أمام الأسد وقتٌ متبقٍ… لكنه قصير!
سركيس نعوم
لا تخفي تركيا “حزب العدالة والتنمية” الاسلامي الحاكم رغبتها في القيام بدور اقليمي مهم سواء في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي او في الصراع الإيراني – العربي ذي الوجهين المذهبي والقومي. لكن صلف اسرائيل بنيامين نتنياهو احبط الى حين ربما الطموح الفلسطيني لهذه التركيا. كما ان شروق شمس الربيع العربي من تونس، وشمول اشعتها مصر ثم ليبيا فسوريا الاسد منذ 15 آذار الماضي، جعل تركيا الاسلامية تتخلى عن ترددها في القيام بدور فيه، وخصوصاً في سوريا بعدما اصر الشتاء المكفهر المسيطر عليها منذ عقود (اي النظام) على منع شمس الربيع من نشر اشعتها عليها مستعملاً كل الوسائل. والدور التركي هذا يفرضه التجاور الجغرافي بين البلدين، والمصالح المشتركة التي اهمها الاستقرار والامن اللذين قد يتزعزعان في تركيا اذا فرطا في سوريا.
طبعاً لا يبدو ان الحكومة التركية الاسلامية توصلت الى صيغة نهائية لدورها رغم رغبتها الشديدة في حسم الامور لمصلحة الاصلاح والتغيير السوريين، وذلك بسبب عدم تجاوب النظام في دمشق معها واصراره على الحسم الامني والعسكري، وبسبب تردد انقرة في اللجوء الى العمل العسكري لإقناعه بالتجاوب. والتردد نابع من حرص على عدم الغرق في الفوضى وعلى عدم القيام بخطوات غير منسقة مع العالم العربي والعالم الاوسع.
ماذا تفعل تركيا الاسلامية اي تركيا اردوغان وحزبه لتحديد دورها السوري في صورة نهائية؟
تفيد معلومات المتابعين من واشنطن لما يجري في المنطقة وتحديداً بينها وبين انقرة ان الحكومة التركية تبحث مع وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون في طريقة للتعاون حول موضوعين. الاول، سوريا آل الاسد والخطوات العملية التي يمكن اتخاذها في شأن ما يجري فيها من تطورات سلبية. والثاني، الاسلاميون السوريون الفاعلون والناشطون واليقظون، ومن ضمنهم “الاخوان المسلمين”، والطريقة التي يجب ان تتصرف بها معهم تركيا واميركا في آن واحد وسائر المجتمع الدولي، وخصوصاً اذا وصلوا الى السلطة في سوريا بعد نجاحهم في “إسقاط” الاسد ونظامه، وكذلك في مصر بنتيجة الانتخابات التشريعية التي ستجري فيها بعد اسابيع او اشهر قليلة. علماً ان الامرين اي وصول هؤلاء الى حكم سوريا ومصر لا يزالان غير محتملين. طبعاً، تلفت المعلومات، لا تزال المباحثات التركية – الاميركية حول كل المفصّل اعلاه مستمرة. وذلك يعني انها لم تصل الى نتيجة نهائية اي الى خطة مدروسة تعالج الموضوع السوري الغارق في الدم جراء الثورة الشعبية وقمعها، والمفتوح على احتمالات كثيرة تفوح من معظمها رائحة الدم، والى خطة مماثلة تعالج موضوع مصر رغم انها قد تكون قطعت مرحلة السقوط في “الدموية” الشاملة من جديد سواء بأعمال ترتكبها السلطة الانتقالية او الثوار المنقسمون والمختلفون.
لكنها (اي المعلومات) تؤكد ان الرئيس الأميركي باراك اوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون يُصغيان ويريدان جدياً ان يلمسا ومن خلال ادلة قاطعة ان الاسلاميين الذين ترعاهم تركيا اردوغان او تسعى الى إقناع العالم باعتدالهم وبأهليتهم للاشتراك في السلطة في المنطقة، انهم فعلاً معتدلون ومؤهلون و”حداثويون”. ومن الادلة المطلوبة بعض يتعلق باسلاميي فلسطين (“حماس”)، وبعض آخر يتعلق بالاقليات وخصوصاً في مصر. اما بالنسبة الى سوريا الاسد فان المعلومات اياها تشير الى اتفاق كلينتون وتركيا على امور ثلاثة: الاول، عدم استعمال تركيا القوة العسكرية معها. والثاني، متابعتها الضغط عليها كي تصرخ وتطلب النجدة. والثالث، متابعتها (اي تركيا) دور صلة الوصل بين المعارضة في سوريا والخارجية الاميركية.
هل يفسح ذلك في مجال تجنيب سوريا الدم الذي يُسفَك منذ نحو ستة اشهر؟
المتابعون الاميركيون من واشنطن انفسهم يخشون خروج السلاح عاجلاً او آجلاً من الخزائن او المستودعات وكذلك تدفقه على سوريا، لأن من شأن ذلك ايقاعها في حرب اهلية. فالرئيس الاسد يستعمل الوحدات العسكرية والمخابراتية المنتمية الى عصبيته في القمع المباشر. اما الوحدات المنتمية الى الغالبية فتُستعمل فقط لحصار المدن والقرى. وهذا الاسلوب قد يؤثر سلباً مع الوقت على وحدة الجيش، علماً ان “شقوقاً” او تفسُّخات قد بدأت تظهر فيه وفقاً لهؤلاء. ولذلك على الاسد ان ينتبه اذ ربما قد يكون لا يزال لديه بعض الوقت للتصرّف الحكيم. لكنه قصير.
النهار