إيران وإسرائيل في سوريا: هل تغيرت قواعد الاشتباك؟ -مقالات مختارة-
سوريا: مشاريع الاشتباك ومسميات «الشيطان»/ صبحي حديدي
ليس جديداً التذكير بالنظرية الشهيرة التي اعتمدتها الولايات المتحدة وإسرائيل، على نحو متطابق أحياناً، في تبرير مواقف الحفاظ على نظام «الحركة التصحيحية» إجمالاً، الأسد الأب أسوة بوريثه الابن؛ وكذلك، استطراداً، في قراءة الانتفاضة الشعبية ضدّ هذا النظام، ربما منذ الساعات الأولى لانطلاق تظاهرات الاحتجاج السلمية. تلك النظرية كانت تقول، ضمن المنطق الذرائعي الشهير، إنّ الشيطان الذي نعرف لتوّنا (آل الأسد، حسب سجلات حروب 1972 و1982 والمخيمات الفلسطينية و»عاصفة الصحراء»)، خير من أيّ شيطان بديل لا نعرفه (كائناً مَن كان، ليبرالياً أم إسلامياً أم ديمقراطياً أم…).
ومؤخراً، بدأت واشنطن وتل أبيب تسدد أثمان تلك النظرية، التي لم تتبدل عناصرها الكبرى مع ذلك، خاصة ثنائية الحفاظ على النظام والإشراف على إنهاكه في آن معاً؛ وإنْ أخذت تدخل عليها عوامل تشويش ليست عابرة، وبعضها قد يتصف بأبعاد ستراتيجية عميقة. ثمة هنا ثلاثة مشاريع، إيراني وروسي وتركي، قابلة للتعيش معاً رغم تناقضاتها التكوينية، وقادرة على تعكير صفو النظرية الأمريكية ـ الإسرائيلية. ومنذ قرار واشنطن قصف قوات النظام شرق الفرات (مع معرفة وجود أعداد كبيرة من مرتزقة «فاغنر» الروس)؛ وقرار تل أبيب قصف القواعد الإيرانية، على الأرض السورية، التي انطلقت منها طائرة «الفينيق» الإيرانية المسيّرة؛ لم تتغير قواعد الاشتباك، كما بات يُشار على نطاق واسع في التغطيات الصحفية والتحليلات العسكرية، فحسب؛ بل توجّب أن تتعدّل ركائز النظرية ذاتها.
ذلك لأنّ «الشيطان» الذي عرفوه لم يعد يدعى آل الأسد فقط، بل لعلّ هؤلاء قُذفوا إلى الصفوف الخلفية من ميدان الاشتباك، وثمة اليوم أسماء مثل حسن نصر الله وقاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وأكرم الكعبي؛ وأسماء أقلّ شأناً ولكن ليس أقلّ حضوراً مثل آل جابر، محمد وأيمن وإبراهيم، قادة ميليشيات «صقور الصحراء» و»مغاوير البحر» الذين يتمتعون بدعم لوجستي وعسكري روسي في منطقة الساحل. وثمة، إلى هذا وذاك، خضوع «الشيطان» إياه، شاء أم أبى، إلى مقتضيات اختلاف المشاريع أو ائتلافها، على أرض باتت اختزال صورة الصراعات الجيو ـ ستراتيجية الكونية الأسخن بلا منازع.
ولأنّ الطائرات تساقطت من جنسيات أربع، روسية وتركية وإيرانية وإسرائيلية، خلال أيام قلائل، هنا وهناك في سماء سوريا وعلى أرضها؛ فإنّ ما يتغير جوهرياً لم يعد مقتصراً على قواعد الاشتباك أو الخطوط الحمر، بل بات يتوخى تفادي انفلات تلك القواعد والخطوط إلى مستويات يصعب ضبطها، كأنْ تنقلب إلى حروب مصغّرة، صانعة لحروب أكبر. واضح، مثلاً، أنّ الضربات الإسرائيلية التي استهدفت الدفاعات الجوية للنظام السوري، بعد إسقاط الطائرة، لم تكن لها سابقة أشدّ في النطاق والنوعية إلا سنة 1982، خلال الغزو الإسرائيلي للبنان. واضح، في المقابل، أنّ سكوت طهران والنظام السوري وقاعدة حميميم الروسية، ثمّ الاتصال الهاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو؛ كان سلوكاً يتوسل التهدئة، وليس التصعيد.
الاعتبار الجوهري الأهمّ، في نظر القطاعات الأوسع من أبناء الشعب السوري، يتمثل في أنّ نظام «الحركة التصحيحية»، هذا «الشيطان» الذي حظي في الماضي برعاية إسرائيل وأمريكا وروسيا وإيران وتركيا، على حدّ سواء؛ هو المسؤول الأوّل عن خرائب الاحتلالات والمشاريع الراهنة، التي ترسف سوريا في أغلالها. وما يُنتهك يومياً إنما هو إرادة البلد واستقلاله وكرامته الوطنية، وما يُقصف ويُدمّر هو منشآت سدد السوريون أثمانها قسراً، طيلة عقود من حكم استبداد وفساد ونهب و»ممانعة» زائفة، على حساب حقوقهم في التنمية والتعليم والصحة والبنية التحتية السوية.
وليس أقلّ دلالة، ومضاضة ومأساوية، أنّ الطيران الحربي الإسرائيلي والأمريكي والروسي والتركي يواصل قصف أبناء سوريا، كلٌّ حسب ما يقتضيه مشروعه في البلد؛ وأنّ «الشيطان» دون سواه شريك غير صامت أبداً، ولكنّ ضدّ أبناء الشعب السوري، أولاً وأخيراً وحصرياً.
القدس العربي
حرب معلنة لا يريد أطرافها أن تندلع/ أكرم البني
اللافت أن الرأي العام كان محقاً في استبعاد نشوب حرب إقليمية بعد الغارات الإسرائيلية على مواقع عسكرية في العمق السوري تعود غالبيتها للقوات الإيرانية، ولم يخدعه إسقاط طائرة إسرائيلية أو عبارات التهديد والوعيد التي عادة ما يطلقها قادة تل أبيب وطهران ضد بعضهما بعضاً. وإذا استبعدنا نظرية المؤامرة التي يعتقد أصحابها بأن ما جرى مجرد مسرحية وزعت أدوارها جيداً لتسويغ ما بات يعرف بصفقة القرن، أو لتلميع وجه أنظمة الممانعة التي لم تعد تشكل خطراً جدياً على دولة إسرائيل، فثمة عامل جديد لا يصح اليوم إغفاله وقد ساهم في تثبيط تلك المواجهة العسكرية وتخميد تداعياتها، وهو دور موســكو المتصاعد في تقرير شؤون المنطقة، والتي ما أن أطلقت صفارة النهاية حتى امتثل جميع الأطراف لمطلب التهدئة ووقف التصعيد.
الكلمة المسموعة لقيادة الكرملين لم تتأت فقط من وزن سياسي فرضه تدخل عسكري قلب موازين القوى في سورية لمصلحة النظام وإيران، أو من انحسار فعالية واشنطن وتراجع دورها وتأثيرها عالمياً، أو نتيجة عمق المصالح الروسية وخشيتها من نشوب حرب إقليمية قد تخلط الأوراق بصورة لا ترضيها، وتعيد بناء مواقف واصطفافات تشرع الأبواب على تطورات ربما تجهض ما تخطط له وتفقدها فرصة تاريخية لتمكين نفوذها المشرقي، وإنما أيضاً بسبب حضور دوافع ومصالح ذاتية لدى مختلف الأطراف المعنية بالحرب للانصياع لإرادة موسكو ومطالبها.
تصح قراءة السبب في قوة اللوبي الصهيوني في روسيا وتنامي قدرته على التأثير وخلق أفضل التفاهمات بين موسكو وتل أبيب حول أحداث الشرق الأوسط، يحدوه وجود مليون ونصف مليون مستوطن إسرائيلي هاجروا من روسيا ودول الاتحاد السوفياتي السابق ولا تزال تربطهم علاقات متعددة الأشكال مع بيئتهم القديمة، وتحدوه أساساً الوعود والتطمينات التي تقدمها قيادة الكرملين لحكومة إسرائيل بأولوية الحرص على أمنها ولجم تمدد طهران ومخططاتها، مثلما تصح قراءته من حاجة إيرانية متصاعدة للغطاء الروسي مع انحسار هامش مناورتها، وتفاقم مشكلاتها في الإقليم، وفشل رهانها بأن يفضي توقيع الاتفاق النووي إلى تخفيف حدة أزمتها الاقتصادية، ناهيكم بتواتر التهديدات ضدها من الرئيس ترامب وقادة أميركيون بصفتها راعية للإرهاب ولعدم الاستقرار في المنطقة. فكيف الحال مع وضوح دعم واشنطن للغارات الإسرائيلية وحماستها لتكرارها بأمل لجم شهية إيران التوسعية وتحجيم دورها الإقليمي؟
صحيح أن إسرائيل لا تخفي سعيها إلى النيل من أية محاولة لتغيير الستاتيكو القائم، وهي مستعدة للذهاب بعيداً لمنع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله ولإجهاض خطط الحرس الثوري في خلق ركائز عسكرية حولها ونشر بعض الميليشيات التابعة له بالقرب من حدودها، لكن الصحيح أيضاً أن ليس ثمة حافز ملح عندها كي تخوض حرباً ضد إيران وحلفائها، ما دامت قادرة بضربات مركزة على تحقيق أهدافها، وما دامت تدرك أن ما يعرف بمحور «المقاومة والممانعة» لم يعد يشكل خطراً داهماً عليها، وأن قدراته استنزفت ولا تزال تستنزف في صراعات التمدد الإقليمي، وما دامت تميل في حساباتها الإستراتيجية لاستثمار هذا المحور، إن لشل الحياة السياسية في بلدان الطوق وتدمير فرص بنائها وتطورها، وإن لإشغال الأطراف العربية ومحاصرتها.
منطقياً، وربطاً بالحراك الشعبي الفلسطيني والغضب العربي الرافضين لقرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، يمكن تفهم الفكرة التي ترجح نشوب حرب إقليمية بين تل أبيب وطهران، بصفتها إحدى الأوراق التي يمكن أن تلجأ إليها إيران للتهرب من معالجة الأسباب الحقيقية لأزماتها، ولتسويغ سياستها التدخلية في شؤون الإقليم، ولاستعادة شعبية اهتزت بصورة غير مسبوقة في الشارع العربي نتيجة ممارساتها العنفية والدموية في غير بلد، والأهم للرد على مستجدات بدأت تقلقها، منها تفاقم الاحتقانات الداخلية التي تجلت مؤخراً بتظاهرات شعبية مناهضة للحكومة شملت العديد من المدن، ومنها تصاعد حملة البيت الأبيض ضدها، من دون أن نغفل خسائر حلفائها في اليمن، وتحسّبها من أن يضعف تقدم الدور الروسي من وزنها ودورها في سورية والمنطقة.
لكن هيهات أن تخوض إيران مغامرة الحرب، وقد أنهكتها التدخلات المتعددة في سورية والعراق واليمن، فكيف الحال وأهل الحكم في طهران يدركون جيداً بأن زمن المناورات بحروب خارجية للالتفاف على الأزمة الداخلية وتشويه أسبابها قد ولى، بل يتحسبون من أن يؤدي افتعال صراع عسكري واسع مع إسرائيل في الظرف الراهن وما قد يرافقه من غارات تدميرية، إلى عكس الأهداف التي يبتغونها، والقصد أنهم يتحسبون من أن تفضح مناخات الحرب إن طال أمدها عوامل ضعفهم وزيف شعاراتهم وعمق الهوة التي تفصلهم عن مجتمعهم، ما يعجل في ردود أفعال الفئات المتضررة من سياستهم التدخلية التي كلفت الشعب الإيراني الكثير، ويزيد من احتمال تفكك قواهم وتحالفاتهم، كما تتراجع قبضتهم وعزم سيطرتهم في العراق وسورية ولبنان واليمن، فكيف الحال والجميع بات يعرف أن إعادة إحياء هموم مواجهة إسرائيل فقدت تأثيرها القديم عند بشر ملوا شعارات المقاومة والممانعة وخبروا جيداً كيف وظفت هذه الشعارات لتعزيز أسباب التسلط والاستئثار والقمع والفساد؟
الجميع يهدد ويتوعد بالحرب، ولكن الجميع يحرص عملياً على تجنبها، ليصح تفسير تصعيد طهران الأخير والتي طالما اكتفت بـ «أضعف الإيمان» رداً على ضربات إسرائيلية أكثر إيلاماً، بأنه محاولة لحفظ ماء الوجه ضد استباحة إسرائيلية طالت زمنياً وطاولت الكثير من مواقعها ومراكز حلفائها، أو في أحسن الأحوال كخيار اضطراري باتت الحاجة لتوظيفه تعبوياً وإعلامياً ملحة، إن لترميم مكانتها ومكانة محور الممانعة، وإن لشــحذ الهمم للمضي قدماً بخططها التوسعية، وإن لكسب نقاط تخفف من شدة أزماتها ومن مسؤوليتها عن تفاقم الاحتقانات والصراعات الطائفية والمذهبية وما آلت إليه أوضاع المنطقة من خراب.
الحياة
شرائط حدودية في سوريا/ عمر قدور
لم تكن مصادفةً أن تشن الميليشيات الإيرانية في سوريا هجومين على التوالي؛ الأول في دير الزور ضد قوات “قسد” المحمية أمريكياً، والثاني باختراق الحدود الإسرائيلية بطائرة استطلاع من دون طيار. في الهجوم الأول أوقع الطيران الأمريكي بالميليشيات خسارة فادحة لا تقل عن مئة قتيل، وفي تداعيات الاختراق الجوي قام الطيران الإسرائيلي بقصف ما لا يقل عن دزينة من الأهداف لقوات الأسد وحلفائه، في غارات وصفتها إسرائيل بالأعنف منذ عقود.
كالمعتاد توجهت الأنظار إلى إسقاط طائرة F16 الإسرائيلية، وذهب البعض إلى أن إسقاطها تحول نوعي في قواعد الاشتباك. بينما ساد التعتيم المعهود على المقلب الآخر، فلا أنباء عن الخسائر التي أوقعتها الطائرات الإسرائيلية المغيرة، ولا قتلى يُسلّط عليهم الضوء، أسوة بالمئة الذين تمت التضحية بهم في دير الزور لاختبار جدية النوايا الأمريكية. وبالطبع هلل أصحاب الممانعة لنصرهم الذين تمثّل بإسقاط الطائرة، وكأنهم هم الذين رصدوا وضربوا بنك أهداف إسرائيلي، بينما كان نتنياهو يردّ بما يستلزمه الوضع أصلاً فيؤكد على أن قواعد الاشتباك لم ولن تتغير.
ما أعلنه نتنياهو هو لبّ الموضوع، لأن قواعد الاشتباك التي تصرّ عليها إسرائيل هي شريط حدودي خالٍ تماماً من الميليشيات الشيعية بعمق 40 كيلومتر داخل الأراضي السورية، يُضاف إليه الحق في ضرب شحنات الأسلحة الإيرانية التي ترى فيها إسرائيل خطراً على أمنها. التأييد الأمريكي أتى سريعاً، ومن المعلوم أن الاتفاق على منطقة خفض تصعيد في جنوب سوريا بين واشنطن وموسكو سبق أن لاقى اعتراضاً إسرائيلياً لأنه لم يلحظ العمق المطلوب، وفي التأييد الأمريكي الأخير عودة إلى المطلب الإسرائيلي السابق وتبنّيه. أما عن تكرار استهداف الطائرات الإسرائيلية لاحقاً فقد أتى الرد الإسرائيلي بأن “الصواريخ لا تعرف الحدود”، وهو يشرح إمكانية الاستهداف بمختلف الوسائل وأقلها كلفة.
لقد خطف هذا الحدث الأضواء من بقية المجريات الميدانية، لكن سيكون من الأفضل دائماً قراءته ضمن اللوحة الكلية للصراع على سوريا والصراع فيها. مرحلة الصراع الحالية مختلفة عن وقائع السنوات السابقة لجهة تقدّم القوى التي كانت تخوض حروبها بالوكالة إلى الواجهة، ما يعني تدشين مرحلة جديدة من الصراع على سوريا، بعد أن سبق وطويت مرحلة الصراع السوري الداخلي، وأيضاً بعد اتفاق كافة القوى المنخرطة في الصراع على طي صفحة التغيير الديموقراطي الذي كانت المطالبة به فاتحة الصراع.
لن يكون هناك حل ديموقراطي للقضية السورية، ولن تعود سوريا إلى سلطة الأسد، ولن تعود سوريا إلى ما كانت عليه. لعل هذه هي الأطر التي تحدد المرحلة الحالية، وربما المستقبل أيضاً إذا نظرنا إلى المعارك الحالية بوصفها تنازعاً على الحصص وتأسيساً للمستقبل. وكما هو معلوم لا يتوقف الأمر عند رغبة إسرائيل في شريط حدودي بعمق 40 كيلومتراً، أنقرة أيضاً أعلنت عزمها على إنشاء شريط حدودي بعمق 30 كيلومتراً، وإذا أتى بذريعة الموضوع الكردي فإنه يعني من جانب آخر عدم تعويلها على وجود سلطة مركزية سورية مستقبلاً، أي أن حالة الضبط التي كانت سائدة من قبل لن تعود.
إننا في الواقع إزاء ثلاثة شرائط حدودية معلن عنها، حتى إذا لم تكن قيد الوجود الواقعي بأكملها، فالإدارة الأمريكية أعلنت عملياً عن بقائها ضمن الشريط الحدودي في الشرق والشمال الشرقي، وغاية هذا الشريط كانت الإشراف على الممر البري بين العراق وسوريا، أو بالأحرى بين طهران وحزب الله، ثم تطورت غايته المعلنة لتصبح التحكم بأي حل سياسي للقضية السورية، أو لتضع محاولات الاستفراد الروسي بالحل أمام خيار التقسيم.
ولعل الإعلان الأمريكي هو الذي فتح قضية الشرائط الحدودية كافة، فأنقرة تريد حصتها أيضاً، بينما كان الطيران الإسرائيلي يجوب الأجواء في غارات متكررة بلا رد، وضمن تفاهم بدا وثيقاً جداً مع موسكو. التصدي لهذه الخطوط مجتمعة قد يكون رغبة إيرانية، لكنها على الأقل مسنودة بدعم روسي إن لم تكن بتنسيق تام. فقوات الأسد راحت في الوقت نفسه تسهّل عبور المقاتلين الأكراد والأسلحة إلى عفرين على المحور الثالث للتصدي للغزو التركي، وهذا لا يمكن حدوثه إلا برغبة روسية وإيرانية، مع العلم بأن الأسد كان قد أبلغ الميليشيات الكردية رغبته في دعمها وعدم موافقة موسكو على ذلك، وربما يكون إسقاط مروحية تركية في اليوم ذاته الذي أُسقطت فيه الطائرة الإسرائيلية أبلغ “مصادفة”.
الواقع يشير أيضاً إلى مدى صعوبة التصدي للرغبات الأمريكية والإسرائيلية والتركية، حتى مع استثناء الوجود الأمريكي منها حيث قد يعني مجرد التحرش به استفزازاً غير مقبول إطلاقاً من الإدارة الأمريكية. لا يغيب عن الأذهان هنا أن نتنياهو كان أكثر من التقى بوتين من زعماء العالم قاطبة منذ بدء التدخل العسكري الروسي، وأن التفاهم الروسي/الإسرائيلي واحد من الخطوط التي إذا تجاهلتها موسكو فستكون تل أبيب قادرة على إثارة المتاعب لها، ويكفي حينها أن ترفع تل أبيب الفيتو الخاص بها على تسليح فصائل سورية، أو أن تعلن أنها لم تعد تريد بقاء الأسد في السلطة مع ما لهذا الإعلان من تداعيات على بعض صانعي القرار في الغرب.
أيضاً ثمة معضلة تخص التعاطي مع الجانب التركي، بما أنه كان طوال الفترة الماضية الطرف الضامن مع موسكو للعديد من الصفقات في سوريا، وكان شرطه الوحيد هو التخلص من الخطر الكردي. اليوم ليست حكومة أردوغان في أحسن حالاتها كي تقدّم تنازلاً باهظاً أمام موسكو من نوع وقف حربها على الميليشيات الكردية، فهي سلّفت موسكو أقصى ما في حوزتها من تأثير على الفصائل السورية، ومضت بهمّة في مسار آستانة لخفض التصعيد تمهيداً للانقضاض على المناطق المشمولة به، فضلاً عن تدهور علاقاتها بالحليف الأمريكي وبالغرب عموماً. وأن تضحّي موسكو بالحليف التركي الجديد فهذا ليس مستغرباً أو مستبعداً نهائياً، إلا أنه يعني تدهور التفاهمات والتوازنات الإقليمية التي بنتها حول تدخلها العسكري، واقتصار الأخيرة على تحالفها مع طهران بحيث تكون أسيرة متطلباتها أكثر من أي وقت مضى.
التكهن بمسار هذه المرحلة من المواجهات قد يكون صعباً، لأنها ربما تكون الأشد ضراوة إذا أخذنا في الحسبان خوضها لأول مرة علناً وبالأصالة، أي بالاستغناء عن ساعي البريد السوري المعتاد مع بقاء قسمته الوافرة كضحية. تقدُّم القوى الدولية والإقليمية إلى الواجهة قد يعني خوض المعارك الأخيرة لما قبل التسوية في ما بينها، وقد يعني بالمقدار ذاته أن حل القضية السورية وسوريا نفسها يتراجعان ليصبحا من الماضي.
المدن
روسيا وتحجيم إيران في سورية/ بشير البكر
كادت أن تندلع الحرب، السبت الماضي، على أرض سورية بين إسرائيل وإيران، ولكن جملة من العوامل حالت دون ذلك، أولها التدخل الروسي لدى الطرفين، من أجل ضبط النفس، واحترام قواعد الاشتباك التي وضعتها موسكو منذ تدخلها العسكري المباشر على الأراضي السورية في سبتمبر/ أيلول 2015.
هناك إجماع على أن الطرفين غير مستعدين لخوض الحرب الشاملة في هذا الظرف، لكنها كانت ربما ستقع من دون تخطيط مسبق، لو أن الحادث خرج عن مساره قليلاً، وأدى إلى خسائر أكبر في الجانب الإسرائيلي. ومع ذلك، لم يكن رد إسرائيل متناسباً مع “الاستفزاز” الإيراني بإرسال طائرة من دون طيار مسلحة بصاروخ، كي تحوم في أجواء فلسطين المحتلة، وأعلن الجيش الإسرائيلي أن الهجوم الإسرائيلي داخل الأراضي السورية هو الأكبر منذ عام 1982.
قامت إسرائيل بـ 12 غارة على أهداف عسكرية، منها أربعة أهداف إيرانية، والباقية تابعة لجيش النظام ضمن منظومة الدفاع الجوي التي تحركت بفعالية هذه المرة، وأطلقت 20 صاروخاً باتجاه الطائرات الحربية الإسرائيلية، وأصابت واحدةً منها، الأمر الذي يشكل مفاجأة في المقاييس كافة.
يجدر هنا التوقف أمام الموقفين الإيراني والروسي، كون طهران وموسكو تتحكمان بجزء كبير من سورية، وتتشاطران القرار الرسمي، ولا يمكن أن يحصل تطور من هذا المستوى من دون أن يعنيهما مباشرة.
صار واضحاً أن إيران أرادت توجيه عدة رسائل من إرسال الطائرة من دون طيار. والهدف الأول هو صرف الاهتمام الإسرائيلي عن التحضيرات الجارية منذ أسبوعين للتصعيد مع حزب الله في لبنان، وجرّها نحو الأراضي السورية. والهدف الثاني محاولة للرد على الغارة الأميركية التي استهدفت المليشيات التابعة لإيران وروسيا في منطقة شرق الفرات، وذهب ضحيتها أكثر من 100 قتيل من هذه المليشيات التي تحرّكت بقرار إيراني، من أجل السيطرة على حقول النفط والغاز في محيط دير الزور التي استولت عليها “قوات سورية الديموقراطية” الكردية. وقد سبق لواشنطن أن أكدت أن منطقة شرق الفرات ستكون خاضعة للسيطرة الكردية فقط.
أما الرسالة الإيرانية الثالثة فموجهة إلى موسكو التي تعمل، يوماً بعد آخر، على الاستحواذ على القسط الأكبر من القرار، فيما يخص الوضع في سورية. وتبين خلال الأشهر الأخيرة أن وتيرة العمل الإيراني الروسي المشترك قد خفّت، مع صدور عدة مواقف صريحة بأن روسيا سوف تتكفل بإخراج المليشيات الإيرانية من سورية، الأمر الذي تعتبره إيران من المحرّمات، في وقت بدأت بتكثيف عملية استقدام مليشيات عراقية إلى سورية، وتوجيه بعضها إلى منطقة الجولان.
لم تكن إيران لترسل طائرة من دون طيار نحو إسرائيل، أو أن ترد إسرائيل بغارات مكثفة على 12 هدفاً عسكرياً داخل سورية من دون علم موسكو، وكذلك التصدي للغارات باستخدام بطاريات صواريخ سوفييتية الصنع. ومن هنا، يطرح الموقف الروسي شبه المتفرج أسئلة كثيرة. هل أرادت موسكو ترك الطرفين يصلان إلى حافّة الحرب، ثم تدخلت لضبط الموقف؟
قد تكون الخطوة الإيرانية ذات أهداف تكتيكية، لكنها طرحت عدة حقائق. الأولى أن احتمال الحرب بين إسرائيل وإيران وارد جداً. الثانية، أن ساحة الحرب بين إيران وإسرائيل لن تكون في لبنان، وإنما في سورية، ولدى إسرائيل أهداف ثمينة. الثالثة، أن روسيا لن تمانع في توجيه إسرائيل ضربة كبيرة إلى إيران في سورية، تنهي وجودها العسكري ونفوذها السياسي كلياً. وهذا الأمر لاحظه خبراء روس تحدثوا عن إيران، أنها بدأت تثير متاعب لروسيا، بعدم احترام الخطوط الحمراء التي حددتها إسرائيل لها في سورية، بالاتفاق مع روسيا، وكلها تتعلق بنفوذ إيران وحضورها العسكري في سورية.
العربي الجديد
طائرة كل نصف قرن/ ميشيل كيلو
أخيرا، شرب ما يسمى “الجيش العربي السوري”، وهو ليس جيشا أو عربيا أو سوريا، حليب السباع، وتصدّى بعد قرابة نصف قرن لطائرات إسرائيل التي أغارت آلاف المرات على سورية، بما في ذلك بيت بشار الأسد، ورشق حزمة صواريخ عليها بأسلوب “يا ربي تجي في عينه”، فأصاب بالخطأ واحدة منها، كانت تضرب مواقع لقوات الاحتلال الإيراني. عندئذٍ، قرّر جنرالات إيران و”استراتيجيون” عرب، أطلوا علينا من تلفزيونات تحولت فجأة إلى ما يشبه تلفاز “المنار” الإيراني في بيروت، أن قواعد اللعبة بين النظام المقاوم وإسرائيل قد تغيرت، وتناسوا أن طائراتها هاجمت أربعة عشر موقعا لجيش العدوان الأسدي على السوريين، وأن إسقاط الطائرة حدث بالخطأ، ولو أن قواعد الاشتباك تبدلت، لكانت قواعد الصواريخ التي دمرتها الغارات قد أطلقت بعض قذائفها، ولما تم تدميرها بالكامل بين دمشق ودرعا، وإخراج مطارات التيفور والمزة وخلخلة من الخدمة، وإحراق معسكراتٍ لـ”حرس الطائفية الجمهوري”. اعتبر هؤلاء إسقاط طائرة إسرائيلية خلال قرابة نصف قرن “انتصارا للمقاومة”، بدّل موازين القوى بين نظام سلمه حافظ الأسد عام 1967 محافظة سورية اسمها الجولان، ثم سامحه بها في مقابل تسليمه السلطة، شريطة أن يحكم سورية بلدا محتلا. وهكذا كان، فحكمها مثل مندوب سام صهيوني في رئاسة الجمهورية، وفعل الأفاعيل بالسوريين، قبل أن يقبض الله روحه ويتولى ابنه الحكم، ويكمل مهمة أبيه في القضاء على “شعب الإرهابيين السوري”.
ما الذي تغير حقا بإسقاط الطائرة الإسرائيلية، إذا كانت طائرات إسرائيل دمرت ما أرادت تدميره لنظام “المقاومة”، بعيد سقوط الطائرة بساعات؟ وهل يعتقد “الاستراتيجيون” أن العدو الإسرائيلي لا يضع في حسبانه خسارة طائرة كل نصف قرن؟ لو كان يفعل ذلك، لما اعترف بسقوط طائرةٍ وقعت في فلسطين المحتلة، ولأسقط في يد المحللين الاستراتيجيين الذين قفزوا عن حقائق الصراع المذلة، ولما طبّلوا لجيش النظام الجبان الذي كان يقصف الغوطة بالطيران، بينما كانت طائرات إسرائيل تهاجمه، ولرفضوا التحدّث بلغة جنرالات طهران الذين أحرقوا إسرائيل عشرات المرات خلال الأعوام الماضية، من دون أن يرموها ولو بحصاة، ولغة مندوبهم السامي في لبنان، حسن نصر الله الذي حرّر فلسطين آلاف المرات (!).
تكمن قواعد اللعبة في قيام إسرائيل بالضرب حيثما أرادت، وكلما حلا لها أن تضرب، وبعدم الرد عليها، بحجة أن الزمان والمكان لم يكونا مناسبين للرد خلال نصف القرن المنصرم. أمس، أطلقت صواريخ أصابت طائرة، أعقبتها غارات بالعشرات لم يتم خلالها إطلاق صاروخ واحد، فأين هو تبدل “قواعد الاشتباك”؟ لم يكف الصهاينة عن الهجوم، ولم يجرؤ النظام على الدفاع، أليست هذه هي القواعد التي التزم بها بعد إسقاط طائرة إسرائيل بالخطأ، على الرغم من أن الغارات التي تلته استهدفت قواعد الصواريخ التي أصابتها ودمرتها؟
بقصر كلامهم على حدث جزئي هو إسقاط الطائرة، تبنّى الخبراء نظرة إيران، وتجاهلوا حقائق الصراع العسكري، والمضامين السياسية لما جرى، ولماذا صعّدت إيران موقفها العسكري، وهاجمت خلال أيام قوات يدعمها عسكر واشنطن قرب دير الزور، وأرسلت طائرةً مسلحةً بلا طيار إلى إسرائيل، وما هي علاقة محاولات جس النبض هذه، فيما يقال عن تبدل الأدوار الدولية، وليس “قواعد الاشتباك”، في سورية، بعد فشل مؤتمر سوتشي وإعلان واشنطن نهاية سياسة الانكفاء في العراق وسورية.
من المفهوم أن “يفوش” جنرالات طهران بعد إسقاط طائرة إسرائيلية، أما أن يغرق “خبراؤنا الاستراتيجيون” في شبر ماء فهذا ما ليس مفهوما أو مقبولا.
العربي الجديد
سورية: أكثر من اعتداء وأقل من رد … ونصف موقف/ سميرة المسالمة
بدّدت «الهيئة العليا للمفاوضات»، المنبثقة عن قوى الثورة والمعارضة السورية، شكوك النظام ومؤيديه، في ما يتعلق بموقفها من الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، في البيان الذي أصدرته عقب انتهاء اجتماعها (الرياض – 12/2)، والذي رفضت فيه أن تكون سورية ساحة للنزاعات الإقليمية، وبتأكيدها أن إسرائيل هي عدوة لكل السوريين، أي للمؤيدين والمعارضين، على حد سواء، متجاهلة بذلك زيارات متباعدة لبعض المحسوبين على المعارضة إلى الكيان الصهيوني، ما أعطى النظام على الدوام مادة حية لشن هجماته على أوساط المعارضة جميعها، باتهامه لها بأنها جزء من مؤامرة على النظام وحلفائه المشكلين لمحور المقاومة.
وعلى رغم أن البيان جاء في سياق ارتدادات إسقاط الطائرة الإسرائيلية من قبل الدفاعات الجوية السورية، إلا أنها- أي الهيئة- وجدت الفرصة متاحة لها للتعبير الضمني المؤيد والمساير للمشاعر الشعبية المتعلقة بهذا الحدث الجلل في المنطقة العربية.
ربما من المفيد القول إن إسرائيل عدوة للسوريين، والعرب جميعهم، على الأقل شعبياً، لكن، ورغم ذلك، فإن دولة الاحتلال، وهي دولة استعمارية وعنصرية وتمارس أبشع أنواع انتهاكات حقوق الإنسان ضد الفلسطينيين وتنتهك سيادة سورية، بغاراتها المتكررة بضرب القواعد العسكرية السورية والإيرانية، هي في الوقت ذاته ليست من ساهم بتحويل سورية إلى ساحة للنزاعات الإقليمية، إذ ظلت تنأى بنفسها عن ذلك، على الأقل بصورة علنية أو مباشرة.
هكذا فإن الجيش الإسرائيلي ليس بين الجيوش التي انتشرت قواعده على امتداد أرض سورية، كحال الدول الضامنة للحل السياسي، و «خفض التصعيد» في مناطق سورية عديدة، ومنها إدلب وريف دمشق، حيث تقصف القوات الروسية والإيرانية والتركية (إضافة إلى الولايات المتحدة)، كل على حدة، هذه المناطق، لأسباب تخصّ أجندة كل دولة، ما يخلف مئات الضحايا، شهداء وجرحى، وعشرات آلاف المشردين من منازلهم، وهدم أحياء في المدن والقرى، بما في ذلك مستشفيات ومدارس ودور عبادة.
إلى ذلك، فإن البيان الصادر عن الهيئة التفاوضية، على أهمية تضمينه الموقف من إسرائيل، يجاري إعلام النظام، إلى حد ما، بتحميله هذا الكيان المغتصب أراضينا الفلسطينية والسورية وزر كل ما يحدث، تحت بند المؤامرة، في تجاهل متعمد لأدوار الدول الداعمة لمكونات هذه «الهيئة»، لا سيما روسيا وتركيا، وفي المقابل ثمة تخفيف لمسؤولية النظام وحليفته إيران ومعهم «حزب الله» كمحور مقاومة.
وفي الواقع فإن ما أحدثه التدخل الإيراني في سورية من انعكاسات سلبية على الصراع، من حيث تغيير بنيته بين طرفين سوريين، أحدهما يمتلك السلطة، ويتغول من خلالها على الطرف الآخر، الذي واجهه باحتجاجات شعبية واسعة، تطورت بفعل انتهاج النظام الحل الأمني، الذي دعمته إيران، إلى ثورة شملت معظم الجغرافيا السورية، ثم توالت التدخلات على الجانب الآخر، الذي اعتبر تصريحات الدول التي سميت لاحقاً «أصدقاء الشعب السوري»، بمثابة وعود قطعية، ستؤدي إلى إنهاء نظام الاستبداد، وإقامة نظام ديموقراطي ينهي مأساة الحكم الأمني، الذي استمر خمسة عقود متتالية، وهو العامل الأبرز في تحويل سورية إلى ساحة صراع إقليمي مسلح، تمرر من خلالها إيران رسائلها الاستفزازية إلى دول الجوار كلها، وتعمل من خلال موقعها الاحتلالي لسورية على تعبيد طريقها المفتوح، من طهران إلى بغداد فدمشق وبيروت، من دون أن تنسى إيران «المقاومة» زرع الفتن والحروب الداخلية في اليمن والبحرين لزعزعة استقرار الخليج العربي كاملاً.
