إفشال جديد للسلام/ ميشيل كيلو
في المرة الأولى، أفشلت روسيا مفاوضات جنيف، بحجة أن الوضع الميداني الذي كان قد أنتج وثيقة جنيف واحد تغير لصالح النظام، وأن السلام لا يستمر إذا لم يأخذ بالاعتبار أن هذه الوثيقة حبر تمحوه الوقائع التي يجب أن يعبر عنها، ويصنع انطلاقاً منها. بهذا الموقف، أبطلت روسيا وثيقة جنيف واحد التي كانت قد وافقت عليها يوم 30 يونيو/ حزيران عام 2012، وأصدرتها بالتعاون مع بقية دول مجلس الأمن الدولي، ثم شاركت في التحضير لمفاوضاتٍ تنفذ بنودها في ما عرف بـ جنيف 2، وفي مقدمتها تشكيل “هيئة حاكمة انتقالية”، تقود سورية إلى البديل الديمقراطي المنشود.
غيّرت موسكو موقفها لأسبابٍ تتصل بخلافات استراتيجية مع أميركا، لا علاقة للسوريين وثورتهم بها، لكنها انعكست عليهم بصورة كارثية، أدت إلى استمرار الحرب ضدهم وتصعيدها وتوسيعها، وإلى إمعان النظام الأسدي في قتلهم وتهجيرهم وتجويعهم ومحاصرتهم وحرقهم وتقطيع أوصالهم ، بتجاهل دولي صارخ، وتشجيع ودعم من روسيا التي تخلت عن السلام في جنيف في فبراير/ شباط من عام 2013، ومنحته فرصة إضافية لحسم المعركة.
بعد إفشال جنيف، توقعت المعارضة رداً دولياً، يعزز قدرتها على الصمود، وتحقيق تحول ميداني يرغم رافضي الحل السياسي من الطرف المقابل على قبوله، بيد أن العالم لم يفعل شيئاً مما كان منتظراً منه، ولم يقل حتى كلمة عتاب واحدة، تستهجن تنصل روسيا من التزاماتها تجاه الحل السياسي، على الرغم من أنها كانت قد بدأت في تصعيد تدخلها المسلح ضد الثورة السورية، كما لم يحرك ساكناً ضد إيران التي كانت ترسل أفواجاً متعاقبة من جيشها، ومرتزقتها اللبنانيين والعراقيين والأفغان، إلى ميادين القتال، بينما كان معظم العون الخارجي يحجب عن الثورة التي دخلت في حقبة بالغة الصعوبة، فقدت معها الكثير من إنجازاتها، خصوصاً بعد ظهور “داعش” وحربها ضد الجيش الحر.
في المرة الثانية، أي قبل نيف وشهر، قبلت روسيا في “فيينا 2” إطار مبادئ للحل، تفاهمت عليه مع أميركا و15 دولة بينها السعودية ومصر. هكذا، بدا وكأن عجلات قطاره ستدور من جديد، وأن على طرفي الصراع السوريين تعديل موقفيهما، والتخلص من أي خيارٍ يمكنه تصعيب انخراطهما فيه، والحؤول دون تخلي المعارضة عن مطالب يسّعر الخلاف حولها التناقضات الدولية، ونيران الحرب السورية، لأن تحقيقها صعب اليوم، وقد يكون ممكنا غداً، بفضل الانتقال الديمقراطي الموعود وتطوراته التي ستمهد الأرض لتلبيتها. توافق روسيا، اليوم، على مبادئ الحل كلامياً، وتفشله عملياً بتصميمها على سحق الجيش الحر، وشطبه من موازين القوى. وتفشله بربطه بصراعات دولية، إن حسمت لصالحها، أفشلت الثورة، وأسقطت رهانها الديمقراطي.
أمس، أفشلت روسيا السلام في جنيف، وهي تقاتل، اليوم، لكسب الحرب، ضاربة عرض الحائط بفيينا ومبادئها، فهل سيلتزم العرب، هذه المرة، بالموقف السلبي الذي تبناه العالم بعد جنيف، وسيتفرجون عليها، وهي تقضي على ثورةٍ صيّرتها التطورات ثورتهم، بكل معاني الكلمة، أم أنهم سيرون في هزيمتها هزيمةً لهم أيضاً، وخطراً يهدد بلدانهم، وسيبادرون إلى بلورة رد فعل على الهجوم الروسي/ الإيراني المشترك عليهم؟ في المقابل، هل ستقبل واشنطن سيطرة موسكو على حوض المتوسط الشرقي، وحصر تركيا عسكرياً عن شمالها وجنوبها؟ وهل ستتجاهل أيضاً سقوط المشرق في يد إيران، بدعم عسكري روسي مباشر، بينما تتصاعد أصوات مقربة من بوتين، تدعو إلى استخدام القوة ضد بلدان الخليج، بحجة أن تغيير أنظمتها يعني كسب الحرب في سورية؟
أسئلة إن قفز العرب عنها دقت الهزائم أعناقهم.
العربي الجديد