إنهاء الرعب السوري/ تركي بن فيصل آل سعود
العالم اليوم لا تشغله قضية أعظم أهمية وأشد إلحاحاً من الحاجة إلى إنهاء الحرب الأهلية في سورية. كانت فترة العامين ونصف العام الماضية كارثة حلت على السلام والاستقرار وإحساسنا بالإنسانية المشتركة، فقد صُدِم العالم إزاء المشاهد المفجعة للعنف المروع المستهتر ضد المدنيين، ووفقاً لأحدث تقديرات الأمم المتحدة فإن أكثر من مئة ألف سوري، بمن في ذلك العديد من الأطفال، فقدوا حياتهم نتيجة للسلوك الإجرامي الذي يمارسه نظام بشار الأسد.
والآن هناك أكثر من مليوني لاجئ سوري في البلدان المجاورة وأكثر من أربعة ملايين نازح داخل سورية، ومع قتل المحتجين السلميين، وقصف الأحياء السكنية، وإعدام الجنود الذين يرفضون إطلاق النار على مواطنيهم، واستخدام الأسلحة الكيميائية، ظهرت صورة لنظام يتحدى بشكل منهجي المعايير الأخلاقية والقانونية الدولية الأساسية.
وما لم يكن العالم يشعر بالارتياح والرضا لمشاهدة المذبحة تستمر بلا هوادة، فإن النظام السوري لابد أن يُزال هو وأدواته القمعية، وقبول المجتمع الدولي على هذا النحو المخزي لإفلات الأسد وأعوانه المخلصين من العقاب يُعَد وصمة في ضمير العالم. وسوف يظل تردد زعماء العالم والدعم الهازئ المتغطرس الذي تقدمه روسيا والصين للأسد وصمة عار يحملها هؤلاء الزعماء إلى الأبد، ودعم إيران للنظام السوري ليس أقل من جريمة حرب.
والواقع أن تمثيلية الرقابة الدولية على ترسانة الأسد الكيميائية التي تجري الآن كانت ستصبح مسلية لو لم تكن غادرة على هذا النحو الصارخ، ففي حين سمحت هذه المهزلة للرئيس الأميركي باراك أوباما بالتراجع عن تهديده بالتدخل العسكري رداً على استخدام النظام للأسلحة الكيميائية، فإنها سمحت للأسد أيضاً بالاستمرار في ذبح شعبه، ومن السخف أن نتصور أن تعليق وزير الخارجية الأميركي جون كيري “الارتجالي” حول تدمير مخزون سورية من الأسلحة الكيميائية كان أي شيء سوى مدخل جيد التصميم لمسرحية روسيا الدبلوماسية، وبالتالي إخراج الولايات المتحدة من ورطتها.
وإذا كان العالم، خصوصاً الشعب الأميركي، يعتقد أن إزالة أسلحة الأسد الكيميائية كفيلة بإنهاء المذبحة التي تنفذها حكومته ضد الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، فإن هذا يعني ببساطة أن كل مظهر من مظاهر التفكير العقلاني والاهتمام الإنساني ومراعاة المصلحة الوطنية ذهب أدراج الرياح.
إن منع الأسد من استخدام آلة القتل التي يمتلكها بأي وسيلة ممكنة، بما في ذلك شن ضربات موجهة ضد قواته الجوية ومراكز القيادة والسيطرة، هو السبيل الوحيد لوقف إراقة الدماء في سورية، ولكن رغم الوعود العلنية التي بذلها كيري بتزويد المعارضة السورية بالأسلحة- حتى بعد أن أعلن أوباما أن الأسد لابد أن يرحل- صرَّح مارتين ديمبسي، رئيس الأركان المشتركة في الولايات المتحدة بأن وزارة الدفاع الأميركية لا تخطط لأي شيء من هذا القبيل، ولكن ما الهدف من إلقاء تصريح كهذا غير زرع اليأس والغمّ في أنفس الضحايا ونقل الشعور بالارتياح والنجدة إلى نظام إجرامي؟ الحق أنني لا أستطيع أن أستوعب كيف يمكن للمرء أن يوفق بين مثل هذه التناقضات.
إذا واصلنا تأجيل التحرك العسكري، فسنضطر إلى التدخل بقوة أكبر عندما تنتشر المذبحة إلى لبنان وإسرائيل والأردن وتركيا والعراق. والواقع أن لبنان أصبح بالفعل على شفا حرب أهلية بعد انهيار حكومة نجيب ميقاتي، وتسبب تدخله المباشر في سورية من قِبَل “حزب الله” وكيل إيران اللبناني لمنع سقوط الأسد في تفاقم التوترات الطائفية القديمة في البلاد. والشاهد على هذا، الهجمات الأخيرة بالسيارات المفخخة في المنطقة التي يسيطر عليها “حزب الله” في بيروت وفي مدينة طرابلس الشمالية، وإذا كان للقانون والنظام أن يسودا فلابد أولاً من تحييد “حزب الله”، ولابد من تقديم قتلة رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري- الذين كلفهم النظام السوري باغتياله- إلى العدالة.
والحق أن المملكة العربية السعودية تبذل قصارى جهدها لتقديم المساعدة في هذا الصدد، فهي تقدم المعونات المالية إلى لبنان في محاولة لإعادة بناء دولة أقوى وأكثر استقراراً، ودحر النفوذ الإيراني، ونحن نمارس الضغوط منذ فترة طويلة من أجل نزع سلاح “حزب الله”، كما ساعدنا الحكومة بما يقرب من مليار دولار في هيئة مساعدات مالية واعتمادات لشراء أسلحة للجيش اللبناني، وسنواصل القيام بذلك على مدى العقد المقبل، ولكن ما لم يبدأ المجتمع الدولي- خصوصاً الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة- الوفاء بالتزاماته في سورية، فإن المال لن يكون كافياً لمنع المزيد من الفوضى والدمار.
* رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، وكان يشغل منصب مدير عام المخابرات العامة في المملكة العربية السعودية في الفترة 1977-2001، كما شغل منصب سفير المملكة العربية السعودية إلى المملكة المتحدة والولايات المتحدة.