إيران في مواجهة أزمة سوريا
فايز سارة
تبدو ايران اليوم في مواجهة خيارات صعبة تتعلق بعلاقتها مع سوريا، والسبب الرئيس لصعوبة الخيارات الايرانية، يكمن في طبيعة العلاقات الايرانية ـ السورية القوية، والتي جرى نسجها وتعزيزها على مدار اكثر من ثلاثة عقود من السنوات، كفلت للبلدين تعاونهما في المجالات عديدة والابقاء على علاقاتهما الاستراتيجية خارج كل التحديات التي واجهت تلك العلاقات أو كانت ذات تأثير عليها.
لقد بدا من الطبيعي، ان تعلن ايران موقفها المؤيد للسلطات السورية في مواجهة الحراك الشعبي بما تضمنه من احتجاجات وتظاهرات، ولم يشفع لهذه التظاهرات شعبيتها وزخمها ونداءاتها المطالبة بالحرية والكرامة، فاعتبرتها السلطات الايرانية «جزءاً من مؤامرة خارجية» تستهدف سوريا والمقاومة وهو هدف يمس ايران ذاتها، ولم يقتصر موقف طهران على معاداة الحراك السوري، بل تضمن تأكيد دعمها السياسي والمادي للسلطات السورية وسياساتها في مواجهة الحراك الشعبي.
غير انه لم يكن للموقف الايراني ان يستمر في مواجهة الحراك السوري، وفي الدعم السياسي والمادي للسلطات السورية، خاصة مع تصاعد غضب شعبي في الشارع من مواقف ايران، فبدأ الايرانيون تغييرات في موقف طهران، كانت منها الاشارات الى مطالب مشروعة للشعب السوري ينبغي الاستجابة لها، وكان ذلك يمثل محاولة ايرانية لتوازن جديد في موقف ايران، وتناغما مع مواقفها المؤيدة لثورات الربيع العربي، وقد زاد الايرانيون الى موقفهما من الحراك السوري أمرين اثنين، اولهما فتح قناة اتصال مع معارضين سوريين للبحث في موضوع الازمة ومستقبل سوريا وعلاقاتها، والثاني دعوة الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد إلى الحوار بين الحكومة السورية وشعبها والابتعاد عن العنف على أشكاله، قبل ان يقترح اللجوء الى عقد قمة إسلامية للمساعدة في معالجة الازمة السورية، وهو اقتراح لم يجد له صدى عند السلطات السورية.
ولا يمكن فصل هذا التطور في الموقف الايراني من الازمة في سوريا عن ثلاثة عوامل مهمة، اولها ان الحراك الشعبي أكد استمراريته وزخمه، وانه غير قابل للاخضاع رغم الاستخدام المفرط للقوة ضده قتلاً وجرحاً واعتقالاً في جملة سياسة إخضاع شاملة، والثاني ان النظام عجز عن الاتيان بحل للازمة باستثناء استخدام قوة الحل الامني/العسكري في مواجهة ما يقال عن مؤامرة وجماعات مسلحة، بالتزامن مع كلام عن إصلاح، لا يمس جوهر النظام ولا يستجيب لمطالب الحراك السوري. والعامل الثالث، انه مع استمرار الازمة في سوريا بتداعياتها السابقة، اتجهت تداعياتها الخارجية الى التصاعد بالانتقال من إدانة سياسات القوة التي تستخدمها السلطات السورية ضد الشعب والمطالبة بإصلاحات جوهرية الى فرض عقوبات تطال مسؤولين سوريين كباراً، قبل الانتقال الى مطالبة الرئيس السوري بالاستقالة في اطار ضغوطات متصاعدة.
ان دعم ايران للنظام في سوريا، ارتبط بقدرة النظام على تشكيل قوة سياسية ومادية تتوافق مع سياسة ايران وتدعمها، ولا سيما في ساحتين لهما أهمية مركزية في استراتيجية هما لبنان حيث حزب الله نصير ايران هناك وقوتها المعلنة، وفلسطين حيث حركة حماس الحليف الفلسطيني لإيران، وكلاهما يحتاج الى دور سوري للاستمرار والوجود في استراتيجية طهران الاقليمية، ولا شك بأن تلبك النظام في سوريا أو انهياره سوف يؤثر سلباً على استراتيجية ايران وعلاقاتها، وعليه من الطبيعي دخول ايران على خط نصح النظام وحضه على القيام بخطوات تساعد على تجاوز الازمة، ومن الطبيعي توجه طهران للبحث في احتمالات ما بعد النظام في سوريا، وهو موضوع كثر الحديث عنه في الاوساط الايرانية في الشهرين الأخيرين وسط تكتم رسمي شديد، حيث لا يرغب الايرانيون بالمزيد من الإربكات لحلفائهم في دمشق، لكنهم في الوقت نفسه لا يريدون أن يكونوا، هم واستراتيجيتهم أو جزء منها، في مهب الريح.
كاتب وناشط سياسي سوري