إيران والإخوان المسلمون/ بدر الإبراهيم
الخطاب العنيف ضد إيران، من الإعلام والمثقفين المحسوبين على الإخوان المسلمين، لا يعني أنهم كانوا على عداءٍ مع إيران منذ الأزل، فمن يعرف كيف كانت علاقة الطرفين يمكنه أن يفهم هذا الخطاب، بوصفه محاولةً للتكفير عما مضى. تنطلق إيران الإسلامية و”الإخوان” من جذور مشتركة، فهما ضمن مظلة الإسلام السياسي، ويشتركان أيديولوجياً في السعي إلى إقامة الحكم الإسلامي وتطبيق الشريعة، كما أن دعوات الوحدة الإسلامية (ووحدة الإسلاميين الحركيين) موجودة عند الطرفين منذ زمن بعيد، لكن متغيرات وعوامل عديدة أسهمت في دفع الطرفين إلى المواجهة.
تأثر قادة “الثورة الإسلامية” في إيران بأفكار “الإخوان”، وبمفاهيم مثل الحاكمية، ومرشد الثورة الإسلامية الحالي، علي خامنئي، ترجم بعض كتابات سيد قطب إلى الفارسية، وبعيداً عن الغرق في تفاصيل المشتركات الفكرية والأيديولوجية بين الطرفين، كانت العلاقة السياسية بينهما تخضع لمد وجزر (فيما تخضع علاقة إيران بحماس لسياقٍ آخر هو المقاومة في قلب فلسطين)، لكنها لم تصل إلى صدامٍ كالذي نشهده حالياً. مع انتصار الثورة في إيران، كان وفد جماعة الإخوان المسلمين من أوائل المهنئين في طهران، وكان تأثير قيام الجمهورية الإسلامية في إيران كبيراً على كثير من حركات الإسلام السياسي “السني”، لكن فتوراً أصاب العلاقة، بفعل عوامل متعددة، منها النزعة الشيعية الواضحة في الدستور الإيراني، والحرب العراقية الإيرانية، وموقف إيران من حرب حليفها حافظ الأسد على إخوان سورية الذين ظلوا أبرز جماعة إخوانية معادية لإيران طوال الوقت، بفعل أحداث حماة، وأيضاً بفعل البُعد السلفي عندهم.
مع ذلك، يمكن القول إن إيران لم تبنِ نفوذها في المنطقة اعتماداً على التحالف مع حركات الإسلام السياسي الشيعي فقط، بل اعتمدت، في قوتها الناعمة، على بناء جسور التلاقي مع الحركات الإسلامية السنية، وتحديداً الإخوان المسلمين، في إطار المشترك الأيديولوجي، وقليلاً ما يتم توجيه نقد لإيران، من منطلق تحالفها مع الإخوان المسلمين، وآمالها المعلقة عليهم، إذ يتم تسليط الضوء على تفعيل إيران الروابط المذهبية في أكثر من بلد عربي، ولا يتم نقدها لتحالفها مع “الإخوان” من زاويتين: الأولى علمانية، تنقد رغبة إيران في “أسلمة” المجال السياسي العربي، عبر دعم “الإخوان”، باعتبار وصولهم إلى الحكم امتداداً للثورة الإسلامية، وهذا واضح، مثلاً، في الخطاب الإيراني الذي عرّف الربيع العربي في بدايته بأنه “صحوة إسلامية”، أما الزاوية الثانية، فهي معاداة الإمبريالية، إذ كيف يمكن الوثوق بجماعاتٍ تحالفت طويلاً مع القوى الاستعمارية الغربية، لمواجهة المد القومي واليساري في المنطقة العربية، من دون إجراء مراجعة جدية لهذا الدور، لتكون، حين تستلم السلطة، جزءاً من محور يرفع شعار مقاومة الاستعمار الغربي؟
“إيران لم تبنِ نفوذها في المنطقة اعتماداً على التحالف مع حركات الإسلام السياسي الشيعي فقط، بل اعتمدت، في قوتها الناعمة، على بناء جسور التلاقي مع الحركات الإسلامية السنية، وتحديداً الإخوان المسلمين”
كانت علاقة إيران بالإخوان، وبالذات إخوان مصر، إيجابية، على الأقل منذ ما بعد أحداث “11سبتمبر” في عام 2001، وعلى الرغم من تصاعد الخلاف المذهبي السني – الشيعي، بعد غزو أميركا العراق عام 2003، ودعم إيران العملية السياسية الطائفية، والقوى الشيعية فيها (لنتذكر أيضاً أن إخوان العراق كانوا جزءاً من هذه العملية)، فإن علاقة إيران بالإخوان ظلت إيجابية، ولم يصطدم الإخوان بإيران بعنف، لا في الإعلام المساند لهم، ولا في خطابهم السياسي، بسبب الدور الإيراني في العراق، ولم يتحدثوا عن المد الإيراني أو الخطر الذي يشكله في الوطن العربي، بل إن مرشد “الإخوان” وقتها، محمد مهدي عاكف، أكد أن الجماعة جزء من محور المقاومة مع إيران.
