أمّهات حمزة
خالد صاغية
هلال وصليب على الحائط داخل منزل متوسّط الحال. شموع مضاءة على طاولة صغيرة وُضعت عليها صور لشهداء سوريّين. نساء أخفين وجوههنّ بلافتات تطالب بالحرية وبالدولة المدنية، أو بأعلام سوريّة لففْنها تحت أعينهنّ. لا هتافات ولا أناشيد إلا النشيد الوطني السوري يخرج بأصوات حنونة من الوجوه المخفيّة خلف تعب السنين وأصوات الرصاص وشعار «كلّنا أمّهات حمزة».
إنّه واحد من مظاهر الإصرار على الاعتراض في ظلّ تمادي القمع. فبعدما انتشرت قصّة الطفل حمزة الخطيب المرعبة، تداعى عدد من النساء السوريّات إلى إقامة اعتصامات نسائيّة منزليّة. ليست ادّعاءات نضاليّة، لكنّها تأكيد أنّه حتّى حين تبدأ الدبّابات بإطلاق النيران، ويصبح النزول إلى الشارع نوعاً من الانتحار، فإنّ التوق إلى الحريّة كفيل بابتكار آلاف الوسائل لإيصال الصوت.
أولئك النسوة وهبن أعزّ ما يملكنه: إحساسهنّ بالأمومة. بتن كلّهنّ أمّهات لحمزة الذي لم يمُت. وحمزة لم يعد طفلاً. لقد كبر فجأةً ألف عام ليجسّد كرامة سوريا التي رفضت عبر تاريخها الطويل أن تموت إلا واقفةً.
أفلام الاعتصامات المنزليّة متوفّرة على «يوتيوب». لكن لا يمكن مشاهدتها مرّة واحدة. لا بدّ من إعادة الفيلم مرّات ومرّات للتحقّق أنّنا لسنا أمام مشهد سورياليّ. نحن أمام مشهد شديد الواقعيّة. «نحن نوجّه أصواتنا من داخل منازلنا لأننا نخشى ألا نعود لأطفالنا إن نزلنا إلى الشارع… هنا لا توجد دبابات. حريّة». يكمن السحر كلّه في هذه البساطة. في رفض أدوار البطولة، والإصرار في الوقت عينه على عدم الرضوخ. فالمشهد السوريالي ليس هنا داخل المنزل، بل في الخارج حيث جنون السلطة لا حدود له. فائض القوّة لا يواجَه بالقوّة، بل بالإصرار على الضعف. على ممارسة الضعف، لكن بعناد، وتحويل هذا الضعف إلى قوّة تغيير. هكذا يبدو النشيد الوطني السوري يخرج من أفواه تلك النساء نشيداً للموت، كأنّهنّ في جنازة يردْنَ تحويلها إلى صلاة من أجل الحريّة. كأنّهنّ خفضْنَ كلّ نوتات العنفوان في النشيد ليطوّعنه فيصبح ملائماً لما آلت إليه أحوال الوطن.
«حُـماةَ الـدِّيارِ عليكمْ سـلامْ/ أبَتْ أنْ تـذلَّ النفـوسُ الكِرامْ/ عَـرينُ العروبةِ بيتٌ حَـرام/ وعرشُ الشموسِ حِمَىً لا يُضَامْ»…
حُـماةَ الـدِّيار. حقاً عليكم سـلام.
الأخبار