إيران وسوريا.. معا على الطريق إلى جهنم
علي سالم
التدخل العسكري في سوريا بقوات عربية تحت أي اسم، ربما يكون أصعب القرارات في الدنيا على صانع القرار، وهو ما يحتم أن نكون نحن جميعا مشاركين فيه ومسؤولين عن اتخاذه، وهو ما يتطلب أن نضع على مكتب صاحب القرار كل ما نصل إليه من احتمالات ومخاوف. حتى الآن حرصت الأطراف التي تدعم الفكرة، فكرة التدخل العسكري، على عدم استخدام كلمة الحرب، وهو احتمال وارد، على الرغم من كراهيتنا جميعا أو معظمنا لفكرة الحرب وما يمكن أن تجره على المنطقة من ويلات.
وإذا كنا نطمئن أنفسنا بأن الهدف من إرسال قوات إلى سوريا، الهدف منه فقط هو منع النظام السوري من مواصلة عملية ذبحه للشعب السوري، وهو هدف نبيل لا بد من تحقيقه، غير أننا لا بد أن نتنبه إلى أن حروبا كثيرة في التاريخ وفي منطقتنا تحديدا اندلعت بغير رغبة من أطرافها نتيجة للخوف والإجهاد العصبي وربما بوهم القدرة على الانتصار فيها. رأينا ذلك في بداية الستينات في اليمن ورأيناه في صحراء سيناء في 1967.
في اليمن أرسلت القيادة في مصر محمد أنور السادات إلى اليمن لعمل تقدير موقف، فعاد وقال: «إن كتيبة واحدة قادرة على السيطرة على الموقف هناك». بعد ذلك اكتشف عبد الناصر أنه لا بد من تدعيم هذه الكتيبة بعدة ألوية من القوات المسلحة المصرية، وكانت المذبحة التي ذهب ضحيتها عشرات الألوف من المصريين واليمنيين بعد أن تحول كل شبر في اليمن إلى ساحة قتال. كان الهدف المعلن في ذلك الوقت هو حماية الثورة اليمنية، في ذلك الوقت البعيد الذي كانت تسمى فيه الانقلابات العسكرية ثورات.
عدم القدرة على حسم الموقف في اليمن كان السبب في حالة إجهاد عصبي حاد للقيادة في مصر دفعتها لاتخاذ قرار بإرسال القوات المسلحة المصرية إلى سيناء في استعراض هائل الحجم انتهى بهزيمة 1967 المروعة. والبداية كانت سوريا، قيل إن إسرائيل حشدت قوات لها على الحدود السورية، أكد السوفيات أنه لا توجد حشود، كانت هناك اتفاقية دفاع مشترك بين مصر وسوريا عقدت قبلها بأشهر، أصدر موشيه ديان تصريحا قصيرا ومؤثرا للغاية، طلب فيه من الحكومة السورية أن تمنع (المخربين) من دخول إسرائيل وهدد بأنه سيدخل دمشق ليزيل النظام هناك غير عابئ باتفاقية الدفاع المشترك المصرية السورية التي وصفها بأنها ليست أكثر من قصاصة ورق. أنا على يقين أن ديان كان يعرف مقدما ردود الفعل عند عبد الناصر على تهديده، كان يلعب على ورقتين، الغضب والكبرياء.
لقد أطلت في مقدمتي لكي أصل لهاتين الكلمتين (الغضب والكبرياء)، وأقول.. إرسال قوات عربية مسلحة لحماية الشعب السوري، فعل بكل ما يحمله من حق ونبل، ربما ينتهي بالحرب التي ستشترك فيها حتما إيران. ولكن الحرب عند الجنرالات ورجال السياسة لا تحدث بسبب الغضب ولا لأسباب تتعلق بالكبرياء، بل لحتمية حدوثها كاختيار أخير يحدث حتما لحماية الوطن بعد فشل كل الخيارات الأخرى. لا تستطيع أن ترسل عدة جنود إلى أي مكان بغير أن تغامر بإشعال حرب. هذا هو ما حدث مرتين لمصر في الستينات، غير أنه من المؤكد وربما أكون مخطئا، أن عبد الناصر لم يكن يفكر في الحرب بمعناها الشامل عندما ذهبت قواته إلى اليمن أو عندما احتشدت على صفحة الصحراء في سيناء في انتظار الطيران الإسرائيلي ليقوم بتدميرها.
