إدارة التوحّش/ امين قمورية
قبل نحو عقد خرج علينا كتاب صادم يكشف عنوانه خطورة مضمونه، هو “إدارة التوحش”، لمؤلف لقبه “أبو بكر ناجي”. وملخص المنشور يستند الى نظرية تدعو الى مزيد من التخريب والفوضى في المجتمعات والدول تمهيدا للعبور الى دولة الاسلام المنتظرة منذ سقوط الخلافة. وقد اضطلع هذا الكتاب بدور محوري في تشكيل وعي الجماعات الإرهابية، وكان عبارة عن مجموعة مقالات نشرت في مواقع الإنترنت، ولم يلتفت كثيرون في حينه إلى أن هذا الفضاء يمكنه أن يبث فكرا تفجيريا لا يقل خطورة عن أسلحة الدمار الشامل.
ويلاحظ في الكتاب قسوة اللغة والبرود الشديد في الحديث عن العنف والتفجيرات وقتل المخالفين، وكأن أشرطة الفيديو عن الذبح وقطع الرؤوس صدى لهذه اللغة الخالية من اي احساس بشري. كما يحدد الكاتب مراحل الوصول الى السيطرة المباشرة من خلال خطوات محددة تبدأ بـ”النكاية” ثم “التوحش” فـ”إدارة التوحش” وصولا الى “التمكين” لقيام الدولة. ويركّز الكتاب على المرحلة التي تلي التوحش وتفكيك الدول بالحرب الداخلية وهي مرحلة إدارة هذا التوحش وإقامة دولة الخلافة على أنقاضها.
ويحدد مهمات “إدارة التوحش” من طريق السيطرة على مناطق الفوضى وتوفير الطعام والعلاج ونفقات الحياة للسكان وتأمين المنطقة عبر إقامة تحصينات دفاعية والتدريب لتطوير القدرات القتالية للمجاهدين مع بناء جهاز مخابراتي صغير حتى لو اقتضى الأمر شراء قلوب “المنافقين” ببعض المال مع استمرار الاغارة على الأعداء لإرهابهم وغنم أموالهم وسبي نسائهم لسد حاجة المقاتلين، ويتم التركيز على التمكن من مصادر العدو الرئيسية كآبار النفط وتنويع الضربات واتساعها لإرباك صفوف الخصم وتشتيت قواته.
الكتاب ليس اكتشافا جديدا، لكنه يؤكد ان ما يفعله “داعش” واخواته اليوم في العراق وسوريا ومحاولات تعميم “التوحش” والفوضى في مناطق اخرى، ليس عملا ظرفيا تقتضيه التطورات القتالية او الانتقامية، انما هو عمل وفق تخطيط مسبق ودراسات أعدت لهذا الغرض. وهكذا يمكن فهم كون التنكيل وصور القتل التي تبعث الخوف وهذه الفوضى العارمة وتهجير الاقليات وابادتها ليست وليدة المصادفة، ولا هي أعمال انفعالية تقوم بها جماعات خارجة عن الرقابة، ولا نتيجة فتاوى تكفيرية او جهادية بنت ساعتها، بل هي افعال مقصودة جرى التخطيط لها في اطار رؤية عامة وقراءة تاريخية.
المؤسف، انه عوض ان تواجه هذه الخطط الجهنمية المدروسة بعناية، بخطط نقيضة وجهد فكري وبرودة عقل، ترانا ننساق وراء الغرائز والفتن والعصبيات والتسابق الاعلامي مساهمين في نشر ما تريد هذه الجماعات نشره من اشاعة للخوف والفوضى وتقديم الخدمات المجانية لها لايصالها الى مبتغاها اللئيم.