وعلى الجانب الآخر فقد تجاهلت هيئة التفاوض في بيانها ذكر حقيقة ما يحدث في سوريا من مجازر، تقوم بها الدول الضامنة لمسار آستانة، الذي وقع اتفاقيات خفض التصعيد في المناطق التي تشهد أعنف تصعيد في سورية، خلال سنوات الحرب الماضية، فحيث روسيا الدولة الضامنة للنظام تقصف مع شريكيها (النظام وإيران) بكل أنواع الأسلحة مناطق «خفض التصعيد» في ريف دمشق وإدلب، بينما تدك المدفعية التركية والطيران منطقة عفرين، من دون أي اعتبار لسورية هذه المناطق جغرافياً، وسكانياً، بغض النظر عن تنوع القوميات التي تسكن تلك المناطق من عرب وكرد وآخرين سوريين.
لقد تعاملت «الهيئة» مع الحرب في عفرين من مبدأ الحيادية حيث أقرت أهمية التهدئة، من دون التطرق إلى جوهر القضية بأن تركيا، الدولة الداعمة للائتلاف وكثير من الفصائل المسلحة- تتعاطى مع الوجود الكردي في سورية كأحد أخطار وجود حزب العمال الكردستاني، المحظور والمصنف إرهابياً في تركيا، من دون أن تعطي فرصة التعاطي مع حل النزاع السوري مع بعض أطياف الأحزاب الكردية ضمن الحل الساسي الشامل، لكل ما يحدث في سورية، ما يدفع اليوم الكرد للاستعانة بالنظام في وجه حرب لجيش دولة كبرى كتركيا يشن هجوماً على ما تسميه تركيا ذاتها ميلشيات، ما يعني حرباً غير متكافئة تعيد الكرد إلى النظام، كملجأ أخير لهم، أمام تقدم الجيش التركي مصحوباً ببعض الفصائل السورية، في حرب لا تخدم أجندة الثورة السورية، ولا تدخل ضمن معطيات المعارضة التي تتحدث عن دولة واحدة وشعب واحد!
هنا يمكن السؤال بجدية عن المغزى من أنصاف المواقف حول القضايا التي يناقشها اجتماع «هيئة التفاوض»، فمن جهة هو ممانع مع النظام ضد العدو الإسرائيلي، وهذا جيد، من دون التصريح عن موقفها من الخسائر أو الأخطار الناجمة عن تدخل إيران عبر هذا الاستهداف، ومن جهة أخرى، يتعامل البيان «بخفر» مع جرائم موسكو ضد الشعب السوري. أيضاً، وفي مكان آخر، في البيان، يتم التهرب من تصريحات أعضاء في الهيئة التي سبقت انعقاد مؤتمر سوتشي بالرعاية الروسية، والتي أكدوا فيها غير مرة أنهم: «غير معنيين بما ينتج عنه»، ليكشف البيان الصادر عن اجتماعهم أنهم منخرطون بمناقشة اللجنة الدستورية التي أقرها «سوتشي»، متناسين تصريحاتهم السابقة، بأن اللجنة الدستورية هي من اختصاص الهيئة الانتقالية، ما يهيئ للقول أن تجنّب انتقاد جرائم موسكو يدخل في صلب أنصاف المواقف، التي تتيح لبعض الهيئة ومنهم «منصة موسكو» تمرير ما لا يتماشى مع بيان الرياض 2، من خلال الهيئة، من دون أن تكلف هذه الأطراف نفسها عناء تحمل الغضب الشعبي من مواقفها.
من الملاحظ، في هذه المرحلة، وجود تقاطع في المصالح بين تركيا وروسيا وإيران في الصراع على سورية، ما يبرر تمرير مثل هذه البيانات الهشة من الهيئة، والتي تعبر عن توافقات باطنية بين الضامنين لمكونات الوفد، قبل أن تعبر عن واقع تعيشه المعارضة السورية، وينقسم بين رغبتها في المحافظة على موقعها التفاوضي مقابل النظام، وهذا يظنه بعض محدثي العمل السياسي قائم على: «التنازلات لمصلحة التبعيات»، وبين ما يحتاجه موقعها الوطني من مشروع سوري يجمع تحت جناحيه مصالح السوريين في دولة ديموقراطية، مع إبعاد شبح التدخلات الخارجية في صياغة التفاهمات حول هذه الدولة من خلال ادواتهم اللاوطنية، وبين المنقسمين ثمة من يعمل بالتوافق، الذي ينتج نصف الموقف حيث لا يمكن البناء عليه، كما لا يمكن التمسك به.
في معركة إسقاط الطائرة الإسرائيلية انتصر النظام على النظام، من دون أن يمرر هذا الانتصار أي هزيمة لإسرائيل، التي استباحت سوريا مرات ومرات إثر ذلك، ما يعني أن الانتصار كان على النظام ومنه وليس أكثر، وأن علينا أن نعترف بأن ما يحدث اليوم أكثر من اعتداء، وأقل من رد، وأنصاف مواقف من المعارضة.
* كاتبة سورية
الحياة
سورية والنفوذان الإسرائيلي والإيراني/ عمار ديوب
كان لبنان ملعباً للصراع بين إسرائيل وسورية، ولاحقاً حلّت إيران مكان سورية. شكّل ضعف النظام السوري سبباً لتصبح سورية مكان الصراع بين إسرائيل وإيران. أصبح لبنان بالنسبة إلى إيران “دولة” تابعة، وتحالف ميشال عون وحسن نصر الله سَهّلَ هذا الأمر. لم ينته الأمر في سورية بعد، وحجم التدخل الإقليمي والدولي ومساحة سورية الكبيرة وغياب كتلة “طائفية شيعية” يمنع ذلك حتى لحظته. محاولات إيران إيجاد “حزب طائفي كحال لبنان واليمن والعراق” لم تثمر، لانعدام الممكنات إذاً.
أبعدت الاتفاقية الدولية بعد حرب 2006 على لبنان حزب الله عن حدود “إسرائيل”، لكن غياب التوافقات بين أميركا وروسيا على إبعاد مليشيات إيران عن جنوب سورية وغربها كان سبباً للتأزم الإسرائيلي الإيراني. لم تأخذ الدول العظمى بعد بالاعتبار التّخوّفات الإسرائيلية. تحتج إسرائيل ذاتها، ومنذ سبع سنوات، لدى روسيا، ومع أميركا، من هذا الوجود، عدا أن إيران حاولت مراراً الاقتراب من الجولان، وتشكيل مجموعات متخصّصة “لإزعاج” إسرائيل، وفرض نفوذ ثابت لها في سورية معترف به. وإذا كانت التحركات الإسرائيلية تُلحظ من خلال العمليات الجوية، فإن كثافة المواقع العسكرية الإيرانية في سورية توضح خطورة التدخل الإيراني. إذاً هناك حرب باردة بين الدولتين، وتجري على الأراضي السورية.
ما يسمح بالوجود الإقليمي في سورية غياب التوافق الأميركي الروسي على شكل النفوذ في
“هناك تخوفات فعلية من تحويل سورية إلى أرضٍ لمعارك جديدة بين إسرائيل وإيران”
سورية، ووجود مصالح متناقضة بينهما. من وجهة نظر الثورة والوطنية السورية، كلّ تدخل على الأرض السورية هو ضدّ مصالح الشعب. وحقيقة الأمر كذلك، فالبلد الذي يُدمر ويُقتل شعبه ويُهجر، ويتراجع دور “النظام والمعارضة” في تقرير مستقبله، هو سورية.
يستند مشروع إيران إلى أذرع طائفية. وعلى الرغم من محاولاتها التنسيق مع النظام اقتصادياً وعلمياً، فإن الفشل سيرافقه، نظراً لمساندتها النظام وضد الثورة الشعبية، وكذلك اعتمادها الخيار الطائفي، والذي ترفضه الأغلبية السورية ومن كل الطوائف. أيضاً هناك رفض أميركي لوجودها، وهو أحد النقاط الذي تكلم عنها وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، “تحجيم إيران في سورية”، عدا عن وجود مصالح متناقضة مع روسيا، ظهرت مراراً، لكن التوافق يستمر بينهما، نظراً للخلاف المستمر بين الدولتين العظميين. وبالتالي، هناك أسباب عديدة تفرض تحجيم إيران، وليس فقط بسبب الشروط الإسرائيلية.
ظهر في السنوات الماضية ما يشبه “التنسيق” بين سوريين وجهات إسرائيلية، وآخر فصولها، ما أوضحه التحقيق الاستقصائي الذي نشرته “العربي الجديد” (7/2/2018) عن غسّان عبود، “تسريبات من داخل شبكة أورينت تكشف خيوط التعاون مع إسرائيل”، وقبله انتشرت تقارير عن علاقة ملهم الدروبي، وهو أحد قادة الإخوان المسلمين، مع إسرائيل، وهناك تقارير عن علاقات أخرى تتم في تركيا، وكذلك ذهاب وفد إعلامي أخيرا، ومعهم إعلامي سوري، ويضاف إلى ذلك كله حاجة الجرحى في المناطق المحاصرة بين إسرائيل والمناطق التي تحت سيطرة النظام. يظهر من ذلك كله وكأنّ هناك “علاقات” تتطوّر بين سوريين من غير النظام وإسرائيل، أو كأن هناك توافقات لصالح الجهتين وضد إيران، أو حتى من أجل علاقات مستقبلية “طبيعية”، وما يمنع ذلك فقط المشروع الإيراني.
بوضوحٍ شديد، لا علاقة للثورة السورية بإسرائيل، ولن تكون هناك أية علاقات ممكنة قبل استعادة كامل الأرض السورية المحتلة، وإيجاد حل للقضية الفلسطينية. وتشكل أجواء “صفقة القرن” وأوهام الرئاسة الأميركية عن أن القدس يجب أن تصبح عاصمة إسرائيل، عوامل إضافية لرفض أية علاقات “جديّة” ومؤثرة بين سورية وإسرائيل. وبالتالي، كل المحاولات التي ذكرتها، أو كما فعل المعارض كمال اللبواني وسواه من قبل، تمثل هؤلاء الأفراد، وهي تعبر عن “عمالة” رخيصة، لصالح تزيين وجه إسرائيل، والتي تتجه إلى أن تصبح دولة دينية بامتياز.
التعقيد الذي يحيط بمستقبل السوريين لا يجد أيَّ حلٍّ له لدى إسرائيل، فهي ليست أكثر من دولة محتلّة لقسم من المنطقة، وليست دولة مؤثرة في الشرطين، الدولي والإقليمي الضاغط على
“هناك عنصر مهم في السياسة الإسرائيلية، ويكمن في الإضعاف المستمر، والحق بقصف كل مركز عسكري إيراني”
سورية، والذي حوّل الأخيرة إلى ملعب له، وهو ما سمح لإسرائيل بمحاولة الحضور الإقليمي.
التناقض بين إيران وإسرائيل أمر طبيعي. المشكلة الحقيقية في العالم العربي، وتحديداً في سياسات الأنظمة، والتي تتسارع لإقامة علاقات مع إسرائيل، كما تحاول أخيرا كل من السعودية والبحرين، وكما أشيع عن “تحالف سني إسرائيلي”، عدا عن وجود علاقات سابقة ضمن اتفاقيات السلام، وأخطرها اتفاقية أوسلو ونتائجها الكارثية، ومع دول كالمغرب مثلاً. المشكلة هنا أن كل تلك العلاقات أقيمت من دون حلٍّ لمشكلة الصراع الصهيوني ضد الدول العربية، ورفض إسرائيل تنفيذ القرارات الدولية. وبالتالي، هناك مشكلة تتعدّى سورية، والآن هناك تخوفات فعلية من تحويل سورية إلى أرضٍ لمعارك جديدة بين إسرائيل وإيران، وتؤدي إلى مشكلاتٍ إضافية للسوريين.
دخول طيارة إيرانية بلا طيار، وإسقاط طائرة إسرائيلية، ثم الإغارة مجدداً على أهداف إيرانية سورية كثيرة وعدم الرد، يوضح أن لا تغيير في المخططات الإقليمية، كما أشيع، وستبقى الخلافات بين إسرائيل وإيران ضمن الحدود السابقة “سورية ولبنان وغزة ملعب بينهما”. ضعف حزب الله وتورّط إيران في سورية والحصار عليها ليست عوامل إضافية لهجمات إسرائيلية، فهناك عنصر مهم في السياسة الإسرائيلية، ويكمن في الإضعاف المستمر، والحق بقصف كل مركز عسكري إيراني. هذا الإضعاف يُنهك الحزب وإيران، ويمنع تحويل سورية إلى جبهة قوية ضدّها، وكذلك معرفة إسرائيل أن أية توافقات بين روسيا وأميركا ستتضمن بالضرورة تهميشاً للوجود الإيراني في سورية. الرأي الذي يؤكد أن ضعف حزب الله وإيران يشكل مناخاً مثالياً للحرب ليس صحيحاً؛ فإسرائيل تستهدف إضعاف المشار إليهما، وهذا سيدفع العرب إلى التعاون معها، وهي قضية إسرائيل الحقيقية، حيث سيكون لها حصة من ثروات العرب، وإقامة علاقات طبيعية مع هذه الدول.
السوريون، كما بقية العرب، معنيون برفض تحويل بلادهم إلى ساحات حربٍ أهلية، ورفض كل ميل طائفي إلى السياسة، ومعنيون بتغيير أنظمتهم، لأنّها أنظمة حرب “أهلية” طبقية، ولأنّ ذلك يُدمر مستقبلهم. ومعنيون أيضاً برفض تحويل بلادهم إلى ساحاتِ حربٍ للخلافات الإقليمية والعالمية. سورية ولبنان واليمن وليبيا، الآن، هي ساحات لهذه الخلافات، فهل يتنبه السوريون إلى ما صُيّروا إليه؟
العربي الجديد
سوريا.. إنذارات الخطوط الحمراء/ هوازن خداج
صراعات الأرض السورية المحروقة التي بلغت أوجها في الشمال بمعارك تصفية الحسابات بين الأطراف المتصادمة لرسم خارطة التموضع وتثبيت المواقع، رافقها في الآونة الأخيرة تصعيد مماثل في الجنوب السوري الذي دخل حيّز التجميد وفق مناطق “خفض التصعيد” روسية الصنع، دون أن يلبي مطلب تل أبيب في إبعاد ميليشيات إيران عن حدودها بمسافة 40 كيلومترا، ما وضع الجنوب على فوهة احتمالات التصعيد فيه لحسم الصراع وتصفية الحسابات المعلقة خصوصا بين إسرائيل وأمنها الحدودي وبين الانتشار الإيراني الذي ازداد تمكّنا في مواقع عديدة داخل منطقة الـ14 كيلومترا التي عرضتها روسيا على إسرائيل لجعل إيران بجوار إسرائيل.
رفض إسرائيل لحدود التماس المدرجة في المـذكرة الروسية الأميركية الأردنية المبرمة في عمّان بتاريخ 8 نوفمبر عام 2017 لدعم اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غربي سوريا قابله إصرار إيران على تحدي هذه الاتفاقية ونشر قواعد لها على طول خطوط التماس، وهو ما اعتبرته تل أبيب تهديدا مباشرا لها واتخـذته مبررا لشن المزيد من الغارات على مواقع عسكرية تابعة لقوات النظام السوري وحزب الله ومواقع إيرانية أخرى، في محاولة لإبعاد إيـران وردع سعيهـا الحثيث لتثبيت وجودها العسكري في سوريا الذي لا يقف عند إدارة ورفد المعارك الحالية التي تخوضها عبر ميليشيـاتها المختلفـة إلى جانب قـوات النظام السوري، بل كوجود استراتيجي دائم.
الغارات الإسرائيلية التي بلغت منذ العام 2013 ما يقارب 26 غارة اشتدت وتيرتها مع نهاية العام الماضي وانطلاق موكب التسوية وفرز المناطق بعد نهاية تنظيم داعش، لتتصعّد بعد زيارة بنيامين نتنياهو لموسكو في 29 يناير 2018 وبحثه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دور إسرائيل في التسوية القادمة والدور الإيراني في سوريا وتأثيره على الأمن القومي الإسرائيلي. وكان أكثرها دفعا باتجاه المواجهة مع إسرائيل إسقاط طائرة أف 16 أغارت على قاعدة “تي فور” الخاضعة لإدارة روسية – إيرانية وسط سوريا، وما تلاه من قصف لـ12 موقعا بينها أربعة أهداف إيرانية تعتبرها إيران حقا طبيعيا من حقوقها لترسيخ وجودها بعد التضحيات التي قدمتها دفاعا عن بقاء النظام السوري، وتعتبرها إسرائيل تجاوزا للخطوط الحمراء، وتؤكد من خلال قصفها أنها قادرة على المضي نحو حرب واسعة إذا تطلب الأمر.
التصدي السوري للطائرة الإسرائيلية بعد احتفاظ سوريا بحق الرد والتأني في اختيار الزمان والمكان المناسبين لفترة طويلة، وما تلاه من هجمات إسرائيلية، اقتصر في جولته الحالية على تقديم إنذارات الردع من قبل كافة الأطراف، وكان لخدمة جميع الأطراف. فالنظام السوري بات في حاجة لاستعادة دوره الممانع الذي خبا خلال فترة الصراع وتوجه الجيش لقتال السوريين، بدل القيام بمهامه في حماية الحدود وللتلويح بقدرته على الردع والتصدي للتهديدات.
إيران لا تبالي بحدود المنطقة المقترحة روسيا خصوصا بعد التدخل الروسي الذي أفقدها الكثير من أوراق اعتمادها في تحويلها سوريا إلى المحافظة 35 بحسب ما صرّحت به في العام 2013، وبعد أن صارت في حاجة لصياغة أسباب جديدة لبقائها بعد تلاشي الأهداف القديمة لتواجدها. فحماية المقامات فقدت جدواها مع تمدد النظام وفرض سيطرته على مساحات كبيرة من سوريا، والحرب ضد إرهاب داعش انتهت بنهاية داعش، ولا مانع لديها من افتعال حرب مع إسرائيل على الساحة السورية تستطيع من خلالها الإبقاء على تواجد ميليشياتها في سوريا وتحقيق مكاسب إضافية في السيطرة، وهو ما كان واضحا في إصرارها على تعزيز حضورها في الجنوب الغربي السوري وتثبيت قدراتها على تحدي أي اتفاق دولي بخصوص إخراجها من سوريا.
أما روسيا التي ما كان إسقاط طائرة أف 16 ليتم خارج موافقتها، فقد وجدت في حدث إسقاط الطائرة ردا على استهداف قواعدها العسكرية من قبل أسراب الدرونز وإسقاط مقاتلتها في إدلب في 3 فبراير الجاري على أيدي الفصائل المسلحة، والذي اتهمت به أميركا وحلفاؤها بمدّ الفصائل بأسلحة نوعية، مثلما رأت في الرد الإسرائيلي، الذي غضت الطرف عنه رغم قدرتها على التقاطه بواسطة منظومات الدفاع المتقدمة لديها في سوريا، جزءا من تحجيم الهيمنة الإيرانية وردعها، فإجبار إيران على الانصياع لعملية التسوية يصب في مصلحتها ويرفع عن عاتقها العمل وحدها في كبح التمدد الإيراني الذي بات يشكل إدانة لها في ما قدمته من تعهدات بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن خطوط التماس مع إسرائيل.
الغارات الإسرائيلية لم تخرج حتى الآن عن حيّز الإنذارات القاسية لكل من سوريا وإيران وحزب الله، لكن ساحة الصراع السورية ما تزال مفتوحة، من كافة جوانبها، على الكثير من المتغيرات في معادلات توازن القوى المبنية على تحالفات إقليمية ودولية تقودها الضرورة التي لا تخفي ما يتخللها من عوامل الانفجار، بحيث تجعل الجميع على أهبة الاستعداد للتصعيد وللتهدئة في آن معا لتمرير ما يراد تمريره من خطوط حمراء مخضبة بدماء السوريين.
كاتبة سورية
العرب
يحدث في صفوف الممانعة/ سلامة كيلة
قصف الطيران الصهيوني مواقع في سورية قال إنها لإيران، فأطلقت الدفاعات الجوية التابعة للنظام الصواريخ تجاه الطائرات المغيرة، فأسقطت واحدة. هذا الرد أمر طبيعي من دولة تحترم سيادتها، وأكثر طبيعيةً حين يتعلق الأمر بطائراتٍ صهيونية. كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل، حيث كانت الطائرات الصهيونية تقصف مواقع عسكرية في مناطق مختلفة من سورية. وقبل أيام قليلة، قصفت، للمرة العشرين، منطقة جمرايا. لكن وفق الممانعين، ما جرى يقع ضمن “الإستراتيجية” التي وضعها حلف الممانعة الذي قرَّر الرد، وتطوير الصراع ضد الدولة الصهيونية (ربما يجري إكمال ذلك بالقول: بعدما انتصر على الإرهاب في سورية). تكرّرت كل هذه التصريحات والطيران الصهيوني يكمل قصفه عشرات المواقع التابعة للنظام، من مطارات ومرابض الدفاعات الجوية والحرس الجمهوري، ومواقع لإيران وغيرها، طبعاً من دون رد يكمل “إسقاط” الطائرات.
لهذا الأمر معنى واحد، أن إسقاط الطائرة تنبيه فقط، أو محاولة لتأكيد خطوط حمر متوافق عليها خرقها قصف الطيران الصهيوني. وهو رد روسي في الغالب، لأن الصواريخ المستخدمة حديثة، بالتالي لا تزال تُدار من ضباط روس. هو إذن تنبيه روسي، وليس بدايةً إستراتيجيةً جديدةً قرَّرها محور الممانعة. في كل الأحوال، إسقاط طائرة صهيونية أمر جيد، وأكثر من ذلك يجب أن يتركز الصراع ضد الدولة الصهيونية التي استباحت سورية، وتستبيحها كل يوم، بدل كل هذه الغارات بكل الأسلحة الممكنة ضد الشعب السوري. وبالتالي مفرحٌ أن يجري التصدي للدولة الصهيونية، وكسر عربدتها، فصراعنا الأساسي هو معها، وإذا كنا نصارع النظام، لأنه نهب المجتمع واستبدّ طويلاً، فأفقر الشعب، وحوّل ثلث القوى العاملة إلى عاطلين عن العمل، فإنه في جزء آخر من الصراع ضده يكمن حمايته حدود الدولة الصهيونية في الجولان، وسحقه كل مقاومة تواجه الدولة الصهيونية، وترتيب وجوده انطلاقاً مما قرَّره في ثمانينات القرن
“إسقاط الطائرة الإسرائيلي تنبيه فقط، أو محاولة لتأكيد خطوط حمر متوافق عليها خرقها قصف الطيران الصهيوني”
العشرين من سياسة أطلق عليها: السلاح الاستراتيجي، أي أن استراتيجيته جوهرها “السلام” مع الدولة الصهيونية. وحيث تفرّغ لفرض هيمنته الإقليمية، لكي يعزّز موقعه في العلاقات الدولية. لهذا طُرح شعار: من أجل تحرير فلسطين نريد إسقاط النظام.
لهذا يبدو رده، هذه المرة وفي مرة سابقة، نافراً. حيث انطلق التدخل العسكري الصهيوني من قصف كل ما يتعلق بحزب الله وإيران في سورية، وأحياناً قصف مواقع صواريخ سكود أو أسلحة كيميائية. ويبدو أن إحراجاً كان يقع فيه، نتيجة عدم رده على هذه الغارات التي تطاول المدافعين عن وجوده كنظام، لهذا بات يحاول الرد الخجول، وربما توافق ذلك مع ما يريده الروس. بالتالي، لا يمكن فهم ما يجري سوى أنه أمر عابر، لا يتعلق بإستراتيجية جديدة لمحور الممانعة، كما يهلل الممانعون ممن وصلوا إلى حالة الهلوسة. كنت أتمنى أن يبدأ محور الممانعة معركته من أجل فلسطين، ما دام توصل إلى أن النظام في سورية قد انتصر، ففي كل الأحوال في غاية الأهمية أن تتكسّر العنجهية الصهيونية، وأن تُصاب الدولة الصهيونية بانتكاسةٍ كبيرة. من المهم أن تسقط طائراتها، وأن تقصف مواقعها الحساسة، ويتهدّد وجودها. لكنها جعجعة ليس إلا، حتى وإنْ كانت سكرة الموت لهذا المحور فهو لن يفعلها، بل سيبقى يكرّر التهديد تلو التهديد، من دون أن يُقدم على خطوة جدية.
ويجب ملاحظة أنه حتى كاندفاعة إيرانية من أجل إحراج روسيا التي تقيم علاقاتٍ فوق الجيدة مع الدولة الصهيونية، وتتقاسم الأدوار معها، ربما لن تتعدّى بعض الاستفزازات، وحتى هذه سنشجعها. حيث ربما تفرض تصاعد التناقض الكامن بين كل من روسيا وإيران في سورية. كما أشرت، ربما كانت روسيا تريد تنبيه الدولة الصهيونية حين جرى إسقاط طائرة لها، لكنها لن تقبل بتصعيد أكبر، يزيد من عدوانية الدولة الصهيونية، ويضعها في حالة إحراج كبيرة. ربما كانت إيران تريد ذلك، فهي تخرج من سورية “بخفي حُنين”، بعد أن أكلت روسيا كل “الطبخة”، بحصولها على الحق في كل مشاريع إعادة الإعمار. لكن لروسيا “اليد العليا في
“الممانعون كلما جرى “صدامٌ” مع الدولة الصهيونية، يطير الفرح من أفواههم، داعمين للنظام السوري، وهذا ملفت، ويدل على خواء يريدون إخفاءه”
دولة البعث”، وهي في توافقٍ مع الدولة الصهيونية، ولقد باتت تشعر بعبء وجود كل المليشيات التي ترسلها إيران، والتي استخدمتها منذ دخلت أدواتٍ في إظهار انتصارها هي.
لهذا، لا معنى لكل حديث عن الانتقال إلى الهجوم في وضع سورية الحالي، حيث أن الوجود الروسي هو الذي يُبقي على النظام، والحامي لكل المليشيات الإيرانية، بما فيها حزب الله. وروسيا في “الصف الآخر”، أي أنهم حلفاء للدولة الصهيونية، وكانت قد أعلنت في قاعدة حميميم إن مسارات الطيران الصهيوني تُعطى لهم مسبقاً، حين تريد الدولة الصهيونية قصف مواقع في سورية. بهذا، فإن الوضع مضبوط، وبات الروس هم المتحكّم الأساس في مجرى الصراع، وهم ربما يوجهون رسالةً ما، لكنهم ما زالوا يسمحون للطيران الصهيوني بقصف كل مواقع حزب الله وإيران. ويمكن أن تؤدي “اللعبة الأخيرة” إلى موقف روسي أكثر ضبطاً لإيران التي يبدو أنها تحاول التمرّد، لفقدانها كل احتمالية بالحصول على مصالح في سورية.
أما الممانعون فهم كلما جرى “صدامٌ” مع الدولة الصهيونية، يطير الفرح من أفواههم، داعمين للنظام السوري، وهذا ملفت، ويدل على خواء يريدون إخفاءه. حيث يتسابقون لتأكيد أن النظام السوري ضد الدولة الصهيونية، وأنه يحاربها. وذلك كله لتأكيد أن موقفهم المتعلق بدعمه وتأييده والدفاع المستميت عنه، صحيح تماماً. إنهم يتعلقون بنتفٍ لكي يقولوا إنهم في الموقع الصحيح، وهم بحاجة دائمة إلى أن يقنعوا ذواتهم بذلك، فليس لديهم سوى هذه اللقطات، لكي يخفوا دعمهم نظاماً وحشياً، وليغطوا على وحشيته، وعلى وحشيتهم وافتقادهم أي أخلاق. ولا شك في أن الدولة الصهيونية تُستخدم لتغطية العورات، ولإخفاء العجز الذاتي، وتحويل الصراع معها إلى خطاب ديماغوجي. باتت قداسة قضية فلسطين تغطي وسخ كثيرين، هؤلاء الذين يهربون من الصراع الحقيقي إلى خطاب لفظي حامي الوطيس، فقط ضد الذين يسعون إلى تحرير فلسطين حقيقة. بالنسبة لهم هذا زمن الجعجعة.
العربي الجديد
سوريا بين الصفعة الإيرانية والصفعة العثمانية/ بكر صدقي
بإسقاط الإيرانيين طائرة F16 الإسرائيلية (أمريكية الصنع)، باستخدام وسائل الدفاع الجوي السورية (روسية الصنع) دخل الصراع الإقليمي الدولي على الأراضي السورية منعطفاً شديد السخونة. ذلك أن الروسي المهيمن على الأجواء السورية قد سمح لإيران، أو غض النظر عن إطلاقهم الطائرة بدون طيار التي اخترقت الحدود الجوية للمحتل الإسرائيلي، وهي الحادثة التي ستطلق ردود الفعل التي تلتها. وذلك على رغم التنسيق المعلن بين تل أبيب وموسكو في كل الضربات الإسرائيلية السابقة للمواقع الإيرانية داخل الأراضي السورية. وغالباً ما كانت هذه الضربات تحدث بعد الزيارات الروتينية لبنيامين نتنياهو لموسكو، بما يعني الإعلام المسبق أو الحصول على إذن مسبق.
هذه الجولة الجديدة من الاشتباك الإسرائيلي ـ الإيراني، سبقتها أيضاً زيارة مماثلة إلى موسكو، قبلها بنحو أسبوع. فهل يعني ذلك أن روسيا قررت وضع حد للعربدة الإسرائيلية فوق الأجواء السورية، بضربها للمواقع الإيرانية متى شاءت؟ ولكن هل كان على نتانياهو العائد لتوه من زيارة الكرملين أن يعلم بتغيير قواعد الاشتباك على هذا النحو ميدانياً، بدلاً من إبلاغه بذلك أثناء الزيارة، ما من شأنه تجنيب إسرائيل هذه «الصفعة الإيرانية» المدوية؟
لا أعرف ما إذا كان هناك تعبير إيراني بهذا الاسم، لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استخرج، بالمقابل، من جعبة التاريخ التركي تعبير «الصفعة العثمانية» ليهدد بها الولايات المتحدة الأمريكية، لا أقل! وكان ذلك في سياق الجدل الدائر حول الرغبة التركية في التوسع، في عملية غصن الزيتون، لتشمل مدينة منبج التي تسيطر عليها وحدات الحماية الكردية تحت مظلة القوات الأمريكية. فمن المعروف أن تركيا طالبت الولايات المتحدة، منذ استيلاء وحدات الحماية على منبج، بعد دحرها لقوات داعش منها، صيف العام 2016، بإخراج وحدات الحماية من هناك، بما أن البلدة تقع غربي نهر الفرات، أي خارج منطقة عمليات التحالف الدولي لمحاربة داعش، وقد اعتبرت تركيا ذلك أساساً لترسيم منطقة نفوذها الخاصة (غربي نهر الفرات) وطالبت الأمريكيين بإبعاد الوحدات الكردية إلى شرق النهر. وتقول الحكومة التركية إن إدارة أوباما قد وعدتها بالاستجابة لهذا الطلب بعد تحرير منبج من مقاتلي داعش، الأمر الذي لم يحدث، على رغم انقضاء نحو سنتين، ودخول القوات التركية إلى المناطق المجاورة في إطار عملية «درع الفرات»، وصولاً إلى مدينة الباب التي تقع على أطراف حلب. ولم يتغير الموقف الأمريكي من موضوع منبج، بعد مجيء طاقم الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
بل تفاقم الوضع أكثر، من زاوية نظر الهواجس التركية المعلنة. فقد أعلنت الإدارة الأمريكية عن بدء العمل في إنشاء جيش لحراسة حدود منطقة نفوذها، قوامه 30 ألف مقاتل، يتكونون أساساً من «قوات سوريا الديمقراطية» التي تشكل وحدات الحماية الكردية عمودها الفقري. كما أن الضغوط الأمريكية على أنقرة من أجل إنهاء عمليتها العسكرية في منطقة عفرين بأسرع وقت ممكن، غير خافية على أحد. ويبدو أن حدود «تفهم» واشنطن المعلن لهواجس الأمن القومي التركي، بمناسبة الحرب التركية على عفرين، أضيق من أن تحقق أحلام أردوغان الذي صور له سماح الأمريكيين والروس لقواته بدخول منطقة عفرين، مناسبةً ليطالب بالمزيد في منبج. وإذ جاءه الجواب الأمريكي صريحاً في رفضه أي اقتراب من منبج، مع التلويح بأن ذلك قد يؤدي إلى صدام عسكري مباشر بين القوات التركية والأمريكية هناك، رد أردوغان بالتهديد بالصفعة العثمانية.
وخلاصة الأسطورة التركية حول هذه الصفعة هي أن قادة الجند في الجيش العثماني كانوا يلجؤون إلى هذه «التكتيك الحربي» للفوز بالمعركة قبل وقوعها. فقد كان القائد العسكري العثماني يواجه قائد الجيش المقابل ويصفعه صفعة مدوية على وجهه، بحيث يسمع صوتها على نطاق واسع. وغالباً ما كانت تلك الصفعة تؤدي إلى كسر إرادة الخصم واستسلامه قبل بدء المعركة.
لا جدوى، طبعاً، من التساؤل حول مدى واقعية تلك المروية العثمانية، بل المهم هنا هو مدى استهتار أردوغان بالأمريكيين. فهل اعتمد، في إطلاق هذا التهديد، على قوة تركيا الذاتية، أم إلى جملة الشروط المعقدة التي تجري فيها صراعات القوة فوق الساحة السورية؟
من المرجح أن الجواب الثاني هو أقرب إلى واقع الحال. فإذا كانت تركيا لم تستطع تنفيذ تهديداتها المعلنة منذ سنوات بدخول عفرين إلا بعد الحصول على موافقتين روسية وأمريكية، فكيف لها أن تغامر بالاقتراب من منبج التي فيها تواجد مباشر لقوات برية أمريكية؟ وكيف لها أن تطلق تحدٍ صريح ومهين ضد الولايات المتحدة كالتهديد بالصفعة العثمانية؟
في المسالك التركية استثمار لصراع لي الذراع الجاري بين واشنطن وموسكو، كما بين واشنطن وإيران. فالقطبان الدوليان يتنافسان، منذ بعض الوقت، على استمالة تركيا لأهمية موقعها الجغرافي، وبخاصة إزاء سوريا، كما بسبب بقايا نفوذها على فصائل عسكرية إسلامية ما زالت تتمتع ببعض الوزن والفاعلية على الأرض في شمال سوريا. وتبدو واشنطن هي الأكثر هشاشة في عجزها عن إيجاد توازن مستحيل بين حليفيها الكردي والتركي، في حين تمكنت موسكو من استمالة تركيا إلى مسارات آستانة وسوتشي، ووفرت لها مناطق نفوذ في شمال حلب وفي محافظة إدلب، إضافة إلى عفرين.
في حين أن واشنطن ما زالت بحاجة إلى تركيا لاحتواء النفوذ الإيراني في سوريا. هذا النفوذ الذي بلغ درجة من الخطورة، من زاوية النظر الأمريكية، بلغت المجازفة بإسقاط طائرة إسرائيلية، ووضع حد للطيران غير المقيد لإسرائيل في ضرب المنشآت والمواقع الإيرانية في سوريا.
الخلاصة أن الصراع الدولي متعدد الأطراف على الأرض السورية، يزداد سخونة كل يوم. الأمريكيون يضربون ميليشيات موالية للنظام الكيماوي وإيران قرب دير الزور، والإيرانيين يسقطون الطائرة أمريكية الصنع، والسلاح الأمريكي يسقط طائرة السوخوي الروسية فوق إدلب، وطائرات درون تضرب القواعد الروسية على الشاطئ السوري. ووحدات الحماية المسلحة من أمريكا تسقط طائرة هليكوبتر تركية في عفرين..
إنه مشهد مفجع حقاً: كأنها أرض بلا سكان تحولت إلى حلبة صراعات عسكرية مدمرة. أين السوريون؟
٭ كاتب سوري
القدس العربي
روسيا وضبط المدى/ فاطمة ياسين
في لقائهما في موسكو في 29 يناير/ كانون الثاني الماضي، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين: من المهم أن يكون بيننا تفاهم تام بعدم إطلاق النار على طائرات بعضنا بعضا، لقد اتفقنا على “ميكانيزم” آمن يضمن عدم إطلاق النار على بعضنا.