كما أن الاقتراح بإرسال قوات عربية ترتدي البيريه الأزرق إلى سوريا لحماية الشعب السوري من حكومته فاقدة العقل والرحمة هو أيضا اقتراح يقدمه الأمين العام للأمم المتحدة بدافع من الغضب والألم وقلة الحيلة، غير أنه في نهاية الأمر لا يغير شيئا من طبيعة الموقف في سوريا، قوات مراقبة، عربية أو دولية ستعجز عن حماية الشعب السوري، إن نظاما يائسا يقوده عدد من فاقدي الإنسانية سيعرف طريقه دائما لقتل عدد من شعبه كل يوم بعيدا عن أعين المراقبين.
نحن جميعا نمشي فوق حقل ألغام زرعته الحكومة الإيرانية في المنطقة كلها ووقفت تتفرج علينا من بعيد وقريب أيضا في انتظار من ينفجر فيه أول لغم لكي تتوالى بعد ذلك انفجارات بقية الألغام. أعرف بالطبع مدى ما يثيره هذا الوضع في النفس من ألم وإحساس بالعجز غير أني لا أريد أن تتاح الفرصة لألم أكثر.
لا بد أنك قد وصلت الآن إلى الحد الذي تسألني فيه: ماذا تقترح لإيقاف هذه المذبحة.. حسنا لن نرسل جنودا.. ماذا نفعل لحماية الشعب العربي السوري؟
أكذب عليك لو قلت لك إن لدي وصفة جاهزة لذلك، غير أني بشكل عام أعرف أن المنطق أو الضمير أو القيم العليا أو حتى المصلحة عاجزة عن إقناع الشخصية السايكوباتية التي تعتبر نفسها في عداء مع المجتمع، مجتمعها والمجتمع العالمي.
على المحكمة الجنائية أن تتدخل ليعرف السادة في سوريا أن المزيد من العدوان على شعبهم هو جريمة سيحاسبون عليها. لا بد من محاكمة كل الضباط الذين يقتلون الشعب السوري بدم بارد وعلى الدبلوماسية العالمية أن لا تكف عن العمل لإقناع القيادة السورية بأنها تخلت عن العالم كله وأن العالم تخلى عنها لأنها اختارت الجانب الخاسر وأن علاقتها المرضية بالحكومة الإيرانية لا تصلح بديلا عن علاقتها بشعبها وبالأمة العربية.
آليات الوعي عند الفرد هي نفسها عند الجماعة، لقد قابلت في حياتي كثيرين من السايكوباتيين (Anti society) هم (يتنططون) أمامك وخلفك وحولك وفوقك وتحتك، وهدفهم هو الدخول في معركة معك نتيجتها الوحيدة هي خسارتهم وإنزال العقاب بهم. وهم في ذلك يوهمونك بأنهم على وشك إشعال الحرب، غير أنهم في حقيقة الأمر عاجزون عن تحمل نتائجها أمام شعوبهم، لذلك يحرصون وبكل الطرق على توريطك لتقوم أنت بإشعالها. هذا هو بالضبط ما تفعله حكومة نجاد وخاصة في الشهور الأخيرة، مناورات بحرية وصواريخ قادرة على الوصول إلى القمر، ثم تسمي ذلك كله مناورات سلام.. يا سلام. ثم أخيرا لجأت (للتلاكيك) هي (بتتلكك) – اغفر لي أنني استخدمت كلمة من قاموس العامية المصرية لم أجد لها بديلا مقنعا في الفصحى – وذلك عندما يطلب مسؤول إيراني من السعودية عدم ضخ المزيد من البترول إلى الغرب. إذا قمنا بتحويل هذه التصريحات إلى مشهد في مسلسل تلفزيوني عن البلطجة، فلا بد أن نتخيل البطل يقف مهددا سكان شارعه: إيه ده؟.. ما حدِش عاوز يشتري البنزين مني؟.. طيب.. كله يقفل دكانه.. ما حدش يبيع حاجة.. وإلا حاتشوفوا هاعمل فيكم إيه.. أنا مش بالعب هنا.. أنا مش هفيّة.. طلع يا واد الصواريخ والمدمرات عشان نفرّجهم هاعمل فيهم إيه.
من المستحيل فصل ما يحدث للشعب السوري عن طبيعة العلاقة بين إيران وسوريا، هناك أشخاص وأنظمة أيضا، عندما تتخذ قرارا بالذهاب إلى الجحيم، تختار مرافقا ليسليها في الطريق. وعلى قيادات الجيش السوري أن تتنبه إلى ذلك.
الشرق الأوسط