إسرائيل وسيناريو سقوط الأسد
ماجد الشيخ
يرى العديد من الباحثين ومراكز الأبحاث الإسرائيلية والغربية، أنه على الرغم من انعدام اليقين بالنسبة لطبيعة تطورات الأحداث في سوريا، فإنه يتحتم على إسرائيل أن تعمل ضمن الافتراض بأن نظام الأسد في صيغته الحالية لن يبقى. في ظل يقين عبرت عنه صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية في تقرير لها قبل فترة، حين نقلت مضمون إفادة ادلى بها القائد الاعلى لحلف شمال الاطلسي (ناتو) في أوروبا، أمام الكونغرس الاميركي، مفادها أن التهديدات لإسرائيل لم تتزايد في الفترة الأخيرة بل تراجعت، ما جعل إسرائيل أكثر أمناً من أي وقت مضى، ويعود السبب جزئيا لما يجري في سوريا.
ويومها سُئِل الأميرال في البحرية الأميركية جيمس ستافريدس، وهو قائد القوة الأميركية – الأوروبية، أثناء إدلائه بإفادته أمام الكونغرس (عن التهديدات ضد إسرائيل). وكان مستجوبه هو النائب روب ويتمان من ولاية فرجينيا، الذي احتج بأن “عدم الاستقرار في المنطقة مقترنا بالتهديدات المتعددة لإسرائيل ازادادت في العام الماضي” وسأله عما إذا كانت القيادة الأميركية الأوروبية تقوم “بضمان الدفاع عن إسرائيل واستقرار المنطقة”.
وأجاب ستافريدس: “أولاً، من المؤكد أن إسرائيل في منطقة متقلبة من العالم، وربما اقول إن التهديدات على إسرائيل لم تزدد خلال العام الماضي. وإذا أخذت المنظور الاوسع لتاريخ إسرائيل المعاصر، فمن المؤكد أنها الآن اكثر أمنا مما كانت عليه في 1948 و 1967 و1973، او حتى خلال الانتفاضتين الاولى والثانية”. وأضاف: “إسرائيل حاليا لديها معاهدتا سلام مع اثنتين من جاراتها الأربع. والجارة الثالثة، سوريا، تمر الآن بمرحلة من الصراع الداخلي الخطير، وليست في وضع يهدد إسرائيل عسكريا. وأخيراً فإن التهديد الذي يمثله حزب الله اللبناني في الجارة الرابعة تم ردعه من خلال هجمات مكشوفة في حرب 2006.
جوانب إيجابية
وفي الاتجاه ذاته، لفت الخبير في مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، التابع لجامعة تل أبيب، أودي ديكل، في دراسة نشرها على موقع المركز الالكتروني، إلى أن لسقوط نظام بشار الأسد جوانب ايجابية، مع التشديد على إضعاف المحور الراديكالي بقيادة إيران، ولكن أيضاً له آثار سلبية ونشوء تحديات جديدة لإسرائيل، وبالتالي على دوائر صنع القرار في تل أبيب، رغم رافعات التأثير المحدودة، أن تبدي نشاطًًا زائدًا لغرض بناء الظروف الملائمة لمواصلة بلورة ما أسماها “سياسة مبادرة”، تكون في الوسط بين البديل الأمني والبديل المصمم. يكون أساسه إضعاف الدعم للنظام السوري ولحزب الله، لمنع تسريب الوسائل القتالية الإستراتيجية ومواد الحرب الكيماوية إلى جهات متطرفة، وردع بشار الأسد من استخدام مواد الحرب الكيماوية، وإقامة قنوات حوار مع محافل المعارضة أو القيادة البديلة، والتوجه إلى الجمهور السوري عبر وسائط الاتصال القديمة والحديثة، وإقامة مراكز مساعدة إنسانية في حالة وصول لاجئين إلى هضبة الجولان.
ورأى ديكل أنه في ظل التغيير في الوضع الاستراتيجي القائم حاليا في المنطقة، اتسع مجال المصالح المشتركة لإسرائيل وتركيا، وذلك بالتشديد على التطلع لاستقرار نظام مركزي ومسؤول في سوريا، ومنع انتقال الأحداث إلى الدول المجاورة، وتقليص نفوذ ما أسماها “مجموعات جهادية متطرفة”، إضافة إلى ذلك فإن لتركيا والسعودية توجد دوافع التأثير الرئيسة على المعارضة، وبالتالي من المجدي النظر مرة أخرى في إمكانية استئناف التعاون الاستراتيجي بين تركيا وإسرائيل.
وعلى الرغم من هذا الاحتمال، فقد رأى ديكل إن صورة الوضع الحالي، قد تؤدي إلى جملة من السيناريوهات المحتملة، والتي هي في معظمها سلبية لإسرائيل، وبعضها متداخل أو متطور بالتدريج، والسيناريوهات الأساسية هي:
سقوط نظام بشار الأسد، وانحلال المنظومة السلطوية والجسم السياسي، ونشوب حرب أهلية وصراعات طائفية لا هوادة فيها، وفي ظل ذلك، تطهير عرقي وتحركات للسكان إلى تجمعات ومراكز نفوذ للطوائف.