الواضح أن نتنياهو يرغب بتحييد النار الروسية، وترك هامشٍ آمنٍ لطائراته وصواريخه التي يطلقها على منشآتٍ داخل سورية، لتصل إلى أهدافها من دون إزعاج، من غير أن يفتح معارك جانبية مع جهةٍ يرغب حالياً أن تبقى في منأىً عنه، وهذا بالفعل ما حصل، فالهجمات العديدة التي حدثت على ضواحي دمشق، وطاولت أهدافاً قيل إنها مشاريع عسكرية إيرانية يتم بناؤها داخل العمق السوري، كانت تقام بنجاحٍ تام، ولا تلقى إلا بياناتٍ رافضةً من الإعلام السوري، فيما يلوذ الجانب الروسي بالصمت، وكأن ما يجري هو في كوكب بعيد. انكسرت هذه القاعدة الآمنة فجر يوم السبت الماضي، فعادت الطائرات الإسرائيلية التي نفذت آخر هجماتها في سورية ناقصة واحدة من نوع “أف 16” قال الدفاع الجوي السوري إنه أسقطها، واعترفت إسرائيل بذلك، فماذا حصل للتفاهم الذي تحدث عنه نتنياهو؟ وأين هو الميكانيزم الآمن؟ ومن المعلوم أن الأجواء السورية ممسوكةُ بالكامل بأنظمة المراقبة الروسية.
تقرّر إسرائيل مواجهة إيران وقطع الطريق عليها، قبل أن تنجز استكمال قواعدها العسكرية، وتحقيق انتشار بشري مفترض في الأراضي السورية، يستهدف إسرائيل في المقام الأول، وتستفيد إسرائيل من العلاقة الملتبسة بين إيران وروسيا ضمن الأراضي السورية، فعلى الرغم من الوجود الثنائي، والذي يبدو متناغماً أحياناً ومتكاملاً في أحيان أخرى، إلا أن الأهداف النهائية لكلا الطرفين (روسيا وإيران) متباعدة، ويمكن أن تكون متضاربةً، وهو الأمر الذي يدركه الطرفان، فيحاول كل منهما حجز أكبر حصةٍ، قبل أن يحين وقت تضطر فيه الأطراف جميعاً لأن تحسم خياراتها، لكن الوضع الحالي هو ما تستغله إسرائيل، فتقوم بعمليات الهجوم الجوي. أما سقوط طائرةٍ بعد عشرات العمليات الجوية، فيمكن أن يدخل في باب الاحتمال الذي قد يقع من دون أن يغيّر في المعادلة التي يتشاطرها كل الأطراف.
استفادت إيران من وضعية الأنظمة المهدّدة بالسقوط خلال ثورات الربيع العربي، وطوّرت مكانتها عند النظام السوري بالتحديد، فتحولت من حليفٍ إلى “سبونسر”، وقايضت، فيما يبدو، دعما لا نهائيا للنظام بالأسلحة والأموال والمليشيات، بهدف إطلاق اليد الإيرانية في سورية، وقد توقفت إيران عن تصدير الثورة لصالح تصدير منتجاتٍ “ثوريةٍ” تشبهها، تصنَّع محلياً، كما في حالة حزب الله، وحركة الحوثي اليمنية، وهي تحاول تغيير وجه النظام السوري، ليشبهها بصورةٍ من الصور. وهذا على الأغلب ما يجعل روسيا تغض الطرف عن الهجمات الإسرائيلية. ومن المرجح أن تستمر هذه السياسة حتى بعد إسقاط الطائرة. والبيان الروسي الذي يدعو إلى ضبط النفس وضعته إسرائيل خلف ظهرها، ومن ضبط نفسه في الواقع هو إيران والنظام السوري.
موسم مواجهة إيران أصبح في أشد أيامه، وقد قررت الولايات المتحدة المرابطة الدائمة في الشمال السوري الحد من هذا الوجود الذي يبدو مقبولاً ضمن شروطٍ محدّدة. لذلك ترسم الولايات المتحدة لقواتها حدوداً، وتحاول الضربات الإسرائيلية أن تكون مركزةَ، وقد تكثفت أربعا وعشرين ساعة، ووجِّهت إلى أهدافٍ تبدو معروفة مسبقاً.
كل هذه المعطيات لا تعطي أهمية قصوى لسقوط طائرة حربية إسرائيلية، كانت تقوم بمهمات قصف جوي، قد يعطي هذا الحدث “الاستثنائي” جرعةً إعلاميةً قوية لمناصري النظام السوري، وفرصة لإعلامه الذي لم يكن يجد ما يقوله عقب كل غارة، أما الاتفاق الروسي الإسرائيلي فقد يكون بحاجة لإعادة نظر من أجل إجراء التحديث اللازم على “الميكانيزم” الذي تحدث عنه نتنياهو، والذي يعطي مجالاً جوياً آمناً للطائرات الإسرائيلية، لأن اختلال التوازن قد يجعل الطيران الروسي الذي يحلق بكثافةٍ زائدة هذه الأيام هدفاً محتملاً.
جميع حقوق النشر محفوظة 2018
العربي الجديد
العدوان الإسرائيلي على الأراضي السورية وآفاق المواجهة مع إيران
المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
شنّت إسرائيل، يوم السبت 10 شباط/ فبراير 2018، عدوانًا واسع النطاق على سورية. واستهدف الهجوم 12 موقعًا عسكريًا تابعًا للنظام السوري وإيران، في محيط مدينتَي دمشق وحمص وسط سورية وجنوبها. وقد أسقطت الدفاعات السورية طائرة إسرائيلية من نوع F16. وهي المرة الأولى التي تتمكّن فيها الدفاعات الجوية السورية من إسقاط طائرة إسرائيلية منذ أكثر من ثلاثة عقود؛ ما قاد بعضهم إلى توقّع دخول الصراع مرحلة جديدة. وجاء هذا العدوان مباشرة في أعقاب اختراق طائرة إيرانية مسيّرة الأجواءَ الإسرائيلية فجر يوم السبت ذاته، أسقطتها طائرة أباتشي إسرائيلية شمال فلسطين، وفق الرواية الإسرائيلية.
خلفية العدوان
سبقت هذا العدوان تصريحات متتالية لمسؤولين إسرائيليين في الشهور الأخيرة ضد الوجود العسكري الإيراني في سورية، ازدادت وتيرتها في الأسابيع الماضية. وقد أولت إسرائيل، في عام 2017، الوجود العسكري الإيراني في سورية أهميةً كبرى، مدّعيةً أنه يشكل خطرًا عليها. وفي هذا السياق، وضع رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، في خطابه، في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2017، عند افتتاحه الدورة الشتوية للكنيست، التصدّي لمحاولات إيران تعزيز وجودها العسكري في سورية على رأس سلّم التحديات التي تواجهها إسرائيل. وفعلا، بات خطاب التصدي للوجود العسكري الإيراني في سورية يحل تدريجيًا في عام 2017 محل التصدي للمشروع النووي الإيراني الذي كان سائدًا في العقدين الماضيين، وإنْ لم يستبدله نهائيًا.
باتت المؤسستان، العسكرية والسياسية، تضعان في قمة اهتمامهما إمكانية استغلال إيران تدخلها العسكري في سورية، هي والمليشيات التابعة لها، لتكريس وجود عسكري إيراني طويل المدى
“ليس متوقعا أن تعالج روسيا طلب إسرائيل بخصوص وجود إيران العسكري في سورية قبل انتهاء الحرب”
في سورية عمومًا، وبالقرب من الحدود السورية “الإسرائيلية” على نحو خاص. فوفق المنظور الإسرائيلي، لا تسعى إيران من خلال وجودها العسكري في سورية إلى الحفاظ على النظام السوري فقط، بل لتحقيق أهداف أخرى أيضًا؛ منها الحفاظ على المليشيات الأجنبية التابعة لها في سورية (العراقية واللبنانية خصوصا)، وتعزيز المليشيات السورية التي تأتمر بأمرها. وذلك ليس من أجل الحفاظ على النفوذ العسكري الإيراني في سورية لأمد طويل فقط، بل لكي تتوفر أيضًا إمكانية فتح جبهة ضد إسرائيل من جنوب سورية إلى جانب جنوب لبنان عند الحاجة إلى ذلك؛ لتكون بمنزلة قوة احتياط لإيران، في حالة تعرّضها لاعتداء أميركي أو إسرائيلي.
وأكد القادة الإسرائيليون أن الوجود العسكري الإيراني في سورية يسهل استمرار عملية نقل السلاح، لا سيما الأصناف المتطورة منه، إلى حزب الله في لبنان، وإقامة تواصل إقليمي برّي من إيران إلى لبنان، مرورًا بالعراق وسورية؛ ما يمكّن إيران من تحريك قواتٍ عسكريةٍ ونقل أسلحة متطورة إلى سورية ولبنان. وأكد مسؤولون إسرائيليون أن إيران شرعت في إقامة قواعد عسكرية لها ولمليشياتها، وأنها حصلت على مطاراتٍ عسكرية في سورية، وأنها تسعى غلى الحصول على ميناء في سورية، وأضافوا أنها أقامت لنفسها مخازن أسلحة متطورة، وأنها شرعت في بناء مصانع لأسلحة متطورة في سورية ذات دقةٍ عالية، وتصل إلى مسافاتٍ بعيدة، كما أنها تقدّم دعمًا كاملا لحزب الله في لبنان؛ من أجل إقامة مصانع لصواريخ نوعية بعيدة المدى.
وقد جاء هذا التصعيد الإسرائيلي تجاه الوجود العسكري الإيراني، في ظل فشل إسرائيل في التأثير في اتفاقات خفض التصعيد، على الرغم من الجهود التي بذلتها لدى القيادتين، الروسية والأميركية، ولا سيما في محاولة التأثير في اتفاقيتَي خفض التصعيد المتعلقتين بجنوب سورية اللتين أُبرمتا في تموز/ يوليو وتشرين الثاني/ نوفمبر 2017، واللتين لا تستجيبان، في نظرها، لمتطلبات أمنها، في كل ما يتعلق بالوجود المليشياوي الإيراني، وتتناقضان مع إستراتيجيتها تجاه سورية، فأعلنت أنها لن تلتزم بهما، وستطوّر خطوطها الحمراء، بما يتلاءم مع التغييرات التي تحدث في سورية.
فشلت إسرائيل في إقامة منطقة عازلة تحت نفوذها في جنوب سورية، تمتد على طول الحدود بين سورية والجولان السوري الذي تحتله إسرائيل، على الرغم من الجهد الكبير الذي بذلته لدى القيادتين الروسية والأميركية. وفشلت كذلك في تحقيق مطلبها في إبعاد القوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها 60 كيلومترًا عن الجولان المحتل، فبقيت هذه المليشيات قريبة من الجولان نحو 6 كيلومترات في شمال الجولان، ونحو 20 إلى 30 كيلومترًا في وسطه وجنوبه. وفشلت إسرائيل كذلك، على الرغم من الجهد الذي بذلته، خصوصا في العامين الأخيرين، في الحصول على اعتراف أيّ دولة بضمها الجولان السوري الذي كانت قد احتلته في حرب حزيران/ يونيو 1967. ومما زاد من حنق إسرائيل أنّ روسيا والولايات المتحدة الأميركية تجاهلتا حتى الآن، بحسب الأسباب التي تخصّ كليهما، مطالبة إسرائيل لهما في العام الأخير بالحد من الوجود العسكري الإيراني في سورية.
محاولات إسرائيل التأثير في روسيا
منذ التدخل الروسي العسكري المباشر في سورية في نهاية أيلول/ سبتمبر 2015، حرصت
“الوجود العسكري الإيراني في سورية يسهل استمرار عملية نقل السلاح، لا سيما الأصناف المتطورة منه، إلى حزب الله في لبنان”
روسيا وإسرائيل على التنسيق الدائم بينهما بشأن دور إسرائيل في سورية. وقد أقرّت روسيا بـ “حق” إسرائيل في قصف أهداف عسكرية داخل سورية؛ وفق الخطوط الحمراء الإسرائيلية المعلنة. وأنشأت الدولتان لجنة تنسيقٍ رسميةٍ مشتركة مكونةٍ من قيادة هيئة أركان الجيش الإسرائيلي وقيادة القوات العسكرية الروسية في قاعدة حميميم في سورية، وأقامتا خطَّ اتصال ساخنًا؛ من أجل التنسيق بينهما، وتجنب أي صدام بين الطائرات الإسرائيلية ومنظومات الدفاع الجوي الروسي المتطورة في سورية.
ومنذ التدخل الروسي العسكري المباشر حتى اليوم، جرى لقاء بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين سبع مرات؛ من أجل التنسيق بينهما بخصوص الوضع في سورية. وفي عام 2017، بذلت إسرائيل جهودًا كبيرة للتأثير في روسيا بشأن الوجود العسكري الإيراني في سورية؛ من خلال الاتصالات المباشرة بين القيادتين، الإسرائيلية والروسية؛ ففي اجتماعه مع الرئيس بوتين في سوتشي في 23 آب/ أغسطس 2017، طلب نتنياهو من بوتين أن تعمل روسيا وإسرائيل مع الولايات المتحدة على الحدّ من الوجود العسكري الإيراني في سورية.
وفي 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، أي بعد نحو أسبوع من إبرام اتفاق خفض التصعيد الذي وقّعته روسيا والولايات المتحدة والأردن، هاتَف نتنياهو الرئيس بوتين، وأكد له معارضة إسرائيل الوجود العسكري الإيراني المتزايد في سورية. وفي زيارته روسيا أخيرا، في 29 كانون الثاني/ يناير 2018، التي رافقه فيها رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) لشرح خطورة الوجود العسكري الإيراني في سورية، استحوذ هذا الموضوع على المحادثات بين نتنياهو وبوتين. وقد صرح نتنياهو إنه في حال عدم توقّف تعزيز الوجود العسكري الإيراني في سورية، فإن إسرائيل ستوقفه بنفسها. وأضاف أنه بحث أيضًا مع بوتين الوضع في لبنان، وعزْم إيران تقديم كامل الدعم لحزب الله، من أجل إنشاء مصانع لإنتاج صواريخ متطوّرة ودقيقة وبعيدة المدى، وأخبره أن إسرائيل لا تقبل هذا الأمر، وأنها إذا ما رأت ضرورةً للعمل ضد هذه المصانع فإنها ستقوم بذلك. وتطرّق نتنياهو إلى التنسيق الأمني مع روسيا، بشأن العمليات التي يقوم بها الجيش الإسرائيلي في سورية، وقال: “يوجد جيش روسي على حدودنا، ونحن ننجح في الحفاظ على مصالحنا وعلى حرية العمل [في سورية]”.
من غير المتوقع أن تعالج روسيا طلب إسرائيل بخصوص وجود إيران العسكري في سورية
“من المتوقع أن تستمر إسرائيل في الاعتداء على الأراضي السورية”
قبل انتهاء الحرب الدائرة في سورية نهائيًا، على الرغم من تأكيدها أنها تحترم مصالح إسرائيل الأمنية في سورية وتأخذها في الحسبان، وأنها تقدّم الدعم العسكري للنظام السوري في صراعه مع المعارضة السورية المسلحة، وليس لمحاربة إسرائيل؛ فروسيا تَعُدّ إيران شريكًا مهمًا لها في الحرب الدائرة في سورية ضد مختلف القوى والجماعات السورية العسكرية التي تتصارع مع النظام السوري. وبما أنّ روسيا ليست في حاجةٍ إلى الوجود العسكري الإيراني في سورية، من أجل حماية النظام السوري فحسب، كما كان الأمر عليه قبل نحو عامين أو أكثر، وإنما لاستعادة نفوذه في مختلف أنحاء البلاد، فمن غير المتوقع أن تعمل روسيا على وقف هذا الوجود العسكري. فروسيا تربط هذا الأمر بإنهاء الحرب في سورية، وبالتوصل إلى حل للصراع فيها، كما أنها ليست معنيّةً بإرسال قوات برية إلى سورية، لكي تحل محل المليشيات الموالية لإيران.
خاتمة
تابعت إسرائيل، عن كثب، تطورات الحرب في سورية، وحدّدت خلال مراحلها المختلفة خطوطًا حمراء للنظام السوري. وشمل ذلك منع استخدام الأراضي السورية لنقل أسلحة متطورة إلى حزب الله في لبنان؛ مثل منظومات الدفاع الجوي المتطورة، وصواريخ أرض – أرض بعيدة المدى، وصواريخ أرض – بحر، وطائرات مسيّرة. ومنذ عامين، أضافت إلى هذه الخطوط الحمراء حظر وجود قوات عسكرية تابعة لإيران ولحزب الله، ولمليشيات إيران الأخرى في جنوب سورية في المنطقة القريبة من الجولان السوري المحتل. وفي 2017، طرحت الوجود العسكري الإيراني وتعزيزه في سورية، وجعلته في قمة التحديات التي تواجهها. وكثّفت عمليات استهداف مظاهره، فشنّت منذ بداية عام 2012 أكثر من 140 هجومًا جويًا على أهداف سورية، لكنها لم توجّه ضرباتٍ تستهدف شلّ قدرته على مواصلة دوره في الحرب الأهلية. ومن المتوقع أن تستمر إسرائيل في الاعتداء على الأراضي السورية، وفق الخطوط الحمراء التي وضعتها وطوّرتها، والتي من الواضح أن روسيا تبدي تفهمًا لها. ولكن من غير المتوقع، في ظل المعطيات الحالية، أن تقدم إسرائيل على شنّ حرب شاملة على الوجود الإيراني في سورية، إلا في حال حصول تغير جذري في هذه المعطيات.
الأسد عدوّ لعدوّ السوريين/ حازم الامين
أصاب إسقاط الطائرة الإسرائيلية معارضين سوريين وغير سوريين للنظام السوري بإرباك كبير، ذاك أنهم يزعمون انهم يحبون أن تسقط طائرة إسرائيلية، لكنهم لا يشعرون بالارتياح لقيام النظام السوري بإسقاطها. عدو عدوهم ليس صديقهم، لا بل هو عدوهم أيضاً، وهذه معضلة يجب تفكيكها، والخلوص منها بنتائج.
المعارضة تزعم أن نظام البعث مخاتل في عداوته لإسرائيل، وهو لا يريد قتالها بقدر ما يريد قتال الشعب السوري. وهذا زعم فيه من الصحة قدر كبير، وثمة قرائن لا تحصى لإثباته. لكن، في مقابل هذه القرائن ثمة قرائن أخرى تكشف عن عداوة بين النظام وإسرائيل، وآخرها إسقاط طائرة الـ «أف 16» يوم أول من أمس. فهل يعني ذلك أن معارضي بشار الأسد خسروا جولة في السجال، وبالتالي في الحرب عليه؟ وهل يغفر للأسد ذنوباً إسقاطُ طائرة لإسرائيل؟
يبدو أن الوعي المعارض الذي لم يرق له سقوط الطائرة الإسرائيلية على يد عدوه، أي الأسد، يشعر أن الأسد كسب جولة في إسقاطه الطائرة! كثيرون منهم قالوا بالأمس أنهم ضده «حتى» لو حرر القدس، وهذه الـ «حتى» كاشفة وتنطوي على قدر كبير من المعاني. فهي ألغت، بحسب مطلقيها، شرطاً يعتقدونه شارطاً وملازماً لأنظمة الشر. فهل يعقل أن يُسقِط شرير طائرة إسرائيلية؟ لكنه فعلها أول من أمس! فما العمل؟
نظام البعث نظام شرير ودموي وقاتل، لكنه أقدم على إسقاط طائرة إسرائيلية. هذه معضلة كبرى سقط فيها وعي يعيش فصاماً هائلاً بين حقيقة أنه ضحية هذا النظام الجائر، وبين عيشه في صلب الموقع الذي حدده له هذا النظام. فالبعث قال لمعارضيه السوريين أنا على حق، وأنتم عملاء لإسرائيل، فجاءت «حتى» كاستجابة لدعوة النظام إلى الرقص في حلبته.
والحال أن النظام في سورية جعل من قضية صراعه مع إسرائيل ديدن حكمه وموضوع تسلّطه على السوريين. علق المجتمع وقضى على أي خصم في الداخل مستحضراً هذا الصراع، وعاش الناس في سورية حال طوارئ منذ خمسة عقود، منتظرين حرباً لم تقع على هذا العدو. لكن النظام، وفي سياق مساعيه المتواصلة لقتل أي رغبة لدى السوريين في أن يكون بلدهم طبيعياً، أنشأ حالاً من العداء الواقعي المعلق مع إسرائيل، سقط خصومه في الداخل ضحيته. فالنظام مثلاً قاتل الإسرائيليين في لبنان عبر مساعدة «حزب الله» على قتالهم، وهذا كان جزءاً من رعايته مصالحه في لبنان وفي سورية. في حرب تموز (يوليو) 2006 كان للنظام في سورية دور في تحصين موقع من يقاتلون إسرائيل. فهل الاعتراف بهذا يمثّل اعترافاً بشرعية النظام؟
بعد أكثر من نصف مليون قتيل سوري تسبّب النظام بمقتل معظمهم، ما زال صعباً نقل الصراع مع النظام إلى خارج الحلبة التي حددها لخصومه. الصراع مع إسرائيل مصدر رئيس لشرعيته، وما على الخصوم إلا إثبات عدم إخلاصه لهذا الصراع. واحتمال فشلهم في هذه المهمة كبير، ذاك أن المصالح والأحلاف التي تحرك النظام وضعته فعلاً في مواجهة إسرائيل. قد يكون في موقع الضعيف والمتردّد والخانع في هذا الصراع، لكنه في موقع الصدام مع الـ «عدو»، وهو في أحيانٍ كثيرة في موقع المستهدف من هذا العدو.
النظام ومنذ استيلائه على السلطة تقمّص الدور الصراعي لمعرفته بقدرة هذه القضية على مده بـ «شرعية» تخوله قتل أي محاولة للتشكيك بحقه في السلطة. وأول من أمس، عندما أسقط الـ «أف 16»، جدّد «شرعية» ساعده عليها هذه المرة ضحاياه، ذاك أنهم هبّوا هبّة الرجل الواحد مستهولين إسقاطه الطائرة وعاجزين عن دحض الاعتراف الإسرائيلي بسقوطها.
المأساة السورية أكبر من هذه المعضلة. جريمة النظام أكبر من جريمة إسرائيل. الإحصاءات تقول ذلك، والحقائق وحجم الدمار وعدد النازحين. والقضية السورية اختبار أخلاقي يفوق بحجمه أي اختبارٍ في المنطقة. وما لم يؤمن السوريون بذلك، فإن قدرة النظام على اجتراح شرعية من خارج سورية ستبقى قائمة، وسيجدد البعث حكمه لهم، ودليله على «حقه» بحكمهم أنه عدو لعدوهم.
الحياة
أين «البوصلة» من كل هذا؟/ حسام عيتاني
إذا صحّ أن المواجهة فجر السبت في الأجواء السورية والفلسطينية كانت فخّاً نصبه الإيرانيون للطيران الإسرائيلي، ونجح فيه الأولون في تسجيل هدف ثمين بإسقاط طائرة «إف 16» إسرائيلية، نكون قد تقدمنا خطوة جديدة في طريق التصعيد المدروس المستمر منذ أعوام، والذي يتخذ حتى الآن من سورية ساحة وحيدة له.
وفق المقولة السابقة، يكون استدراج الإيرانيين من خلال إرسالهم طائرة من دون طيار إلى أجواء الجولان المحتل وانتظار خروج الطائرات الإسرائيلية لقصف أهداف متوقعة منها، العربة التي يعتقد الإسرائيليون أنها كانت محطة التحكم والسيطرة بالطائرة المسيّرة، بالتالي الحصول على الوقت الكافي للتعامل مع الطائرات الإسرائيلية بالأسلحة المضادة المناسبة، يكون هذا بمثابة تغيير في قواعد اللعبة المستمرة في الأجواء السورية منذ أكثر من خمس سنوات شنّ خلالها سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 115 غارة على مخازن ومصانع أسلحة يقول الإسرائيليون أنها كانت منخرطة في توريد عتاد «كاسر للتوازن» إلى «حزب الله» اللبناني.
يجوز الاستنتاج أن حوادث فجر السبت كسر حرية الحركة المطلقة الإسرائيلية في أجواء سورية واستطراداً لبنان الذي كانت الطائرات المهاجمة تُطلق في مرات كثيرة صواريخها نحو الأهداف الإيرانية والسورية من أجوائه. منطق الحوادث يشير إلى التمسك الإسرائيلي بحرية الحركة هذه التي تعتبرها حيوية لمنع نقل تكنولوجيا عسكرية متقدمة إلى حدودها الشمالية، سواء في لبنان أو في الجولان. عليه، ستحاول إسرائيل استعادة المبادرة والرجوع إلى الوضع السابق الذي تميز بتفوقها الجوي. ما يعني بداهة ضرورة توقع رداً إسرائيلياً عنيفاً على مواقع إيران و «حزب الله» في سورية يكون أفضل إعداداً من الاندفاع المتسرع الذي حصل أمس إلى الشباك الإيرانية. غني عن البيان أن الإيرانيين وحلفاءهم سيكونون في انتظار هذا الرد بجاهزية عالية.
تمكن إضافة التصعيدين السياسي والميداني على الجبهة اللبنانية القريبة لرسم صورة أوسع للاستراتيجية الإسرائيلية الرافضة ترك الإيرانيين يتمددون في سورية ولبنان من دون أي إزعاج ووسط مشاعر النصر الذي شاركوا في تحقيقه على قوى المعارضة السورية وعلى «داعش» وانتزاعهم دوراً مقرراً في مستقبل الحل السياسي في المنطقة ككل من خلال إضافة استئناف علاقاتهم مع «حماس» وضم هذه مجدداً إلى لائحة القوى الموالية لهم. فقد شهدت الأسابيع القليلة الماضية قراراً إسرائيليا ببناء جدار فاصل على الحدود مع لبنان الذي يعترض عليه لانتهاك الجدار الأراضي اللبنانية في عدد من النقاط، كما لوّح وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان بالاستيلاء على المربع (البلوك) الرقم تسعة من المنطقة الاقتصادية الخاصة التي سيبدأ لبنان التنقيب عن النفط والغاز فيها.
الاقتراب من الصدام المفتوح الإيراني – الإسرائيلي بهذه الخطوات المدروسة والمُفكّر فيها ملياً لن يكون سريعاً على الأرجح، بل ستشهد الأيام التي ستلي كل جولة منه اتصالات كثيفة بين الأطراف الإقليمية لتقييم الأرباح والخسائر وضبط الإيقاع، على غرار ما حصل في الساعات الأولى من صباح أمس.
والغالب على الظن أن أي مواجهة واسعة إذا وقعت، ستعامل العالم معها كصراع على النفوذ بين قوتين إقليميتين ضاريتين ما يبرر تساءل «السكان الأصليين» في هذه المنطقة عن مصلحتهم الملموسة في ما يحصل أي استعادة الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وهي لبّ الصراع في الشرق الأوسط. أو بحسب الرطانة السائدة، سيعيد طرح السؤال عن الجهة الحقيقية التي تتجه إليها «البوصلة» الطيبة الذكر. هل سيحمل هذا الصراع جزءاً ولو يسيراً من التقدم على طريق عودة الحقوق إلى أصحابها أم إنه سيخدم جداول أعمال داخلية لطرفين لا يقيمان وزناً لأصحاب البلاد؟
الحياة
تغيير قواعد الاشتباك تقرّره روسيا أو أميركا/ عبدالوهاب بدرخان
كانت بلا شك مفاجأة صادمة لإسرائيل التي اعتادت طائراتها التنزّه فعلاً في أجواء سورية لاصطياد مواقع للنظام أو لإيران ولديها معلومات من الأرض بأن شحنات عسكرية جديدة أُنزلت فيها. ومعروف أن تفاهمات فلاديمير بوتين – بنيامين نتانياهو منحت إسرائيل «الحق» في ضرب ما تعتبره «خطراً على أمنها»، أكان تمركزاً إيرانياً أو أسلحة وصواريخ متطوّرة تُنقل إلى «حزب الله».
وكانت بلا شك تجربةً وإرهاصاً مثيرين لإيران والنظام السوري و «حزب الله»، فهذه المرة الأولى التي تسمح فيها روسيا باستهداف طائرة إسرائيلية بهدف إسقاطها. وما قيل في آذار (مارس) 2017 أن الصواريخ المضادة التي أطلقت على طائرات إسرائيلية كانت إيذاناً بـ «مرحلة استراتيجية جديدة وتغييراً في قواعد الاشتباك» يتكرّر الآن بعد إسقاط الـ «إف 16»، وفي ظروف مختلفة تتسم بمواجهة روسية – أميركية متصاعدة. ولعل الحدث ساعد الروس والإيرانيين والنظام على تجاوز خلافات كثيرة طرأت على علاقاتهم في الآونة الأخيرة.
إذاً، فالـ «إف 16» مقابل الـ «سوخوي 25»، من دون أن يتضح ما إذا كانت روسيا سلّحت حليفيها أو أحدهما بصواريخ قادرة على إسقاط طائرة أميركية، ولا اتضح أيضاً ما إذا كانت الولايات المتحدة زوّدت أحد الفصائل بصواريخ محمولة لإسقاط طائرة روسية. وقد أظهر الواقع الميداني أن الدولتين الكُبريين تبادلتا الإندارات، فالغارات الروسية استمرّت ولم تتعرّض لأي استهداف جديد، والغارات الإسرائيلية تكرّرت كالمعتاد ما عنى أن «التفاهمات» مع موسكو لم تسقط مع حطام الـ «إف 16».
قد يكون تأكيد إيران ونظام بشار الأسد و «حزب الله» بداية مرحلة مختلفة متعجّلاً، مثله مثل الذين اعتقدوا أن غارة صباح السبت 10 شباط (فبراير) بداية «الحرب» التي تعتزمها إسرائيل على الوجود الإيراني في سورية، بل ربطوا ذلك بلقاء بوتين – نتانياهو عشية مؤتمر سوتشي. فأي تغيير «استراتيجي» يبقى رهن حسابات بوتين وتقديراته، إذ أتاحت القيادة الروسية لإسرائيل ضرب مواقع إيرانية حيوية في ثلاث مناطق متباعدة وربما تولّت وحدة روسية ضرب الـ «إف 16» تاركة للإيرانيين والنظام استثمار هذا الإنجاز.
يبقى حديث «الحرب» جارياً ومن الطبيعي أن يتصاعد الآن، لأن الأسباب التي أعلنتها إسرائيل مراراً لتبريرها لا تزال قائمة: فمن جهة هناك الحشد المتزايد للميليشيات العراقية (الإيرانية) في منطقة الجولان، ومن جهة أخرى هناك «صواريخ حزب الله» ومصنع الصواريخ الذي يعتقد الإسرائيليون أن هذا «الحزب» أقامه في لبنان بدعم إيراني. ولم تخف طهران رغبتها في مواجهة مع إسرائيل على الأرض السورية، بل تعتبرها مواجهة مع الولايات المتحدة التي عبّرت في أكثر من مناسبة عن دعمها أيَّ عملية إسرائيلية يمكن أن تقلّص النفوذ الإيراني في سورية. وفي خطوة غير مسبوقة أوعزت طهران لزعيم ميليشيات عراقية قيس الخزعلي وزعيم ميليشيات سورية حمزة أبو العباس لزيارة جبهة جنوب لبنان، بل إن إبراهيم رئيسي أحد أقطاب النظام الإيراني تفقد أيضاً هذه الجبهة.
سبق لكثر من متابعي الشأن السوري أن قدّموا تقديرات مفادها أن إقدام إسرائيل على ضرب الوجود الإيراني يحقق مصالح لأطراف عدة، بدءاً بروسيا التي يمكن أن تتخفّف من «شريك» صعب لديه أجندة خاصة ولا تتفق معه دائماً في الخطط التي ترسمها لـ «إنهاء الحرب» سياسياً أو حتى عسكرياً. ومع أن نظام الأسد لا يزال يعتمد على الدعم الإيراني ويستخدمه لمواجهة الضغوط الروسية إلا أنه يتعامل مع أي حرب إقليمية محتملة على أنها فرصة لخلط الأوراق لمصلحته وربما لانفتاح بعض الأطراف الدولية والعربية عليه. ولا شك في أن تركيا تنظر بارتياح إلى إمكان إضعاف النفوذ الإيراني في سورية. غير أن الإسرائيليين لا يتطلعون إلى تقديم خدمات إلى الآخرين بل إلى تحقيق مصالحهم أولاً، لذلك فإنهم يريدون لن يتحرّكوا إلا في حال تأمّن لهم توافق ولو ضمني بين الروس والأميركيين.
من الواضح أن توافقاً كهذا مستبعداً، ولا بد أن الإسرائيليين أدركوا بعد إسقاط طائرتهم أن الروس يمكن أن يوافقوا على ضرباتهم المحدودة ويفتحوا لهم الأجواء لكنهم لا يمنحونهم ضوءاً أخضر لعملية واسعة ومتواصلة. أي أن الاشتباك الأخير قد يكون رسم خطّاً أحمر روسياً يمنع إسرائيل من تجاوز «تفاهمات» بوتين – نتانياهو، فموسكو هي التي تتحكّم بوتيرة المواجهات وأهدافها، ومهما كانت مرحّبة ضمنياً بإضعاف النفوذ الإيراني إلا أن أي مساومة عليه يمكن أن تكون مع أميركا وليس مع إسرائيل. هذا الخط الأحمر يفترض أن تكون موسكو متحكّمة أيضاً بالسلوك الإيراني في الجولان، فالمعروف أنها فشلت في إقناع طهران بإبعاد ميليشياتها عشرات الكيلومترات عن تلك المنطقة كما اشترطت إسرائيل لاحترام «منطقة خفض التوتر» في جنوب غربي سورية، أي أن التوتّر هناك يبقى قابلاً للتفجير وفقاً لرغبة الطرفين.
حقّقت إيران من إسقاط الـ «إف 16» ما غدا اعترافاً دولياً بأنها الطرف الآخر في المواجهة، وعلى رغم أن الإنجاز سجّل باسم نظام الأسد إلا أن هذا الأخير كان الأقل تظاهراً به، فالمحتفلون كانوا أولاً وأخيراً من زبانية إيران. ولعل الظاهرة الجديدة أن أوساط الموالين للنظام لم تشعر بأن الحدث يدعم الأسد، كما أن أوساط المعارضة لم تشعر بأن ما حدث يخدم القضية السورية التي تدافع عنها، ومع اختلاف زاوية النظر بدا الموالون والمعارضون مدركين أن اللعبة الدائرة تتخطّاهم. وعلى رغم كل قيل ويقال عن تقليص النفوذ الإيراني، كهدف استراتيجي أميركي وإسرائيلي، فإن الإشراف على جبهة الجولان ومحاولة إقامة توازن ردعي مع إسرائيل وربط هذه الجبهة بجنوب لبنان لا تعزز نفوذ إيران فحسب، بل تؤسس لوضع يصعب تغييره بالقوة أو بالديبلوماسية من دون الاعتراف لإيران بدورها ونفوذها.
ليس واضحاً بعد ما إذا كان هذا الحدث سيحسّن الجو القاتم الذي هيمن أخيراً على علاقة النظام مع إيران التي ألغت شحنات وقود ومواد طبية مقرّرة سابقاً، وذلك كتعبير عن غضبها من عدم تنفيذ النظام مذكرات تفاهم لمنحها إدارة محطات كهرباء. ونقلت مصادر أن الإيرانيين باتوا يقولون أنهم «سيأخذون ما يريدون بطريقتهم ولن يعطوا النظام ما يحتاج إليه»، إذ يتهمونه بأنه كذب عليهم وظلّ يسوّف في الملفات المتفق عليها ليكتشفوا لاحقاً أنه وقع اتفاقات في شأنها مع روسيا. وسبق للإيرانيين أن طلبوا قاعدة بحرية ولم يوافق الروس عليها، كما اتفقوا مع النظام على حصة في استثمار الفوسفات لكن الروس وضعوا أيديهم على المناجم والمنشآت كلها، كذلك أرادوا إنشاء شركة ثالثة للاتصالات أو حصة رئيسية فيها غير أن «العراقيل البيروقراطية» أبطأت المشروع، والواقع أن الممانعة الروسية هي السبب.
