استعراض روماني في الساحة السورية/ سعيد لحدو
يبدو من الجلي أن جمهور المتفرجين والمشجعين والمصفقين والمهوِّلين والداعمين والمانحين والمانعين متفقون على مبدأ (الفوز ممنوع) لأي من الفريقين في هذه المواجهة التي توقف عندها الزمن في سوريا والتي يخوضها فريقا الشعب الثائر من جهة، والنظام المتعنت بتمسكه بالسلطة حتى الرمق الأخير من الجهة الأخرى، وذلك لأكثر من ثلاث سنوات كاملة. هذه المواجهة الحاسمة لمصير سوريا الدولة والشعب والتي تدور أحداثها على كامل مساحة الأرض والسماء السورية، تفنن المصممون فيها لتكون مباراة العصر. إذ يمكن لأي فريق تسجيل نقاط تكتيكية في هذا الوقت أو ذاك من المباراة ولكن تحقيق الفوز وإحراز كامل نقاط المباراة مازال أمراً خارج إرادة اللاعبين ولا يخضع لمهاراتهم ودقة تسديداتهم أو لمدى قدرتهم على إقناع الآخرين بمدى أحقيتهم بالفوز. فهذه قضية أخرى لاعلاقة لها كما يبدو بما يجري على أرض الملعب السوري إلا بالقدر الذي يسمح به الطاقم الفني لكل فريق. ويبدو أنهما متفاهمان أو متواطئان على ضبط إيقاع المباراة بقدر كبير من بلادة الحس الإنساني للثمن الفادح الذي يتم دفعه كنتيجة لهذا التواطؤ غير المعلن ولكن المدرَك على نطاق واسع شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً للجميع ولكن ربما باستثناء اللاعبين أنفسهم عن غفل أو تغافل.
قد تتعالى هتافات المشجعين عند كل هجمة منظمة على خطوط الخصم ولكن سرعان ماتتلاشى ويهدأ الحماس أمام أبواب المرمى الموصدة ليس بقوة دفاع الخصم وحسن تنظيمه، وإنما بوضع قوانين خارجية غريبة للعبة تقضي بإدارة باب المرمى إلى الجهة المعاكسة بحيث يستحيل على أي لاعب رمي الكرة في المرمى مهما بلغ من المهارة وقوة التسديد. وهكذا كان الحال عندما حصل فريق الشعب على أكثر من ركلة جزاء محقة لكن الكرة لم تجد طريقها إلى المرمى للسبب ذاته وهو عدم وجود مرمى مفتوح لإحراز أهداف لأي فريق. في حين تبقى الواجهة الأمامية المفتوحة لذلك المرمى مدارة إلى الجهة الأخرى ولا يسمح للاعبين تجاوز الخط للتسديد من تلك الجهة لأن الكرة ستكون في (الآوت).
قد يكون من القسوة ة والإجحاف إلقاء اللوم على اللاعبين أنفسهم حتى ولو امتلكتهم روح الأنانية وأراد كل منهم الاحتفاظ بالكرة لنفسه. لأنه حتى شيوع هذا النمط من السلوك الأناني ماهو إلا خطة تكتيكية للكادر الفني الداعم لهذا الفريق أو ذاك في هذه المواجهة الفاصلة بين خصم استحوذ على كل شيء ومازال يعاند للبقاء اللاعب الوحيد إلى ماشاء الله، وفريق يدافع عن حقه في امتلاك ماهو له في الأساس. وإن كانت تنقصه القوة والأدوات والأصدقاء الحقيقيون للفوز في هذه المواجهة\المباراة، مع أنه مازال يمتلك الصبر والإرادة لتغيير قوانين اللعبة.
ماهو أكثر غرابة أن اللاعبين الاحتياط ، أو بالأحرى فئة من المتفرجين ممن وجدوا بأنفسهم القدرة على اقتحام الساحة للمشاركة، قفزوا إلى ساحة الملعب بصبر نافذ وقد جلب كل منهم كرته معه وبدأ باللعب وفق قوانينه وأنظمته الخاصة ضد كل من يصادفه في وجهه، حتى ضاقت الساحة بالجميع فانسحب اللاعبون الأساسيون إلى مقاعد الاحتياط وبدأوا بدون حماس يذكر، يتصرفون كمتفرجين ،على مجريات ما اصطلح خطأً على تسميتها مباراتهم!!!!
ولأنه لاحكم موجود يحكم، ولا مرمى مفتوح للتهديف، ولا قوانين باتت تحكم هذه اللعبة الغريبة تحوَّل تصويب الكرات إلى صدور الجمهور ورؤوسهم ولم يسلم من أذاها إلا من كتب الله له عمراً مديداً. في حين من سلم بجلده أصبح يلعن الساعة التي منَّى بها النفس برفاهية التمتع بمشاهدة ماتاقت له النفس طويلاً وما افتقدته الروح من تنعم بروحية التنافس الشريف في واقع تحكمه القوانين والنظم المحترمة من الجميع.
ولعل الأكثر غرابة أن منظمي هذه المباراة والمروجين والداعمين والممولين لها والحاكمين بأمرها لم يروا في كل ذلك خروجاً عن المألوف. واعتبروا أن التلويح بالكارت الأصفر وحده كافٍ لإبقاء مجريات المباراة في حدودها المعقولة وفق منظورهم. هذا الكارت الذي لم يعقبه أبداً الكارت الأحمر رغم تكرار المخالفات من معظم اللاعبين، مما حول ساحة الملعب إلى فوضى عارمة وتحولت المباراة التي كان الهدف منها تقديم عرض حضاري يليق بسكان الكرة الأرضية في القرن الحادي والعشرين من عمر المدنية والتحضر، تحولت تلك المباراة إلى استعراض روماني لصراع الأسود مع المغلوب على أمرهم من العبيد والرعايا المسكونين بهاجس الحرية ولوثة الكرامة المغيبة.
وتستمر المباراة إلى اللامعلوم من الزمن في أجواء يتزايد فيها اللاعبون بينما جمهور المشاهدين من طيبي النوايا يتناقصون باستمرار. أما الطواقم الفنية ممن يمسكون بخيوط اللعبة فما زالوا يستمتعون بمرأى الأسود المفترسة وهي تنهش بوحشية ونهم أشلاء رعايا لم يريدوا لهم قط أن يكونوا مثلهم أولاد آدم وحواء.