الثاني: قدرة حكم جزئية، النظام (بشار نفسه، زعيم آخر، أو مجموعة زعماء علويين) ينجح في البقاء، ولكن يبقى ضعيفا ويفقد شرعيته، ويبقى مسيطراً بالقوة على المحور الطويل للمركز، دمشق – حمص – حلب والخط الساحلي، ويفقد السيطرة الناجعة على مناطق في المحيط، ومع ذلك تبقى سوريا تؤدي دورها جزئيا كدولة.
الثالث، بحسب الخبير الإسرائيلي، هو نشوء منظومة سياسية مختلفة، تتشكل داخل سوريا، وصعود نظام مختلف على أساس اتحاد قوى في المعارضة، وينجح في الأداء بنجاعة ويثبت الاستقرار، في ظل خلق توازنات بين الطوائف والقوى المختلفة.
أما الرابع، فيتمثل في الفوضى وانعدام السيطرة، أي أن نظام بشار الأسد يسقط، بينما لا يوجد نظام مركزي ناجع، سوريا تصبح ميدان قتال عام لقوى متطرفة، بدعم من لاعبين خارجيين، يتنافسون الواحد مع الآخر، إيران مقابل السعودية ودول الخليج، تركيا مقابل الأكراد، الولايات المتحدة مقابل روسيا وغيرها، وفي ظل ذلك، يستمر اجتذاب مجموعات متطرفة من الخارج إلى سوريا، ونشوء حرب المبعوثين.
أما السيناريو الأخير، فهو التدخل الخارجي بقيادة الأسرة الدولية، في أعقاب حدث شاذ جداً في بدايته، وعمل عسكري يؤدي إلى إسقاط حكم بشار الأسد، ولاحقًا إقامة نظام جديد في عملية طويلة، تتضمن مصالحة داخلية وإصلاحات ديموقراطية.
تحديات جديدة
وبرأي ديكل، فإنه من وجهة النظر الإسرائيلية، معظم السيناريوهات التي فُصلت أعلاه، تنطوي بداخلها على إمكانية كامنة لنشوء تحديات جديدة وتهديدات لإسرائيل، ولا سيما التخوف من تحول هضبة الجولان إلى منطقة مجابهة عسكرية، الأمر الذي ستستغله منظمات متطرفة ومعادية لتتحدى إسرائيل، عبر تسريب وسائل قتال إستراتيجية ومواد كيماوية إلى حزب الله ومجموعات متطرفة أخرى، أو من خلال مبادرة إيرانية لمهاجمة إسرائيل من خلال حزب الله أو مبعوثين آخرين.
إضافة إلى ذلك، هناك قلق لدى إسرائيل، من صرف الانتباه عن الموضوع الإيراني، الأمر الذي سيسمح لإيران بمواصلة برنامجها النووي، ومع ذلك يوجد في السيناريوهات المعروضة أيضًا فرص، كنتيجة لضعف المحور الراديكالي، إحداها تغير ميزان القوى في لبنان، وخيار لإعادة تحريك عملية نزع القدرات الإستراتيجية من حزب الله. وفي كل الأحوال، لغرض المضي قدمًا في الفرص المختلفة، المطلوب هو أعمال فاعلة ومبادرات من جانب إسرائيل والولايات المتحدة والأسرة الدولية، على حد تعبير ديكل. الذي يشير إلى أنه عندما تتم دراسة مصالح إسرائيل في سياق الأزمة السورية، تظهر الأهداف التالية: الهدوء والاستقرار الأمني، ونشوء نظام جديد في سوريا يكون مسؤولاً ومستقراً، ويؤدي دوره ولا يكون معادياً لإسرائيل، ويُخرج سوريا من المعسكر الإيراني، ويسمح بنفوذ غربي متصاعد فيها، ومنع تسريب وسائل القتال الإستراتيجية إلى جهات متطرفة قد تلجأ لاستخدامها ضد إسرائيل.
وفي استخلاصات البحث، يقترح الباحث عددا من الخطوات، منها، على سبيل الذكر لا الحصر، بناء شروط لبلورة نظام آخر في سوريا، وذلك من خلال مساعدة القوى المعارضة، والمس بمراكز الدعم والمساعدة لنظام بشار الأسد، كما أنه تتوفر فيه فرصة لمعالجة حزب الله، من خلال دوافع سياسية، واقتصادية وربما عسكرية. إلى جانب ذلك تفعيل مبادرات إنسانية وإقامة قنوات حوار مع صانعي الرأي العام في سوريا ومع قوى المعارضة.
وفي ما يتعلق بالخيار الأمني من جانب إسرائيل، يقول الباحث أنه ينبغي أن يركز على تقليص التهديدات الأمنية، الحالية والمستقبلية. وفي هذا الإطار، إدارة معركة سرية لمنع تهريب وتسريب الوسائل القتالية ووسائل الحرب الكيماوية إلى جهات متطرفة، مع ردع نظام الأسد من مغبة استخدام مواد الحرب الكيماوية ضد مواطنيه، أو تسليمها لحزب الله، وتعزيز عناصر الدفاع في هضبة الجولان وتحسين الجاهزية لمواجهة التحديات الأمنية المتطورة. أما الاقتراح الأخير، الذي يستعرضه الباحث فهو ما يُسميه الوقوف جانبًا، أي أنه لا يزال من السابق لأوانه تأبين نظام الأسد، الذي في كونه ضعيفًا هو خير لإسرائيل، مقارنة مع باقي الخيارات التي هي مجهولة وغير معروفة.
المستقبل