إعادة إعمار سوريا.. سِرُّ الحرب/ مالك ونوس
يخال المتابع لما يتم تداوله حول إعادة إعمار سوريا أن عوائد الخطط الموضوعة لهذا الأمر هي ما يقف خلف استمرار تدمير سوريا وإطالة عمر الحرب فيها. وللتجربة قم بإدخال عبارة «إعادة إعمار سوريا» أو «إعادة بناء سوريا» باللغة العربية أو الإنكليزية إلى أي محرك بحث، فما الذي ستجده؟ مئات آلاف النتائج التي تتحدث عن هذا الموضوع، عن التكاليف وعن المدة الزمنية التي تتطلبها إعادة إعمار ما تهدم من سوريا، أو سوريا برمتها ببنيتها التحتية واقتصادها. وهي عملية تحسب لها الشركات العابرة للحدود الحساب منذ طلقة النار الأولى التي تطلق على جندي أو مدني، فما بالك بمشاهد التدمير بالتفجيرات أو الصواريخ أو البراميل المتفجرة. كما تحسب لها الحكومات الحساب عينه، الحكومات التي سكتت عن مشهد الدمار هذا، أو تلك التي موّلته. فقد سال اللعاب للعقود المرتقبة، ودَفَعَت أرجلُ الكون عجلةَ التهديم للأمام وبقوة.
فبإخفاق أيٍّ من طرفي الصراع في الحسم العسكري، وبغياب الحل السياسي أو تغييبه، بقي الطريق سالكاً أمام الحرب. وازداد الانقسام وازداد عدد الأفرقاء المتقاتلين. وتصدر قرارات دولية وتخترع أزمات جديدة تطيل أمد الصراع الذي يتمدد فتتمدد معه المساحات المدمرة في بقايا المدن والحواضر. ويأخذ المخططون الوقت الكافي لرسم خرائط إعادة البناء، لتخرج علينا بين الفينة والأخرى أرقام وتقديرات ومِدَدٌ تظن أن واضعيها هم أنفسهم واضعو روزنامة الحرب وخرائطها.
ولا يخفى على أحد حاجةَ الدول الكبرى إلى جبهات عمل جديدة، خصوصاً عندما يدخل اقتصادها في طور التأزم. جبهات يكون ثالوث إدارة الاقتصاد ومحركه حاضراً فيها بامتياز. فثالوث صناعة السلاح الأميركية والدواء والنفط (أو الطاقة) علاوة على صناديق الإقراض مثلاً، يبقى بحاجة دائمة لأسواق جديدة أو غير مألوفة تضخ الدماء في عروقه وتحميه من الانهيارات الدورية إن مسه ركود ما أو تراجعٌ في مؤشراته. وقد بدأت الأنباء تتحدث عن توزيع الأدوار والأعمال والحصص حين تنتهي الحرب.
«لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا» تحققت من أن الحرب ألحقت أضراراً باقتصاد البلاد تصل إلى 60 مليار دولار. وأن إعادة البناء تتطلب، حسب خطة قدمت للحكومة السوريا، 22 مليار دولار للمنازل و6 مليارات للبنية التحتية واستقدام 40 في المئة من العمالة المطلوبة. ورأى أن توفير المبالغ المطلوبة يمكن أن يتم عبر الاقتراض من الصناديق الدولية التي عادة ما تفرض شروطاً تكون مدمرة لاقتصاديات الدول النامية.
ويأتي أيضاً في هذا الإطار ما تناقلته وسائل الإعلام السورية الرسمية أو القريبة منها أوائل الشهر الماضي من دراسة حديثة قدرت تكلفة إعادة البناء بـ73 مليار دولار وفترة الإنجاز بـ3 سنوات وهي فترة قصيرة نسبياً بل خرافية إذا ما قورنت مع الفترات التي يتطلبها تنفيذ الأعمال في سوريا والتي تتعثر فيتعذر إتمامها بسبب الفساد الذي يتخللها. ذلك في وقت قدر آخرون التكلفة بـ200 مليار دولار. ويتم الحديث عن دور لروسيا والصين وإيران وحتى للبنان في إعادة البناء إن بقي النظام. وللدول الغربية ودول الخليج وتركيا والشركات المتعددة الجنسيات إن سقط. كما يستمر الحديث عن تأسيس صناديق في الغرب مخصصة لتوفير التمويل، في حين أن هنالك أصواتاً تقول إن أموال الفساد إن عادت للخزينة، كفيلة وحدها بإنجاز الأمر.
ومن السيناريوهات التي يتم وضعها من قبيل استقدام عمالة خارجية، أو الاعتماد التام على الاستدانة من الصناديق الدولية، يبدو أن الشعب السوري سيخسر في إعادة الإعمار مثلما خسر في الحرب. وإن تم الأمر على هذا المنوال فسيعيد تكرار تجربة الشعب العراقي الذي خسر جراء الحرب ثم جراء خطط إعادة البناء التي شابها الكثير من الفساد. فانعدام القدرة على توفير التمويل الداخلي يحتم رهن اقتصاد سوريا وثرواتها الباطنية للفاعلين سداداً لفواتير قد يستمر صدورها عقوداً من الزمن.
السفير