأنها كذلك بالفعل، بل لأن الحزب يجد نفسه مكرها على الكذب كي يرفع روح محازبيه المعنوية ويخوف اللبنانيين من الاحتجاج على جريمته النكراء، المتمثلة في غزو سوريا لأسباب طائفية.
أرسل الخامنئي مرتزقته إلى وطننا قبل نيف وعام، ليشاركوا جيش الأسد ومرتزقة العراق في إبادة شعب سوريا وتدمير وطنه. لتغطية هذه المشاركة الإجرامية ضد شعب مظلوم لا ذنب له غير المطالبة بحريته وكرامته، فبرك الحزب أكذوبتين، تقول أولاهما: إن دوره في سوريا هو استمرار لدوره ضد إسرائيل. وثانيتهما: إنه غزا سوريا للدفاع عن لبنان ولحمايته من الجهاديين. هاتان الأكذوبتان كان لا بد من استكمالهما بأكذوبة ثالثة تجسدها أسطرة الحزب والمبالغة في كل ما يتصل بدوره العسكري داخل سوريا، الذي يؤكد أنه قوة لا تقهر، مع أن سير المعارك يتحدث لغة أخرى لا علاقة لها بأكاذيب الحزب وعنترياته، تقول بوضوح ما يلي: لو كان الحزب يقاتل بمفرده، لما تمكن من البقاء يوما واحدا في سوريا، هذا إذا كان قد نجح في اجتياز حدودها مع لبنان، ولتعرض مرتزقته لنكبة عسكرية كانت ستقضي تماما عليهم.
دخل مرتزقة الحزب إلى فخ لن يخرجوا منه بسهولة. وهم يتكبدون خسائر جسيمة في كل مكان من وطننا. لكن حسابهم الحقيقي سيأتي في المستقبل: عندئذ، سيرى العالم أي فئران هم هؤلاء «الأبطال»، وسيكتشف أن أسطورتهم كانت من ألفها إلى يائها من تلفيق عقل طائفي مريض، لا يعرف كيف يعالج جرائمه ضد السوريين بغير أسطرة المجرمين!
الشرق الأوسط