أوهام قاتلة/ برهان غليون
هذه ليست المرة الأولى التي يوجه فيها كمال اللبواني طعنة للمعارضة ويشوه صورتها ويدمر صدقيتها بحديثه عن مبادرة تتخلى فيها سورية الثورة عن الجولان مقابل دعم اسرائيل للنشاط الرامي إلى إسقاط نظام الأسد.
كل ما كتبه اللبواني في هذا الخصوص، وبصرف النظر عن النوايا، قائم على أوهام محضة. وهو عدا عن ذلك مليء بالتناقضات.
فإسرائيل، أولا، ليست عدوة لنظام الأسد حتى تساهم في إسقاطه لصالح المعارضة، وإنما هي عدوة الشعب السوري، وبسبب هذا العداء، وتناقض المصالح، حمت النظام السوري وتعاونت معه ولا تزال. ومعظم السوريين يعتقدون عن حق أن الأسد ما كان ليبقى لولا حساباته الايجابية تجاه اسرائيل، وقبوله الحفاظ على أمنها، بصرف النظر عن حديثه عن المقاومة أو الممانعة، التي انتزع “قيادتها” وتسلط عليها، عن طريق حزب الله أو من دونه، من أجل قطع الطريق على أي مقاومة فعلية لاسرائيل.
وثانيا، لا تحتاج إسرائيل إذا تناقض وجود نظام الاسد مع مصالحها إلى جهود وصفقات كمال اللبواني حتى توجه له ضربة قاضية، ولن تفعل ذلك لأي سبب إذا لم يتفق مع هذه المصالح.
وثالثا، لاتحتاج اسرائيل إلى اللبواني للحصول على الجولان وهو أصلا تحت سيطرتها لا تحت سيطرته، ولا إلى توجيه ضربة للأسد ووقف الاستنزاف السوري إذا لم يتفق هذا مع مصالحها أو مصالح حلفائها الدوليين .
هذه الأوهام والمحاكمات السطحية تحاول أن تجذب قطاعا صغيرا من الرأي العام السوري بدأ يفقد ايمانه بنفسه أمام الكارثة الوطنية والانسانية، ويعتقد أن صمود النظام دليل على إرادة إسرائيل في بقائه، وأن كسب اسرائيل هو وحده الذي يفتح طريق زواله.
الواقع أن اسرائيل ليست الطرف الوحيد ولا الرئيسي في معادلات القوة التي تحكم اليوم الصراع المرير والدامي في سورية. تقليص الأمور إلى هذا المستوى يدل على جهل كامل بالوقائع الاستراتيجية ومعطيات السياسة الاقليمية والعلاقات الدولية. بالتأكيد اسرائيل هي المستفيدة الرئيسية من الكارثة الانسانية والوطنية التي تحل بسورية لكنها ليست صانعتها. صانعها الحقيقي هي ايران، وروسية الاتحادية، وإسرائيل تقطف بعض ثمارها، بالمناسبة ومن دون أن تحتاج إلى بذل أي جهد.
تخلي المجتمع الدولي والولايات المتحدة بشكل خاص عن حماية الشعب السوري، وترددها في التدخل لصالحه، يأخذ بالحسبان من دون شك المصالح الاسرائيلية في تدمير القوة الاستراتيجية السورية واستنزاف شعبها لتسهيل استسلامها في المستقبل، لكن دافع هذا التخلي ليس حماية اسرائيل لا الآن ولا في المستقبل، إذ ليس هناك أي تهديد سوري، ولا حتى عربي لاسرائيل، لا الآن ولا في مستقبل منظور. الدافع الحقيقي هو تغير استراتيجية الانتشار والسيطرة الامريكية بعد فشل استراتيجية الهجوم للاحتفاظ بقيادة العالم، وانكفائها على مراجعة سياستها الكلية في اتجاه مواجهة الصعود الآسيوي الكبير الذي يهدد تفوقها، وبالتالي نفوذها العالمي، على جميع المستويات، العسكرية والتقنية والاقتصادية.
ما يعبر عنه كمال اللبواني هو هرب قطاع مدمر من الرأي العام السوري، على قاعدة من الرمضاء للنار، نحو الاستسلام لعدو ليس له ولن يكون لديه لا رحمة ولا شفقة على شعب كان مصدر خطر على اسرائيل في الماضي نظرا لقيمه الوطنية وقربه، وأصبح مصدر خطر أكبر اليوم بعد أن تحول إلى ساحة لعنف متعدد الأشكال، ومرتع للتنظيمات المتطرفة، والحروب الإقليمية والدولية.
اسرائيل هي آخر من يمكن للسوريين أن يفكروا فيه لانقاذ بلادهم وتخليصهم من بطش وإرهاب نظام كان أكبر رصيد له عند المجتمع الدولي تحييده قوى الشعب السوري لصالح إسرائيل ومشروعها الاحتلالي. أما توجيه أنظار السوريين الملوعين والمشردين في اتجاهها، وتغذية الأوهام بإمكانية الحصول على مساعدتها، لقاء التخلي عن حقيقة سورية الوطنية ومبادئها وروحها، فهو أكثر من خطأ سياسي، إنه خيانة لسورية وتاريخها، وجريمة في حق المعارضة التي لم يتوقف اللبواني عن كيل الاتهامات لها وتقويض صدقيتها وتوريطها في مواقف لا غاية منها سوى تمزيقها وشق صفوفها وتشويه سمعتها.
اللهم إلا إذا كانت أوهام اللبواني السياسية بالون اختبار، يترجم رغبة بعض القوى الاقليمية في استخدام الكارثة السورية لتغيير التحالفات الاستراتيجية العميقة وتهديم المباديء الكبرى التي قامت من حولها الفكرة العربية، أي وحدة الثقافة والهوية والمصير التي تطمح الشعوب العربية أن تؤسس عليها مشروع التعاون والتضامن والتكامل بين الدول العربية كمصدر للنهضة والأمن والاستقرار والازدهار.في هذه الحالة ستكون هذه الأوهام مصدر إلهام لسياسات لا تخون حقيقة سورية ولا تشكل جريمة بحق المعارضة فحسب، وإنما تعمل على تقويض المشرق العربي برمته.
\\ كاتب سوري \\
المدن