استقالة الخطيب تحرج القمة
عبد الباري عطوان
مقعد سورية سيكون الحدث الأبرز في القمة العربية التي ستبدأ اعمالها غدا في الدوحة، اما باقي المداولات والقرارات فهي عمل روتيني تقليدي ممل لا يحمل اي جديد، فالبيانات نفسها، والمؤتمر الصحافي نفسه، والاسئلة نفسها، بل وسائلوها انفسهم.
نشرح اكثر ونقول، ان ما يميز هذه القمة عن جميع القمم واجتماعات وزراء الخارجية العرب السابقة، محاولة تسجيل سابقة جديدة في العمل العربي المشترك، اي تسليم مقعد دولة الى حركة معارضة لحكومتها، والمقصود هنا المعارضة السورية.
عدسات التلفزة يوم الافتتاح ستركز على هذا المقعد، ونوع العلم المرفوع عليه، سواء كان خاليا مثلما حدث في اجتماعات مجلس الجامعة السابقة، طوال العام ونصف العام الماضيين، او متربعا عليه ممثل المعارضة السورية، والائتلاف الوطني خصوصا، بعد الاعتراف به كممثل شرعي ‘وحيد’ للشعب السوري اثناء لقاء مؤتمر اصدقاء سورية في مراكش العام الماضي.
وزراء الخارجية العرب فشلوا في التوصل الى اتفاق بشأن مسألة التمثيل هذه بسبب معارضة الجزائر والعراق وتحفظ لبنان، وصمت دول عربية اخرى، الأمر الذي جعل العلم السوري الرسمي بألوانه الاحمر والاسود والابيض، ونسره الذي يتوسطه، مرفوعا امام المقعد الخالي حتى يوم امس.
الشيخ احمد معاذ الخطيب افسد العرس العربي عندما فجّر قنبلة استقالته من رئاسة الائتلاف الوطني، قبل انعقاد القمة بثمان واربعين ساعة، لتبدأ حملة ضغوط مكثفة من قطر الدولة المضيفة لإقناعه بالعدول عنها وانقاذ القمة بالتالي، ولم يطرأ اي تغيير حتى كتابة هذه السطور.
الشيخ الخطيب تأخر في تقديم استقالته التي كانت مقررة قبل بضعة اسابيع، وبالتحديد منذ ان تعرض لحفلة شتائم وسباب وتخوين غير لائقة، كرد فعل على مبادرته التي عرض فيها الحوار مع نظام الرئيس بشار الاسد لحقن الدماء والافراج عن 160 الف معتقل، وتسهيل تمديد جوازات السفر لعشرات الآلاف من السوريين الذين يعيشون في الشتات.
‘ ‘ ‘
من الواضح ان الشيخ الخطيب الطارئ جدا على عالم السياسة ودهاليزه المليئة بالمناورات والأكاذيب واللعب على الحبال، لم يدرك حجم المأزق الذي وقع فيه عندما قبل باختياره رئيسا للائتلاف، فهناك فرق كبير بين الخطابة في الجامع الاموي، والتعاطي مع حيتان القوى المتصارعة على الكعكة السورية، العربية منها والاجنبية. فقد بدا مرتبكا عندما تعرض لهجمة تخوين شرسة، ولجأ الى ‘الفيس بوك’ للشكوى وبثّ الهموم، والتعبير عن يأسه واحباطه، واخترق اكثر من خط احمر عندما التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، ونظيره الايراني علي اكبر صالحي على هامش مؤتمر امني في ميونيخ.
تسرّع الشيخ الخطيب في نظر حلفائه وداعمي ائتلافه عندما رفض قرارا امريكيا بوضع جبهة النصرة على قائمة الارهاب، والمرة الثانية عندما رفض المشاركة في الاجتماع الاخير لأصدقاء الشعب السوري في باريس ‘حردا’. هاتان الخطيئتان دفعتا الجهات الداعمة للمعارضة السورية، والعربية منها على وجه الخصوص، الى السعي لإيجاد البديل ‘المطيع’ المناسب، وكان اجتماع الائتلاف السوري في اسطنبول يوم الاثنين الماضي (مشاركة 66 عضوا) وانتخابه السيد غسان هيتو رئيسا للوزراء (حصل على 35 صوتا) هو الشعرة التي قصمت ظهر البعير.
