اتفاق المعارضة السورية في القاهرة بين الأخذ والرد
منذر خدام
كنت أتوقع مثل كثيرين غيري أن يشكل اتفاق القاهرة بتاريخ 30/12/2011 بين هيئة التنسيق الوطنية والمجلس الوطني باعتبارهما الإطارين السياسيين الأهم للمعارضة السورية أكبر هدية لشعبنا السوري ولثورته المظفرة حتما، غير أن ردود الفعل عليه من بعض الأطراف المعنية به لم تكن مشجعة.
الأشد غرابة هو مواقف بعض الأشخاص الذين شاركوا في الوصول إلى هذا الاتفاق، وفي مرحلة من مراحله الختامية كانوا هددوا مرجعياتهم بالاستقالة في حال عدم موافقتها على الاتفاق. من غير المنطقي، بل ضار سياسيا إضاعة جهد تم بذله على مدى أكثر من شهر من الحوار بين وفد هيئة التنسيق وأكثر من وفد متعاقب للمؤتمر الوطني دون تبصر، كل ذلك لإرضاء مواقف بعض المعارضين التي هي أقرب إلى النزوات منها إلى المواقف السياسية العقلانية. وللأسف فقد طاول السيد برهان غليون الكثير من هذه النزوات، وصلت إلى حد تخوينه والتهديد بطرده من المجلس الوطني. رغم كل ذلك وكما يقول المثل “ربما ضارة نافعة”، فقد كشف الاتفاق عن المواقع والأدوار الحقيقية لبعض الذين “يشتغلون معارضة” خصوصا في الخارج، الأمر الذي يستدعي عدم التستر عليه بعد الآن تحت أية ذريعة كانت، بل كشفه على حقيقته والوظيفة التي يؤديها.
لقد اتهمت الهيئة من قبل السيد برهان غليون وآخرين من قيادات المجلس الوطني، بأنها سربت الاتفاق قبل تسليمه للسيد نبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، وفي ذلك تكون قد خالفت ما تم التفاهم بصدده، وهذا يجافي الحقيقة. فعندما تحدثت مع السيد هيثم مناع مساء 30/12/2011 أسأله عن مجريات المحادثات مع وفد المجلس الوطني أجابني بأنه للتو قد تم التوصل إلى اتفاق شامل مع وفد المجلس وتم توقيعه من قبله ومن قبل السيد برهان غليون بحضور وفد المجلس الوطني وبعض أعضاء وفد هيئة التنسيق.
وللعلم نحن في المكتب التنفيذي لهيئة التنسيق كنا منحنا وفدنا في القاهرة كامل الصلاحيات للتفاهم مع المجلس الوطني وللتوقيع على أي اتفاق محتمل يتم التوصل إليه معه. فطلبت منه إرسال صورة عن الاتفاق ففعل لكنه طلب مني عدم تسريب النص إلى الإعلام قبل إيداعه لدى الجامعة العربية الأمر الذي كان مقررا يوم الأحد في 1/1/2012. مع ذلك استأذنته بتسريب خبر عن الاتفاق كنوع من البشارة للسوريين الذين انتظروا طويلا وحدة الرؤية السياسية للمعارضة للمرحلة الانتقالية ولسوريا الديموقراطية المنشودة والتنسيق بينها بما يخدم مطالب الشعب وقضايا الثورة وهذا ما فعلته.
