اخبار سيئة من سورية
رأي القدس
يبدو واضحاً ان مبادرة الجامعة العربية لتهدئة الاوضاع في سورية ووقف دائرة العنف وسفك الدماء ماتت قبل ان ترى النور، فقد تجددت الاشتباكات وعمليات اطلاق النار في مختلف انحاء البلاد بوتيرة اكبر مما كان عليه الحال قبل اعلان الاتفاق على هذه المبادرة.
الانباء القادمة من دمشق تقول ان احتجاجات انطلقت في عدة مدن سورية، وان العشرات قتلوا برصاص قوات الامن السورية، كما تحدثت الانباء نفسها التي وردت في بيانات المرصد السوري عن سقوط قتلى في صفوف رجال الامن والجيش اثر اشتباكات مع مسلحين.
مبادرة الجامعة التي من المفترض ان تكون دخلت حيز التنفيذ يوم امس الاول نصت على وقف اعمال القتل والعنف وسحب الجيش من المدن والشوارع، والبدء في حوار بين النظام والمعارضة السورية للوصول الى اتفاق حول الخطوات العملية من اجل انهاء الازمة من خلال اصلاحات ديمقراطية شاملة، والافراج عن جميع المعتقلين السياسيين.
السلطات السورية رحبت بهذه المبادرة، وكذلك فصائل المعارضة السورية، وعلى رأسها المجلس الوطني المظلة الاكبر، ولكن يبدو ان هذا الترحيب شكلي، ويهدف الى كسب الوقت، وعدم اغضاب الدول العربية، من حيث تجنب تحمل اللوم عن اي فشل للمبادرة.
الهوة ما زالت واسعة بين الاطراف المتواجهة في سورية، والثقة معدومة تماماً، فالنظام ما زال يعتقد ان الحلول الامنية قادرة على القضاء على الاحتجاجات واعادة السيطرة على الاوضاع، والمعارضة ترى ان الحوار مع النظام غير مجد وتصر على تغييره بكل الطرق والوسائل، وتتهم الجامعة العربية باطالة عمره من خلال مبادرة الحوار هذه.
التحركات الامريكية والاسرائيلية المتصاعدة ضد ايران، وتوارد انباء كثيرة في الغرب عن وجود خطط عسكرية لتوجيه ضربات جوية وصاروخية لتدمير منشآتها النووية ربما لعبت وتلعب دوراً كبيراً في فشل المبادرة العربية في تحقيق اغراضها.
التقرير الذي سيصدر عن وكالة الطاقة الذرية التابعة للامم المتحدة يوم الخميس المقبل قد يكون حاسماً في التمهيد لمثل هذه الضربات في حال المضي قدماً بها، حيث تشير كل التسريبات الغربية الى انه سيتضمن ادلة قاطعة عن وجود منشآت نووية سرية غير خاضعة لتفتيش الوكالة المذكورة، وتعمل من اجل استخدامات عسكرية لاعمال التخصيب التي تسير على قدم وساق.
توجيه اي ضربات عسكرية لايران سيشعل فتيل حرب كونية في المنطقة باسرها، ومن الطبيعي ان تكون سورية الهدف التالي بعد ايران بسبب العلاقات التحالفية الاستراتيجية بين البلدين، وهذا ربما ما يفسر حالة الهدوء الغربي تجاه سورية هذه الايام، وخفوت حدة التهديدات لها بشكل او بآخر.
النظام السوري يرتكب خطأ كبيراً، يضاف الى اخطائه الاخرى التي ارتكبها في طريقة تعاطيه الدموي مع الانتفاضة السورية، عندما يواصل اعمال القتل ضد المحتجين، ولا يتجاوب بالكامل مع المبادرة العربية.
صحيح ان بعض الدول العربية متورطة في المخططات الرامية الى تقويض النظام تمهيداً لتغييره، سواء من خلال تدخل عسكري غربي على غرار ما حدث في ليبيا والعراق وافغانستان، او اشعال نار حرب استنزاف اهلية طائفية، ولكن الصحيح ايضاً ان بالامكان تفويت الفرصة على هذه الاطراف من خلال الالتزام الكامل بالمبادرة لبضعة ايام على الاقل لاثبات حسن النوايا، والرغبة الجدية في التعاون.
الاوضاع في سورية تسير بسرعة نحو المزيد من سفك الدماء، وبانتظار الخطوات الغربية المقبلة للتعاطي مع الملف النووي الايراني، وفي هذه الاثناء ستستمر المواجهات والصدامات، مثلما ستستمر عمليات تهريب الاسلحة والانشقاقات في الجيش. والشعب السوري هو الذي سيدفع ثمن هذا العناد الدموي في نهاية المطاف.
القدس العربي