وليس واضحاً أيضاً ما إذا كان الحدث سيلطّف أجواء العلاقة بين الروس والنظام، إذ إنهم يحمّلونه جانباً كبيراً من فشل مؤتمر سوتشي، خصوصاً بتركيبة الوفود التي أرسلها وطبيعة الأشخاص الذين كانوا بمعظمهم من الأتباع المكلّفين إفساد أجواء المؤتمر. أما النظام فكان لديه مأخذ رئيسي على روسيا التي تعرف أن عفرين كانت دائماً في صفّه لكنها تجاهلت ذلك مفضلة تسهيل العملية العسكرية التركية.
أما الخلاف الكبير الذي ثار أخيراً بين دمشق وموسكو فيتعلّق بمنصب «نائب الرئيس»، إذ إن نجاح العطار هي التي تحمل هذا اللقب وقد تدهورت صحتها إلى حدّ استدعى أن يبحث الأسد عن «بديل شكلي»، في حال حصول ما يؤدي إلى غيابه، ريثما تتفق الحلقة الضيقة للنظام على من يخلفه، أو يكون البديل شخصاً جاهزاً لتولّي المنصب. وبعدما استُعرضت أسماء عدة، وجد بشار أن الشخص الوحيد المناسب هو شقيقه ماهر «لتأمين استمرار الشرعية». لكن الروس رفضوا وقالوا لمن استمزجهم بالأمر «هذا غير مناسب ويبعث برسالة سيئة»، وقالوا لآخرين أن «حلفاءنا منفصلون فعلاً عن الواقع».
* كاتب وصحافي لبناني
الحياة
حرب الطائرات فوق جغرافيا الكارثة السورية
رأي القدس
بعد أكثر من 115 غارة على الأراضي السورية منذ بدء الثورة عام 2011، وقرابة 36 عاماً من آخر مرّة أسقطت فيها طائرة إسرائيلية خلال اجتياح قواتها لبنان عام 1982، تمكّن النظام السوري أخيراً من إيجاد «الوقت المناسب للرد» على الغارات الإسرائيلية وامتلك الإرادة والإمكانيات لإسقاط طائرة «إف 16» عبر كمين معقّد ساهمت فيه طائرة مسيّرة إيرانية محمّلة بصاروخ توغّلت في الأراضي الفلسطينية، تبع إسقاطها السيناريو المعلوم والمتوقع من خروج ثماني طائرات إسرائيلية لقصف الموقع الذي خرجت منه الطائرة الإيرانية لتقابل بعشرات الرشقات من صواريخ إس 200 (المعروف بـ«سام 5») الروسية الصنع ما أدّى لإعطاب وسقوط طائرة إسرائيلية (أصيب أحد طياريها بجراح خطيرة) وإصابة طائرة أخرى.
على ازدحام الحلبة السورية المفتوحة منذ سبع سنوات على كافة أشكال الصراع الدولية والإقليمية بالمفاجآت فإن إسقاط الطائرة الإسرائيلية يعتبر حدثاً فريداً كونه يوجّه صفعة كبيرة للغطرسة الجوّية الإسرائيلية، ويجعلها، مثل باقي القوى المتصارعة في الأجواء والأراضي السورية، غير محصّنة من نيران العواقب التي تنال المتدخلين هناك، مما يفرض عليها حسابات جديدة لقواعد الاشتباك، ويجعل فكرة تقييد حركة ذراعها الجوّية الطويلة ممكنة.
ولا تغيّر ردود الفعل الإسرائيلية التالية على إسقاط الطائرة (قصف 12 موقعاً إيرانياً في سوريا)، ولا تصريحات رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو إن قواته ستواصل العمليات هناك أن واقعة عسكرية (وسياسية بالتالي) جديدة قد ارتسمت في مفادها أن على طائرات إسرائيل أن تتحسّب من ردّ قاس حين تدخل الأجواء السورية.
ورغم أن الفاعلين الرئيسيين في المعادلة المستجدة هما إيران وإسرائيل، فإن هكذا واقعة ما كانت ستمرّ من دون ضوء روسيّ أخضر، وهو ما يمكن ربطه، بسقوط طائرة سوخوي روسية في إدلب قبل أسبوع ومقتل طيارها بصاروخ حراريّ أطلقته المعارضة السورية، تبعه اتهام لواشنطن بالمسؤولية عن تزويد «هيئة فتح الشام» بالسلاح الفعال المضاد للطائرات، وكذلك بالضربة الأمريكية لميليشيات إيرانية وسورية وجنود روس خلال تحرّك لاحتلال حقل غاز في منطقة دير الزور، وقبلها هجوم طائرات مسيّرة متطورة على قاعدة حميميم ما أدّى لإعطاب عدد من الطائرات الروسية هناك.
استخدام منظومة الدفاع الجوي الروسية في سوريا للتصدي لطائرات إسرائيل قد يعني أيضاً أن موسكو تعلّق تفاهمات سابقة مع تل أبيب وتنسّق بشكل كبير مع إيران وهو ما سيدفع إسرائيل لإعادة حساباتها الروسيّة ويجعلها تتمهّل كثيراً قبل أن تفكر بتصعيد كبير ضد طهران.
غير أن أسوأ ما في الأمر، أن هذه الصراعات كلّها تجري في سوريا، وأنها تخضع لحسابات دول تشارك (مع النظام السوري) في دوّامة القتل المبرمج لمئات آلاف المدنيين المحاصرين والجوعى في مشافي وأسواق وأفران ومساجد وبيوت أهل الغوطة وإدلب ودرعا ودير الزور وغيرها.
الحرب على الأبواب؟/ سلمان مصالحة
هل يمكن القول إنّ المنطقة دخلت مرحلة العدّ التنازلي لحرب قادمة؟ فلقد سبق التصعيد الحربي الذي شهدته الجبهة الإسرائيلية السورية قبل أيام تصعيدٌ إعلاميّ واسع في الأسابيع الأخيرة كان يشي بتسارع الأحداث نحو حالة حربيّة مقبلة.
فقبل أسبوعين طار نتانياهو إلى روسيا واجتمع بالرئيس الروسي بوتين. وقد صرّح للصحافيين بعد اللقاء بأنّه ناقش مع الرئيس الروسي «سيناريوات تصعيدية ممكنة» على الجبهة الشمالية. وعلى ما يبدو، فالأمر يتعلّق بمحاولات إيرانية لنقل منشآت تصنيع الصواريخ من الأراضي السورية إلى لبنان، وذلك على خلفيّة الضربات الجوية الإسرائيلية على هذه المواقع وتدميرها في الأراضي السورية. بعد اللقاء الإسرائيلي الروسي وصل إلى إسرائيل وفد روسي عسكري وسياسي رفيع المستوى للوقوف على الخطوط الحمر الإسرائيلية بهذا الشأن، ولأجل البحث في التنسيق الأمني بين الطرفين بوصف روسيا الحاكم الفعلي والأقوى في سورية في هذا الأوان.
الأيديولوجية التي تسير على خطاها إيران هي ذات مطامع إمبراطورية توسّعية في المنطقة، وقد شهدت نجاحات كثيرة في العقد الأخير. حكّام إيران يقيسون خطواتهم بدقّة. وبهذا السياق، جدير بالذكر ما صرّح به من قبل الرئيس الأميركي بأنّ الشهور القليلة القادمة هي آخر تمديد لتجميد الحظر ضدّ إيران في إطار الاتّفاق النووي. على رغم تجميد هذا الحظر، شهدت إيران مؤخّراً تظاهرات واسعة اجتاحت غالبية المدن، وقد خرجت هذه التظاهرات، وعلى خلفية اقتصادية، من أوساط جمهور شعبي كان يُعدّ من موالي النّظام.
إنّ إعادة النّظر في تجميد الحظر قد تفاقم أزمات إيران الاقتصادية وتضعضع الوضع، مشكّلة خطراً على النّظام، ولهذا ليس من المستبعد أن تدفع إيران ببيادقها المنتشرة في المنطقة، وعلى رأس هؤلاء حزب الله، لخطوات تصعيدية بغية صرف الأنظار عن محاولة إعادة النظر في الملفّ النووي. قد يكون حزب الله جاهزاً للقيام بمهمّة من هذا النوع نظراً لاعتبارات خاصّة متعلّقة بفقدانه الكثير من المصداقية والشعبية بين الجمهور العربي عقب تدخّله في سورية دعماً لنظام الأسد وما جرّ هذا التدخّل من جرائم مرتكبة بحقّ الشعب السوري.
على العموم، فإنّ إسرائيل دائماً، وبوصفها الشيطان الأصغر، شكّلت أسلك الطرق لاكتساب العواطف الشعبيّة العربية. الإيرانيّون يعرفون هذه الحقيقة وهم يستغلّونها إلى أبعد الحدود. فمنذ صعود الملالي للسلطة في إيران بدأوا في إعلان «يوم القدس» وإنشاء «فيلق القدس» لصرف أنظار العرب عن المطامع القومية الفارسية في هذه المنطقة، ولإيهام العرب بأنّ إيران هي المخلّص وهي القوّة التي تقف بوجه «الشيطان الأكبر»، أميركا، و «الشيطان الأصغر» إسرائيل. لأجل تحقيق المطامع الإيرانية في المنطقة فإنّ هؤلاء الملالي على استعداد لمحاربة «الشيطان» حتّى آخر لبناني أو حتّى آخر سوري، أو آخر عربيّ.
جدير بالتذكير أيضاً أنّ الخطاب الإيراني، كما يصدر من أفواه الملالي والمتحكّمين في السلطة الإيرانية، لا يتحدّث عن الإسلام، على رغم أنّ الثورة الإيرانية وُسمت بالإسلامية. الخطاب الإيراني الرسمي يُعلي من شأن «ملة إيران»، أي الأمّة الإيرانية، مستعيداً بذلك التاريخ التاريخ الفارسي القديم الذي كانت الفتوحات الإسلامية قد أجهزت عليه.
على هذه الخلفية، يسعنا القول إنّ الشرخ الطائفي الكبير -الشيعي السنّي- إضافة إلى الشّروخ الإثنية الكبرى الأخرى التي تنخر المجتمعات العربية، تشكّل أرضية خصبة للألاعيب الإيرانية في جسد هذه المنطقة.
ولمّا كان الملالي ينهلون من الموروث الديني الشيعي فإنّ سورية، أو بلاد الشام، هي موقع مركزي في هذا الموروث، وهي ترتبط بظهور المهدي الشيعي المنتظر. فها هو رجل الدين وعضو البرلمان الإيراني، روح الله حسنيان، يصرّح لوكالة أنباء فارس بالقول: «عندما يقاتل ذوو الرايات الصفر أعداء الشيعة في دمشق وتنضم إليهم القوات الإيرانية سيكون هذا تمهيداً وعلامة على ظهور المهدي».
هذا البرلماني الإيراني لا يأتي بهذا الكلام من بنات خياله. إنّه يستند إلى الأحاديث الشيعية المهدويّة المتوارثة منذ القدم. فها هو حديث أبي جعفر الباقر: «لا يظهر المهدي حتى يشمل الناس بالشام فتنة، يطلبون المخرج منها فلا يجدونه».
وللتذكير أيضاً فإنّ مصير العرب مع ظهور المهدي لا يبشّر بالخير. فها هو المجلسي يروي حديثاً آخر: «إذا خرج القائم لم يكن بينه وبين العرب وقريش إلا السيف».
إذاً، وعلى خلفية هذه الأيديولوجية الدينية المهدويّة، من المستبعد أن تنسحب إيران من سورية بسهولة. وهكذا دخلت هذه المنطقة في مرحلة حرجة. والجميع ينتظر الآن ساعة الصّفر لانطلاق صفّارات الإنذار التي تُنذر بحصول الدمار.
* كاتب فلسطيني
الحياة
ما غنمته اسرائيل في الكارثة السورية… وما يقلقها/ وسام سعادة
«ديالكتيك»: حرب حزيران 1967 التي احتلت فيها اسرائيل أضعافا مضاعفة من الأراضي العربية نسبة إلى المساحة المحددة بالخط الأخضر، هي الحرب التي أطلقت العد العكسي لانسحاب أكبر دولة عربية، مصر، من الصراع العربي الاسرائيلي، بعد ذلك بعشر سنوات. في المقابل، أطلقت الهزيمة العربية الكبرى في حرب الأيام الستة بدء العد العكسي لدخول إيران، بقوة، على خط هذا الصراع. اولا، بتعمق تحالف نظام الشاه معها، في مرحلة اقفلت فيها قناة السويس، وصار الاعتماد على شحن النفط من ايلات إلى عسقلان. وثانيا، مع الاطاحة بنظام الشاه، وانتقال إيران إلى الموقع النقيض. تحالفه مع اسرائيل لعب دورا غير قليل في التعجيل بسقوطه، ومع قيام النظام الثوري الاسلامي في الفترة نفسها التي كانت فيها مصر تنسحب من معادلة الصراع، مع استرداد ترابي كامل انما محدود السيادة لارض سيناء، انتقلت إيران بين ليلة وضحاها من التحالف مع اسرائيل إلى لوم الانظمة العربية على نكوصها وارتدادها عن هذا الصراع.
حرب 67 اسست اذا على المدى الزمني الاوسط، اي بالنسبة للجيل التالي لها، لانسحاب مصر من الصراع، ودخول إيران اليه من بابه الواسع. عربيا، لم تطرح اي حكومة في البلدان المحاذية لفلسطين في اي يوم، ضمن الخطاب الرسمي لها، رمي اسرائيل في البحر، هذا في عز الصراع معها، ورغم عدم الاعتراف بوجودها. أما إيران فانتقلت مباشرة بعد الثورة إلى تبني خطاب رمي اسرائيل في البحر، وربط ذلك بالمشروع المهدوي الخلاصي الآتي. ولما اقترن هذا مع انسحاب اكبر دولة عربية من الصراع، ثم مع دخول «بروسيا العرب»، العراق، في الحرب ضد إيران، صار الخطاب المبني على الوعد بدمار اسرائيل في بحر القرن الحادي والعشرين، اكثر تجذرا، ومبنيا على التنديد بخيانة العرب لقضية فلسطين، وبفضل الإيرانيين عليهم بأنهم التقطوا الراية اليتيمية، ودفعوا بها إلى الامام، من خلال رعاية الحركات المسلحة الاسلامية التي تقاتل اسرائيل، سواء منها تلك المطبقة للنموذج الحرسي تماما، والتي تدين بنظرية ولاية الفقيه، شأن حزب الله، او تلك الآتية من الاسلام السياسي «الاخواني»، مثل حماس.
لعقود طويلة ظل النظام السوري، حليفا لإيران الاسلامية، انما الحليف اللدود في الملف اللبناني، والذي يتبنى، رغم تسيد الضباط العلويين فيه، ايديولوجيا بعثية نيو-أموية عندها مشكلة مزمنة مع الحضارة الإيرانية. كما بقي انخراط سوريا في عملية السلام، منذ مؤتمر مدريد، عنصر تباين جدي مع الجانب الإيراني. لكنه عنصر كان سيظهر لو ان الأمريكيين والاسرائيليين كان لديهم الاستعداد لتطبيق مبدأ الارض مقابل السلام في الجولان، وهكذا، وجه المرشد علي خامنئي مثلا انتقادات لاذعة لسوريا وقت مفاوضات شيبرزتاون بين ايهود باراك وفاروق الشرع. لكن، وبما ان المسار السوري من عملية السلام جرى الحجر عليه منذ اتفاق اوسلو – الامر الذي فخخ اوسلو ايضا، فلم يكن مقدورا لعنصر التباين هذا ان يتجاوز التوترات الجانبية.
تراجع حظ هذا التباين اكثر مع الثورة، ثم الحرب، ثم الكارثة السورية الكبرى، الناشئة في الاساس عن توازن كارثي بين عناصر الابقاء على النظام وعناصر الاطاحة به، وعن تحلل نفس هذه العناصر، ومن خلالها تحلل البنى الاهلية للمجتمع السوري في اللحظة نفسها الذي تعاظم حديث المبالغة عن ازدهار هذه البنى، وعن ادارة كارثية للملف السوري بين الدول الاقوى في العالم. فكل ما رأته اسرائيل من الموضوع السوري بعد 2011 هو ان احدا لن يطالبها بعد هذا الدمار باعادة هضبة الجولان المحتلة. لم تهتم اسرائيل جديا الا بهذا. سيان عندها بقي النظام ام سقط، تبنت سوريا اسلاما متشددا ام معتدلا. المهم عندها ان مكسبا استراتيجيا لاح لها منذ 2011، وهو ان هضبة الجولان التي كانت خارج التغطية التفاوضية قبل ذلك بسنوات غير قليلة، صارت الآن «خارج البحث» تماما، واكثر بكثير ليس فقط من الضفة الغربية، بل حتى من القدس. هناك اليوم رأي عالمي مندد باحتلال اسرائيل للضفة، ولمجتمع المستوطنين في الضفة، ولاحتلال اسرائيل للقدس الشرقية واعلانها القدس عاصمة لها من جانب واحد، لكن لا شيء من هذا فيما يتعلق بالجولان.
شكل «غياب الجولان كمسألة» واحدا من عناصر النقص الفادحة جدا في خطاب الثورة السورية، كما شكلت «المناورات الاسترجاعية» للجولان جانبا مستهلكا من العدة الدعائية والخطابية للنظام وحلفائه… وحتى في جولة المواجهة الحربية الاخيرة، التي لن تكون الاخيرة، والتي ليست الحرب لكنها تراكم للحرب الاسرائيلية الإيرانية الشاملة، في فترة لا يمكن تقدير اوانها، فان مسألة الجولان لم تخرج من المعهود هذا. مع انه، من الناحية الاسرائيلية، تحصين وضعية الجولان كمسألة خارج البحث تماما، هو عنصر اساسي في كل ما تقدم عليه الدولة العبرية او تخطط له حيال سوريا.. ولبنان. موضوع النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان مرتبط بمثل هذا: من الناحية الاسرائيلية هذا النفوذ يمكنه ان يعيد تحريك مسألة الجولان بشكل او بآخر، او انه يمكن ان يخدم، او يمكن لمواجهته ان تخدم، لتعبيد الطريق نحو مواجهات من شأنها ان تكرّس، وفقا للتقدير الاسرائيلي، واقع الأسرلة النهائية للهضبة السورية المحتلة. نفس الشيء بالنسبة للتعاطي الاسرائيلي مع العمليات الروسية، الحربية والسياسية، في سوريا، وهنا يمكن الالتفات لما كتبه شمي شاليف في هآرتس بالامس، معددا في عداد اخطاء بنيامين نتنياهو انه منى النفس طويلا بأن الجولات والصولات الجوية فوق سوريا، محمية بالموقف الروسي.
مشهد تحطم طائرة اف 16 الاسرائيلية هو مشهد خسارة كاملة لجولة من حرب متقطعة تراكم لحرب شاملة. لا تختصر الحرب في جولة، لكن الجولة تختصر إلى حد بعيد في هذا المشهد، الذي لا يبدده كل ما تبعه من اغارات اسرائيلية بعده. بالتوازي، فانه، اذا كانت الدولة العبرية تنظر على الصعيد الجيوستراتيجي الاقليمي الشامل لتمدد النفوذ الإيراني بقلق بالغ، تصاعد في السنوات الاخيرة، فانها تنظر إلى «الراحة المتصاعدة» لها بعد الربيع العربي، وخصوصا فيما يتعلق باخراج الجولان من دائرة البحث (ناهيك عن تعليق الجبهة اللبنانية منذ 2006، ووضع اكثر صعوبة بالنسبة لحماس في غزة) كمعطى معاصر لنفس فترة التمدد الإيراني. ولهذا مفارقته ايضا: فالرأي العام الاسرائيلي لن يقتنع بسهولة بحرب لمستلزمات جيوستراتيجية، في المرحلة التي لا يبدو فيها من خطر داهم مباشرة يتهدده. هذا الرأي العام يمكن ان يستشعر خطرا كهذا حيال عملية انتحارية اكثر بكثير من استشعاره لذلك حيال مشهد سقوط طائرة في سلاح جوه. بالطبع، ما تستشعره المؤسسة الحاكمة في اسرائيل، والقيادات العسكرية، يفترض انه معاكس لهذا.
٭ كاتب لبناني
القدس العربي
بعد إسقاط «أف 16» هل ستراهن السعودية على إسرائيل حليفا؟/ د. حسين مجدوبي
قال عدد من مسؤولي إسرائيل إن إسقاط طائرة «أف 16» يعد بداية تغيير في قواعد اللعبة العسكرية في الشرق الأوسط، وردد الإيرانيون التقييم نفسه، بينما كان الصوت الوحيد والمتبني للرأي نفسه من العربية السعودية هو الجنرال المتقاعد أنوار عشقي. ويترتب عن هذا المستجد الخطير نتائج عسكرية وسياسية في آن.
والطائرة التي أسقطتها مضادات طيران من سوريا هي من نوع «أف 16 إي»، وهي نسخة معدلة ومتقدمة جدا، بل تتفوق على النسخة الأمريكية في التشويش الإلكتروني والمراوغة والدفاع، رغم أنها صناعة أمريكية أيضا. وتعد «أف 16» جوهرة سلاح الجو الإسرائيلي الذي ضمن لها تفوقا بشكل رهيب منذ توصلها بأول دفعة سنة 1980 وتتوفر الآن على أكثر من 340 منها، الأكبر بعد الولايات المتحدة التي تتوفر على أكثر من ألفي طائرة.
وبينما كان العرب يعتمدون على اقتناء الدبابات والمدرعات كانت إسرائيل ومنذ نشأتها تركز على سلاح الجو لضمان تفوق حقيقي. وتفوق سلاح الجو الإسرائيلي، خاصة «أف 16» لا يعني فقط التفوق على سلاح جو الدول العربية، بل الأدوار الموكلة له برا وبحرا وجوا. وكانت «أف 16» الفاصل لمنع تقدم أي مدرعات أو دبابات معادية، كذلك اقتراب سفن معادية من الشواطئ الإسرائيلية، وتوفر الغطاء الناري لتقدم المشاة والمدرعات الإسرائيلية خلال الحرب، وتتولى مهمة القصف القوي في حالة عدم نجاح الدبابات. وهذا ما حصل في حرب صيف 2006، فعندما نجحت قوات حزب الله في إخراج دبابات الميركافا من المواجهة، بإلحاق عطب في عجلاتها الحديدية لمنعها من التقدم، اعتمدت إسرائيل على «أف 16» لضرب الأهداف في بيروت، بل منع أي تقدم لقوات حزب الله.
وبعد إسقاط «أف 16» يوم السبت 10 فبراير 2018، وإصابة أخرى من نوع «أف 15» نزلت اضطراريا، قد يكون النزاع في الشرق الأوسط على عتبة مرحلة عسكرية جديدة ستتغير فيها قواعد اللعبة وعنوانها: نهاية الهيمنة العسكرية الجوية الإسرائيلية. لم تعد «أف 16» تضمن التفوق العسكري الإسرائيلي، في ظل وجود منظومة دفاع جوي متقدمة، ولن يتجدد التفوق الجوي ولو حصلت على «أف 35». وأصبح حلم إسرائيل العربدة ضد سوريا صعب، بل ضرب أهداف في إيران من المستحيل لسببين، الأول وهو توفر إيران على منظومة دفاع جوي متقدمة للغاية، والثانية أن بعد المسافة بين البلدين تجعل سلاح الجو الإسرائيلي غير قادر على تكرار سيناريو ضرب المفاعل النووي العراقي سنة 1982. إذ على المقاتلات الإسرائيلية قطع مسافة طويلة تقترب من ثلاثة آلاف كلم، وإن تزودت بالوقود وتركتها دول تمر من أجوائها، سيكون للمضادات الإيرانية الوقت الكافي لمواجهة هذه الطائرات. يتمنى خبراء إسرائيل العسكريين والسياسيين أن يكون السلاح الذي أسقط «أف 16» من صنع روسي محض، لأنه يمكن التفاوض مع روسيا والتوصل لتفاهمات لكيلا تفوت هذا السلاح مقابل عدم مهاجمة سوريا مستقبلا. لكن المصيبة الحقيقية لإسرائيل أن يكون مضاد الطيران صنعا إيرانيا محضا أو تعديلا لمضادات روسية.
التقارير الأولية التي تشير إلى صواريخ سام قد تكون من باب الخدع، علما أن إسرائيل لا تكشف الحقائق في الجانب العسكري. ومن ضمن الأمثلة، صمتها حتى الآن على نوعية الأضرار والخسائر التي تعرضت لها دبابة الميركافا في مواجهة حزب الله سنة 2006. لقد حدث هذا التطور في وقت تتواجد فيه القوات الإيرانية وحزب الله على مسافة قريبة من الحدود الإسرائيلية، فهي ستبقى في سوريا، وهو السيناريو الذي حاولت دائما إسرائيل تجنبه. وإذا تراجع دور الطيران نسبيا وليس كليا بطبيعة الحال، فالحرب ستصبح مجددا كلاسيكية، أي المواجهات البرية، خاصة حرب القوات الخاصة. وعلى المدى الطويل، هذا لا يخدم مصالح إسرائيل نهائيا لعدم توفرها على خزان بشري. كما لا يستبعد رهان إسرائيل على حرب الصواريخ إذا فقدت امتياز الطيران.
وعلى مستقبل التحالفات السياسية في المنطقة يحدث هذا التطور، في وقت كانت بعض الدول العربية وعلى رأسها السعودية والإمارات تتقرب كثيرا لإسرائيل، اعتقادا منها أنها قادرة على مواجهة إيران والانتصار عليها في الحرب. لقد اعتقدت المخابرات العسكرية السعودية في هذا السيناريو، ولهذا ظهرت أصوات تغازل إسرائيل، وبدأت تعتبرها حليفا مستقبلا. وكم من الإعلاميين والخبراء وكتاب الرأي تجندوا طيلة الأشهر الماضية للتأكيد على خطر إيران على العرب السنة وليس إسرائيل، وبدأ الحديث عن زيارات سرية لمسؤولين سعوديين كبار الى تل أبيب للتنسيق لإنشاء حلف عسكري ضد «الفرس». والآن يتبين مدى خطأ السعودية واعتمادها على خبراء غربيين من الدرجة الثالثة للحصول على استشارات. لم تدرك السعودية مواقف أطراف فاعلة في الإدارة العسكرية العميقة للولايات المتحدة، التي كانت تتحفظ دائما على مواجهة إيران، لأن كل حرب ستحمل نتائج سلبية أكثر منها إيجابية ولو انتصرت واشنطن. وعلى رأس هذه الأطراف المخابرات العسكرية الأمريكية (DIA)والقيادة الأمريكية للعمليات الخاصة، ذات الثقل الوازن في اتخاذ القرارات العسكرية الكبرى في الولايات المتحدة. وتؤكد هذه الأطراف على أنه «يمكن مواجهة إيران والانتصار عليها، لكن الانتصار سيكون بطعم الهزيمة لأن الجيش الإيراني قد يقضي على أكثر من 15% من القوة الأمريكية، ولا يمكن السماح بحدوث هذا في وقت يبقى مصدر الخطر الحقيقي هو الروسي – الصيني وليس قوة متوسطة لا يتعدى نفوذها ما هو إقليمي مثل إيران». هذا ما يجعل البنتاغون لا يميل لمخططات إسرائيل بمهاجمة إيران رغم شراسة عنف تصريحات الرئيس دونالد ترامب. قال الجنرال السعودي عشقي بتغيير في قواعد اللعبة بعد سقوط «أف 16»، فهل ستستمر الرياض في الرهان على إسرائيل التي لم تعد تتمتع بالقوة نفسها؟
إن سقوط طائرة واحدة بمضاد للطيران، وهي طائرة متطورة للغاية، يشكل بداية منعطف مهم في الخريطة العسكرية للشرق الأوسط وسيقود إلى تغييرات، منها التزام إسرائيل الهدوء مستقبلا بدون شك. وهنا يبرز دور الأسلحة في صنع الخرائط والقرارات أكثر من الخطب السياسية الرنانة التي لا تحمل تغييرات. في مقال نشرناه في «القدس العربي» بتاريخ 3 أغسطس 2006 بعنوان «توازن الرعب بين سلاح الجو الإسرائيلي وصواريخ حزب الله»، كتبنا وقتها أن استراتيجية الصواريخ التي نهجها حزب الله سيجعل إسرائيل لن تهاجم لبنان مجددا، كان أغلب المحللين يتحدثون عن حرب وشيكة. مرت 12 سنة، ولم تهاجم إسرائيل. واليوم، بعد سقوط «أف 16»، نحن أمام سيناريو مشابه بدأ يتبلور، لن تكون بطبيعة الحال نهاية مهاجمة إسرائيل لسوريا بل بداية النهاية.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»
القدس العربي
حرب ليس مسموحاً بها/ معن البياري
ليس الخبر، أول من أمس السبت، أن إسرائيل ارتكبت عدوانا عسكريا على الأراضي السورية، واستهدفت (كما قال جيشها) 12 موقعا، تحوي ثلاثةٌ منها بطارياتٍ دفاعيةً جويةً للجيش السوري، وإنما الخبر أن الأخير قام بواجبه، فردّ على العدوان، فتمكّن من إسقاط طائرةٍ حربيةٍ إسرائيليةٍ (أف 16). ليس الإعلام، العربي وغيره، المسؤول عن تركيز الأنظار على ما هو مفترضٌ أن يكون من عاديّ الحوادث والوقائع، وإشاحتها عما هو عدواني، وإنما هو بؤس الحال السوري (والعربي عموما بالضرورة) الذي يجعل الاعتداءات الإسرائيلية على سورية ولبنان شأنا روتينيا، لا يستحق اكتراثا زائدا، سيما وأنها سابقةٌ على دخول سورية محنتها الراهنة، ومستمرةٌ في أثناء الاستباحة المهول لأراضي سورية وكيانها، منذ نحو سبع سنوات التي شهدت ستة وعشرين اعتداءً، كان جديدها، أول من أمس السبت، الأوسع منذ عام 1982، على ما كتبت صحفٌ عبرية.
أما صحّة القول إن تغييرا في قواعد الاشتباك أحدثه إسقاط مضادّات الجيش السوري المقاتلةَ الحربيةَ الإسرائيليةَ فتتطلب ترقب ما إذا كانت دولة الاحتلال سترعوي، وتكفّ عن “روتينية” اعتداءاتها، واختبار ما إذا كانت هذه الواقعة (المبهجة) ستتلوها مثيلاتٌ لها، إذا ما تمادت إسرائيل، واعتبرتها واقعةً لا قياس عليها. وبعيدا عن أي مبالغات، ومن موقعٍ مناوئ لنصرة حزب الله العسكرية والمليشياوية نظام القتل والإبادة في سورية، يشتهي ملايين العرب، وأحدهم صاحب هذه الكلمات، أن يكون كلاما في محله قول حزب الله إن إسقاط الطائرة المعتدية “بداية مرحلةٍ استراتيجيةٍ جديدة”. وليس هناك ما هو أدعى لفرح العرب جميعا من أن تنبني المرحلة المتحدّث عنها على أولوية مواجهة الصلف الإسرائيلي، وليس على أولوية بقاء نظام الأسد ولو بمقتل أزيد من ثلاثمائة ألف سوري، وهجرة سبعة ملايين سوري من بلدهم الذي يتدمر، بنيانا وكيانا ومجتمعا.
لم تشهد الأراضي السورية اشتباكا، بالمعنى العسكري للمفردة، مع الصواريخ والمقاتلات الإسرائيلية، في السنوات السبع الماضية، حتى يُقال إن تغييرا في قواعد هذا الاشتباك من المرتقب حدوثه. وإذا صحّت تحليلاتٌ ذهبت إلى أن إسقاط الطائرة المعتدية مجرّد رسالة روسية إلى حكومة نتنياهو، مفادها بأن لا تتجاوز إسرائيل سقوف تفاهمٍ مع موسكو أجاز لها “حرية الحركة في الأجواء السورية”، فإن القصة كلها تصبح أبعد ما تكون عن ذلك الذي نشتهي ونتمنّى، سيما أن “يديعوت أحرونوت” توضح أن ثمّة استعدادا لدى روسيا لأن تجعل إسرائيل “تخسر” تلك الحرية المتاحة لها. والمرجّح أن المكالمة الهاتفية بين بوتين ونتنياهو، عقب “السخونة” التي طرأت السبت الماضي، جاءت على هذا الأمر. والمرجّح أيضا أن الرئيس الروسي هو من أوقف الجميع عند الحافّة، بدل أن تدحرجهم صواريخ وقاذفاتٌ إلى حربٍ ليس مرخّصا لها بعد. ذلك أن مواجهة حربية إسرائيلية إيرانية ما زالت ممنوعة، لمعرفة موسكو وواشنطن، وغيرهما، بأن تطويق تداعياتها سيكون عسيرا.
هوى الصاروخ السوري بالمقاتلة الإسرائيلية، غير أن شظاياه سقطت في شمال الأردن وجنوب لبنان والجليل الفلسطيني، في دلالةٍ لا تخطئها أي عيون على المدى الذي ستتوزّع عليه حربٌ تقوم بين إيران وإسرائيل في الملعب السوري. وإذ ينكتب الآن في صحافاتٍ إسرائيليةٍ وعربيةٍ كثيرةٍ إن الجميع لا يريد هذه الحرب، بل لا يريد أي حربٍ، غير الجارية في الخريطة السورية المنتهكة، وذات التفاصيل الخاصة، فإن الظاهر أن إيران هي أكثر الأطراف حرصاً على تفادي مواجهةٍ من هذا النوع، ليس فقط بدليل صمت مسؤوليها عن أي تعقيبٍ على البيان العسكري الإسرائيلي الذي أفاد، صراحة، بأن بين الاثني عشر موقعا التي تم ضربها في سورية مواقعَ تتبع قواتٍ إيرانية، وإنما أيضا بسبب مقادير “التعقل” الميداني الغزيرة التي زاولتها الجمهورية الإسلامية عقودا أمام استفزازات إسرائيلية كثيرة، وإيثارها الحروب بالوكالة، طالما أن حزب الله يقوم بالواجب، عند اللزوم.
قصارى القول، لواقعة إسقاط الجيش السوري “إف 16” الإسرائيلية أهميتها، غير أنها تبقى أهميةً محدودة، إلا إذا أحدثت المراد منها، أي تغيير الروتيني المعهود، وهذا ما يتبيّن في أيام وأسابيع مقبلة.
العربي الجديد
سوريا بين الضارب والمضروب/ إبراهيم الزبيدي
من مجمل التصريحات التي خرجت من طهران تفاعلا مع الغزو الجوي الإسرائيلي الأخير لسوريا وتدمير 12 موقعا عسكريا تابعا للقوات الإيرانية وميليشياتها اللبنانية والعراقية، لم نجد واحدا من جميع قادة النظام الإيراني يشير إلى علاقة إيران بها.
في المقابل يباهي بنيامين نتنياهو بأن إسرائيل “لن تسمح بأي تموضع عسكري إيراني في سوريا”. ويقول “أوضحنا للجميع أن قواعد الاشتباك الخاصة بنا لن تتغير بأي طريقة. سنواصل ضرب كل من يحاول ضربنا”.
وكتب على صفحته على فيسبوك يقول إن “إيران قامت اليوم بمثل هذه المحاولة. إنها خرقت سيادتنا. إنها أرسلت طائرة إلى أراضينا من سوريا. سلاح الجو أسقط تلك الطائرة، وضرب مركز السيطرة والتحكم الذي أطلقها. إسرائيل ضربت بقوة أيضا أهدافا إيرانية وسورية عملت ضدنا. هذا هو حقنا وواجبنا، وسنواصل ممارستهما وفق الحاجة. فلا يخطئ أحدٌ بذلك”.