تقارير وتسريبات اعلامية اكدت اكثر من مرة ان السيد هيتو سيحتل مقعد سورية في مؤتمر القمة باعتباره رئيس الحكومة (دون وزراء) وليس الشيخ الخطيب، الأمر الذي اثار حساسية الاخير، وادراكه بان ايامه،وليس الاسد، باتت معدودة، ففاض كيله وفجر قنبلة الاستقالة في توقيت محسوب بعناية، وكأنه اراد ان يثأر لنفسه وكرامته التي اعتقد انها هدرت.
الشيخ الخطيب وقف ضد تشكيل حكومة مؤقتة، وكان يتطلع الى حكومة وحدة وطنية انتقالية تضم المعارضة وشخصيات من النظام الحاكم، ولكن معارضيه ارادوا حكومة تحلّ اشكالا دستوريا يسمح بتولي الائتلاف مقعد سورية في القمة، ويتماشى مع الاعلان التأسيسي للجامعة العربية.
موقفان عزّزا موقف الشيخ الخطيب، الاول رفض الجيش السوري الحرّ الاعتراف بالسيد هيتو وحكومته لغياب التوافق حوله، والثاني تجميد اكثر من 15 شخصية سورية بارزة لعضويتها في الائتلاف لعدم رضائها على الطريقة التي جرت فيها عملية انتخاب السيد هيتو المقرّب من حركة الإخوان المسلمين.
النقطة اللافتة للنظر في بيان الشيخ الخطيب، ولا يمكن للمراقب تجاهلها او القفز فوقها، تلك التي تقول ‘كثيرون هم من قدموا يد عون انسانية صرفة ونشكرهم جميعا، الا ان هناك امرا واقعا مرا وهو ترويض الشعب السوري، وحصار ثورته، ومحاولة السيطرة عليها’. وتابع ‘من هو مستعد للطاعة سوف يدعمونه، ومن يرفض فله التجويع والحصار، ونحن لن نتسول رضا احد’، مضيفا: ‘وان كان هناك قرار بإعدامنا كسوريين فلنمت كما نريد نحن، فباب الحرية فتح ولن يغلق’، مشددا ‘ان رسالتنا الى الجميع ان القرار السوري سوف يتخذه السوريون، والسوريون وحدهم’.
‘ ‘ ‘
هذا الكلام يبدو موجها الى دول عربية، ووجد صدى لدى الادارة الامريكية، ووزير خارجيتها جون كيري على وجه الخصوص، الذي علق بقوله ‘ان استقالة الخطيب لم تكن مفاجئة وانا (اي كيري) معجب به، واقدّر قيادته’.
هذا الكلام لكيري يبدو على درجة كبيرة من الاهمية اذا تذكرنا تصريحه الشهير الذي اطلقه قبل عشرة ايام، ووقع وقع الصاعقة على الكثيرين في المنطقة، وقال فيه ان على الرئيس بشار الاسد وممثلي المعارضة الجلوس سويا الى طاولة الحوار للبحث عن حلول سياسية تقوم على اساس تشكيل حكومة انتقالية بصلاحيات كاملة وفقا لبروتوكول اتفاق جنيف.
الوزير الامريكي بهذا التصريح الصريح يعترف بشرعية الرئيس الاسد ونظامه، في وقت تصرّ الجامعة العربية ومؤتمر قمتها على نزعها. والسؤال الذي يطرح نفسه عما اذا كان الشيخ الخطيب ينسق مع الامريكان، ام ينطلق من قناعات شخصية، ام ان التفكيرين التقيا على ارضية مشتركة، اي الحوار مع النظام ورئيسه باعتباره الخيار الافضل لحقن الدماء؟
لا نستطيع تقديم اجابة جازمة، لكن اول تصريح ادلى به السيد هيتو فور انتخابه رئيسا للحكومة واكد فيه على رفض الحوار كليا تحت اي ظرف من الظروف مع النظام السوري، قد يفيد في تحديد الاجابة الاقرب الى الصحة، خاصة انه كان المفضل لتولي مقعد الاسد في القمة العربية.
استقالة الشيخ الخطيب، وبالنظر الى تداعياتها والنتائج المترتبة عليها، تمثل زلزالا هزّ المعارضة السورية، واحدث شرخا كبيرا يضاف الى شروخ اخرى، في وقت حرج للغاية يتطلب توحدها تحت راية جامعة.
بعد 24 ساعة سنرى لمن سيؤول مقعد سورية الشاغر، وسنتعرف على لون العلم الذي سيوضع امامه، لكن التطور الاخطر في رأينا هو ما سيحدث بعد انتهاء القمة، سواء على صعيد المعارك في سورية، او المعارك داخل صفوف المعارضة، في الخارج على الاقل، للفوز بمقعد آخر مختلف، اي مقعد قيادتها.
القدس العربي