إما تربح سوريا, أو نخسر جميعاً
لقد عانت سوريا بما حدث في درعا نكباتٍ بعدد قطرات الدم التي سالت على الأرض.. قطراتٌ لم يكن يجب أن تخرج من وريد صاحبها و لم يكن يجب أن تتحرك إلا داخل جسده النابض بالحياة. الدّم خط أحمر و ليس فقط بسبب لونه, و كلّ من يسيّله, أياً يكن السبب و أياً يكن المبرر و الدافع, هو مذنب بحق الإنسانية و بحق الوطن و بحق كلّ مواطنيه و ﻻ يستحق أيّ تفهّم أو دعم أو حتّى تجاهل, بل كل الإدانة و كل المطالبات بمحاسبته, أياً تكن هويّته, و أياً تكم مكانته, فلا مكانة تعلو فوق رهبة الموت.
…
مع كلّ قطرة دمٍ تسيل.. نخسر جميعاً و تخسر سوريا
مع كلّ بادرة عنف جسدي أو معنوي أو لفظي من سوريّ نحو آخر بسبب التباين في الرأي نخسر جميعاً و تخسر سوريا
مع كلً تصرّف غير واعٍ أو غير مسؤول أو خارج سياق التصرّف الحضاري نخسر جميعاً و تخسر سوريا
مع كلً قمعٍ أو إساءة لحقوق و حريات المواطنين, بغض النظر عن أفكارهم و آرائهم.. نخسر جميعاً و تخسر سوريا
مع كلّ صوت موتور أو حاقد أو مدمن على الكراهية, أياً يكن مصدره, يعلو فوق صوت العقل و التعايش السلمي و اﻻحترام و إدارة اﻻختلاف بشكل حضاري و بنّاء نخسر جميعاً و تخسر سوريا
مع كلّ زنزانة للرأي و قيد للكلمة و التعبير نخسر جميعاً و تخسر سوريا
مع كلّ بادرة إقصاءٍ أو إزدراء أو تحقير للآخر و كلّ اعتقادٍ خاطيء بأن المرء و اعتقاداته السياسية أو الدينية هو الوحيد المصيب و الصحيح و المستقيم و ما عداه خائن أو كافر أو عميل أو منتفع أو منافق و أنه قادر على استحواذ وطنٍ يلبسه على مقاسه و يطرد الآخرين منه أو يلغيهم… نخسر جميعاً و تخسر سوريا
ألسنا طلاّب انتصار لسوريا لننتصر جميعا؟
…
ما حدث و يحدث في اللاذقية الجميلة مؤسف و مؤلم, و لا يمكن احتمال التصرّفات اﻻجرامية الشاذة العنيفة و الكريهة و الإرهابيّة ضد المواطنين الأبرياء و الآمنين.. و علينا أن نشجبها و نندد بها و نستنكرها و نحاربها بكل الوسائل الممكنة دون أي تردد و أن نقف بوجهها و بوجه من يحرّكها ﻷنه عدو لسوريا و للسورييّن جميعاً أيّاً تكن هوّيته أو حجته, و ليس من المقبول بأي شكل من الأشكال الخلط بين أفعال إرهابية بكل معنى الكلمة و بين تعبيرٍ حضاري عن الرأي أو تظاهر سلمي لمطالبة بحق (اختلفنا مع مطالبات هذه التظاهرة أم اتفقنا, ﻻ مشكلة, المهم أن تكون سلمية و ذات أهداف غير إقصائية أو تمييزية أو داعية للكراهية من أي نوع). فالخلط بين الممارسة الوطنية المشروعة و الإرهاب المجرم خطيئة ﻻ تأتي إلا عن جهل أو عن سوء نيّة..
و كلّ التحيّة و اﻻحترام للشباب الواعي و الوطني و للشخصيات من مختلف التوجهات و اﻻنتماءات الذين علمنا أنهم نزلوا للشوارع لطمأنة الناس و لوأد أيّ إشكالٍ أو شقاق يمكن أن يحدث بسبب زعرنة الإرهابيين القذرين. و أدعو جميع الأخوة في الوطن و الوطنية بغض النظر عن أي اختلاف وتباين في الرأي و اﻻنتماء إلى رفع الصوت واحداً و قوياً و عالياً من أجل سوريا و ضد الطائفية و الطائفيين, فهم أحقر و أحط من أن يتمكنوا أن ينالو من وحدتنا الوطنية و تعايشنا الحضاري و مساواتنا في الوطن و أمام الوطن.
…
نحتاج لثقافة وطنية متكاملة, للغة و خطاب جامعين لكلّ المواطنين السوريين بمختلف أطيافهم و آرائهم, فوق كل اعتبار فئوي أو حزبي أو مذهبي أو عرقي, ثقافة تنبذ العنف و الإقصاء و الإلغاء و كمّ الأفواه و التكفير و التخوين و التحقير, ثقافة ترفع سقف الوطنية الجامعة فوق رؤوس اﻻختلاف و المختلفين الذين يحترمون حق الآخر و حريتّه و ﻻ يحاولون إلغاءه أو إسكاته.. و لدى الشعب السوري العظيم من الوعي و الحكمة و حسن التدبير ما يكفي للعمل على استكمال بناء هذه الثقافة الوطنية و أن تكون مضرب مثل في كلّ العالم. فقط نحتاج لممارسة الحوار الحضاري و للتعبير عن آرائنا بشكل سلمي و حضاري, و لذلك يجب أن تدخل سوريا مرحلة جديدة من رفع سقف الحريات إلى ما ﻻ يتعارض مع سلامة الوطن و مواطنيه. إن وطناً حرّ بمواطنين أحرار و مسؤولين و ثقافة حرّة منفتحة و متقبّلة للاختلاف و مشجّعة على الحوار هو حصن منيع و قلعة صامدة مهما كان العدو قوياً و مهما كان ماكراً, و لذلك ننادي بفتح المجال آمناً و حرّاً للممارسة الفكرية و للرأي و التعبير بأشكاله السلمية و الحضارية لقطع الطريق بحزم و قوّة عن كلّ من يريد الخراب و التخريب لبلدنا الجميل و لأهله.
…
إن الطريق إلى المواطنة الديمقراطيّة و المساواة و الحرّية مستقيم و مباشر دون أي ميلان أو انحراف أو تعرجات مهما كان طويلاً. و هذه الأهداف لا يمكن أن تكون غايةً لأي وسيلة خارج الإطار السلمي و الحضاري من حوار و تعبير و إبداء رأي و مشاركة فكرية.. فلا يمكن إقحام أي سلوكيات اقصائية أو داعية للعنف أو تمييزية من أي نوع, و من يفعل ذلك يتسلّق على أهداف سامية لغايات و نوايا معادية لهذه الأهداف السامية الكريمة, و لذلك فعلى كلّ من يؤمن بها الوقوف بوجه هذا التسلّق اﻻنتهازي القذر بكل شجاعة و صلابة و قوّة.
…
فلتسقط الطائفية و العشائرية و الإقليمية و المناطقية و التعصب من كل الأنواع, و ليحيا التعايش الوطني الجامع لكل أبناء الوطن دون تمييز سياسي أو ديني أو عرقي أو جنسي من أي نوع.
…
عشتم و عاشت سوريا جميلة و سالمة و مزدهرة و معطاءة لجميع أبنائها إلى الأبد
…
http://networkedblogs.com/fU0Kh