عام 2006، شن الداعية يوسف القرضاوي الذي يتمتع بثقل داخل جماعة الإخوان المسلمين، وفي أوساط جمهورهم، حملةً ضد الشيعة بالعموم، ولم يكن مُستَفزاً من دور إيران في العراق، بقدر ما كان محركه الأساسي نشر إيران التشيع داخل المجتمعات “السنية”، وانزعاجه من تأثير انتصار حزب الله على إسرائيل في سُنَّة مصر والمنطقة (حصل هذا بعد احتفاء إخواني بمقاومة الحزب في حرب يوليو/تموز 2006). انقسم الإخوان، فساند محمود غزلان القرضاوي، فيما عارضه يوسف ندا، وذهب المرشد عاكف بعيداً، إذ أكد ألا مشكلة مع وجود المد الشيعي، فعندنا 56 دولة سنية، وأنه مع امتلاك إيران قنبلة نووية (النهار الكويتية – 24/ 12/ 2008).
لكن عوامل عدة بعد الربيع العربي غيرت العلاقة، وحسمت الانقسام الإخواني باتجاه العداء لإيران، منها ما فرضه وصول “الإخوان” إلى السلطة من محاولات استرضاءٍ للغرب لتثبيت الحكم الإخواني، والاستفادة اقتصادياً، وما فرضته الحاضنة السنية من عداءٍ لإيران، بفعل أحداث سورية، فانحاز “الإخوان” إلى هويتهم المذهبية الكامنة، ليزايدوا على الخطاب الإعلامي “السني” الذي وصفهم سابقاً بأنهم موالون لإيران، وظهر التوتر الإخواني إزاء إيران (والشيعة) بوضوح عام 2013، في “حفلة” الملعب الشهيرة التي نظمها محمد مرسي والسلفيون، وفي مشاركة علماء جماعة الإخوان المسلمين في مؤتمر القاهرة الذي دعا إلى النفير العام والجهاد في سورية.
ووصف رئيس الوزراء التركي الحالي، أحمد داود أوغلو، الربيع العربي في بداياته، ضمن الرؤية “العثمانية السنية” التي تحكم الدور التركي في المنطقة، بالإحياء السني الذي يخلف الإحياء الشيعي، فأظهر الهوية الطائفية ضمن الجسم الإخواني الذي نقلته تركيا إلى أحضانها، وحرمت إيران من التلاقي معه، وبات إخوة “الصحوة الإسلامية” يتقاتلون في أكثر من ساحة، وهو ما يؤكد أن هذه الجماعات الإسلامية، السنية والشيعية، مهما أظهرت من شعارات الوحدة والأُخُوَّة، لا يمكنها التخلص من هويتها الطائفية التي تظهر في لحظة الأزمة.
العربي الجديد