لقد أراد من سرب النص بالضبط أن يثير هذا اللغط الذي أثاره وأن يحول بالتالي دون وحدة المعارضة السورية، الأمر الذي يصب في مصلحة النظام. من ينعت هيئة التنسيق بأنها ” صنيعة إسرائيل” وهو حتى الأمس القريب كان وثيق الصلة بأحد القادة الأمنيين الكبار، ومتورط في أكثر من عملية فساد، لا يريد بالتأكيد أن تتوحد المعارضة. وإذا كان قرارنا في هيئة التنسيق أن لا ندخل في مهاترات إعلامية مع أي طرف معارض وخصوصا مع المجلس الوطني، إلا أن ذلك لا يعني السكوت طويلا عن هوية وادوار بعض المنتمين إليه، وأجنداتهم الخاصة والعامة، التي لا تخدم قضايا الشعب وثورته. السؤال الحق ليس في من سرب الاتفاق، فهذه مسألة شكلية، بل هل تم التوصل إلى الاتفاق حقا؟
لم ينفِ أحد من قيادة المجلس الوطني وجود نص الاتفاق ذاته، بل نفوا أن يكون نصا نهائيا، بل هو مسودة احتوت على أفكار للنقاش، وكان يفترض عرضها على الهيئات القيادية المعنية في المجلس والهيئة لمناقشتها وإقرارها بصورتها النهائية. غير أن الوقائع تؤكد أن النص لم يكن مسودة بالنسبة لوفدي المجلس والهيئة، فالمسودات لا توقع ولا يحدد موعد لتسليمها للجامعة العربية. أما بالنسبة للمؤتمر الوطني السوري المقرر عقده تحت رعاية الجامعة العربية فالنص المتفق عليه يعد مشروع اتفاق سياسي بين الإطارين الرئيسيين للمعارضة السورية، أعني المؤتمر والهيئة سوف يعرض على المؤتمر، وللمؤتمر وحده كامل الصلاحية لتعديله أو رفضه أو إقراره. وللمناسبة ورغم التفويض الممنوح لوفد الهيئة للتفاوض مع قيادة المجلس من أجل التوصل لاتفاق يوحد المعارضة السورية، أو في الحد الأدنى التنسيق بينها، لا يعني أن جميع القوى المنضوية في إطار الهيئة موافقة عليه. فها هو “اللقاء الوطني الديموقراطي” يعلن رفضه له، و”حركة معاً” لديها بعض التحفظات، وكذلك فعل الاتحاد الاشتراكي، وغيرها من الشخصيات الوطنية المستقلة.
لقد لقي الاتفاق، رغم كل الملاحظات التي يمكن أن تسجل عليه، ارتياحاً واسعاً في الأوساط الشعبية، وخصوصا في أوساط الفئات الصامتة، أو التي لم تخرج إلى الشارع بعد بكثافة، كما لقي ارتياحا لدى أوساط النخب الثقافية والاجتماعية، والأهم أنه لقي ارتياحا لدى فئات واسعة من الحراك الشعبي، وانزعاجا كبيرا لدى النظام.
إن رفض قيادة المجلس الوطني للاتفاق وكذلك بعض القوى المنضوية في إطار هيئة التنسيق لا يعني أبدا أن جميع الأبواب صارت موصدة في طريق الحوار بين الهيئة والمجلس للتوصل لاتفاق جديد. في الحقيقة لقد أعيد التواصل بينهما في القاهرة من جديد، وإن وفد الهيئة ينتظر ملاحظات قيادة المؤتمر الوطني ليصار إلى مناقشتها. ليس سهلا التوفيق بين إستراتيجيتين مختلفتين للتعامل مع الأوضاع في سوريا، إستراتيجية تتمحور حول استدعاء التدخل العسكري الخارجي لإسقاط النظام التي يتبناها المجلس الوطني، وأخرى تتبناها هيئة التنسيق تركز على استنهاض القوى الذاتية للشعب السوري لإسقاطه، وعلى استدعاء الدعم العربي والأجنبي الاقتصادي والديبلوماسي والسياسي والقانوني لمساندته في مهمته هذه.
ومنذ البداية كان واضحاً لهيئة التنسيق من خلال خبرتها الطويلة في المعارضة السياسية، أن إسقاط النظام السوري كمقدمة ضرورية للبدء بعملية انجاز التغيير الوطني الديموقراطي يتطلب مزيدا من الوقت والصبر، وربما مزيدا من التضحيات، وتحملت في سبيل رؤيتها هذه الكثير من الاتهامات الظالمة. في حين بعض الآخرين الذين عملوا طويلا في أجهزة النظام، أو تحالفوا لفترات مع بعض رموزه بعد أن لفظهم من داخله “ليلعبوا معارضة” في الخارج، أو حتى حاوروا النظام بالوساطة للعودة إلى سوريا… يستعجلون إسقاط النظام من طريق الخارج الذي ما انفكت دوله المعنية تصرح علنا بأنها لن تتدخل عسكريا في سورية لاعتبارات عديدة. الفارق بين الاستراتيجيين هو كالفارق بين العقل السياسي والعقل الشعاراتي، بين من يبني سياسته على تحليل الواقع للكشف عن الممكنات فيه وتحويلها من الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، ومن يؤسس السياسة على الرغبات.أيها السادة عندما يكون المقصود الوطن والشعب فلا يجوز اللعب.