إنها الحرب إذاً؟
حبيب فياض
يبدو أن المعسكر المعادي لدمشق، سيجد نفسه قريباً في حالة فراغ وإفلاس في التعامل مع الأزمة السورية، نتيجة استعجاله في إنفاق رصيده المتواضع من اوراق الضغط على نظام بشار الأسد بغية تغييره وإسقاطه، ما سيجعل هذا المعسكر، في النهاية، محشوراً بين المراوحة المكانية والمواجهة العسكرية المفتوحة، طالما أن المعطيات الداخلية السورية لا تكفي وحدها لإحداث التغيير «المنشود».
فالدول العربية المناوئة لدمشق، والتي لم يعد أمامها سوى إسقاط النظام في سوريا، تعويضاً عن خسارتها نظام حسني مبارك في مصر، ومنعاً لاختلال التوازن بين محوري الاعتدال والممانعة في الإقليم.. هذه الدول، ما الذي تبقى في جعبتها سوى الاصطفاف خلف الموقف الغربي، للتصويت ضد دمشق في المحافل الدولية؟ وهي التي استنفدت جهودها بعد توفير الدعم المالي والتسليحي والإعلامي للمعارضة السورية، وصولاً إلى تعليق عضوية دمشق في الجامعة العربية، وإجهاض الحل العربي تمهيداً للتدويل أو التغريب.
أنقرة التي تريد، بدورها، إسقاط النظام في سوريا، من أجل التوازن إقليمياً مع طهران، عبر إمساكها بالساحة السورية مستقبلا، على غرار ما تراه إمساكاً إيرانياً بالساحة العراقية.. حيث استهلكت أوراقها في دعم المعارضة والجماعات المسلحة السورية والتضييق على نظام بشار الأسد.. أنقرة هذه، ماذا بإمكانها أن تفعل بعد غير إقامة منطقة عازلة لإيواء المسلحين؟ وهو ما ستعتبره دمشق عملاً عدوانياً، قد يستدعي منها الرد بطريقة تؤدي إلى تغيير مسار الأزمة برمتها.
كذلك أميركا ومن معها من الأوروبيين الذين لا يعنيهم من الأزمة السورية سوى أمن إسرائيل ومصالحها.. هؤلاء، ما هو المتاح أمامهم غير اللجوء إلى الخيار العسكري لحسم هذه الأزمة، بعد استنفادهم خيار العقوبات الغربية، وفي ظل اصطدامهم بالفيتو الروسي والصيني المشهور بوجههم في مجلس الأمن؟
أما المعارضة السورية المنقسمة بين الداخل والخارج، فتكاد تكون ضائعة في خضم تسارع الأحداث وعجزها عن مواكبتها، ودورها في الأزمة يكاد يقتصر على الظهور الإعلامي، والمسارعة إلى عقد لقاءات لا طائل منها، سوى إضفاء شرعية على تدخل الخارج، والتذكير بأنها ما زالت موجودة طرفاً في الأزمة السورية.
وحدها إسرائيل تلوذ ظاهرياً بالصمت، خوفاً من أن يؤدي دخولها على خط الأزمة السورية إلى إفساد المخطط، فيما هي تعلم بأن معركة الغرب ضد سوريا إنما تـُخاض من أجلها وبالنيابة عنها، وبأن الهدف النهائي من الأزمة هذه هو إراحتها من نظام بشار الأسد والإتيان ببديل حاضر للدخول معها في معاهدة سلام على طريقة أوسلو ووادي عربة.
إذاً، نحن أمام اضطراب في المشهد. خصوم دمشق يريدون إسقاط النظام السوري، ضمن مخطط متكامل يظهر فيه كل شيء ما عدا خيار المواجهة العسكرية، فيما هم يعمدون إلى استنفاد الأوراق وتصفير الحلول، بحيث لن يعود أمامهم سوى هذه المواجهة بتداعياتها! فهل لدى هؤلاء تعمد مستتر لدفع الأمور بهذا الاتجاه بحيث باتوا جاهزين للدخول في الحرب المتدحرجة؟ أم أنهم مستمرون بالمراهنة على سياسة العقوبات ودعم الجماعات المسلحة، بانتظار أوراق خبيئة يلعبونها في حينها؟
وإن كان المعادون لدمشق قد استعجلوا في استخدام أوراقهم، فهل أبطأ النظام السوري وحلفاؤه في استخدام ما لديهم من أوراق؟ أم ان هذه الأوراق متروكة للحظة استشعار الخطر الذي يعتقدون أنه ما زال بعيداً عن سوريا؟
مذنب من لا يكون إلى جانب الشعب السوري فيما لو كانت أزمته مع نظامه .. ومذنب ايضاً من لا يكون إلى جانب هذا النظام فيما أزمته، هو وشعبه، مع كل هؤلاء..ونحن في لبنان أدرى الناس بهؤلاء.