وليس هذا وحسب، بل وجه وزير الاستخبارات الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، تهديدا صريحا لإيران قائلا “إنها لو استمرت في التهديد والقيام بعمليات هجومية ضد إسرائيل من سوريا فإن إسرائيل ستلقنها درسا لن تنساه أبدا”.
وقال “إسرائيل غير معنية بالتصعيد، إلا أنها ستستمر في تطبيق الخطوط الحمراء، كما فعلت البارحة. إنها لن تُسلم بالتموضع الإيراني في سوريا، والمسّ بسيادتها، ونقل الأسلحة المتطورة لحزب الله في لبنان، وبناء القدرة المحلية لتصنيع وتطوير الصواريخ في لبنان، على يد إيران لحزب الله”.
وهنا ليس ضروريا أن نشغل قراء ‘العرب’ بالدوافع التي قادت إلى ما جرى بين إسرائيل وإيران وحزب الله والرئيس السوري.
ورغم تسليمنا بأن غطرسة إسرائيل وتعدياتها على الدولة السورية، من نصف قرن أو يزيد، إجرام وعدوانٌ واستهتار وإهانة للسيادة الوطنية السورية، إلا أن العتب ليس عليها بل على النظام الذي يستأسد على شعبه ويتأرنب أمام المعتدين الغزاة، ولا يهمه غير بقائه في الحكم، ولو على الخوازيق.
فالطيران الإسرائيلي كان، ولا يزال، سيد الأجواء السورية، من أول أيام الحاكم الظالم الأب، أو على مدى عُمر نظام وريثه، ولم يُغير طبيعته تلك حتى في ظل الوجود العسكري والأمني والسياسي للنظام الإيراني الذي ظل قادته العسكريون والمدنيون، معا، يفاخرون، في تصريحاتهم المتلاحقة، بقوة الدعم العسكري الذي يقدمونه لنظام الأسد.
ومن أهم تلك المفاخرات “العنترية” وأوضحها كان إعلانُ الجنرال محمد إسكندري، قائد فيلق الحرس الثوري بمدينة ملاير في محافظة همدان وسط إيران، الذي قال “إن الحرب في سوريا هي في واقع الأمر حرب إيران ضد الولايات المتحدة الأميركية”.ثم كشف قائد الحرس الثوري حسين همداني النقاب، عن تكوين 42 لواء و138 كتيبة تقاتل في سوريا لصالح بشار الأسد.
ومعروف أن قادة النظام الإيراني ومناصريه الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين واليمنيين يبررون احتلالهم لسوريا والعراق ولبنان بأنه من أجل تحرير فلسطين، فلم يتوقفوا، منذ تسلم الخميني السلطة عام 1979، عن الهتاف بالموت لأميركا، ولم يكفوا عن التعهد بمحو إسرائيل. وقد جاءتهم الفرصة الذهبية، مؤخرا، ماشية على يديها ورجليها، ولكنهم جبنوا ولم يترجموا تهديداتهم إلى جهاد إسلامي مقدس، كما كانوا يزعمون.
فإذا كانوا لا ينوون، ولا يجرؤون على رد الإهانة، في أقل تقدير، رفعا لعتب الجماهير السورية والإيرانية، فلماذا، إذن، تحرشوا بنتنياهو، ولماذا أطلقوا طائرتهم المسيرة التي ثبت أنها مستنسخة من طائرة أميركية من نوع Sentinel (الحارس) كانت قد أسقطت في إيران عام 2011؟
ولم يجد نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، العميد حسين سلامي، ما يرد به على سؤال صحافي حول الغارات الإسرائيلية الأخيرة على المواقع العسكرية الإيرانية في سوريا سوى القول، وفقا لما نقلته وكالة أنباء تسنيم المقربة من الحرس الثوري، إن “إيران أصبحت قادرة على تدمير كل القواعد العسكرية الأميركية بالمنطقة وإسرائيل”.
وأضاف قائلا “ليس لدينا تواجد عسكري في سوريا، وإن تواجدنا استشاري، حيث أن قدرة الجيش السوري على الدفاع عن أراضيه تكفي”.
وقال “أميركا قامت بفرض حظر على إيران، لكننا تقدمنا، واليوم يُمكننا، في هذه النقطة تدمير جميع القواعد الأميركية في المنطقة، وتحويل أرض الصهاينة إلى جحيم”.
أما إسرائيل، من جانبها، فلم تشجب، ولم تندد، ولم تتوعد بأن ترد (في الوقت المناسب) على إسقاط إحدى طائراتها في سوريا بالمقاومات الإيرانية، بل هبت على الفور، وأرسلت طائراتها الحربية، علنا وفي وضح النهار، لتصفع الهيبة الإيرانية بسياط من نار، ولتجعل السيادة الوطنية التي يتحدث عنها (الرئيس المخنث) خرقة بالية ليست لها قيمة.
ومنذ بدء النزاع في سوريا في 2011، وحتى اليوم قصف الطيران الإسرائيلي المئات من الأهداف العسكرية المهمة العديدة التابعة للجيش السوري ولحزب الله وإيران وميليشياتها في سوريا. وكثيرٌ منها لم تتحدث عنه إسرائيل.
ولولا خوفي من إطالة هذا المقال أكثر من اللازم لقدمت للقارئ سجلا موثقا بأخطر تلك الغارات على مطارات عسكرية ومدنية ومعامل أسلحة ومخابئ طائرات ومستودعات ذخيرة ومخازن صواريخ تحت أسماع الإيرانيين وأبصارهم، ومعهم حزب الله وباقي ميليشياتهم الطائفية الإرهابية التي تباهي دائما بانتصاراتها البطولية، ولكن فقط على منازل السوريين التي هجرها شبابها ورجالها المقاتلون، ولم يبق فيها غير الأطفال والنساء والمسنين.
ومن العام 2011 وحتى اليوم لم تردَّ القوات الإيرانية على أي غارة.
أما نظام الرئيس السوري فمن الثابت والاعتيادي أنه تعود على بلع الإهانات، أو على الزعم بأنه يحتفظ بحقه في الرد، ولكن في الوقت المناسب. ومازال العرب والمسلمون ينتظرون.
كاتب عراقي
العرب
أبعاد حرب سوريا الإقليمية/ عبد الرحمن الراشد
الخلاف الأميركي الروسي في أوكرانيا وغيرها من مناطق التنافس بين القوتين، يتجلى، أيضاً، في سوريا. ومشروع إيران في السيطرة على الشمال العربي إلى حدود تركيا يسير في طريقه، كما كان يحذر منه. وقلق تركيا من انتقال الأزمة إلى أراضيها تحول من مرحلة الدفاع إلى الهجوم في عفرين السورية. وإسرائيل أصبحت طرفاً أساسياً في الحرب هناك.
ومن البديهي أن تتأثر المنطقة ودولها بالتطورات المتسارعة وصراعات القوى في سوريا. الدول المعرضة لارتدادات الصراع في سوريا هي كل الدول الواقعة في محيط الأزمة؛ تركيا والعراق والأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة، وكذلك دول الخليج وإيران. وقد عمد الإيرانيون إلى فتح الجبهة اليمنية ضد السعودية من أجل إضعافهم وإخراجهم من الصراع في سوريا وتسهيل انتصارهم هناك. ولا بد أن نقر بأنهم نجحوا في ذلك. واليمن، عدا أنه من إفرازات الصراع الإقليمي الحاد، يؤكد على أن ترك إيران تستولي على سوريا ولبنان والعراق لن ينتهي الأمر عند حدود هذه الدول. سيطرة إيران على لبنان مكنتها من الاستيلاء على سوريا باستخدامها حزب الله الذي قامت بتربيته ليكون قوتها الإقليمية، واستخدمت بعض المؤسسات اللبنانية لدعم عملياتها في سوريا. واستخدمت لبنان أيضاً لدعم وكيلها اليمني، الحوثي.
الصراع في سوريا نفسه مفتوح على كل الاحتمالات؛ إما أن تكون الاشتباكات الأخيرة عاملاً إيجابياً، حيث يضطر الفرقاء الرئيسيون إلى التوافق على حلول تجنبهم الحروب المباشرة وتقلل خسائرهم، أو أن تنعكس سلباً فتوسع دائرة النزاع وهو الاحتمال الأرجح. ومع أن وزير الدفاع الأميركي شدد وكرر مقولته إنهم موجودون عسكرياً في سوريا لمواجهة «داعش» فإن ذلك لا ينفي أن محاربة الإرهاب تتطلب مواجهة القوى الإيرانية والسورية التي كانت تستخدم تنظيمات مثل «داعش» لتبرر نشاطاتها العسكرية ضد المدنيين وتتحالف معهم ضد الثوار السوريين.
في تصوري، وعند فشل السيطرة على النزاع الخماسي (روسيا، أميركا، إيران، تركيا، إسرائيل)، فإن أكثر الدول المعرضة للخطر هي العراق على اعتباره لا يزال في حالة نقاهة من بعد معاركه الكثيرة مع «داعش» والانفصال الكردي وتكاثر الشقاق مع القوى الطائفية من شيعية وسنية والحشد الشعبي، الذي لا يزال قنبلة موقوتة تهدد السلطة المركزية. كما أن تركيا معرضة أكثر إن دخلت في معارك مع حلفاء النظام السوري أو إن أصرت على ملاحقة الأكراد من حلفاء الولايات المتحدة. إسرائيل في عين العاصفة لكنها تملك من القوة والتحالفات ما يجعلها أقل عرضة للتهديدات، رغم أنها تعرضت لإصابة بإسقاط طائرتها وقبل ذلك اختراق الإيرانيين لأجوائها. ولا يمكن أن نتحدث عن ارتدادات الصراع في سوريا دون أن نقول إن إيران نفسها معرضة للخطر، والتي تبدو بيتاً من زجاج، بعد المظاهرات التي عمت عشرات المدن الإيرانية ورفعت فيها دعوات الخروج من سوريا ووقف الدعم المادي والعسكري لحليفي النظام، حزب الله اللبناني وحركة حماس في غزة. توسع الحرب في سوريا يهدد نظام خامنئي في طهران لأنه سيستهلك المزيد من الدماء والمال والهزائم.
وقد برهنت الحرب العراقية من العقد الماضي على أن المنطقة بكاملها عرضة للنزاع والتشقق مهما بدا أنها محكومة بقواعد اشتباك واضحة. لا توجد هناك ضمانات لأمن واستقرار من هم في محيط الحرب إلا بالإيمان بأن الأمن جماعي، وبوقف مشاريع الجشع السياسية التوسعية.
الشرق الاوسط
مواجهة إيرانية إسرائيلية مفتوحة.. ساحتها سوريا ولبنان/ هشام منور
فجّرت المواجهة الإيرانية الإسرائيلية الأخيرة، احتقاناً طويلاً دخل معه الصراع في سوريا منعطفاً حاسماً بعد تبادل الاستهداف المباشر بين إيران و»إسرائيل». فسقوط طائرة «أف 16» إسرائيلية فوق الجولان السوري المحتل، واستهداف الأخيرة 12 موقعاً عسكرياً في سوريا، 4 منها لإيران فضلاً عن طائرة إيرانية مسيرة دخلت الجولان السوري، بحسب الرواية الإسرائيلية، أمر ليس اعتيادياً ولا يحدث كل يوم.
«أقل من حرب وأكثر من مواجهة»، هكذا وصف الجيش الإسرائيلي ما جرى في الساعات الأخيرة التي تلت إسقاط الطائرة الإسرائيلية المقاتلة شمال فلسطين المحتلة صباح السبت. وفي حين أعلنت «إسرائيل» عبر جيشها أنها لا ترغب بالتصعيد ردا على «لعب إيران وسوريا بالنار»، يرى محللون استراتيجيون أن ما جرى يدفع إلى السؤال عما إذا كانت المنطقة على أبواب حرب إيرانية إسرائيلية ساحتها سوريا، وربما لبنان؟ أم إنها ستعيد رسم الخطوط الحمر لكل طرف.
تعتبر هذه المرة الأولى التي تتمكن فيها دفاعات جوية سورية من إسقاط طائرة حربية إسرائيلية، بعد أن نفذت تل أبيب أكثر من 26 هجوماً داخل سوريا منذ عام 2013، كان آخرها قبل أيام، عندما قصفت طائرات إسرائيلية مجمع البحوث العلمية بريف دمشق. وبعد أن كانت دمشق تكتفي بإعلانها الاحتفاظ بحق الرد على الغارات الإسرائيلية، شهد العام الماضي تزايداً في الرد على غارات الطائرات الإسرائيلية عبر الدفاعات الجوية، واعترف محللون عسكريون إسرائيليون مطلع العام الجاري بأن هذه الدفاعات باتت تهدد الطائرات الإسرائيلية، وربطوا ذلك بتعزيز إيران وجودها على الحدود مع الجولان المحتل.
رغم ارتفاع حدة التوتر على الحدود الإسرائيلية السورية بعد إسقاط الطائرة، فإن الحادث جاء على وقع تصعيد تشهده الجبهة الشمالية الإسرائيلية مع كل من سوريا ولبنان، إضافة للمخاوف المعلنة من جانب تل أبيب، من اقتراب إيران ومليشياتها من حدود الجولان السوري المحتل. منذ قيام «إسرائيل» بمناورات واسعة وغير مسبوقة في الجبهة الشمالية في سبتمبر الماضي، باتت مناوراتها في الشمال قرب الحدود السورية واللبنانية دائمة، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، كما شرعت مؤخرا ببناء جدار أمني فاصل على الحدود مع لبنان، ما فاقم التوتر هناك، ودفع بيروت إلى إعلان أنها سترد على أي أعمال تخترق حدودها الجنوبية. وتحدثت تقارير ومراكز أبحاث إسرائيلية عن قلق متزايد في تل أبيب من تنامي الدور الإيراني في سوريا، ونقل طهران صواريخ متطورة ودقيقة من شأنها كسر التفوق العسكري الإسرائيلي، وأن طهران تسعى لنشر منظومة صاروخية من الساحل اللبناني حتى جنوب سوريا، بحيث يصبح بمقدورها ضرب أي مكان في «إسرائيل».
المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أليكس فيشمان تحدث عن تصاعد ما وصفه بـ»الحرب الخفية» بين إسرائيل وإيران في سوريا، وقال إن على الإسرائيليين أن يعرفوا أن بلادهم تخوض مواجهة عسكرية وصفها بـ»المنضبطة» ضد منظومة عسكرية إيرانية، آخذة بالاستقرار في سوريا. ولفت إلى أن إسرائيل، ترصد سعي إيران لإقامة قواعد جوية وبحرية وبرية في سوريا، وتشكيل «مليشيات شيعية» للقيام بعمليات عسكرية ضد إسرائيل.
تعتبر «إسرائيل» توسيع النفوذ الإيراني في سوريا بمثابة إعلان حرب عليها، وأنه في حال لم يكن الروس والأمريكيون قادرين أو راغبين بمنع ذلك بطرق دبلوماسية، «فإنه على ما يبدو لم يبق أمام «إسرائيل» سوى أن تعمل بنفسها». ويشير المحلل العسكري الإسرائيلي إلى تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الذي وصف سوريا ولبنان بأنهما جبهة واحدة سماها «جبهة الشمال». وقال فيشمان «ستتواصل الحرب ضد هذه المنظومات بقوة تتغير بحسب رد فعل سوريا وإيران وحزب الله، وإذا لم يتراجع أحد هناك، فإن حربا قد تنشب». في الإطار ذاته كتب العميد المتقاعد من الجيش الإسرائيلي مايكل هيرتسوغ تحليلاً مطولاً في معهد واشنطن، رجح فيه مواجهة إسرائيلية إيرانية في سوريا. وقال إن تنامي الوجود الإيراني في سوريا بات يشغل حيزاً كبيراً في المشهد الاستراتيجي الإسرائيلي. المسار الحالي لتصاعد التوتر سيؤدي إلى مواجهة إسرائيلية إيرانية، معتبراً أن العبء يقع على روسيا لمنع التمدد الإيراني قبل انفجار الحرب مع «إسرائيل».
لا يبدو لبنان بعيدا عن التطورات المتسارعة في سوريا، حيث تتهم «إسرائيل» إيران بإقامة مصنع للصواريخ المتطورة لصالح حزب الله هناك، كما أن وسائل إعلام إسرائيلية تنقل عن الاستخبارات الإسرائيلية تقديراتها أن حزب الله بات يمتلك مئة ألف صاروخ متطور، مقارنة بربع هذا الرقم عندما شنت «إسرائيل» حرباً على لبنان عام 2006.
ووسط مشهد التوتر المتصاعد، يبدو أن «إسرائيل» فشلت في رسم خطوط حمر لحدود التمدد الإيراني في سوريا، ونفوذه في لبنان عبر حزب الله، في حين تسعى إيران وحليفها النظام السوري لرسم خطوط حمر توقف سياسة السماء المفتوحة لطائرات «إسرائيل» التي تستبيح السماء السورية. لا يمكن بحال أن تبقى المواجهة الحالية محدودة، فهي مرشحة للتوسع وربما نشهد حرباً شاملة قد تبدأ من سوريا ولبنان، وتنخرط فيها عدة أطراف إقليمية ودولية، ولا تقف عند جغرافية الحدود التي باتت متداخلة أكثر من أي وقت مضى.
كاتب وباحث فلسطيني
القدس العربي
الحرب الإسرائيلية الإيرانية لن تقع/ علي أنوزلا
أثار حادث إسقاط طائرة إسرائيلية بنيران سورية مخاوف من اندلاع مواجهة مباشرة بين إسرائيل وإيران، حليفة سورية، قد تجر المنطقة إلى حرب شاملة. وتفاوتت ردود الأفعال، عربيا على الأقل، ما بين من رأى في الحادث رسالة “ردع” لإسرائيل التي تعوّد سلاحها الجوي على استباحة الأجواء العربية من العراق حتى تونس من دون خوف، وبين من هلل للحرب المقبلة بين إسرائيل وإيران التي تعتبرها دول خليجية، السعودية والإمارات خصوصا، عدوها الاستراتيجي والعقائدي الأول.
وبعيدًا عن كل التخمينات المتضاربة، يعد ما حصل سابقة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي في المنطقة. وعلى الرغم من قوة رد الفعل الإسرائيلي على الحادث الذي جاء عبر ضربات جوية مكثفة، شنها سلاحها الجوي في سورية، فإنه لم يؤد إلى تغيير قواعد الاشتباك في المنطقة، لأن تل أبيب لا تريد الدخول في مواجهة مباشرة مع طهران، أو على الأقل لا تسعى إليها في الوقت الحالي. ونكاد نلمس الموقف نفسه عند الطرف الآخر، أي إيران التي حاولت أن تنأى بنفسها عن الحادث، واكتفت بلغة التهديد التي تعود قادة النظام الإيراني على إصدارها ضد إسرائيل منذ قيام الثورة الإيرانية، من دون المرور إلى تنفيذها.
ومع مرور الأيام، أصبحت المواجهة التي كان أصحاب نذر الحرب الشاملة يدقّون طبولها تبتعد أكثر فأكثر، ليعود الهدوء المشوب بالحذر إلى سابق عهده، لعدة أسباب، أهمها أن أية مواجهة
“حالة اللاحرب واللاسلم التي تضع المنطقة في حالة عدم استقرار دائمة تدفع الشعوب ثمنها”
مباشرة بين إسرائيل وإيران لن تكون حربا مباشرة بينهما، وإنما ستتوسع إلى مواجهة شاملة تجر إليها كل أطراف اللعبة في المنطقة، فالمواجهة بين إيران وإسرائيل ستكون مدمرة وقد تتحول، في حال قيامها، إلى حرب عالمية مدمرة.
لذلك، يفكر المسؤولون في طهران وتل أبيب أكثر من مرة في كل خطوة مقبلة، ويعيدون حساباتهم بالعواقب الوخيمة قبل الإقدام عليها، ولكل منهما حساباتهما الاستراتيجية الخاصة التي يريد كل منهما الحفاظ عليها بأقل تكلفة. فإيران لا تريد التنازل عن مصالحها في سورية ولبنان، وإسرائيل لا تريد للحرب السورية أن تنتهي، لأنها ترى فيها حربا لاستنزاف قوة جيوش أعدائها في المنطقة. وكلا الطرفين حريصٌ أكثر من عدوه على ألا تتحول أية مواجهة محتملة بينهما إلى حرب شاملة، لأنه يدرك أن قوة عدوه قادرةٌ على إلحاق أضرار فادحة به. وفي المقابل، يرى كلاهما أن الوضع الحالي، أي حروب الوكالة، كفيلٌ بأن يحقق لهما أهدافهما الاستراتيجية بدون كلفة كبيرة.
فإيران نجحت من خلال الحرب السورية أن تقوّي وجودها ومصالحها في سورية وإيران، وقبل ذلك في العراق، وتسعى إلى فعل الشيء نفسه في اليمن. وتجد إسرائيل نفسها في وضع جد مريح، فالحرب السورية لا تستنزف فقط قوة أعدائها الشرسين، وإنما تشغلهم عن مناوشتها، كما تشغل الرأي العام العربي والدولي عن مشاريعها الاستراتيجية التي تسعى إلى القضاء على القضية الفلسطينية وتحويلها إلى قضية لاجئين، والاستيلاء على كل الأراضي الفلسطينية لإقامة إسرائيل الكبرى.
الطرف الضعيف في هذه المعادلة هم العرب الذي انقسموا كعادتهم ما بين مهللٍّ لحادث سقوط الطائرة الإسرائيلية الذي اعتبره بعضهم نصرا كبيرا على العدو الإسرائيلي وفرحٍ لقرب المواجهة الشاملة بين إسرائيل وإيران عدوهم اللدود الذي يتمنون نهايته العاجلة، ومستعدون لدفع المال الوفير وتقديم كل التنازلات المطلوبة وغير المطلوبة، بما فيها التخلي عن فلسطين وقضيتها ومقدساتها، من أجل دمار إيران وخرابها.
وفي الحالتين، أي في حالة حصول مواجهة بين إيران وإسرائيل، أو عدم حصولها، وهذا هو
“الرد الإسرائيلي العنيف لم يكن ليحصل بدون استشارة مع واشنطن”
الأرجح، سيكون العرب أكبر الخاسرين، لأنهم الحلقة الأضعف في اللعبة. وقد أظهرت ردود الفعل العربية على حادث إسقاط الطائرة الإسرائيلية مدى الانقسام الذي يمزّق الصف العربي الرسمي والشعبي. وفي حال حصول مواجهة حقيقية، فإن تداعياتها الخطيرة ستؤدي إلى اتساع الشرخ العربي أكثر فأكثر، بين الأنظمة العربية المنقسمة اليوم على نفسها وبين هذه الأنظمة وشعوبها، عندما يفرض عليهم خيار فاصل بين الوقوف مع إيران أو مع إسرائيل.
من دون أن ننسى أن الحرب في سورية تحولت اليوم إلى لعبة أمم كبرى، لن يسمح لتل أبيب أو طهران أن تقرّرا في مصيرها بعيدا عن باقي الأطراف الأخرى المتورّطة فيها، وخصوصا موسكو وواشنطن. لذلك يعتقد مراقبون كثيرون أن قرار إسقاط الطائرة الإسرائيلية لا يمكن أن يتم بدون ضوء أخضر من موسكو، كما أن الرد الإسرائيلي العنيف لم يكن ليحصل بدون استشارة مع واشنطن. فالحرب في سورية تعقدت إلى درجة أصبح فيها اللاعبون الصغار مجرد منفذين للخطط الاستراتيجية للكبار، خصوصا الروس والأميركيين الذين سعوا، كل من جانبه، إلى تهدئة الأوضاع، ولجم حلفائهم لتجنب مزيد من التصعيد.
ما يحصل في المنطقة اليوم هو إعادة ترسيم خطوط التماس، وإعادة النظر في قواعد الاشتباك بما يبقي الوضع على حاله مضبوطا وتحت السيطرة، مع استمرار حالة اللاحرب واللاسلم التي تضع المنطقة في حالة عدم استقرار دائمة من يدفع ثمنها الشعوب التي تحولت إلى فئران تجارب لتجار الأسلحة في العالم. لذلك، من يهللون اليوم لـ “الانتصار” السوري الإيراني على إسرائيل، مثل الذين يدقون طبول الحرب بينهما، كلاهما مثل الراقصين على الجثث، اليوم راقصون وقد يجدون أنفسهم غدا جثثا هامدة تحت أقدام راقصين جدد.
العربي الجديد
شل قدرات سلاح الجو السوري/ تشارلز ليستر
يبدو أن إسقاط مقاتلة الـ «إف – 16» الإسرائيلية نهاية الأسبوع الماضي، هو حلقة من حلقات مصيدة نصبها نظام الأسد والحرس الثوري الإيراني لإسرائيل. واستخدمت طائرة درون إيرانية طعماً لاستدراج رد إسرائيلي. وقوبل الرد بموجة كبيرة غير اعتيادية من نحو 24 صاروخ أرض – جو وجهت كلها إلى المقاتلة التي سقطت.
ولا شك في أن قصف مقاتلة إسرائيلية في هجوم سوري – إيراني مشترك هو تصعيد ضخم، ولكن الرد الإسرائيلي فاق الهجوم هذا ضخامة. ففي أوسع عملية جوية منذ 1982، شن سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة ضربات منسقة ضد الفرقة الرابعة الآلية – وهي فرقة النخبة في النظام السوري، خارج دمشق – وعلى عدد من مراكز قيادة الحرس الثوري؛ وضد القاعدة الجوية الاستراتيجية، التياس (تيفور)، في محافظة حمص. ويقول أحد مسؤولي سلاح الجو الإسرائيلي أن قواته دمرت حوالى نصف شبكة الدفاع الجوي السورية، وأنزلت ضربة كارثية في قدرات النظام المحدودة على جبه هجوم جوي. وأعلن مسؤولون في السلاح الجوي هذا أن إسرائيل شنت «آلاف الهجمات» في سورية في 2017. ولا شك في أن هذا الواقع يحرج نظام الأسد، وقد يكون الداعي إلى نصب «الطعم والمصيدة» قبل أيام. واحتفلت دوائر النظام السوري بالنجاح الصغير الذي أحرزه (إسقاط المقاتلة الإسرائيلية)، لكن الاحتفالات هذه تتستر على الهزيمة التي تلت وشلت القدرات الجوية السورية. ويسلط الرد الإسرائيلي الواسع النطاق والفعّال الضوء على مسألتين: أولاً زيف الذرائع التي حالت في السابق دون شن ضربات جوية واسعة على النظام السوري ودون إرساء منطقة آمنة، ودعت إلى احتساب الأخطار؛ وثانياً، خسارة النظام شبكة الدفاع الجوي المستقلة واعتماده اليوم في الكامل على روسيا. وانتهت حوادث الأيام الأخيرة إلى إضعاف يد الأسد، عوض إحكام قبضته وشد عودها.
* صحافي، محلل، عن «ميدل إيست أنستيتيوت» الأميركي، 12/2/2018، إعداد منال نحاس
الحياة
الطائرة الإسرائيلية بين احتمالات السقوط والإسقاط/ رائد الحامد
انشغل الرأي العام عموما بحوادث إسقاط ثلاث طائرات، إيرانية وإسرائيلية وتركية، خلال يوم العاشر من فبراير، كان القاسم المشترك بينها الأراضي السورية، التي تحولت بسياق واضح إلى ساحة صراعات متعددة لقوى إقليمية ودولية، بات النظام السوري مجرد أداة من أدوات هذه الصراعات وليس طرفا فاعلا فيها، كما هو حال المعارضة السورية.
في الغالب، تبدو المقولة الأكثر واقعية ان إسرائيل عاشت حالة «صدمة» غير معهودة، بعد أن أسقطت وسائل دفاع جوي تتمركز على الأراضي السورية إحدى طائراتها من طراز F16، كما روجت وسائل الإعلام، من دون أي أدلة تؤيد فرضية إسقاطها وليس سقوطها نتيجة خلل فني.
هناك واقع يشير إلى أن قوات النظام السوري لا تمتلك قدرات دفاعية تؤهلها للتصدي للضربات الإسرائيلية المتكررة، إلى الحد الذي يمكن وصفه بـ»الردع الفعال»، كما لا تبدو إيران في وضع يسمح لها بدعم الدفاعات الجوية السورية، بمنظومات متطورة إيرانية المنشأ، أو مستوردة من دول أخرى للدفاع عن مصالحها في سوريا، على الرغم من أن الضربات الإسرائيلية خاصة في عام 2017 ركزت في المقام الأول على مواقع تخزين الأسلحة الإيرانية والصواريخ البالستية، ومواقع أخرى على الأراضي السورية تابعة لحزب الله اللبناني الحليف الأوثق لإيران.
ويذهب محللون عرب ومراقبون إلى أن ما جرى في حقيقته هو جولة من جولات الصراع الإيراني الإسرائيلي، وهؤلاء يمثلون القلة من كثرة ترى ان ذلك لا يعدو أن يكون «مسرحية» القصد منها خداع الرأي العام العربي بوجود عداء إيراني إسرائيلي، لتعزيز موقف محور «المقاومة» ومصداقيته بعد ان فشل طيلة أعوام في الرد على عشرات، إن لم تكن مئات الغارات الإسرائيلية في العمق السوري، مع موقف رسمي لا يزيد عن أن سوريا «تحتفظ بحق الرد».
وكعادة الخبراء العرب وحماسهم المتعجل في تبني تحليلات استشرافية واستنتاجات في معظمها بعيدة عن الواقع، رأوا أن حادثة إسقاط الطائرة أرست قواعد اشتباك جديدة في الأجواء السورية، خلافا لتلك التي سادت بعد آخر مواجهات جوية مطلع الثمانينيات فوق بيروت؛ وظلت الأجواء السورية مفتوحة لطائرات دول العالم والإقليم منذ انطلاق الثورة السورية قبل سبع سنوات، مع استثناء مناطق تواجد القواعد والقوات الروسية في طرطوس وحميميم، التي تحميها منظومات روسية متطورة، مثل منظومتي «إس 300» و»إس 400».
لكن تلك الاستنتاجات أفسدها تنفيذ إسرائيل ضربات لم يتم التصدي لها بمنظومات صاروخية قادرة على إسقاطها، كما حصل في حادثة العاشر من فبراير؛ ما يثير تساؤلات عدة حول حقيقة امتلاك الدفاعات الجوية السورية المزيد من الصواريخ المتطورة، القادرة على إسقاط طائرات F16. وقد لا يبدو من المجازفة القول إن قرار التصدي للطائرة الإسرائيلية وإسقاطها ليس قرارا استراتيجيا سوريا أو إيرانيا، وبالتاكيد ليس روسيا؛ مع افتراض أن الطائرة الإسرائيلية سقطت بعد إصابتها بصاروخ مضاد للجو؛ وهو احتمال وارد، لكن مسألة الجزم به مسألة معقدة، بحاجة إلى أدلة قد تكشف عنها التحقيقات الإسرائيلية بعد الانتهاء منها. القرار الاستراتيجي المفترض وجوده سيلزم الدفاعات الجوية السورية استخدام كل ما لديها من تقنيات منظومات الدفاع الجوي بشكل مستمر، والتصدي لاي اختراق إسرائيلي للأجواء السورية؛ لكن ليس ثمة انباء متداولة، على أي نطاق، تشير إلى أن الدفاعات السورية تصدت لأسراب من الطائرات الإسرائيلية، نفذت بعد ساعات من إسقاط الطائرة F16 غارات استهدفت اثني عشر هدفا سوريا وإيرانيا في ضواحي العاصمة وقاعدة «التيفور» الخاضعة لإدارة روسية إيرانية مشتركة.
لا أحد يمكنه الجزم بقدرة أي من القوى الفاعلة، سواء الإقليمية أو الدولية على الإمساك بتعقيدات الصراع السوري، والتأثير فيه بشكل يتفوق على القوى الاخرى؛ ولا تبدو روسيا صاحبة الصوت الأعلى في القدرات العسكرية بحال أفضل من حال الإيرانيين الذين يتفوقون عليها بالقدرات البشرية للقوات الحليفة الموزعة على الأراضي السورية، كما أن اللاعبَين التركي والامريكي غير معنيين بالتأثير في العاصمة والمدن الكبرى الخاضعة بشكل ما لسلطات النظام السوري، واكتفيا بالتأثير في مناطق النفوذ التقليدية المستمد من وجود قوى محلية حليفة من المعارضة السورية المسلحة والقوات الكردية، تنفذ سياساتهما بصرف النظر عن مصلحة الثورة السورية. لذلك تبدو عملية إسقاط الطائرة الإسرائيلية والطرف المسؤول عنها مباشرة مساأة في غاية التعقيد، ولا يمكن نسبتها إلى طرف بعينه، بمن فيهم قوات النظام التي قالت بمسؤوليتها عن ذلك.
وحاولت روسيا تعزيز موقف قوات النظام عندما أوضح المتحدث باسم قاعدة حميميم الجوية، التي تضم مركز القيادة للقوات الفضائية الروسية ان «إسقاط الطائرة الإسرائيلية ليس امرا مفاجئا، لقد عملنا في الآونة الأخيرة على تطوير قدرة الدفاعات الجوية للقوات الحكومية السورية، لتصبح قادرة على حماية سيادة أجواء البلاد من أي اعتداء خارجي».
مقربون من قوات النظام تحدثوا في وسائل التواصل الاجتماعي عن استخدام الدفاعات الجوية السورية «منظومة شاهين للصواريخ المضادة للجو» الإيرانية المنشأ، في عملية إسقاط الطائرة الاسرائيلية؛ ومع أنه لا خلاف على أن أي موقع للدفاع الجوي، أو مراكز قيادة العمليات السورية لا تخلو من ضباط ومستشارين إيرانيين، وليس من المنطقي استبعاد الدور الإيراني في العملية، حتى لو على مستوى الاستشارة، إن لم يكن إصدار الأوامر، مع ان إيران رسميا سارعت إلى نفي أي دور لها في العملية.
حتى الساعة، لا يمكن تأكيد إسقاط الطائرة بصواريخ منظومة دفاع جوي انطلاقا من الأراضي السورية؛ الموقف الروسي الذي صدر عن قاعدة حميميم حاول الإيحاء بتطور قدرات الدفاعات الجوية السورية بدعم روسي، من دون أن يصدر عنه ما يؤكد ان الدفاعات الجوية السورية هي التي أسقطت الطائرة الإسرائيلية. إيران التي نفت رسميا علاقتها بإسقاط الطائرة الإسرائيلية هي الأخرى لم يصدر عن قياداتها السياسية أو العسكرية المشرفة على الملف السوري ما يؤكد سقوط الطائرة الإسرائيلية بصواريخ سورية. ومع اتهامات إسرائيلية وردت على لسان رئيس الوزراء قبل انتهاء التحقيقات لكل من ايران وسوريا بالمسؤولية المشتركة عن إسقاط الطائرة الإسرائيلية، فمن المنطقي القول بتعدد الاحتمالات، التي يبدو الاحتمال الأقرب انها سقطت نتيجة خلل فني في منظومة الطائرة، أو خطأ من قائدي الطائرة أو أسباب أخرى، طالما أن الجانب السوري أو الإيراني والروسي لم يصدر عنهم ما يوثق عملية اسقاط الطائرة.
