ألغاز لؤي حسين حول التغيير الآمن
عبدالله علي
يقول حسين: ((لكنَّ هذا – أي عدم أهلية السلطة – لا يحول دون رؤية مخاطر التفكير بإسقاطها أو تنحيتها على الطريقة المصرية أو التونسية، كون السلطة السياسية في البلاد متماهية تماما مع أجهزة الدولة، خاصة المؤسسة العسكرية والأمنية. وبالتالي لا بد من أخذ هذا الجانب بعين الاعتبار من دون القبول باستمرار بقاء هذه السلطة. أي لا بد من الاشتغال الحثيث والمسؤول للحيلولة دون انهيار مؤسسات الدولة وأجهزتها في حال انهارت السلطة بشكل مفاجئ، أو في حال توصلنا لطريقة تنحيتها بشكل سلمي. فكلا الحالين لا بد أن نجعل هذا التغير بشكل آمن. والقصد من كلمة الآمن هو تحديدا الحيلولة دون التسبب بانهيارات مؤسساتية أو مجتمعية. ودون المغامرة بالدخول بحرب أهلية ستكون أسوأ بكثير من التوصل إلى تسوية ما مع السلطة تحقن دماء السوريين وتؤمن لهم طريقا سلميا لإقالة السلطة من خلال المرور بمرحلة انتقالية؛ لكن ربما لن تكون أسوأ من انتصار السلطة على حركة الاحتجاج، الأمر الذي سيتيح المجال للسلطات الأمنية أن تحوّل البلاد إلى نموذج من الفاشية لم يشهده التاريخ)).
ومن الصعب علينا أن نتصور ما يقصده حسين من التماهي بين السلطة وبين أجهزة الدولة، والأصعب أن نحاول التكهن بتصوره لطبيعة العلاقة التي ينبغي أن تربط بين السلطة وأجهزة الدولة، لكننا سنقول أننا فهمنا من كلامه وبدقة أنه يؤكد وجود مؤسسات قائمة في الدولة، لكن هذه المؤسسات متماهية مع السلطة أي غائبة أو ذائبة أو متشابكة عضوياً معها، وأنا أتصور أنه كان يعني بحديثه القول بشخصنة السلطة والله أعلم. واستنتج حسين من حقيقة التماهي هذه أن إسقاط النظام بالطريقة التونسية أو المصرية سيكون له مخاطر وهو يحدد هذه المخاطر بالانهيار الذي سيصيب مؤسسات الدولة وأجهزتها في حال سقوط السلطة التي ترتبط بها عضوياً أو تتماهى معها.
وهنا لا يسعنا إلا أن نسجل استغرابنا لهذا التناقض الذي يشوب رؤية لؤي حسين بقوله أن المخاطر تحيق في حال حصول التغيير على الطريقة المصرية أوالتونسية، ويتبدى التناقض إذا علمنا أن التغيير المصري هو حالياً نموذج التغيير السلمي فكيف يقول بخطورته؟ وما هي طريقة التغيير التي يمكن ألا تحمل لنا مثل هذه المخاطر؟ يسكت حسين عن توضيح هذه النقطة.
لكن الأهم من كل ذلك هو أن الوقائع تدلنا بشكل واضح على أن التغيير في مصر لم تترتب عليه أي مخاطر على صعيد انهيار مؤسسات الدولة، والدليل أن المؤسسات المصرية لا تزال قائمة وتؤدي عملها بانتظام. لذلك لا يسعنا إلا أن نتساءل عن مدى صوابية نظرة حسين إلى السلطة على أنها متماهية مع أجهزة الدولة، فلو كانت هذه النظرة صحيحة كنا رأينا في مصر ما يثبت صحتها من انهيار المؤسسات وسقوط الأجهزة، أما وإنها بقيت قائمة فمن حقنا أن نسأل حسين: كيف بقيت قائمة رغم سقوط السلطة؟ فإذا أجابنا بأن المصريين عرفوا طريق التغيير الآمن وتمكنوا من حفظ المؤسسات وحمايتها من السقوط، نقول له: ولماذا تحذر إذاً من إسقاط النظام على طريقتهم؟ لذلك كي تبقى منسجماً مع نفسك عليك إما أن تتبنى الطريقة المصرية في التغيير وإما أن تنكر التماهي بين السلطة وبين المؤسسات.
ثم يضع لنا حسين احتمالات الأزمة ويحددها في ثلاثة احتمالات: إما حرب أهلية أو تسوية مع السلطة أو نجاح السلطة في إخماد الاحتجاجات. ويرى أن الحرب الأهلية أسوأ من التسوية مع السلطة وأن نجاح السلطة أسوأ من الحرب الأهلية.
يعني هذا أن حسين يفضل احتمال التسوية مع السلطة أي الحوار، ولكنه ربما وحسبما فهمنا من كلامه لا يرى اللجوء إلى التسوية إلا في حال كان ثمة تهديد بحرب أهلية، أي أنه يفضل دائماً إسقاط السلطة ولكن دون حرب أهلية ودون انهيار المؤسسات، فإذا عجز عن إسقاطها بهذه الشروط وكان ثمة تهديد بحرب أهلية فيرى إمكانية التسوية مع السلطة. فهل نفهم من هذا أن قبول المعارضة بالحوار لم يعد متوقفاً إلا على شرط واحد هو تفادي الحرب الأهلية؟.
وعلينا أن نسأل حسين السؤال التالي: إذا كانت هذه رؤيتك التي تؤمن بها، وإضافة إلى التناقض المنطقي الذي أشرنا إلى وقوعك به أعلاه، وطالما أنك ترى ثلاث خيارات وهي الحرب الأهلية أو التسوية أو نجاح السلطة، وترى أن الحرب الأهلية أسوأ من التسوية، وأن نجاح السلطة أسوأ من الحرب الأهلية، فمن حقنا أن نطرح عليك سؤالاً يتعلق بمصير الوطن: لماذا لا تقدم خيار التسوية مع السلطة وقد ثبت لديك وبعقلك وقولك أنه أفضل الخيارات؟ ولماذا لا تسعى إلى الحوار الذي من شأنه أن يمهد لهذه التسوية؟
وكلمة أخيرة، إن بناء الأوطان وتطويرها والانتقال بها من حال إلى حال لا يحتاج إلى ألغاز ومعميات ومبهمات، وإنما هو أحوج ما يكون إلى الوضوح والشفافية والصدق والثقة. والله أعلم.