اتفاق الحدّ الأدنى بين روسيا والعرب لن ينقذ الأسد
ربى كبّارة
تشكّل النقاط الخمس التي توافقت عليها روسيا مع الدول العربية، تفاهم الحد الأدنى للتوصل الى حلّ للأزمة السورية، لا يبقي الرئيس بشار الأسد في موقعه إنما يفتح الباب أمام مجلس الأمن الدولي للخروج أخيراً بقرار ضروري لتغطية أي من الخطوات اللاحقة، سواء تسليح “الجيش السوري الحر” أو إقامة مناطق آمنة وحمايتها… ولا يعني هذا التفاهم احتكار روسيا للحل أو عودته الى طاولة الجامعة العربية.
ويشير ديبلوماسي عربي تابع مجريات الاجتماعات التي شهدتها القاهرة السبت، الى أن موسكو سبق لها أن أبلغت واشنطن أن موقفها من الرئيس الأسد سيصبح أكثر مرونة بعد انتخاب رئيس وزرائها فلاديمير بوتين لولاية جديدة، لافتاً الى أن روسيا دولة عظمى لا يمكنها تغيير موقفها تغييراً جذرياً بين ليلة وضحاها.
ويدرج المصدر اتفاق النقاط الخمس في إطار سعي العرب الى ملاقاة الموقف الروسي في منتصف الطريق، تمهيداً لاحتمال صدور قرار في وقت قريب عن مجلس الأمن الدولي لا تواجهه روسيا بالفيتو.
كما ظهرت ليونة في موقف الصين التي استخدمت، كما روسيا، حق النقض في مجلس الأمن الدولي مرتين للحؤول دون إدانة النظام السوري بقرار أممي. وهذا ما تبدّى من لقاء مساعد وزير خارجيتها تشانغ مينغ بالأمين العام لـ”مجلس التعاون الخليجي” عبد اللطيف الزياني. فقد تكلم مينغ، الذي يقوم بجولة في المنطقة كمبعوث لبلاده بشأن الأزمة السورية، عن خطة تنص على وقف فوري للعنف قبل البدء بالمفاوضات.
ولا يعني الاتفاق الروسي – العربي تغيير الثوابت التي طرحتها الجامعة العربية للحل خصوصاً في مبادرتها الأخيرة في 22 كانون الثاني، ونصت كما سابقتها على أولوية وقف العنف وسحب الجيش وإطلاق المعتقلين ووصول المساعدات، لكنها ربطت بدء الحوار السياسي بتفويض الرئيس الأسد صلاحياته لنائبه الأول فاروق الشرع، بما يعني عملياً تنحّيه.
ويروي الديبلوماسي العربي نفسه، أن وزير خارجية الجزائر مراد مدلسي لفت نظر رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية حمد بن جاسم آل ثاني الى التباين الذي يصل حد التناقض بين مضمون النقاط الخمس والبيان الختامي لاجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب. فمثلاً تنص النقاط الخمس على “وقف العنف من أي مصدر” وعلى “عدم التدخل الخارجي” فيما يطالب البيان الختامي “الحكومة بالوقف الفوري للعنف ضد المتظاهرين السلميين” ويطالب مجلس الأمن الدولي بـ”أن يتحمل مسؤوليته في حفظ السلم والأمن الدوليين والتحرك لاستصدار قرار يستند الى المبادرة العربية وقرارات الجامعة العربية”.
ويلفت الى أن الوزير القطري أكد أن الموافقة هدفها ملاقاة الروس في منتصف الطريق لكن موقفنا لم يتغير وما زلنا متمسكين بالمبادرة التي حملناها الى مجلس الأمن، موضحاً أنه “عندما يوافق الأسد على النقاط الخمس نعيد درس موقفنا لنرى ما إذا كان يتطلّب ثمة تغيير”.
وما التحفظ الذي أظهرته الولايات المتحدة في الأسابيع الأخيرة بشأن دعم “الجيش السوري الحر” أو التدخل الخارجي، سوى خطوة مشابهة لاتفاق النقاط الخمس تسهل على الروس الامتناع عن استعمال حق النقض.
فإصدار مجلس الأمن قراراً جامعاً بشأن سوريا، يفتح الباب لتحركات لاحقة، لأن الجميع، الغرب والولايات المتحدة وتركيا، يطالب بغطاء دولي لتسهيل مرور الأسلحة أو إقامة ممرات آمنة تؤدي بالنهاية الى أن يصبح التدخل العسكري أقله للحماية، المرفوض حالياً، أمراً واقعاً.
لكن يبدو أن النظام السوري اعتبر الاتفاق تراجعاً من قبل العرب والغرب والولايات المتحدة، وارتكز على انتصاره في حمص ليضع نفسه مجدداً على طاولة المفاوضات وساعده على ذلك وصول كوفي أنان الى دمشق موفداً من الأمم المتحدة والجامعة العربية.
وتؤشر الدلائل الى أن مهمة أنان ستبوء على الارجح بالفشل والى أن الرئيس الأسد يستفيد منها للمماطلة كسباً للوقت كما استفاد سابقاً من مهمة المراقبين العرب لمواصلة قمعه الدموي الذي أسفر خلال عام عن سقوط نحو 8500 ضحية.
فقد أبلغ الرئيس الأسد أنان رفضه لبدء حوار سياسي مع أي طرف معارض قبل القضاء على “الإرهابيين”، فيما رفض “المجلس الوطني السوري” مهمة أنان وحتى أن معارضة الداخل أبلغت الموفد الأممي أن الحوار “غير وارد” قبل توقف القتل وسحب الجيش وإطلاق المعتقلين.
ويبدو أمل الرئيس الأسد بالقضاء على الثورة مستحيلاً. فقد امتدت التحركات المناهضة له الى دمشق وحلب. ورغم اقتحام قواته قبل أيام حي بابا عمرو في حمص فإن القصف ما زال مستمراً على الأحياء الأخرى كما تكشفت أمس آثار مجزرة جماعية في المدينة ذهب ضحيتها “قرابة 50 طفلاً وإمراة” وفق “المجلس الوطني السوري” الذي طالب بالعمل على عقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن الدولي.
وتبدو الأزمة السورية طويلة بسبب استحالة الحسم مع إصرار الرئيس الأسد على مقولة “الإرهابيين” و”المؤامرة الخارجية” وعدم قدرته فعلياً على القضاء على المعارضة إذ كلما أسقط بؤرة للثوار أستفاقت بؤرة.
المستقبل