كاتب عراقي
القدس العربي
إيران في سورية: الأمر لي/ سعد كيوان
أعلنت إيران، ومعها حزب الله، بعد إسقاط الطائرة الإسرائيلية أميركية الصنع “أف -16” السبت الماضي، بكثير من الثقة والزهو بالنفس أن “قواعد اللعبة تغيرت” في المنطقة، وأن “ما كان قائما قبل الطائرة لم يعد قائما بعدها”، بحسب ما جاء على لسان الشيخ نبيل قاووق، أحد القياديين التعبويين في حزب الله. ولكن ما هي تلك “القواعد التي تغيرت” وأين كانت سائدة؟ المفترض في سورية ومحيطها، طالما أن الطائرة الإسرائيلية أصيبت فوق الأجواء السورية، وسقطت داخل الأراضي الفلسطينية. وما الذي كان سائدا؟ ثورة السوريين الذين انتفضوا قبل سبع سنوات ضد نظام مستبد كان يتحكم برقابهم منذ أكثر من أربعين سنة، وانحياز السلطة في إيران إلى جانب النظام وضد الشعب السوري، وكذلك فعل حزب الله بطبيعة الحال. ومع ذلك، لم يتمكن ثلاثي “محور الممانعة” من قهر إرادة السوريين، وإبقاء بشار الأسد واقفا على رجليه. فاضطروا للاستعانة بالحليف الروسي الذي كان يحاول استعادة دور دولي ما يعيد إليه أمجاد الماضي السوفياتي الغابر. فكان أن دمرت سورية وشرّد الملايين وقتل مئات الألوف من شعبها، وتحولت إلى مستنقع وساحة مبارزة بين الجيوش الروسية والتركية والأميركية والإيرانية، وعشرات المليشيات الملحقة بالحرس الثوري الإيراني. فيما كانت إسرائيل تراقب عن بعد وتمارس، من وقت إلى آخر، دور الشرطي بغاراتها الجوية ضد “محور الممانعة”، مستفيدةً من الضمانات التي قدمها لها “القيصر الروسي”. فكانت تجري، من وقت إلى آخر، مناوشاتٍ على جبهة الجولان تارة مع قوات النظام، وتارة أخرى مع مقاتلين من فصائل المعارضة. وباتت سورية عمليا بحكم المقسمة، بعد أن تحولت ما اصطلح على تسميتها “مناطق خفض التوتر” الى بؤر توتر وقتال، كما هو حاصل حاليا في الشمال على يد الجيش التركي، وفي الغوطة الشرقية قرب دمشق على أيدي كتائب النظام، وفي جنوب الغرب من قوات أميركية وأردنية.
بعد نحو أربعين سنة من الحرب الكلامية والهدنة الواقعية بين سورية وإسرائيل، تم إسقاط
“تريد إيران وضع “إنجازاتها” في العراق وسورية ولبنان في الميزان الإقليمي”
المقاتلة الإسرائيلية، وسارعت إيران والممانعون إلى الإعلان أن “قواعد اللعبة تغيرت”! فما هو البديل المطروح؟ إعلان الحرب على إسرائيل زحفا نحو القدس؟ أم الهرب من الحرب السورية الداخلية التي باتت تشكل وزرا كبيرا على أصحابها إلى الحرب الخارجية مع العدو الإسرائيلي؟ في المناسبة، وعلى سبيل التذكير، يحتفل “محور الممانعة” اليوم ويهلل لإسقاط طائرة، وكأنه هزم إسرائيل، أو على الأقل ربح معركة ضدها. علما أنها الطائرة الأولى التي يتم إسقاطها منذ 32 سنة، عندما أسقطت طائرة “الفانتوم” الإسرائيلية عام 1986 فوق الأراضي اللبنانية، وتم أسر الطيار رون أراد الذي لا يزال مصيره مجهولا.
ما تريده إيران هو محاولة خلط الأوراق والعودة إلى ناصية القرار في سورية. وهي ترى بدهائها أن الوقت الآن هو الظرف المناسب لذلك، بعدما وصلت الأمور إلى طريق مسدود. فإذا كان قد تحقق هدفها، وهدف روسيا، بإبقاء الأسد في السلطة، فهذا بحد ذاته لا يشكل ضمانةً، ولا يمكن الركون إلى من برح يردّد منذ أكثر من عقد أن الرد على الضربات الإسرائيلية “سيكون في الزمان والمكان المناسبين”.. كما أنه على الرغم من بقاء الأسد في السلطة، فهو لا يسيطر فعليا إلا على جزء بسيط من سورية، ولم يعد واردا أن يستعيد السيطرة على كامل الأراضي السورية. وهذا أمر لا يحقق رغبات طهران ومطامعها في الإمساك بزمام الأمور، والتمركز على ضفاف المتوسط، بعد كل الجهود التي بذلتها في السنوات الماضية للتمدّد من طهران إلى بغداد، ثم إلى دمشق وبيروت، بالإضافة إلى محاولتها احتواء القرار الفلسطيني. كما أن بقاء الأسد جالسا على الكرسي في دمشق لا يشكل، في المقابل، أكثر من ورقة للتفاوض بالنسبة لموسكو التي تسعى إلى فرض نفوذها، وضمان مصالحها عبر تسوية سياسيةٍ تعرف أنها لا تتحقق من دون التنسيق مع الولايات المتحدة وموافقتها. فالنصر العسكري الذي حققته موسكو في الميدان، وفرضت من خلاله هيمنتها على القرار ومعادلاتها العسكرية على الأرض، وأعادت إيقاف بشار الأسد على رجليه، لن يمكنها من فرض حل للأزمة كما تريدها هي.
وهنا المفارقة. المعنيون والمؤثرون في الحرب الدائرة في سورية، والمنخرطون بالنزاع عليها كثيرون، ولا يمكن فرض أي تسويةٍ من دون إشراكهم جميعا أو معظمهم. بدءا بالولايات
“بقاء الأسد جالسا على الكرسي في دمشق لا يشكل، في المقابل، أكثر من ورقة للتفاوض بالنسبة لموسكو”
المتحدة، مرورا بتركيا ثم إيران، وبعض الدول العربية مثل السعودية ومصر، وليس انتهاء بدولٍ غربيةٍ سيقع على عاتقها تمويل إعادة الإعمار. فمن يصنع النصر العسكري يبدو بالتالي غير قادر على فرض الحل السياسي. هنا المأزق الروسي. ومن هنا، تحاول إيران الدخول بقوة والإمساك باللعبة من أجل “تغيير قواعدها”، كما تعلن مستفيدة من هذا المأزق. فهي بإعادة تسليطها أولا الضوء على إسرائيل، وتوجيه المعركة نحوها، تكون قد أمسكت بأحد خيوط اللعبة، ورصت صفوف “محور الممانعة والممانعين”، وأحرجت بعض العرب المطبعين أو اللامبالين. فهي تريد القول إن القرار لها في سورية.
وثانيا، تحاول رفع الصوت في وجه أميركا دونالد ترامب الذي يهدد بإلغاء الاتفاق النووي الموقع معها، والذي يعتبرها “راعية الإرهاب الدولي” في المنطقة. كما تسعى إلى وضع العصي في دواليب المهمة الأولى لوزير خارجيته، ريكس تيلرسون، في المنطقة، ملوحة بالمواجهة مع إسرائيل، وبإشعال “مثلث الممانعة العراقي- السوري – اللبناني” في وجه واشنطن. ويصبح واضحا في هذا السياق توقيت إسقاط الطائرة، عشية زيارة تيلرسون التي تشمل مصر والكويت والأردن ولبنان وتركيا.
وثالثا، لا تغيب طهران من حساباتها إحراج الحليف، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي باركت تدخله العسكري في سورية، لكنها تبدي امتعاضا من خططه وتكتيكاته التي تجنح ضمنا باتجاه ملاقاة رغبات واشنطن بتحجيم طهران ودورها في أي تسوية، أو على الأقل تغض الطرف عن المحاولات الأميركية في هذا الاتجاه. كما أنها لا تنظر كثيرا بعين الرضا إلى انصياع الأسد لتعليمات موسكو.
وهكذا، تحاول القيادة الإيرانية إرسال رسائلها في كل الاتجاهات، فهي تريد وضع “إنجازاتها” في العراق وسورية ولبنان في الميزان الإقليمي، وتؤكد للزائر الأميركي إمساكها بناصية القرار في حكومات هذه البلدان. فيما تسعى إسرائيل إلى توظيف ترامب وعداوته إيران في تحقيق رغباتها.. فهل المنطقة ذاهبة إلى مواجهة؟
إذا كانت إيران غير قادرة على فرض ما تريد، فإن في وسعها أن تمنع، أو تعرقل على الأقل، حصول ما لا تريد.
العربي الجديد
إسرائيل – سوريا: لا.. القواعد لم تتغير/ محمد قواص
لم يُعتبر يوما أن قيام إسرائيل بالعشرات من الغارات على أهداف داخل سوريا خلال السنوات الأخيرة يمثل حدثا استثنائيا لافتا. أُدرج الأمر دائما بصفته طقسا روتينيا قلّما تم التوقف عنده لدى كافة فرقاء الصراع في سوريا، نظاما ومعارضة، كما جهاديي السنة والشيعة. وحين “ترتكب” دفاعات النظام السوري ما هو من البديهيات الأخلاقية، يصبح الأمر حدثا مزلزلا “يغير قواعد اللعب” في المنطقة برمتها.
لا يُعتبر حدث إسقاط المقاتلة الإسرائيلية في يوم العاشر من الشهر الجاري حدثا مفصليا جسورا إذا ما قورن بحرب الـ33 يوما التي شهدها لبنان في صيف عام 2006. أمطر حزب الله إسرائيل بالمئات من الصواريخ، بما مثل سابقة لم تعرفها إسرائيل في حروبها السابقة. ومع ذلك تحول ما يفترض أن يكون “انتصارا” إلى ما كاد يقود إلى حرب أهلية في لبنان، فيما تحول ما يفترض أنه “هزيمة” لإسرائيل إلى تأكيد هيمنتها العسكـرية على الحدود، بحيث انتشرت القوات الدولية كما الجيش اللبناني داخل الشق اللبناني من الحدود مع إسرائيل بما أسكت مذاك تلك الجبهة ضد إسرائيل.
قد تكون تغيّرت قواعد اللعبة. لكنها تغيرت أيضا منذ الإغارة الجماعية لطائرات الدرون على قواعد روسيا في شمال غرب سوريا، كما حين أسقطت دفاعات مجهولة مقاتلة روسية فوق إدلب، كما حين أسقطت دفاعات أرضية مروحية تركية وباتت تهدد سلاح الجو التركي فوق عفرين. وإذا ما أردنا الانخراط جديا في عملية تقييم لما تغير في قواعد الاشتباك بين إسرائيل وجبهتها الشمالية، فإنه لا بد من الاستناد على تراكم لا يكتفي بحدث واحد تمّ على منوال مختلف عما هو مألوف في قصف المئات من الأهداف الثابتة والمتحركة داخل سوريا دون أي رد مضاد في السنوات الأخيرة.
وبغض النظر عن المناسبة التي تطلق العنان لمحور الممانعة للتبشير بسقوط أسطورة إسرائيل واستشراف اندثارها، فإن الحدث، كما “حرب تموز”، يمثل معادلة جديدة مفادها أنه بات على إسرائيل أن تدفع أثمانا لمغامراتها العسكرية فوق الأجواء السورية، وهو أمر منطقي في حسابات جيوش العالم، وأن قصف سوريا المجاني خلال السنوات الأخيرة هو الذي يمثل الفضيحة التي برع نظام دمشق وحلفاؤه في تبريرها.
أن يحسب سلاح الجو الإسرائيلي حسابا حين يقوم بغاراته الروتينية ضد أهداف سورية فذلك من البديهيات العسكرية. لكن أن يقوم النظام السوري بما يفترض أنه واجب الدولة في الدفاع عن البلد لا يمنح هذا النظام صك براءة مما يرتكبه ضد هذا البلد منذ سبع سنين. والحدث في حد ذاته يمثل قطيعة داخل معادلة سورية إسرائيلية نظمت العلاقة بين دمشق وتل أبيب، خصوصا منذ اندلاع الصراع السوري.
لم تتردد منابر النفوذ الإسرائيلي، لا سيما داخل الولايات المتحدة، في الدعوة إلى حماية نظام دمشق “المعروف”، من خطر قيام نظام، أو لا نظام، آخر “مجهول”. ولم تخجل دمشق حين أرسلت إلى تل أبيب في أبريل 2011، على لسان رامي مخلوف، ومن خلال نيويورك تايمز، رسالتها الشهيرة “لن يكون هناك استقرار في إسرائيل إذا لم يكن هناك استقرار في سوريا”، بما فهم حينها أنه نصيحة لتل أبيب بأن بقاء نظام الأسد واستقراره مصلحة لاستقرار إسرائيل.
اختصرت دمشق أزمتها منذ اندلاع الصراع بأنه مؤامرة صهيونية أميركية، ثم تكفيرية ظلامية، ضد نظام الصمود والممانعة، ثم العلمانية والاعتدال، في سوريا. وصفت دمشق الثوار بأنهم عملاء لتل أبيب وواشنطن والغرب، وأنهم إرهابيون قذف بهم تنظيم داعش بعد القاعدة وأخواتهما. لكن دمشق نفسها، ومنذ الانقلاب الذي أتى بحافظ الأسد إلى السلطة، أفرطت في تبرير شرعية قيام نظامها السياسي من النهل من خطاب مواجهة إسرائيل وردّ احتلالها للأراضي السورية والعربية.
أسقط النظام السوري بزعامة الأسد الأب ثم الابن أي عملية ديمقراطية وأي مدخل للتعددية وأي إطلاق للحريات باسم “التصدي للعدو الصهيوني”. لم تعتبر دمشق يوما أن هناك معترضين، ذلك أن للعدو طوابيره داخل الوطن وأن فتح السجون والزنازين هو استراتيجية وطنية لبناء بلد قوي خال من التشويش المشبوه الذي تبثه المعارضة أيا كان شكلها وهويتها ومقاصدها. وعليه استطاع النظام السوري محاصرة السوريين بفكرة العداء لإسرائيل، بحيث باتت الخصومة مع نظام “قلب العروبة النابض” شكلا من أشكال التماهي مع الأعداء وربما العمالة لهم.
لم تتخلص المعارضة السورية، كما كل الخط الإقليمي المعارض للنفوذ الإيراني، من تلك العقائد التي تشبه العِقَد في مقاربة نظم الاستبداد كما نظام الاحتلال الذي تمثله إسرائيل. بدا أن إسقـاط مقاتلة إسرائيلية احتاج إلى جهد موجع للخروج بخلاصة أن تصدي جيش النظام لمقاتلات إسرائيلية لا يطهّر دمشق من خطاياها ولا يمحض نظامها أي مبررات تخفف من غلوائه منذ عقود.
لا يمثل حدث العاشر من هذا الشهر إلا تفصيلا هامشيا داخل مداولات كبرى تجري بين العواصم الكبرى تُستخدم داخلها أدوات متعددة. لم تطلق منظومة S200 صواريخها إلا وفق أجندة روسية الإيقاع. أرسلت موسكو رسالتها عبر صندوق بريد سوري ردا على رسائل مجهولة يشتبه أنها أميركية أرسلت إلى حميميم وطرطوس وفوق إدلب. وصلت الرسالة إلى تل أبيب وواشنطن ويجري التعامل معها.
لا يمتلك نظام دمشق أي هامش يمكنه من تحديد استراتيجيات جديدة تتعلق بالصراع الكبير مع إسرائيل وهو الذي لا يحظى بهامش إرسال قوات رديفة له صوب شرق الفرات. والأصح أن النظام السوري يختصر عدوه في من يسيطر على الغوطة الشرقية، ولا يرى في هجمات إسرائيل ضد أهداف، غالبا تعمل في خدمة العمليات الإيرانية، أي خطر حقيقي يتهدد البلد وما تبقّى من نظامه. والأرجح أن من أطلق الصواريخ ضد المقاتلات الإسرائيلية كان ينفذ أوامر تخضع لأجندة موسكو وطهران، ولا علاقة لأجندة دمشق بها.
لا تعتبر إسرائيل أن إسقاط مقاتلتها هو حدث سوري، وهي لذلك لم تعتبر الأمر انقلابا في قواعد الاشتباك ولا في موازين القوى. فهمَ بنيامين نتنياهو رسائل فلاديمير بوتين، وهي رسائل عتاب بين أصدقاء ما انفكوا عما هم عليه من تنسيق وتواصل. لا تنسى تل أبيب أن ما قامت به من مئات الغارات في الداخل السوري جرى وفق تفاهمات تامة مع موسكو. ولا تنسى تل أبيب أن لروسيا نفوذا راجحا إلى درجة أن دمشق وطهران وحزب الله ابتلعوا خسائرهم دون أن يصدر عن أي منهم ما يُفهم منه امتعاض من الشريك الروسي الكبير.
لن يكون إسقاط المقاتلة الإسرائيلية إلا تفصيلا لن يفضي إلى ما يتجاوزه. لن تندلع حروب كبرى بسبب رسائل عرضية ترسلها هذه العاصمة أو تلك. وقد تسقط مقاتلات أخرى ذات هويات أخرى داخل سياق الرسائل الجراحية أو الجانبية العرضية التي تواكب الورشة الكبرى الجارية لإنتاج التسوية السورية المنتظرة. وفي تماس المصالح بين واشنطن وأنقرة، كما بين موسكو وواشنطن، كما بين الجميع وطهران، ما سيفصح عن رسائل ملغومة لا يبدو أنها، في السياق الحالي على الأقل، تخرج عن قواعد المألوف في تعامل الدول في ما بينها.
قواعد اللعبة في سوريا هي منذ سبتمبر 2015 روسية، وما حدث السبت الماضي يعيد تأهيل تلك القواعد وتأكيدها. غاب رجال واشنطن الكبار في جولتهم في الشرق الأوسط عن إسرائيل، وفي ذلك من يرى أن واشنطن تعيد الاعتبار للتفاهمات مع موسكو وتحيل تل أبيب إلى موسكو عنوانا وحيدا لـ“إشكالها” في سوريا.
صحافي وكاتب سياسي لبناني
العرب
إسقاط طائرة خلط الأوراق/ عمر الشيخ
يعلم السوري أن “إسرائيل” عدوه التاريخي منذ عقود، ويستغل هذا العدو الصراع الداخلي – الدولي على الأراضي السورية، لتقوية حضوره السياسي والعسكري في المنطقة. ولعل حدث إسقاط الطائرة الإسرائيلية في الجولان المحتل بنيران سورية أخيرا، سوف يشكل “منعطفاً شعبياً” لقاعدة النظام السوري وحلفائه، ولكن من السذاجة اعتبار قرار استهداف طائرة لسلاح جو اعتاد أن يقصف مواقع عسكرية في العمق السوري، وبتنسيق مع حلفاء الأسد “الاحتفاظ بحق الرد” المستمر ارتجاليا أحاديا، بل خطوة بدلالات سياسية أكثر منها لتغير ميزان القوى على الأرض، إذ ينشغل النظام في الشمال بمحاولات عديدة للوصول إلى آبار النفط التي تهيمن عليها المليشيات الكردية، ذراع الولايات المتحدة، فيما يقصف الروس إدلب وأريافها بحثاً عن جبهة النصرة، ويفتت الغوطة الشرقية وما حولها، وأغلبية الضحايا من المدنيين.
وفي ظل ذلك، يُلاحظ كيف يختفي تنظيم الدولة الإسلامية من ريف حماة، من دون أن نعرف كيف ظهر أساساً، ولماذا يؤمّن له النظام الطريق إلى المناطق المعارضة باستمرار؟ وفي صلب هذا التسارع، تعاني إيران من تصدع دولي في المنطقة، أحد أسبابه عائد، ربما، للعمليات العسكرية لحليفتها تركيا في عفرين، لكن أغلب الأسباب تراجع دورها في الحرب السورية أمام الدور الروسي.
من هنا، يمكن الانطلاق إلى قراءة لأبعاد الصدام العسكري الذي حدث في جبهة الجنوب
“كل دفاعات النظام العسكرية لا تطلق رصاصةً من دون إذن روسيا”
السوري مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ أطلقت إيران، حسب معلومات إسرائيلية، طائرة بدون طيار من مطار “تي 4” في ريف حمص قرب تدمر، ودخلت الأراضي المحتلة في الجولان، وكانت إسرائيل تراقبها إلى حين إسقاطها، ثم بدأت عملية الرد المقابل، فكانت طائرة أف 16 الإسرائيلية ذاهبة نحو الموقع الذي أطلقت منه طائرة المراقبة الإيرانية تلك، فردّت دفاعات النظام، بتوجيه إيراني عبر سلاحها الروسي، على صواريخ الطائرة وأسقطتها فوق الجولان. وبعد ساعات استهدفت إسرائيل نحو اثني عشر موقعاً للنظام في العمق السوري، من دون أي رد. وهي: (مطار تي 4، وتم إخراجه عن الخدمة مؤقتا بعد تدمير برج المراقبة، مطار المزة العسكري في دمشق، جبل المانع شرقي مدينة الكسوة، تل أبو ثعالب جنوب دمشق. منطقة الديماس وسهل بلدة مضايا شمال غرب دمشق، الفوج 16 في القلمون الشرقي، ويعتبر أحد أهم النقاط العسكرية التي تحتوي على أنظمة دفاع جوي، موقع تابع للواء 104 حرس جمهوري في منطقة الدريج، اللواء 156 على تلة الصبا شرقي بلدة عالقين، الفوجان 79 و89 في بلدة جباب شمال درعا، الفوج 175 في محيط مدينة إزرع شمال درعا).
رفعت روسيا يدها عن الأمر، وأخذت وقتها للتعليق على الضربات الجوية، وهي، بشكل أو بآخر، تدفع إيران إلى الواجهة، فالعلاقات الروسية الإسرائيلية في تنسيق مستمر للعمليات العسكرية التي يقوم بها طيران الاحتلال الإسرائيلي داخل سورية.
تداعت التصريحات، لتؤكد قاعدة حميميم من اللاذقية أن موسكو لم تشارك في عملية التصدي للهجمات الإسرائيلية بشكل مباشر، وأكدت أن “وسائط الدفاع الجوي السوري نفذت المهمة بقدراتها الخاصة التي تم تطويرها في وقتٍ سابق”، في إشارة من القوات الروسية بتغيير منظومة الدفاع تلك، لتصل رسائلها إلى حلفاء إسرائيل في الشمال السوري، أي الولايات المتحدة التي تمنع أي تقدم للنظام وشركائه نحو مناطق انتشار أصحاب الأعلام الصفر من مليشيات “سورية الديمقراطية”، وبالتالي توريط الشريك الطائفي الذي بات يؤرق تمدّده الشيعي في المنطقة روسيا ونظام الأسد. وهنا رأى الأخير أنها فرصة مناسبة لإنعاش الموالين له في الشارع السوري، والاحتفال بإسقاط طائرة للعدو الذي كان ينعم منذ أربعين عاماً بالهدوء.
استثمار سياسي للنظام لم يفصح أن صواريخ إسقاط الطائرة روسية حديثة، وقرارها إيراني متردد! ناهيك عن كميات الخسائر التي يتكبدها في المحرقة السورية، لعل آخرها استهداف مئة عنصر من قواته أغلبهم من الشيعة قرب دير الزور بنيران التحالف الدولي، بسبب محاولتهم التقدم نحو مناطق تهيمن عليها الولايات المتحدة.
إسرائيل، العدو التاريخي، مجدداً، يقفز إلى الواجهة، بينما يدمّر طيران الروس ما بقي من
“استثمار سياسي للنظام لم يفصح أن صواريخ إسقاط الطائرة روسية حديثة، وقرارها إيراني متردد!”
المناطق المعارضة بالنار والكيميائي، وذاك العدو “يتوعد إيران برد قاس في سورية”، حسب تصريحات رئيس حكومته، بنيامين نتنياهو، والنظام يحصد الإعجابات من آلاف السوريين المحبطين ذلاً وقهراً وبحاجة إلى “نصرٍ ما”، حتى لو كان على حساب خلط أوراقهم الوطنية بسموم إيران وروسيا على نار صهيونية، تزعم أنها تستهدف مواقع إيرانية.
لا أحد يعرف لماذا لا توجه إسرائيل صراعها المزعوم إلى إيران مباشرة، من دون أن تحرق أرضنا، وما دفعه السوريون من دمهم وأموالهم كي يكون سلاحاً بيد الطاغية الذي ساهم بجرّ الجيوش إلى أن ترسم خرائطها الدولية الدائمة، حفاظاً على رأسه، والسوريون يتبادلون التخوين من قبيل: “تم إسقاط طائرة للعدو، ومن لا يحتفل بذلك فهو ليس سوريّاً” وأي احتفال (…) بعد الإسقاط، قصفت إسرائيل عشرات المواقع داخل بلادي، وثمّة من يطالب بـ”أن تسقط كل الطائرات في سماء سورية، ليس فقط الطائرات الإسرائيلية”.
ويبقى السؤال الأكثر إشكالية: من أسقط طائرة خلط الأوراق تلك، إذا كانت كل دفاعات النظام العسكرية لا تطلق رصاصةً من دون إذن روسيا، والتي بدورها تبرأت من التدخل، ودعت إلى التهدئة بين جميع الأطراف، حسب ما طلبت إسرائيل، حيث لا تريد التصعيد مع إيران وسورية، حسب زعمها.
العربي الجديد
عشية جولة حربية وشيكة/ عيسى الشعيبي
بجهود دبلوماسية سريعة، ورسائل تحذيرية متبادلة، وبردود أفعال تميزت بضبط النفس، والتحوط من كلا الجانبين، اللذين وجدا نفسيهما أمام تطور مفاجئ، لم يحدث مثيل له منذ حرب عام 1982، تم احتواء الموقف الناجم عن إسقاط الدفاعات الجوية السورية، وللمرة الأولى، لطائرة حربية إسرائيلية بالغة التفوق التكنولوجي، من دون أن يؤدي ذلك إلى إيقاف التفاعلات الجارية في واقع استراتيجي قيد التشكل في أكثر المناطق عرضةً للاشتعال في العالم، حيث توقف التصعيد الميداني، وبدأت، في الوقت ذاته، الحرب السياسية والاستعدادات على الأرض، لمواجهة ما قد تفضي إليه هذه الواقعة التي هزّت صورة الردع، ومست بالكبرياء العسكري الإسرائيلي.
ومع أن إسقاط مثل هذه الطائرة النوعية المتقدمة يعد حدثاً كبيراً في حد ذاته، وسابقة غير مسبوقة في تاريخ هذا النوع من الطائرات، التي لم تسقط أي واحدةٍ من طرازها قبلاً، وبدت وكأنها غير قابلة للسقوط أبداً، إلا أن هذه الواقعة، على أهميتها الفائقة، لم تكسر موازين القوة مع الأسف، ولم تغير قواعد اللعبة، التي لا تزال مختلةً لصالح الذئاب الإسرائيلية الجريحة في هذه الآونة، وقد لا تفضي تداعياتها أيضاً إلى تغيير قواعد الاشتباك، على الرغم من كل ما قيل عن تبدل المعطيات، واستحداث متغيرات ومدخلاتٍ عديدة في البيئة الإقليمية التي جاءت على غير ما تشتهي أشرعة السفينة الإسرائيلية، خصوصا في السنوات القليلة الماضية.
إذ ما إن تم احتواء الموقف بصورة مؤقتة، حتى بدأت عملية تصعيد منهجية، زاوجت فيها
إسرائيل بين الحرب الكلامية المركزة على الخطر الإيراني المستفحل في الجوار السوري، وتجنيد بعض الاحتياط، والدفع بأرتال الدبابات ومدفعية الميدان والمنظومات الصاروخية إلى سلسلة الهضاب المطلة من هضبة الجولان وجبل الشيخ على ضواحي العاصمة السورية، في مشهدٍ استعراضي تم تسريبه إلى وسائل الإعلام عن سابق قصد، بهدف بث رسالةٍ حربيةٍ تشي برفع درجة الجاهزية العسكرية إلى أعلى مستوى ممكن، عشية ما يبدو أنه استعداد لجولة حربية وشيكة، قد تقع في منزلة أعلى درجة مواجهة محدودة المكان والزمان، أي مواجهة قصيرة، وأدنى من درجة حربٍ مفتوحةٍ يصعب وضع نهايةٍ مرئية لها.
في التقديرات الإسرائيلية الرائجة في وسائل الإعلام العبرية، والمنقولة بدورها عن رجال أمن وجنرالات متقاعدين، أن المواجهة قادمة لا محالة، وأن حرباً محدودة في الزمان والمكان لا مفر منها، ما دامت عوامل التفجير المتراكمة قد انكشفت تماماً، وانزاحت عنها تلك القشرة الرقيقة، بل وازدادت درجة سخونتها في الآونة الأخيرة، وإن ما لحق بعنصر الردع الإسرائيلي من ضررٍ لا تخطئه العين، يتطلب سرعة المعالجة، كي لا يتم فهم ما جرى لطائرة إف 16 على أنه تغير مهم في المعادلة المستقرة منذ عقود طويلة خلت، وإن حائط الصد الإسرائيلي بات من الممكن خرقه في الموضع الذي يشكل درة التاج في المنظومة الأمنية.
ما يفصل بيننا وبين الجولة الحربية المرتقبة، في وقت لن يكون طويلاً، هو ما يمكن تسميته بتوفر “الذريعة الوجيهة” التي إن لم تكن موجودة في اللحظة السياسية الراهنة، فإن على متخذي قرار الحرب المحدودة تصنيعها من معطيات الواقع القائم، المفعم بالمزاعم والحقائق. وهنا لن يعوز هؤلاء المتبتلون في محراب القوة الجهد اللازم للعثور عليها على هذا النحو أو ذاك، بل وإيجادها من العدم إن اقتضت الضرورة، تماماً كما كان عليه الحال عشية كل الاعتداءات الإسرائيلية السابقة، فما بالك وجبهة الشمال (سورية ولبنان) تزخر بكل ما تحتاجه الماكينة الدبلوماسية الماهرة في تلفيق الصور وترويجها بمهارة شديدة، من ملابساتٍ كافيةٍ لتصنيع صورة الضحية المكرهة على الدفاع عن النفس؟
وأحسب أن إسرائيل قد حصلت بسرعة قياسية على ضالتها المنشودة، حين نظرت إلى إسقاط الطائرة المقاتلة، وهي معتدية على أي حال، على أنه هجوم إيراني سافر، وإن طهران هي التي تقف وراء قرار التصدّي للعدوان الإسرائيلي، بعد طول امتناع، حتى وإن كانت اليد التي أطلقت الصواريخ يداً سورية، باعتبار أن هذا الادعاء يوفر لأي عدوان محتمل مبرّراً قابلاً للتسويق في الغرب، كونه لا يستهدف بلداً مجاوراً، وإنما دولة أتت من خارج العالم العربي لتفرض هيمنتها على المنطقة، وتهدد المصالح الإسرائيلية، لا سيما أن الخطاب الإيراني قد راح يستثمر في واقعة إسقاط إف 16 بكثافة، ويعيد إنتاجها نصرا حققته الجمهورية الإسلامية.
وليس من شك في أن من شأن الأوضاع القائمة في الجغرافية السورية أن تزيد من تعقيدات أي قرار إسرائيلي بالمواجهة، أو الحرب أو الجولة الحربية المحدودة، نظراً إلى شدة التقاطعات
وكثرة اللاعبين فوق ثرى وتحت سماء هذه الرقعة المستباحة من جانب قوى إقليمية ودولية، بعضها لا ينظر بارتياح إلى الدخول الإسرائيلي على خط الحرب السورية، إن لم نقل إنه يرتاب حقاً في النوايا المبيتة لدولة إقليمية ظلت تحاذر، طوال الوقت، من الانزلاق في أتون حربٍ تبدو بلا نهاية مرئية، وهو ما يتطلب من تل أبيب، سلفاً، فك بعض الألغاز وسبر غور المواقف الحقيقية لدولةٍ مثل روسيا، وحتى الولايات المتحدة، قبل الإقدام على أي خطوة.
وإذا كان ما حدث في الأجواء السورية أخيرا، أكثر من مواجهة وأقل من حرب، فما هي الجولة الحربية المتوقعة المشار إليها في سياق هذه المطالعة؟ خصوصاً وأن كل صدام عسكري قد يخرج عن نطاق السيطرة، وإن ما يجري التخطيط له على شاشات الكمبيوتر في غرف العمليات وراء أبواب مغلقة، قد لا يتطابق مع المجريات المفتوحة دائماً على احتمالاتٍ لا حصر لها، الأمر الذي يمكن القول معه إن أي عدوان إسرائيلي محتمل من شأنه أن يفضي، من دون رغبة ذاتية، إلى فتح ما سمّته “غرفة عمليات حلفاء سورية” وبمبالغة شديدة، إلى فتح أبواب جهنم على الدولة العبرية، وفي ذلك ما يشير إلى أنه إذا كان من السهل البدء بالحرب، فإن من الصعب السيطرة على مجرياتها، ووضع نهاية لها متى شاء المعتدي.
لذلك كله، فإن أقصى ما يمكن توقعه هو أن توجه إسرائيل ضرباتٍ جراحيةً إلى عدد منتخب من مراكز التموضع الإيراني، بما في ذلك ما تقول إنها مراكز لصناعة الصواريخ الدقيقة، والأسلحة الكاسرة للتوازن، مع تجنب المس بمقدرات ما تبقى من الترسانة العسكرية السورية، أو مقار النظام المتهالك، كي لا تثير، من جهة أولى، حفيظة القيادة الروسية، التي يبدو أنها على غير وفاق تام مع الأجندة الإيرانية، وكي تكسب، من جهة ثانية، دعم الولايات المتحدة، المهتمة بتطوير مواجهةٍ أوسع نطاقاً مع طهران، قد تشكل العملية الإسرائيلية المحتملة حلقةً في سلسلةٍ لا نهاية لها من حلقات الاستراتيجية الأميركية، التي لا تزال مجرد حربٍ كلاميةٍ لا طائل من ورائها فعلاً.
العربي الجديد
الصراع بين إسرائيل وإيران في سوريا يمثل جانبًا من حرب أكبر بين القوى الدولية/ وديع عواودة
الناصرة ـ «القدس العربي»: شهد العاشر من شباط/ فبراير 2018 نقطة تحول في الأوضاع الأمنية الإقليمية بعدما تعدت طائرة إيرانية مسيرة الأجواء الإسرائيلية وتم إسقاطها. وردت إسرائيل بإطلاق طائرات مقاتلة لضرب أهداف في سوريا، بما فيها قاعدة طياس الجوية (مطار التيفور) بالقرب من تدمر، وهو المكان الذي عُلم أن الطائرة الإيرانية انطلقت منه. ردت الأنظمة الدفاعية السورية المضادة للطائرات، وضربت طائرة 16-F إسرائيلية، والتي تحطمت بعد أن تمكنت من العودة إلى الأجواء الإسرائيلية. حفز هذا إسرائيل على ضرب ثمانية أهداف سورية وأربعة مواقع إيرانية، وذلك حسب الجيش الإسرائيلي. يبدو أن معركة الكلمات والوكالات قد تحولت إلى حرب مباشرة بين الدول. حتى الآن خسرت إسرائيل وروسيا وتركيا طائرات عسكرية لها خلال العمليات في سوريا الأسبوع الماضي، والمشهد الإسرائيلي الإيراني يتجاوز إسرائيل وإيران، فهو يمثل جانبًا من حرب أكبر بين القوى الدولية التي تتبارز مع بعضها على صياغة سوريا بعد تفتتها.
لقد أصبحت الحرب في سوريا أكثر من مجرد حرب داخلية، بل هي اليوم دولية تضم إسرائيل وإيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة. وضمن التجاذبات على الأرض تبرز محاولة إيران الاستيلاء على سوريا وهذا أكثر ما يزعج إسرائيل التي تخشى تشكيل جنوب لبناني جديد في الجولان ويضع إسرائيل أمام تحديات جديدة. وفيما كانت تركيا تتكلم، كانت إيران تفعل، فمنذ بداية الحرب في سوريا في أعقاب محاولات القمع الوحشي للثورة عام 2011، كانت إيران تقوم بإيفاد الجنود والمسلحين والمال والأسلحة لدعم نظام الأسد.
ولم تكتف إيران بتحويل سوريا من دكتاتورية عسكرية سلطوية صديقة لها بل تريدها إلى وكالة إيرانية في حاجة ماسة للدعم الإيراني كي تحافظ على وجودها. يمثل ذلك بالنسبة لإيران فرصة استراتيجية هائلة: فهذا يجعل استمرار دعمها لبشار الأسد مشروطًا بسماح الأسد لإيران بصنع ما يحلو لها في بلاده وما تريده إيران هو قاعدة التقدم والتمدد أكثر في المشرق بعدما استولت على لبنان والعراق.
لذلك تبدو إسرائيل متوترة جدًا، فبالرغم من كل الحالة الخطابية، إلا أن إسرائيل وإيران لم تتقاتلا في حرب ضد بعضهما البعض لأنه لا توجد طريقة لخوض حرب بين البلدين، فهما بعيدتان جدًا عن بعضهما البعض. لكن لن يعود هكذا هو الواقع اليوم إذا تمكنت إيران من جعل سوريا كنقطة انطلاق للهجمات الإيرانية على إسرائيل. لقد كان هناك الوكيل الإيراني المتمثل بحزب الله، إلا أنه ذو عدد محدود من المقاتلين، وهو ما ينطبق على مسألة إطلاق الصواريخ على إسرائيل من لبنان وهناك محاولات شبيهة في غزة. لكن الأمر يختلف الآن بالنسبة لإيران عندما تبدأ ببناء الصواريخ والقوات الأرضية وتحضير الطائرات في سوريا حول الحدود الإسرائيلية فقط. وكي يزداد الأمر سوءًا على إسرائيل، فهي لا تمتلك موقعًا قابلا للمقارنة على الحدود الإيرانية. حتى لو كانت تمتلك، لا يمكن لإسرائيل استهلاك الجنود بالطريقة التي تستطيع فيها إيران القيام به ضمن صراع طويل. فبالنسبة لإسرائيل، يعد البرنامج النووي الإيراني أمرًا مقلقًا، ولكن تحول سوريا إلى قاعدة للعمليات الإيرانية هو تهديد مصيري.
ثمة القليل من الأشياء التي تسير لصالح إسرائيل. إن نظام الأسد لا يعتمد على إيران وحسب بل روسيا أيضًا، ولا تمتلك موسكو أي مصلحة في تحول سوريا إلى محمية إيرانية. تريد روسيا الحفاظ على سوريا كفاعل مستقبلي وكحليف روسي، لا كجزء من خطة إيران لإظهار القوة عبر أرجاء المنطقة. وتمتلك روسيا وإسرائيل علاقات قوية- كان نتنياهو في روسيا في الشهر الماضي للمرة السابعة خلال عامين ليعبر عن مخاوف إسرائيل إلى موسكو- وروسيا لا تبحث عن معركة مع إسرائيل. قد لا تتمكن إسرائيل من خوض حرب مثيرة للجدل ضد إيران، ولكن القوات الجوية الإسرائيلية قوية وهذا يؤثر على الحضور الجوي لروسيا. بالإضافة إلى ذلك، تمتلك إسرائيل دعما أمريكيا في هذه القضية، فهي لا تريد وجود إيران في سوريا أكثر من إسرائيل. إن التوافق الإيراني الروسي سوف ينكسر مع تقدم الطموحات الإيرانية لاسيما ان تركيا لن ترضى بتمدد إيران على تخومها داعمة نظام الأسد الذي لا تعترف أنقرة بشرعيته. اللافت هي ان أغلبية القوى في المنطقة تقف في عداء مع إيران فيما الطرف الغائب بشكل واضح في التطورات الأخيرة. السعوديون يرقبون المشهد السوري في صمت عميق، والذين كانوا يهددون في شهر تشرين الثاني/نوفمبر بشن حرب شاملة. إلى ذلك كشفت القناة الإسرائيلية العاشرة ان إسرائيل بعثت رسالة تهديد ووعيد لدول أجنبية مركزية تحذر فيها من انها لن تقبل بتكرار حادثة الطائرة الإيرانية المسيرة ومن احتمالات نشوب حرب واسعة في الشمال.
القدس العربي
إيران وإسرائيل: الصدام المطلوب/ نجاح محمد علي
وضع قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني النقاط على الحروف وقال بعيداً عن العبارات الدبلوماسية خلال مؤتمر تكريم القائد الأمني والعسكري في حزب الله عماد مغنية: «قصاص الكيان الصهيوني على اغتياله سيكون اجتثاثه من الوجود».
تصريحات سليماني جاءت بعد أيام فقط من إسقاط الجيش السوري طائرة عسكرية إسرائيلية (وتمكن ثانية من الإفلات)، إذ حمّلت تل أبيب طهران المسؤولية وتجاهلت سوريا التي شهدت العام الماضي تزايداً في الرد على الغارات الإسرائيلية عبر دفاعاتها الجوية بعد أن كانت دمشق تكتفي بإعلانها الاحتفاظ بحق الرد على الغارات الإسرائيلية. واعترف محللون عسكريون إسرائيليون مطلع العام الجاري أن هذه الدفاعات باتت تهدد الطائرات الإسرائيلية، وربطوا ذلك بتعزيز إيران وجودها على الحدود مع الجولان المحتل، إذ جاء إسقاط الطائرة على وقع تصعيد تشهده الجبهة الشمالية الإسرائيلية مع كل من سوريا ولبنان (بناء جدار أمني فاصل على الحدود مع لبنان ما فاقم التوتر هناك، ودفع القيادة اللبنانية إلى إعلان أنها سترد على أي أعمال تخترق حدود البلاد الجنوبية)، إضافة للمخاوف المعلنة من جانب إسرائيل من اقتراب إيران من حدود الجولان السوري المحتل بعد أن نجحت في تحقيق الارتباط بين قواتها وقوات الحشد الشعبي الحليفة على طرفي الحدود السورية مع العراق عبر خطها البري الذي تريده لتكون جارة مؤذية لإسرائيل.
فيلق القدس
أثناء الحرب العراقية الإيرانية، تم إنشاء فيلق القدس التابع للحرس الثوري، الذي سيصبح قاسم سليماني قائده فيما بعد، وكان هدفه العقائدي الرئيسي هو تحقيق مقولة الإمام الخميني الراحل «إسرائيل يجب أن تمحى من الوجود»، وتحرير القدس وكامل فلسطين. وقام في بداية تأسيسه بتدريب المقاتلين الكرد العراقيين وتسليحهم، ودعم عملياتهم العسكرية ضد نظام صدام حسين أثناء الحرب، كما كان لفيلق القدس دور مهم في دعم تأسيس حزب الله، وتدريب عناصر المقاومة اللبنانية ضد اجتياح الجيش الإسرائيلي جنوبَ لبنان عام 1982.
ومع توقف الحرب بين إيران والعراق، وتفكك الاتحاد السوفييتي عام 1991، لعب فيلق القدس، دوراً بارزاً في دعم حركات التحرر العالمية والعربية والتركيز على الفصائل والمنظمات الفلسطينية عملاً بالمادة 154 من دستور الجمهورية الإسلامية وتنص على أن «جمهورية إيران الإسلامية تقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم، وفي الوقت نفسه لا تتدخل في الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى».
وفي هذا الواقع كانت مهمة فيلق القدس الأساسية هي تقديم الدعم اللوجيستي لكل العمليات القتالية ضد ما تعتبرهم إيران قوى سلطوية متغطرسة تنتهك حقوق الشعوب في معادلة صعبة يجب أن توفق بين نصرة المستضعفين واحترام سيادة الدول.
قام فيلق القدس بدعم وتدريب المقاتلين الأفغان وشمل ذلك الفصائل الأفغانية المتناحرة، قبل وبعد انسحاب القوات السوفييتية من أفغانستان. كما قام بتدريب المقاتلين المسلمين في البوسنة أثناء القتال ضد الصرب في حرب البلقان في النصف الأول من التسعينيات، وفي العام 1998، جاء الحدث الأهم في حياة سليماني، حينما عُيِّن قائدًا لفيلق القدس خلفاً لأحمد وحيدي.
الطريق إلى القدس
وبشأن إسقاط الطائرة الإسرائيلية أف16 داخل الأراضي الفلسطينية من قبل الدفاعات السورية، يشير الإيرانيون إلى أنهم لم يكونوا خلف عملية الإسقاط رغم أنهم لا يخجلون من ذلك وسيعلنون ذلك على الملأ لو فعلوها، لكن المصدر المقرب من سليماني يشرح لـ «القدس العربي» أن قرار التصدي المباشر لإسرائيل في سوريا اتخذ بالتنسيق بين الأطراف المباشرة المتحالفة موضحاً «في كل عمل عدائي إسرائيلي ضد سوريا كانت القيادة السورية والمقاومة تؤكدان حق الرد في الزمان والمكان الذي تختاره القيادة السورية، وفعلاً بعدما انتصرت سوريا، وانتصرت معها المقاومة على الوكيل جاء تصفية الحساب مع الأصيل وهي إسرائيل».
وأضاف نقلاً عن قاسم سليماني، «لقد اتخذ القرار من القيادة السورية بالرد على أي اعتداء من قبل العدو الصهيوني، وهذا القرار سياسي عسكري سيادي سوري بامتياز بأن أي تدخل أو اعتداء صهيوني سيتم الرد عليه مباشرة من القيادة العسكرية دون الرجوع إلى أي أحد».
ويختم «لذا نحن كمحور مقاومة على علم بأن المواجهة العسكرية الميدانية قادمة لا محالة وهي ستحصل حتما ونحن على جهوزية تامة لذلك ونتوقعه عن قريب، بل بأي لحظة، ولدرجة أن الوضع ينذر بحرب سيفتحها العدو الصهيوني إذا فتحها، ولكن لا يعرف كيف ومتى ستنتهي».
حرب الديجيتال
لكن يبدو أن تراجع إسرائيل عن التصعيد العسكري مع إيران وحلفائها في سوريا، ولجوء رئيس الحكومة المتورط في قضايا فساد داخلية بنيامين نتنياهو إلى روسيا لنزع فتيل حرب كانت وشيكة في سوريا لن توفر لبنان، سمح بظهور معادلة ردع ثانية فرضتها هذه المرة على إسرائيل سوريا ومعها حلفاؤها، بعد معادلة الردع التي فرضها حزب الله على إسرائيل في الميدان بلبنان في الأسابيع الماضية بعد تسريب الحزب سلة أهداف جاهزة ستطالها صواريخ حزب الله رداً إذا تعرضت مواقعه في لبنان لاعتداء كانت السعودية تحرض إسرائيل لضربها .
وفي هذا السياق، يشن الإيرانيون وحزب الله حرباً نفسية عبر شبكات التواصل الاجتماعي برز أثرها واضحاً في إسرائيل، خصوصاً بعد إغلاق مطار بن غوريون ثلاث ساعات، وتأهب مئات الشاحنات لنقل المستوطنين من شمال فلسطين، ما يشير إلى قدرة إيران وحزب الله على التأثير بشكل كبير على الجبهة الداخلية الإسرائيلية. إذ قال أحد مذيعي القناة «العاشرة» الإسرائيلية، إنّ حزب الله تقدم خطوة في اجتياح حياتنا الشخصية عبر شبكات التواصل، وهو موضوع غير محبذ أمنياً!
وحسب محلل الشؤون العربية في القناة الإسرائيلية تسفي يحزكيلي، فإنّه خلال الأسابيع الأخيرة طرأ تحسن ملحوظ وتام في قدرات حزب الله في العالم «الديجيتالي» والافتراضي وشبكات التواصل الاجتماعي وإعلانات واتس آب التي ترسل على أنواعها ضد الإسرائيليين.
وأوضح يحزكيلي أنّ ما يحصل هو أمر مهم جداً، ومختلف عما إعتاد عليه الإسرائيليون مع «العدو» العربي، وذلك لن يحصل لولا الدعم الهائل الذي يحصل عليه الحزب من إيران .
ويلفت إلى أنّ حسن نصر الله يعرف جيداً أهمية الإعلام، ولذلك فهو يستثمر بشكل كبير للموارد في الإعلام الجديد في حزب الله، وفي الوصول إلى الإعلاميين ومنحهم مواد فورية، عبر واتس آب وتويتر وانستغرام ومن المذهل أنّ لا مثيل لذلك في أيّ دولة عربية.
ويعقب أحد مذيعي القناة العاشرة على كلام يحزكيلي، أنّ اقتراب حزب الله من شبكات واتس آب ووسائل التواصل الاجتماعي في إسرائيل وباللغة العبرية خصوصاً، هو حقيقة يمكن القول عنها أنّها تمس بالجبهة الداخلية.
وحسب بعض المعلقين الإسرائيليين، فإنّه بعد كل ما تقدم، سيكون من الصعب على إسرائيل التغلب على حزب الله وتحقيق صورة النصر في أي صدام قادم تكون إيران طرفاً مباشراً فيه.
القدس العربي
حرب إسرائيلية ضد إيران في سوريا «بعيدة»/ حسام محمد
نفذ سلاح الجو الإسرائيلي خلال الأعوام الستة الأخيرة عشرات الغارات الجوية ضد مواقع للنظام السوري وأخرى إيرانية، كما شملت ضرباته شحنات أسلحة تتبع لحزب الله اللبناني، إلا أن تلك الهجمات لم تلق رداً عسكرياً واحداً من الأطراف المستهدفة رغم تجاوزها عتبة المئة غارة، لتتحول الهجمات تدريجياً إلى حدث عابر، غابت في الكثير من حالاته حتى بيانات الإدانة.
العاشر من شهر شباط/ فبراير الحالي، شهد انقلاباً كبيراً في قواعد الاشتباك التي كانت معدومة كلياً لعقود في سوريا، لتتفاجئ المقاتلات الإسرائيلية بوابل من صواريخ الدفاع الجوي تطاردها من الداخل السوري للداخل الإسرائيلي.
تطور نتج عنه إسقاط مقاتلة إسرائيلية من طراز أف 16 بعد إصابتها بنيران الدفاعات الجوية للنظام السوري أثناء هجوم داخل سوريا، لتسقط المقاتلة داخل الأراضي الإسرائيلية، وأصيب طياران كانا على متنها، وأعلنت السلطات في إسرائيل أن إصابة أحدهما خطيرة.
هذا وسبق إسقاط المقاتلة الإسرائيلية، اعتراض الجيش الإسرائيلي لطائرة إيرانية دون طيار اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي.
صواريخ النظام السوري، نسفت مع إسقاط إحداها لمقاتلة إسرائيلية من طراز «أفـ 16» حالة الأمن والأمان التي كانت تنعم بها الطائرات الإسرائيلية منذ 35 عاماً على التوالي في سوريا، وتعنون نتائجها مرحلة جديدة من التطورات في سوريا.
المحلل السياسي والعسكري المقرب من النظام السوري صلاح قيراطة يرى أن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية «افـ 16» من قبل دفاعات الأسد، حمل العديد من العنوانين الهامة التي يجب أخذها إسرائيلياً بعين الإعتبار، أبرزها، أن «قيادة النظام السوري اتخذت قرارها الإستراتيجي بالتصدي الكامل للهجمات الإسرائيلية وتحمل تبعات ونتائج ذلك».
رسائل صاروخية
إسقاط المقاتلة الإسرائيلية من قبل الدفاعات الجوية، جاء ضمن ظروف استثنائية «عسكرياً وسياسياً» وفق ما قال قيراطة لـ«القدس العربي» معتبراً إسقاط المقاتلة الإسرائيلية ليس وحده الحدث، بل هنالك رسائل صاروخية أخرى، منها «أن الصواريخ التي لاحقت الطائرات الإسرائيلية، فأسقطت مقاتلة وأصابت أخرى، قد عبرت سماء تل أبيب، وهذا يعني انعدام الاستعدادات الإسرائيلية لمثل هذه الحوادث».
كما نوه إلى إن الغارات الإسرائيلية في عمق الجغرافيا السورية كانت بمثابة رسالة واضحة المعالم، فحواها أن الجيش الإسرائيلي قرّر التدخل في الواقع السوري، وغايته في ذلك هي وقف اندفاعات قوات النظام السوري، ومنعه من استكمال الإجهاز على تنظيم «الدولة» وفق قوله.
وأشار المصدر المقرب من النظام السوري، إلى إن «السماء السوري لم تعد آمنة أمام الطائرات الإسرائيلية، وهذا يضع المنطقة أمام وضع جديد، رسمت خطوطه العريضة الدفاعات الجوية التي أسقطت المقاتلة».
واعتبر أن «غد سوريا بالنسبة لهجمات الجيش الإسرائيلي ليس كأمسه»، مشيراً إلى ان الهجمات الأمريكية السابقة والإسرائيلية الأخيرة، تتعدى أهدافها المجال العسكري، إلى مشروع «منع الإستقرار» في سوريا.
وتوعد مساعد وزير خارجية النظام السوري أيمن سوسان، خلال مؤتمر صحافي عقده في دمشق، الجيش الإسرائيلي بمفاجآت أكثر، وقال وفق ما نقلته «رويترز»: «ثقوا تماما أن المعتدي سيتفاجأ كثيرا لأنه ظن أن هذه الحرب التي تتعرض لها سوريا لسنوات، قد جعلتها غير قادرة على مواجهة أي اعتداءات» وأضاف «سيرون مفاجآت أكثر كلما حاولوا الاعتداء على سوريا».
فيما أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، إن القوات الإسرائيلية ستواصل العمليات في سوريا رغم إسقاط طائرة حربية إسرائيلية متطورة لأول مرة منذ 36 عاما.
وعقب إسقاط المقاتلة الإسرائيلية، هاجم سلاح الجو الإسرائيلي 12 هدفا منها 3 بطاريات دفاع جوي سورية و4 أهداف إيرانية قرب دمشق، كما اتهم إيران بالوقوف وراء عملية إسقاط المقاتلة.
الوقائع الميدانية، وفق ما يراه صلاح قيراطة، جعلت القوات الأمريكية الإسرائيلية أقرب للهزيمة أكثر من أي وقت مضى، وأن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية والتطورات الميدانية يجعل خيار تلك القوات محصورا ما بين «النزول إلى الحرب المباشرة، أو البحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه».
أما القيادي العسكري في المعارضة السورية، والذي يشغل منصب القائد العام لحركة تحرير الوطن، العقيد فاتح حسون، فاستبعد قيام الجيش الإسرائيلي بشن حرب قريبة ضد إيران في سوريا، إلا إن الولايات المتحدة الأمريكية أعطت إسرائيل الضوء الأخضر لذلك.
وقال العقيد حسون، «يبدو أن خيار الحرب القريبة ضد إيران غير وارد بسبب التواجد الروسي الفاعل على الأراضي السورية، وتداخل الملفات ما بين الدول، وعدم عقلانية الإيراني بالتعاطي مع الملف السوري، فهو ممكن أن يضحي بلبنان مقابل تواجده في سوريا».
إسقاط الطائرة الإسرائيلية، كان وفق القيادي العسكري المعارض من قبل وسائط الدفاع الجوي المحيطة بقاعدة إيرانية مستهدفة بالغارات الإسرائيلية، وبأوامر من قائد القاعدة الإيرانية دون الرجوع لقيادة القوة الجوية والدفاع الجوي التابعة للنظام.
وأضاف «لم يكن هناك الوقت لأخذ الإذن في حينها من قيادة القوات الروسية في سوريا، الأمر الذي بات يدل بوضوح على أن لكل دولة داعمة للنظام السوري قرارها المنفصل».
تنافر روسي إيراني
وقال القائد العام لحركة تحرير وطن: «الخلافات الروسية الإيرانية باتت تظهر بوضوح في سوريا، ومن دلائلها الهجوم الإعلامي الإيراني المتكرر على النظام والروس، وكذلك إسقاط الطائرة الإسرائيلية والتصريحات الإيرانية الرسمية التي تلتها. وهذا يحمل مؤشرات على غلبة القرار العسكري للإيرانيين على حساب الروس في سوريا».
وأشار المصدر العسكري، إلى إن جرائم النظام بحق السوريين لا يمكن لدولة في عالم أن تعفيه منها، فهي جرائم ضد الإنسانية سيلاحق مرتكبوها حتى بعد موتهم، وأن كلاً من روسيا وإيران وإسرائيل لا يستطيعون حماية مجرمي النظام من المحاسبة.
مصالح متبادلة
أما المحلل السياسي السوري محمد العطار، فكانت له وجهة نظر مختلفة، إذ اعتبر حدث إسقاط المقاتلة الإسرائيلية، يتناغم مع مصلحة روسية إيرانية مشتركة مع النظام السوري.
وقال لـ «القدس العربي»: المصلحة الروسية من إسقاط المقاتلة الإسرائيلية تتمحور حول ردها على إسقاط مقاتلتها الحربية في إدلب مؤخراً ومقتل قائد المقاتلة، أما المصلحة الإيرانية من إسقاط المقاتلة، فهي تحوم حول مساعيها لتنظيف مسميات تشكيلاتها العسكرية التي تتناغم مع تحرير القدس ظاهراً وعلى الواقع تتوغل في الأراضي العربية، وإعادة الترويج لمصطلح المقاومة والممانعة مجدداً بهدف الحصول على بعض المكاسب السياسية.
أما مصلحة النظام من العملية، فهي محاولة إعادة تكريره بعد تنفيذ الجيش الإسرائيلي لأكثر من مئة هجوم جوي، دون أن يصدر عن قيادة الأسد أي ردود أفعال سوى عبارة سنرد في الزمان والمكان المناسبين».
ورأى العطار أن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية، أعطى فرصة ذهبية لإسرائيل في القطاع الشمالي الجولان، وهذه الحادثة ستمنح الجيش الإسرائيلي إعادة تجهيز من جديد بمعسكرات أضخم وأكثر فعالية، وتقوية القوة الحديدية، وقد تنتهي هذه الحادثة باعتبار الجولان أرضا إسرائيلية، وأي أحاديث مستقبلية ستكون عناوينها هي «ما بعد الجولان».
ودعا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في اتصال هاتفي، لتجنب كل الخطوات التي قد تسفر عن تصعيد الوضع في المنطقة، فيما أعلنت الدفاع الأمريكية عن تأييد واشنطن التام لـ«حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها أمام التهديدات على أراضيها وشعبها».
أما الرئيس الإيراني، حسن روحاني، فقد حذر بدوره إسرائيل من «قصف دول الجوار»، فيما راح حزب الله اللبناني إلى اعتبار إسقاط المقاتلة الإسرائيلية مؤشرا على سقوط المعادلات القديمة وبداية مرحلة استراتيجية جديدة تضع حدا لاستباحة الأجواء والأراضي السورية.
الحياة
«الحرب الباردة» في سوريا ومخاطر «الخطأ القاتل»/ رلى موفّق
إلى أي مدى يمكن القول إن إسقاط المقاتلة الإسرائيلية من طراز «إف 16» بالدفاعات الجوية السورية في العاشر من شباط/فبراير يشكل تحولاً استراتيجياً على الساحة السورية وفي المنطقة؟
الأكيد أن الكل بات موجوداً في الملعب السوري: الأمريكيون والروس والإسرائيليون والأتراك والإيرانيون. اللاعبون الدوليون الكبار والإقليميون والمحليون يتصارعون على رقعة «الشطرنج» هناك. «خطوط حمر» مرسومة ومناطق نفوذ موزعة بين شرق نهر الفرات وغربه مع بعض الخروقات، وقواعد اشتباك هي العنوان الأهم في المعركة الدائرة اليوم. ففي أسبوع واحد، شهدت الخطوط الحمر والمعادلات الاستراتيجية وقواعد الاشتباك اهتزازاً إن لم يكن اختلالاً: سقوط مقاتلة سوخوي روسية ومروحية تركية ومقاتلة إسرائيلية وطائرة مسيرة إيرانية وضربة جوية أمريكية أوقعت قتلى روس. ما جرى ليس سوى نموذج لما قد تشهده الساحة السورية وربما الساحات المرتبطة بها وفي مقدمها لبنان، إذا خرجت الأمور عن السيطرة بفعل «خطأ ما» أو «فخ ما» قد يؤدي إلى حرب كبيرة وشاملة!
المحور السوري – الإيراني يصف إسقاط الـ إف 16» من الجيل الرابع المتطور بـ «الإنجاز النوعي». وهو كذلك بمقياس أنها المرة الأولى التي يتم فيها إسقاط طائرة حربية إسرائيلية بدفاعات جوية سورية منذ عدة عقود، في ظل تفوق سلاح الجو الإسرائيلي واقتناع تل أبيب بالقدرة على خرق طيرانها الحربي الأجواء ولاسيما اللبنانية والسورية من دون خشــية التعرض للرد أو الاستهداف القاتل.
فمنذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011، حاول النظام حماية وسائل الدفاع الجوي ذات الطبيعة الاستراتيجية بالقدر الممكن، ولم يعمد إلى استخدامها في وجه الغارات الإسرائيلية التي بلغت وفق إحصاءات إسرائيل 115 غارة استهدفت مخازن وشحنات أسلحة لـ«حزب الله» تتضمن أسلحة كاسرة للتوازن. كانت أولويات الأسد القضاء على التحدي الداخلي، وشكّل في حينها الموقف الإسرائيلي الداعم لبقائه عاملا أساسياً في حماية نظامه من السقوط، بوصفه نظاماً أمنّ الاستقرار على الحدود الإسرائيلية – السورية منذ حرب 1973 واتفاق فض الاشتباك حول الجزء المحتل من هضبة الجولان.
وفي المعلومات أن النظام السوري وحليفه الإيراني اتخذا منذ أيلول/سبتمبر 2016، بعدما سقط خطر الإطاحة بالأسد ورجحت كفة الميزان لمصلحته، قراراً بالعمل على كسر قواعد الاشتباك التي فرضها واقع سنوات النزاع وباتت مكرسة بفعل تلك الظروف. هذا الأمر تطلب الاستعداد التقني العالي المستوى من أجل أن تُشكّل المنظومة الدفاعية السورية عامل تهديد وردع للسلاح الجوي الإسرائيلي. الموجود لدى النظام السوري هي صواريخ الـ»إس 200»التي تعرف بالـ»سام 5» وهي صواريخ بعيدة المدى روسية الصنع صممت لكي تعترض الأهداف المتوسطة إلى المرتفعة، وقد حصلت عليها دمشق في زمن الزعيم السوفييتي يوري أندروبوف في العام 1982 على وقع الاجتياح الإسرائيلي للبنان والاشتباك الإسرائيلي- السوري. تمّ العمل خلال السنتين الماضيتين على تطوير منظومة الصواريخ والرادار، وجرت محاولات تصدي عدة باءت بالفشل، وكادت محاولة واحدة أن تنجح إلاّ أن المقاتلة الإسرائيلية أفلتت من شباك الصاروخ في اللحظة الأخيرة، إلى أن سجَّل يوم العاشر من شباط/فبراير النجاح الموعود.
ماذا تغيّر؟ الذي تغيّر هو التأسيس لاحتمال فرض قواعد اشتباك جديدة. لا يزال من المبكر الجزم بإمكانية ذلك، إذ أن الأمر يحتاج إلى ما هو أكثر من نجاح عملية واحدة، حسب قراءة مراقبين من قلب التحالف الإيراني- السوري، المتماهين عقلاً وروحاً مع مشروع «حزب الله»، والذي سعى أمينه العام حسن نصرالله إلى التأكيد أن النظام السوري هو صاحب الإنجاز النوعي. المسألة تحتاج إلى تكريس ما جرى كواقع جديد. وتثبيت معادلة الردع الجوي ليست بالأمر السهل والمضمون، إذ أن الظروف التي ساعدت في إسقاط الطائرة قد لا تتكرر ثانية، مع اليقين أن إسرائيل ستدرس جيداً أسباب إخفاقها وستحاول تجنب «الخطأ» الذي اقترفه طياروها. الرواية من أرض الحدث تقول ان مقاتلة كانت تقصف أهدافاً محددة وأخرى كانت تدقق في مدى إصابتها، وكانتا على علو شاهق ولم تعمدا إلى المناورة الحركية تحسباً لإمكانية الاستهداف، ما وفر تلك «الفرصة الثمينة». الأمر الآخر يعود إلى عدم القدرة على استخدام هذا الكم من الصواريخ، ذلك أن بطاريتين على الأقل قد أطلقتا بما يُشكّل 12 صاروخاً كحد أدنى، وهو رقم مرتفع جداً، حيث أن المعدل المعتمد يتراوح بين صاروخ وصاروخين في عملية التصدي للطائرة الواحدة. ولن يكون بإمكان سوريا وحلفائها من ممارسة هذا «الترف» الصاروخي.
ما حصل لم يكن من دون ضوء أخضر روسي. فالروس قد أصيبوا باسقاط الـ»سوخوي 25» في سماء إدلب، بضربة موجعة نالت من هيبة فلاديمير بوتين على أبواب الانتخابات الرئاسية. هم يدركون أن الطائرة كانت على علو منخفض ما سمح باستهدافها بسهولة بصاروخ محمول على الكتف لكنه ليس من صواريخ أرض- جو التي تتجاوز الخطوط الحمر القائمة، والتي تمنع الولايات المتحدة تزويد المعارضة بها. أمنت موسكو الضوء الأخضر لـ«عملية رد الاعتبار» برسالة «غالية الثمن» على واشنطن، من دون أن تخرق هي الأخرى الخطوط الحمر بشكل فاضح.
في لعبة تكريس وقائع جديد، قد تكون كلفة الخطأ باهظة. المرحلة المقبلة الممتدة من شهرين إلى ثلاثة ستكون مثقلة بوقائع غير مألوفة يحوطها خطر الانزلاق أو الخطوات غير المحسوبة النتائج. هذا ما ترمي إليه إيران بواجهة النظام وبواسطة ذراعها الأقوى المتمثل بـ«حزب الله»، والهدف إحداث التغيير في المعادلة الاستراتيجية وتكريس قواعد اشتباك جديدة في ظلال الروس. وبالتأكيد، فإن أولئك على المقلب الآخر يتحضرون هم أيضا. إسرائيل تقف اليوم بين خيارات عدة، قد يكون أبعدها القبول بسياسة الحد من الخسائر التي لحقت بصورتها، وأفضلها إعادة تكريس معادلة ما قبل 10 شباط/فبراير، وأكثرها جنوناً الذهاب إلى حرب كبرى. الخيار الأخير يبدو إلى الآن الخيار الذي يعمل جميع اللاعبين على تفاديه، رغم المواقف العالية النبرة التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكية ريكس تيلرسون في زيارته للمنطقة ضد دور إيران و«حزب الله» التخريبي في سوريا وضرورة خروجهما منها، ورغم التجهيز المستمر لـ«محور الممانعة» لما يسميه «الحرب الأخيرة»، التي لن تكون سوريا مسرحها فقط – إذا وقعت – بل لبنان أيضاً، وذلك في عملية ربط المسارات.
الاقتناع السائد راهناً أن جميع اللاعبين منخرطون في «حرب غير معلنة» هي فعلياً البديل عن الحرب الكبرى المعلنة! إنها «حرب باردة جديدة محدودة» في نسختها المعدلة عن تلك التي عرفناها في زمن القطبين، الذين عادا بنسختهما المعدلة أيضاً.
القدس العربي
ممارسات نتنياهو في سوريا بدأت تثير قلق موسكو/ فالح الحمراني
تشير الدلائل إلى ان ممارسات إسرائيل في سوريا بدأت تثير قلق موسكو بعد ان كانت تلتزم على الأغلب الحياد في المواجهة الإيرانية الإسرائيلية في سوريا، واشتدت مخاوف الكرملين بعد المواجهات الأخيرة. وقالت بعض التقارير الصحافية ان إسرائيل اختلقت عددا من التهديدات عليها في سوريا لتحقيق أهداف سياسية داخلية والتواطؤ مع سياسية الولايات المتحدة في المنطقة. وتتمحور المخاوف الروسية من التداعيات الكارثية على الوضع السوري في حال نشوب نزاع إسرائيلي/ إيراني ونسف الانجازات التي تحققت في التوصل إلى تسوية هناك، والأكثر انه يهدد حياة وسلامة الجنود الروس المرابطين في سوريا.
وتلقت موسكو، بقلق بالغ الهجمات الإسرائيلية على سوريا، وما أثار قلها بوجه خاص، كما جاء في بيان خارجيتها، هو خطر تصاعد التوتر داخل مناطق تخفيف التصعيد وحولها في سوريا، التي أصبح خلقها عاملا مهما في الحد من العنف على الأراضي السورية. وفي رأيها أن قوات الحكومة السورية تلتزم بالاتفاقات القائمة لضمان التشغيل المستدام لمنطقة تخفيف التصعيد في جنوب غرب البلاد. وضمن هذا السياق حثت الخارجية الروسية جميع الأطراف المعنية على ممارسة ضبط النفس وتجنب أي أعمال يمكن أن تؤدي إلى تعقيد أكبر للحالة. ورأت أن من الضروري احترام سيادة وسلامة أراضي سوريا وغيرها من بلدان المنطقة دون قيد أو شرط. وبيد ان الأهم انها قالت «من غير المقبول تهديد أرواح وأمن الجنود الروس المتواجدين بناء على دعوة من حكومة سوريا الشرعية للمساعدة في مكافحة الإرهابيين».
وبحث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ممارسات القوات الجوية الإسرائيلية بشن ضربات صاروخية ضد أهداف في سوريا، ذكرت ذلك خدمة الصحافة في الكرملين السبت 10 شباط/فبراير الجاري. وأضافت، ان «الجانب الروسي أكد ضرورة تلافي أي خطوات قد تؤدي إلى دورة جديدة من المواجهة الخطيرة في المنطقة».
وحسب ما ذكر المكتب الصحافي لنتنياهو، ان رئيس وزراء إسرائيل اتفق خلال المحادثات مع بوتين على استمرار «التنسيق بين جيشي البلدين». وقال نتنياهو «لقد أشرت أثناء الحديث مع بوتين إلى حقنا وواجبنا في الدفاع عن أنفسنا ضد الهجمات من الأراضي السورية». ورصد مراقبون في موسكو ان نتنياهو يتلاعب بالكلمات ويتحدث عن «الدفاع» وليس عن «الهجوم» الذي قامت به مقاتلاته.
وقالت مصادر صحافية ان الجانب الروسي كان قد حذر نتنياهو من التداعيات الخطيرة التي يمكن ان تنجم عن استمرار الهجمات الإسرائيلية «غير المبررة والتي لا داعي لها، على المنشآت العسكرية السورية». وذكرت «لقد حذروه من ذلك خلال زيارته لموسكو قبل أسبوعين، عندما زار العاصمة الروسية، أيضا بسبب المعلومات التي أثارت قلق تل أبيب البالغ، حول رغبة سوريا في الحصول على أنظمة صواريخ مضادة للطائرات من طراز S-400 من روسيا». والمعروف ان دمشق كانت قد قدمت منذ وقت طويل مثل هذه الطلبات إلى موسكو. ولا يستبعد مراقبون في هذا الصدد، ان إيران أيضا قد تستجيب لهذه الطلبات، وإذا لم تبع مثل تلك الصواريخ لدمشق، فيمكنها نقل واحدة من أنظمة S-400 إلى سوريا، ويمكن للسوريين أيضا شراء أنظمة «بوكي» أو «بانتسيري». ولفت آخرون إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي عندما تحدث عن الهجمات من سوريا والهجمات الجوية ضد الأهداف العسكرية السورية والإيرانية «تناسى» انتهاك طائراته المجال الجوي اللبناني. وان «الإسرائيليين في غمرة الخطاب المناهض لإيران انتهكوا الاتفاقات السابقة مع موسكو بشأن حدود ضرباتهم الوقائية». وترى موسكو ان تدمير أهداف بالقرب من دمشق لا يخدم الطريق الصحيح لعملية تصفية الجيب الإسلامي شرق الغوطة.
وعلى وفق تقييم موسكو في هذا الصدد، من الضروري أن نميز بوضوح بين الضربات الوقائية في أعماق الأراضي السورية التي أسفرت عن خسائر مادية وبشرية فادحة وبين الدخول في المجال الجوي الإسرائيلي الذي لم يلحق أي خسائر بها.
وقال تقرير صحافي: إذا لم يرغب الإسرائيليون في تمييز ذلك، فإن موسكو لن تعيق السوريين أو الإيرانيين مستقبلا في سعيهم لاستخدام المضادات الجوية بكامل طاقتها. وفي واقع الأمر، ان الأحداث الأخيرة أظهرت ذلك». وانطلاقا من الكلام عن ان «الاتصالات بين الجيشين الروسي والإسرائيلي قد استعيدت، فان رئيس الوزراء الإسرائيلي أدرك إشارة موسكو. ولو ان إسرائيل التزمت فعلا بالتعاون المتبادل مع روسيا فإنها لن تتعرض لأي تهديدات».
وقيمت قراءة صحافية تصريحات تل أبيب عن ان الهجمات الإسرائيلية جاءت بسبب «تزويد» حزب الله «بأسلحة إيرانية»، وبوجود «مصانع صواريخ» باعتبارها «مجرد ذريعة». وقالت «ان الهجمات لا تنطوي على وزن عسكري محض، وفي هذه الحالة يعمل رئيس الوزراء الإسرائيلي على تحسين صورته السياسية الداخلية والخارجية. فداخليا الضربة موجهة للناخبين، وخارجيا إلى واشنطن كجزء من استراتيجيتها المعادية لإيران». وأوضحت: إذا كان من الضروري نقل صواريخ لحزب الله، فسيتم توصيلها مباشرة إلى لبنان لان الشيعة هناك يحكمون سيطرتهم على مطار بيروت. كما ان إسرائيل قلقة من ان يجري تنفيذ سيناريو «التجربة اليمنية» في سوريا، حينها ستصل للبلاد مكونات صواريخ، وهناك سيجري داخليا تجميع و«إنتاج» طائرات من دون طيار. لكن اليمن ليس سوريا، والقوات الإسرائيلية لا تقاتل في سوريا مثل السعودية في اليمن فلماذا تبدي القلق وتأزم الوضع؟ واستبعدت القراءة وقوف موسكو أو دمشق وراء إطلاق الهجمات الصاروخية من الأراضي السورية على إسرائيل. ولا حتى إيران ليست بحاجة أبدا للتحرش الآن بإسرائيل وإطلاق الصواريخ على أراضيها من سوريا، إذ ان طهران تركز الآن جهودها الدبلوماسية على اقناع الاتحاد الأوروبي برفض أفكار واشنطن بصدد إعادة النظر في اتفاقية البرنامج النووي، وفي هذا الصدد فإنها تتجنب أي مجازفات على صعيد السياسة الخارجية مثل استخدام مبدأ الضربة الصاروخية الاستباقية على إسرائيل. والوضع في اليمن مختلف، فهناك فهم عام بما في ذلك من قبل الاتحاد الأوروبي من ان أعمال الحوثيين هي ردود فعل على دخول دول مجاورة لليمن في شأنها الداخلي ولهذا السبب تجاهل الاتحاد الأوروبي كل الجهود التي يبذلها الأمريكيون «لتضخيم الهجمات الصاروخية على الأراضي السعودية».
ولاحظ مراقبون ان التصعيد الجديد جاء من قبل إسرائيل برغم أن القيادة الإيرانية تخلت الآن تماما عن خطاب «ضرورة تدمير إسرائيل» (وهذه الحجة بالذات كانت دائما تروج لتبرير الضربات الاستباقية) ولكن «الملف الإيراني» أصبح بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نقطة رئيسية وتحول إلى «بدعة». كما أشار تقرير لمعهد الشرق الأوسط.
وأضاف التقرير: من الواضح أن الملف الإيراني «انتعش» الآن في إطار موقف واشنطن من إيران، ولكن تقديم واشنطن الدعم اللفظي لعمليات الجيش الإسرائيلي، هو الحد الأقصى الذي يمكن ان يحصل في ظل الوضع الحالي. ان الولايات المتحدة لن تقاتل من أجل إسرائيل. وأنها لن تحارب أبدا في أي مكان من أجل أحد، وينصب تركيزها الآن على الشؤون الداخلية، وليس على الدفاع عن «أساسيات» العالم «الديمقراطي» الواقع خارج حدودها.
القدس العربي
وسط صمت رسمي مريب في البيت الأبيض: واشنطن تروج لفكرة القيام بعمل عسكري أمريكي ضد الإيرانيين في سوريا/ رائد صالحة
تحليق الطائرة الإيرانية بدون طيار في أجواء الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل كان اختبارا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب وليس إسرائيل فقط، وفقا لاستنتاجات العديد من المحللين الأمريكيين الذين ناقشوا موقف واشنطن من الاشتباكات الإسرائيلية ـ الإيرانية الأخيرة على الرغم من ردة الفعل غير المألوفة في البيت الأبيض إذ امتنع ترامب من التغريد مهددا ولم تصدر عن الإدارة تصريحات عدوانية ردا على الحادث. المحللون والسياسيون الأمريكيون الذين تدافعوا لمناقشة الحدث كانت دوافعهم غير طيبة، إذ انصب تركيزهم على تحريض إدارة ترامب ضد طهران ومعاقبتها عسكريا مع إشارات غير ودية إلى عهد الرئيس السابق باراك اوباما الذي منع إسرائيل من شن ضربات جوية على المنشآت النووية الإيرانية، وهي مزاعم لا تستند إلى أدلة فعلية.
واستنتج محللون ان قادة طهران قد لاحظوا الضعف الأمريكي وردوا على ذلك بتكثيف محاولات الهيمنة الإقليمية من المال الذي تم الحصول عليه من اتفاق النووي، وعلى الرغم من حرص ترامب منذ الأيام الأولى على استلامه السلطات الرئاسية على توجيه خطابات عدوانية تجاه إيران وتعهده بتمزيق الصفقة النووية، إلا ان طهران تتصرف وكانها لا تعرف حقيقة الرجل وما ينوي فعله على أرض الواقع بعيدا عن التغريد والتعليق. إذ قرر ترامب فرض عقوبات ضد فيلق الحرس الثوري وأدان طبيعة النظام الإيراني وأعلن استعداده في مناسبات منفصلة للانخراط في حرب ايديولوجية واقتصادية ولكن من ناحية أخرى، الاتفاق النووي ما زال قائما ولم تفعل إدارته الكثير لوقف توسع النفوذ الإيراني في المنطقة.
وحرض مسؤولون أمريكيون سابقون إدارة ترامب على إعادة انشاء رادع عسكري قوي ضد التوسع الإيراني بالتعاون مع الحلفاء الإقليميين وقالوا ان الإدارة قد أعلنت الحرس الثوري كيانا إرهابيا ولذلك يجب استهداف قواعده في سوريا، وقالوا ان هذا النهج الوحيد لمنع نشوب نزاع أوسع نطاقا.
وقال خبراء أمريكيون من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومن بينهم ريتشارد غولدبرغ، ان ترامب بحاجة إلى الاستعداد لمجموعة من الردود المحتملة من إيران، وخاصة عن طريق الوكلاء في العراق وسوريا ولبنان ولكنهم قالوا ان التهديدات بالوكالة ليست جديدة وان الفوائد تفوق بكثير التكاليف المحتملة، وضربوا على ذلك أمثلة من بينها ان حسابات إيران ستتغير جذريا وستقوم بعد ذلك على عدم المخاطرة في المنطقة، كما ان الرادع العسكري الأمريكي سيلغي ما يسمى بالجسر البري الذي يعطي إيران خطا متواصلا من النفوذ إلى البحر الأبيض المتوسط. وأوضح محللون أمريكيون ان الرادع العسكري الأمريكي سيساعد على استعادة الولايات المتحدة لنفوذها الدبلوماسي على روسيا في سوريا، إذ سيضطر بوتين إلى عدم دعم القوات الإيرانية إذا أراد الحفاظ على وجود طويل الأجل والربح من عملية إعادة إعمار سوريا.
الطموحات الإسرائيلية واضحة في توريط الولايات المتحدة في حرب ضد إيران، ولكن اهتمامات واشنطن لا تتركز في الوقت الحاضر على القضاء على أهم مخاوف إسرائيل، وفقا لآراء صف آخر من المحللين، وقد أعربت إدارة ترامب عن تأييدها لدولة الاحتلال في الرد ولكنها لم تقدم أي مساعدة بشأن إيران حتى الآن، وقد لاحظ الإسرائيليون ذلك وهم يبعثون بكثافة رسائل إلى البيت الأبيض تحت عنوان تنسيق السياسة والاستراتيجية ناهيك عن تصريحات رسمية من نوعية «الولايات المتحدة لن تخذلنا».
وقال دينس روس من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى ان إيران تجاوزت عتبة في محاولة شن هجوم مباشر من سوريا على إسرائيل باستخدام قاعدتها الجوية تي ـ 4 في محافظة حمص، وهي قاعدة تستخدمها قوة القدس للحرس الثوري الإيراني ورئيسها قاسم سليماني، وزعم روس ان المفاجأة لم تكن فقط في اعتراض إسرائيل للطائرة بدون طيار وانما في الهجوم الإسرائيلي السريع على القاعدة وتدمير مركز القاعدة ومركبة الإطلاق المحمولة وما تبعه من رد سوري بواسطة صواريخ أرض- جو وفرتها روسيا ما أسفر عن اسقاط طائرة إسرائيلية.
وحذر دينس من الهدوء الحالي قائلا بان صفارة الانذار قد انطلقت بالفعل حول الامكانيات التصعيدية لاشتباكات ولكنه حمل طهران المسؤولية بالقول ان إيران تحاول دائما رعاية هجمات ضد إسرائيل والولايات المتحدة منذ التسعينات ولكنها لا تريد ان تفعل ذلك مباشرة ولكن من المحتمل ان تكون الأحداث الأخيرة قد غيرت مسار اللعبة لأنها كانت تهدف إلى المساعدة على عدم ترك الشك بان الإيرانيين يلعبون بالنار.
ودعا دينس إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى الاستيقاظ قائلا ان ارساء التوسع المستمر للوجود العسكري الإيراني في سوريا سيؤدى عاجلا أو آجلا إلى نشوب نزاع واسع بين الإسرائيليين والإيرانيين والميليشيات الشيعية كما طالب ترامب بالضغط على الروس لتغيير موقفهم حيث قال ان الروس، وعلى الرغم من دعوتهم إلى ضبط النفس بعد المناوشات، هم الذين حرضوا على انتشار الوجود العسكري الإيراني في سوريا وانه يمكن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ان يوعز لأصدقائه ان محاولاتهم الهجوم على إسرائيل قد تعرض القوات الروسية للخطر.
ولاحظ روس ان تواجد قوة القدس وحزب الله سيكون ضعيفا جدا في سوريا إذا لم يكن هنالك أي غطاء روسي لتوسع الميليشيات المدعومة من إيران، وقال ان الولايات المتحدة يجب ان تطلب من بوتين فعل ذلك من خلال نقل رسالة طال انتظارها: إذا لم تتصرف روسيا لاحتواء الوجود الإيراني فان الولايات المتحدة لن تجلس على الهامش.
ومن غير المرجح ان لا يتحدث ترامب صراحة مع بوتين بمثل هذه اللغة ولكن إدارة ترامب، وفقا لآراء العديد من المحللين الأمريكيين، يجب ان تعثر على أساليب توحي ان بوتين يجب ان يغير من موقفه الحالي وان عدم فعل ذلك سؤدي إلى ردود أمريكية وليست إسرائيلية فقط، وان التصعيد في سوريا قد يؤدي إلى نشوب نزاع غير مرغوب فيه وقالوا ان ترك إيران بدون رقابة سيعني تصاعد الخطر.
ولاحظ المحللون الأمريكيون ان من الممكن ان يكون الهجوم الإيراني من فعل سليماني والحرس الثوري وليس من جانب الرئيس حسن روحاني وقالوا ان من الصعب أحيانا الحصول على بلورات سحرية لتجنب الأخطار ولكن من الحكمة حشد استجابة دبلوماسية قبل وقوع حادث جديد.
القدس العربي
حرب الأجواء السورية: وقف إطلاق نار مؤقت بين إيران وإسرائيل ولا مواجهة طالما بقيت روسيا مسيطرة/ إبراهيم درويش
لم تستمر المعركة سوى ست ساعات ولو طالت أكثر من هذا لأدخلت المنطقة في حرب شاملة مضيفة إلى المزيج المتفجر في الحرب الأهلية السورية مكونا جديدا وهو إسرائيل ضد إيران إضافة للمكونات الأخرى بين تركيا والأكراد وروسيا والولايات المتحدة والنظام الحاكم ضد المعارضة. وفي داخل كل مكون من هذه المكونات لاعبون وجماعات وكيلة تجعل من التسوية السلمية أمرا بعيد المنال في الوقت الحالي ومن الخطأ أو التمادي به مدعاة لحرب أوسع. ففرص التصعيد قائمة خاصة أن الروس والأمريكيين لديهم قوات على الأرض بالإضافة لتركيا وإيران وميليشياتها المتعددة إلا أن دخول إسرائيل وبشكل واضح في اللعبة السورية كان واضحا في الساعات الأولى من 10 شباط (فبراير) عندما ردت على دخول طائرة إيرانية بدون طيار المجال الجوي وردها الانتقامي بضرب قاعدة التيفور أو الطياس الجوية التي انطلقت منها الطائرة داخل العمق السوري. وتم ضرب واحدة من الطائرات المهاجمة بصاروخ سوري مضاد للطائرات حيث تحطمت المقاتلة داخل إسرائيل. وكان سقوطها الذي يعتبر الأول بالنسبة لإسرائيل منذ غزو لبنان في عام 1982 كافيا لهجمات انتقامية أوسع وشملت بطاريات دفاع جوي سورية وأهدافا إيرانية على التراب السوري.
وبحلول المساء انتهى كل شيء حيث كان طرف يلعق جراحه وتوقف عن التصعيد بعد رسالة تصالحية مررها الروس لإسرائيل والسوريين. وهناك سبب آخر لعدم المضي قدما في حرب دموية جديدة هي أن هذه الأطراف لا تريد المواجهة في الوقت الحالي. فنظام الأسد منشغل بتعزيز مكتسباته وسيطرته على سوريا أو ما تبقى له منها وإيران تريد وقتا أطول لكي تقيم وجودها العسكري الدائم على الأرض السورية.
فيما تريد إسرائيل تحديد هذا الوجود ومنع وصول شحنات السلاح إلى حزب الله المشارك في الجبهة السورية والذي يسيطر على لبنان. ومن هنا تريد إسرائيل أن تحتفظ بحرية الضربات الجوية في سوريا والتي تقوم بها منذ عام 2013 حيث شنت أكثر من 100 غارة على مواقع إيرانية وحزب الله وشحنات عسكرية. أما روسيا التي تملك مفاتيح اللعبة فتقوم باللعب على الطرفين من خلال السماح لهما بالتدخل في سوريا. ومنذ تدخل موسكو في إيلول (سبتمبر) 2015 فقد غضت الطرف عن الغارات الإسرائيلية مع أنها تدخلت لدعم نظام بشار الأسد وتتحالف تكتيكيا مع إيران الداعم الآخر لنظام دمشق. وفتحت موسكو المجال لتركيا بالتدخل في شمال سوريا ضد الأكراد وتساعد في الوقت نفسه جيش النظام بدك آخر معاقل المعارضة السورية في محافظة إدلب.
وترى مجلة «إيكونوميست» (15/2/2018) أنه كلما سمحت روسيا بدخول لاعبين جدد للساحة السورية كلما ضعفت سيطرتها على النزاع. وتشير إلى محاولة ميليشيات مدعومة من إيران ضرب موقع تحميه الولايات المتحدة في دير الزور، شرقي سوريا حيث ردت أمريكا بغارات جوية أدت لمقتل العشرات عدد منهم مرتزقة روس. وتقول المجلة إن المواجهة يوم السبت الماضي هي تذكير للوضع الهش الذي تشرف عليه روسيا. فلو سقطت المقاتلة الإسرائيلية على التراب السوري وأرسلت فرقة إنقاذ لهما لحدث تصعيد في النزاع وسقط العديد من الضحايا. ومن هنا فستجد روسيا نفسها أمام وضع صعب للسيطرة على النزاع حالة قرر واحد من الأطراف المضي قدما وتجاوز حدود ما هو مسموح له.
عملية واسعة
وبالتأكيد فقد كانت إسرائيل تخطط لعملية واسعة. وفي هذا السياق كتب رونين بيرغمان في صحيفة «نيويورك تايمز» (12/2/2018) قائلا إن الرد الإسرائيلي على إسقاط الطائرة كان يقصد منه ان يكون أوسع وأعنف. فلطالما احتفظ الإسرائيليون بخطط طوارئ لعملية موسعة في داخل الأراضي السورية و«يوم السبت أخرجها الجنرالات من الأدراج». ومع أن السوريين والإيرانيين وحزب الله أكدوا أنهم سيردون على أي هجوم إلا أن الإسرائيليين قرروا شن الحرب ولكنهم اكتشفوا مع البقية من يملك مفاتيح اللعبة السورية. فقد كانت الضربات الجوية قريبا من قاعدة يعمل فيها الروس. وبعد مكالمة غاضبة من فلاديمير بوتين قرر بنيامين نتنياهو إلغاء الخطط. ويقول بيرغمان إن الروس شجبوا علنا الانتهاك الأسرائيلي ولم يذكروا الطائرة الإيرانية. وفي الوقت الحالي تم تجنيب المنطقة حربا دموية مع أن عناصر التفجير لا تزال قائمة وتنتظر الشرارة.
ويقول رونين إن أحداث السبت كشفت عن أمرين مهمين. الأول هو أن إسرائيل لن تتصرف بضبط نفس، لأن القوات التي تعارضها في سوريا ستتجمع وترد بقوة. أما الثاني فهو أن روسيا لمن لم يكن يعرف، هي القوة المهيمنة في المنطقة. ويرى أن المواجهة الجوية بين إسرائيل وإيران كانت مفتوحة بدرجة كادت ان تودي إلى دخول المنطقة مرحلة أكثر خطرا. ويرى أن مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي برفقة مدير الموساد يوسي كوهين في مؤتمر ميونخ الأمني هو محاولة للضغط والتأكيد على أن الوضع المتعدد الأطراف في سوريا غير مقبول. وفي حالة لم يتم الأخذ على يد إيران هناك فستقوم إسرائيل بضرب قواعدها. وتحدث رونين عن العلاقة الروسية – الإسرائيلية بعد التدخل عام 2015 عندما أقام نتنياهو شبكة اتصالات سرية مع بوتين وتواصل بين المخابرات الروسية والإسرائيلية لمنع أي تصادم بين الطرفين في سوريا. إلا ان التعاون التكتيكي لم يكن كافيا لتأمين مصالح إسرائيل الإستراتيجية.
طرد إيران
ومع اقتراب نصر الأسد، ضغطت على روسيا لضمان رحيل إيران عن سوريا بعد نهاية الحرب. إلا ان المطالب لم تتم الإستجابة لها خاصة أن روسيا راغبة في بناء قوة لها في الشرق الأوسط وهي بحاجة لعلاقات مع إيران. كما وطلبت إسرائيل من إدارة ترامب عمل شيء بشأن الوضع وأرسلت في آب (أغسطس) 2017 وفدا عالي المستوى إلى واشنطن ضم كوهين وهرزل هاليفي، مدير الإستخبارات العسكرية وقدما لأتش أر ماكمستر، مستشار الأمن القومي معلومات «حساسة ودقيقة» حول خطط إيران وحزب الله ضرب إسرائيل. وقالا إن حزب الله يخطط لبناء قاعدة عسكرية في سوريا، وإيران قاعدة بحرية في ميناء طرطوس. وحسب مشارك في اللقاء فقد طلب الوفد الإسرائيلي خروج حزب الله والحرس الثوري من سوريا في أي خطة سلام. ولكن الأمريكيين لم يقدموا ما يشي أنهم يريدون تحقيق شيء خاصة انهم لا يعرفون ماذا يريدون أو ماذا أخبرهم الرئيس بضرورة تحقيقه «فالجو العام هو واحد من التشوش والفوضى».
قواعد
ومن هنا يشعر قادة إسرائيل أن لديهم المبرر للضرب بحرية، ويرى عاموس يالدين الجنرال الإسرائيلي المتقاعد في سلاح الجو والذي عمل مديرا للاستخبارات العسكرية ويعمل حاليا مدير معهد دراسات الأمن القومي بمقال كتبه مع آري هيستين، المساعد الخاص لمدير معهد الأمن القومي نشره موقع «فورين بوليسي» (13/2/2018) أن إسقاط طائرة إسرائيلية بنيران «العدو» لا يعني «مرحلة إستراتيجية جديدة». فحالة واحدة لا تغير ميزان اللعبة عندما يتعلق الأمر بالتفوق الجوي، لأن الحسابات تتعلق دائما بمستوى الضربات لا حادثة بعينها. وأكد الكاتبان أن «قواعد اللعبة» لم تتغير رغم المحاولة الإيرانية فرض شروط جديدة لها. وكان هذا واضحا من الطريقة التي أعلنت فيها إسرائيل عن حقها في مواصلة الغارات ومباشرة بعد سقوط مقاتلتها و«الطريقة الوحيدة لإعادة تأكيد (الحق) هو ممارسته. وبعملها هذا، قام سلاح الجو الإسرائيلي بوضع طياريه في مجال الخطر إلا أن غياب المقاومة أعطى فكرة أن الجيش السوري ليس لديه استعداد لتصعيد الهجمات إلى نزاع أوسع لا يريد أو يستطيع الانتصار فيه». وكان الرد الواسع والمتعدد رسالة واضحة للأسد وحلفائه الإيرانيين أن هناك ثمنا يدفع حالة تحدي قواعد اللعبة وتغييرها و «اظهرت أنها (إسرائيل) تستطيع تدمير كل القوات السورية إن اقتضى الأمر للحفاظ على التفوق في الجو، ولكنها لم تفعل حيث أعطت دمشق حافزا ان لا تحاول تكرار الأمر ثانية». ويعتقد الكاتبان أن الهجوم الجوي ترك أثره على «محور المقاومة» الذي بدا متراجعا. ويعطي البيان الروسي الذي دعا كل الأطراف لضبط النفس فكرة أن موسكو لم تكن داعمة لخطوة إيران الاستفزازية التي تعرض «مشروع» الكرملين لحماية الأسد للخطر. فنظام الأسد لم يخرج بعد من سبعة أعوام من الحرب الأهلية ولا فرصة لديه للوقوف أمام «القوات العسكرية المتقدمة والحرفية». وبناء على هذا فالنظام السوري في حالة يرثى لها، والأسد راغب بإعادة بناء بلده المدمرة بدلا من مواجهة الضربات الإسرائيلية ردا على الاستفزازات الإيرانية. وربما زاد حزب الله من ترسانته العسكرية إلا أنه ليس مهتما بمواجهة مدمرة مع إسرائيل قد تنتشر إلى لبنان.
الحرب السورية
وتظل المواجهة الإسرائيلية- الإيرانية، التركية- الكردية، التركية- الأمريكية والأمريكية- الروسية أثر من آثار نهاية تنظيم «الدولة» حيث يجري الآن التكالب على مناطق سيطرته ويعتقد كل طرف أن السيطرة تعطيه القدرة على تشكيل مسار سوريا بعد الحرب. ولكن المرحلة الجديدة ليست عن السوريين ومستقبلهم رغم أنهم الوقود الحالي، وانظر لتصريحات مسؤولي الأمم المتحدة، فقد بدأ عام 2018 داميا بكل المعايير. ولكن الحرب لم تعد «سورية» بل هي «الحرب السورية» التي تتنازع فيها إرادات ومصالح دول إقليمية وقوى عظمى. وحسب كريستوفر فيليبس الباحث في سوريا بكلية كوين ماري في لندن «تدار الحرب من خلال مصادر خارجية الآن» و «صناع القرار لم يعودوا سوريين، باستثناء الأسد، ربما». وأضاف في تصريحات نقلتها مجلة «ذا أتلانتك» (14/2/2018): «في البداية اتخذ التدخل الأجنبي في الحرب الأهلية شكل الدعم الدبلوماسي ومن ثم الاقتصادي وبعدها الدعم المادي للمقاتلين وبعدها التدخل المباشر، ولا أجد سببا لعدم استمرار الوضع». ومن بين الجبهات التي ترى المجلة أنها الأكثر تفجرا هي الجبهة بين إيران وإسرائيل. فمن المستبعد مثلا أن تواجه أمريكا تركيا وروسيا على التراب السوري كما يقول الباحث أندرو تابلر. لكن المواجهة على الحدود الجنوبية هي الأكثر حتمية. فلو حدثت على الحدود اللبنانية فستكون على شكل حرب صواريخ أرض- أرض وإن اندلعت في سوريا فستكون حربا جوية وبرية. وربما حاولت إسرائيل التي لم تعد تثق بالروس السيطرة على مناطق داخل سوريا وبناء منطقة حزام أمني كما فعلت في جنوب لبنان. وقد تستمر في الغارات الجوية التي تقوم بها منذ سنوات لتدمير البنية العسكرية السورية والإيرانية وفي الخيار الثالث قد تقوم بدفع طرف لاحتلال مناطق نيابة عنها لمنع الجيش السوري وحلفائه الإيرانيين العمل قريبا من حدودها. ويقولون إن الحروب الأهلية عادة ما تكون في أعنف مراحلها عند اقترابها من نهايتها، كما حصل في العام الأخير من الحرب الأهلية اللبنانية عام 1989. وسوريا معقدة، خلافا للبنان الذي تم فيه إنهاء الوجود الفلسطيني ودخلت فيه سوريا كلاعب مهم عام 1976. ووجه التعقيد في سوريا أن الدول الأجنبية قسمتها إلى مناطق نفوذ وهي دول قوية وبعضها لديه حدود مع سوريا. والمشكلة أن هذه الدول وضعت رهانات لا تتطابق مع أهداف الدول الأخرى، فما تريده إيران من سوريا يتناقض مع إسرائيل فيما تعارض تركيا أي دويلة كردية على حدودها. وتقول أمريكا أنها ستظل في سوريا لمنع عودة تنظيم «الدولة» أي حرب طويلة بلا نهاية. وفوق كل هذا يريد بشار الأسد العودة إلى ما قبل عام 2011 واستعادة السيطرة على كل البلاد، وهذا مستحيل في الوضع الحالي. ويرى فيليبس أنه لا يجد مثالا تاريخيا مقاربا للوضع الحالي في سوريا بسبب كثرة المشاركين في الحرب. ويتوقع نزاعات جديدة لكن لا أحد يجادل أن من سيتحكم في النهاية هم الروس والإيرانيون لأنهم من استثمروا أكثر «ولن يتخلوا عن كل هذا» ما يعني ان الحرب ستطول لسنوات أخرى، ونهايتها مرتبط بتعب اللاعبين وزيادة كلفتها المالية والبشرية.
القدس العربي
مع فوضى المشهد السوري.. هل تندلع حرب إسرائيلية إيرانية؟
ترجمة منال حميد – الخليج أونلاين
وصلت التوترات بين “إسرائيل” وإيران إلى مستوى غير مسبوق بعدما رفعت الأحداث التي وقعت في سوريا، الأسبوع الماضي، حالة التوتر إلى حد جعل مراقبين يعتقدون أن الشرق الأوسط يتجه إلى حرب شاملة، غير أن هذه التوقعات المُقلقة تفترض أن كلا الطرفين مستعد للقتال، فهل هذا حقاً ما يجري؟
هذا التساؤل طرحته صحيفة الغارديان البريطانية، الأحد، في مقال كتبه سيمون تيسدال محرر الشؤون الدولية في الصحيفة، حيث يقول إن الولايات المتحدة والسعودية تصوّران إيران بوصفها الجانب المعتدي، وتقولان إنها وسّعت نفوذها في المنطقة عبر وجودها العسكري في سوريا الذي بدأ في 2011، عندما دعمت طهران نظام بشار الأسد، ونشرت المليشيات الأفغانية والباكسانية ومقاتلي “حزب الله” اللبناني بالإضافة الى الحرس الثوري.
الرئيس الإيراني السابق أحمدي نجاد سبق له أن دعا في خطاب عام 2005 الى محو “إسرائيل” من الخريطة، وهي الكلمات التي يُعتقد أن كثيراً من الإيرانيين مقتنعون بها. ومن هنا فإن العديد من الإسرائيليين مقتنعون بأن إيران تشكّل خطراً وجودياً على دولتهم.
ويرى الكاتب أن قادة في “إسرائيل” يعتقدون أن شعور إيران بأن الأسد قد انتصر في معركته، شجعها على التفكير في توجيه بنادقها صوب إسرائيل، خاصة أنه تم تجاهل “الخطوط الحمراء” التي سبق أن وضعتها “تل أبيب” والتي تحظر الوجود العسكري الإيراني الدائم في سوريا، وأيضاً نقل الأسلحة إلى حزب الله.
ونقلت الغارديان عن قادة في إسرائيل قولهم إنهم على يقين بأن إيران تقوم ببناء مصنع تحت الأرض في لبنان، وأن إيران ما زالت تزود حزب الله بصواريخ بعيدة المدى.
ما شهده الأسبوع الماضي، برأي الكاتب، يمكن اعتباره مؤشراً على ارتفاع حدة التوتر بين إسرائيل وإيران، فلقد كانت المرة الأولى التي تقوم فيها إيران بإرسال طائرة مسيّرة فوق الأراضي الإسرائيلية (فلسطين المحتلة)، كما أنها المرة الأولى التي يجري فيها إسقاط طائرة إسرائيلية مقاتلة منذ العام 1982، وهي المرة الأولى أيضاً التي تستهدف فيها إسرائيل بشكل علني مواقع إيرانية في سوريا، شملت مركز قيادة بطارية صواريخ موجودة حول دمشق.
لكن رغم ذلك تبقى نيات إيران مبهمة، ففيلق القدس الذي يقوده قاسم سليماني، التابع للحرس الثوري الإيراني، والموجود في سوريا على صلة مباشرة بتيار المحافظين القوي والمتطرف داخل إيران، والذي يهدد بشكل روتيني بـ”محو الكيان الصهيوني”.
ويسعى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي ليكون بيضة القبان بين الفصائل الإيرانية المختلفة سواء كانت محافظة أو إصلاحية، خاصة أن مدناً إيرانية عدة شهدت تظاهرات واسعة للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية.
إن قادة إيران، المحافظون منهم والإصلاحيون، يعرفون أن الصراع المفتوح مع إسرائيل من شأنه أن يعطي الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذريعة التي ينتظرها لتمزيق الاتفاق النووي، وإعادة فرض العقوبات وربما حتى التدخل العسكري.
أعضاء آخرون في التحالف الموالي لنظام بشار الأسد يعارضون أي حرب واسعة؛ فروسيا، الحليف الأهم والأقوى، تسعى للتخلص من ملف سوريا وتأمل في تسوية سياسية سلمية، ومن ثم فإنها لا تملك مصلحة لإثارة الأوضاع مع إسرائيل.
كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي، إلى وقف الغارات على محيط دمشق حتى لا تصيب المقاتلين الروس هناك. فضلاً عن أن بشار الأسد يحاول هو الآخر التركيز على الفصائل المعارضة وبقية المقاومة المتبقية في إدلب، للشروع بعد ذلك بفتح ملف إعادة الإعمار وليس فتح جبهة جديدة.
أمام هذه المعطيات يبرز التساؤل الأهم، هل تريد إسرائيل حرباً أخرى؟ على الأرجح ستكون الإجابة: لا. فإسرائيل هي الأخرى لديها عدة اعتبارات تمنعها من شن حرب جديدة؛ فرئيس وزرائها يمر بأزمة سياسية ويواجه تهماً تتعلق بتلقي رِشا، ومع ذلك فإنه، وكما هو الحال في إيران، فإن هناك الصقور الذين يرغبون بشن مواجهة مع إيران في سوريا، ولا سيما أن “تل أبيب” شنّت قرابة 100 غارة جوية خلال الأشهر الـ18 الماضية.
من يسميهم الكاتب “الصقور في إسرائيل” يتحدثون عن القدرة التي يمتلكها الجيش الإسرائيلي؛ فرئيس المخابرات السابق الميجور جنرال عاموس يدلين، قال: إن “إسرائيل أظهرت قدرات ممتازة في الدفاع عن مجالها الجوي”، وذلك في معرض تعليقه على عملية إسقاط الطائرة الإيرانية من دون طيار من قبل الدفاعات الإسرائيلية.
تحقيق إسرائيلي: موسكو تدفع دمشق إلى استخدام دفاعاتها الجوية
الناصرة – «الحياة»
أفاد تحقيق داخلي أجراه الجيش الإسرائيلي في شأن إسقاط الدفاعات الجوية التابعة للنظام السوري طائرة «أف 16» إسرائيلية في منطقة الجليل السبت الماضي، بأن عدداً من الصواريخ الروسية تصدت لثماني طائرات إسرائيلية قصفت منشأة أطلِقت منها طائرة إيرانية مسيّرة. وتخطت الصواريخ المجال الجوي الإسرائيلي عشرات الكيلومترات ووصل بعضها سماء تل أبيب، لكنها سقطت في البحر الأبيض المتوسط. واعتبر واضعو التحقيق أن «روسيا تشجع دمشق على استخدام الدفاعات الجوية ضد الطيران الإسرائيلي». وأشار التحقيق إلى أن الدفاعات الجوية السورية أطلقت منذ بداية العام صواريخ مضادة للطائرات الإسرائيلية بوتيرة غير مسبوقة، فيما تخطى عددها خلال الشهر ونصف الشهر الماضيين عدد الصواريخ التي أطلقتها دمشق بين عامي 1982 و2017 مجتمعةً.
وأوضحت الإذاعة الإسرائيلية أمس أن الرقابة العسكرية منعت نشر أجزاء من التحقيق الذي سيقدَم إلى قائد سلاح الجو، الثلثاء المقبل، منها قضية بلوغ الصواريخ سماء تل أبيب، كما أفادت بعض المواقع الإخبارية التي حذفت هذه الجملة لاحقاً. ولفتت الإذاعة إلى أن السماح بنشر خبر أن الصواريخ اخترقت الأجواء الإسرائيلية عشرات الكيلومترات وأن الدفاعات الجوية الإسرائيلية لم تعترضها تمّ «بعدما تأكدت أنها ستقع في البحر وليس فوق مناطق مأهولة».
وعزا واضعو التقرير ارتفاع عدد الصواريخ التي تتصدى للطائرات الحربية الإسرائيلية إلى «الوجود الروسي في سورية ورغبة موسكو في استقرار نظام الرئيس بشار الأسد»، لافتين إلى أن الروس «يشجعون النظام على الدفاع عن السيادة السورية جواً أيضاً من خلال استخدام الدفاعات الجوية ضد الطيران الإسرائيلي». وأضاف التحقيق أن «الطيران الإسرائيلي يواجه منذ عامين صعوبات في تحركه في الأجواء السورية بسبب حرصه على عدم المسّ بالقوات الروسية في سورية وحتى بالجنود السوريين، لتفادي تصعيد لا ترغب به إسرائيل، بالتالي لا يتحرك بحرية ما يعرّضه بالتالي إلى خطر الدفاعات الجوية السورية». وأشار التحقيق إلى أن تحطم الـ «أف 16» في سماء الجليل إثر تعرضها لصاروخ سوري قديم الصنع، «نجم عن خلل وعمل غير سليم لطاقم الطائرة المزودة أحدث التقنيات»، مضيفاً أن «منظومة الرادار في الطائرة تلقت إنذاراً بإطلاق صواريخ في اتجاهها، إلا أن الطيار وملاّح الجو لم ينجحا بتنفيذ مناورة الهروب فقررا مغادرتها مع اقتراب الصاروخ منها». وشدد التحقيق على أن «هذا الخلل ما كان ينبغي أن يحصل».