استقرار إسرائيل يرتبط باستقرار سورية ‘الممانعة’
د. أميمة أحمد
صرح العقيد القذافي أمين القومية العربية، في بداية الثورة الليبية (بأن أمن إسرائيل مرتبط بأمن ليبيا) قلنا من فانتازيا العقيد، فله خرجات خارج المألوف، بل استقبلها الكثيرون باستخفاف وبكثير من الاستهزاء، لأن ليبيا ليست حدودية مع فلسطين المحتلة، هذا فضلا عن ان ما فعله العقيد القذافي بالفلسطينيين عجزت عنه إسرائيل، بطرده 35 ألف فلسطيني أعقاب اتفاقية أوسلو، وقال ‘يروحو عبلادهم صارت لهم دولة’. وبقي الفلسطينيون المطرودون مع عائلاتهم عالقين على الحدود الليبية ـ المصرية شهورا عديدة في أبشع الظروف الإنسانية. لذا لم نستغرب تصريح العقيد بحرصه على أمن واستقرار إسرائيل، لكن الكثيرين استغربوا أن يصدر نفس التصريح من النظام السوري؟ ‘سورية الممانعة، المقاومة، المواجهة’ الشعارات التي ملأت سماءات المؤتمرات العربية والإقليمية والدولية.
قال المليادير رامي مخلوف (41 سنة) في مقابلة مع صحيفة ‘نيويورك تايمز’ إذا لم يكن هناك استقرار هنا في سورية فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. ولا توجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام’.
فنرى أن النظامين الليبي والسوري أرادا توجيه رسالة سياسية للغرب، التخويف من الإمارة الإسلامية، فلم تنفع أمام شرعية المطالب الشعبية بالحرية، فأطلقوا رسالة حرصهم على أمن إسرائيل، وهو هدف إستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموما .
والآن نتجاوز العقيد القذافي، أمين القومية العربية، ونتحدث عن سورية ‘الممانعة، دولة المواجهة، والمقاومة’ التي تربط استقرار العدو الإسرائيلي باستقرارها، ومفترض أن تعمل على عدم استقرار إسرائيل طالما لازالت تحتل الجولان منذ 1976. فالأمر ليس مدهشا لمن يتتبع مسيرة النظام السوري منذ استيلائه على السلطة بانقلاب أبيض في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 وحتى اليوم، نجد تصريحات مخلوف تتوافق مع مهمة النظام السوري التي جاء لأجلها، وهي إجهاض المشروع الوطني في المنطقة، حيث قامت حرب تشرين 1973 بمباركة عربية أمريكية إسرائيلية لفتح طريق التسوية السياسية للصراع العربي الإسرائيلي، من نتائج تلك الحرب ‘المظفرة’ اتفاقيات ‘السلام’ الفردية مع إسرائيل، بدأت باتفاقية كامب ديفيد مع مصر السادات، واتفاقية وادي عربة مع الأردن، واتفاقيات أوسلو مع الفلسطينيين، التي لازالت حبرا على ورق، بينما سورية بقيت ‘ممانعة’، ولهذه الممانعة هدف إضعاف الحركة الوطنية في لبنان وسورية وفلسطين بما يحقق أمن إسرائيل. وعليه دخل الجيش السوري لبنان في كانون الثاني (يناير) عام 1976، تحت مظلة جامعة الدول العربية لانهاء الحرب الأهلية التي كانت مستعرة بين الأخوة الفرقاء، فرحبت بدخوله أحزاب اليمين اللبناني المسيحيين والمسلمين، ورفضت تدخله الفصائل الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، وهي لفيف من الأحزاب اليسارية والقومية .
وبدلا من لغة الحوار بين الفرقاء، تقوده سورية كأخت كبرى دخلت للصلح، راحت باصطفافات مع هذا الفريق ضد الفريق الآخر مستخدمة لغة السلاح، ولازالت في الذاكرة مجازر تل الزعتر، وبرج البراجنة وغيرهما نفذها الجيش السوري بغطاء لبناني، والنتيجة خرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان عام 1982 إلى شتات جديد، وبعد عشر سنوات من الاقتتال الأهلي بين اللبنانيين جاء اتفاق الطائف 1992 ‘ليقنن الطائفية بعدما كانت عرفا’، حسب تصريح وليد جنبلاط ، وبموجب اتفاق الطائف كان على القوات السورية الخروج من لبنان، لكنها بقيت حتى عام 2005، لتخرج بعد اغتيال رئيس الوزراء رفيق الحريري، وبقي الوجود السوري عبر أتباعه في لبنان (حزب الله وحركة أمل، ومؤخرا ميشيل عون) ودورهم غير خاف في ضرب الوفاق الوطني اللبناني، بانقسام الساحة اللبنانية إلى ‘فسطاطين’ المعارضة فريق 8 آذار أتباع النظام السوري وإيران، والموالاة فريق 14 آذار أتباع الغرب والولايات المتحدة الأمريكية، وأصبح الصراع بين الفريقين، قد وصل لكسر العظم عندما ‘احتلت’ قوات حزب الله بيروت في ايار (مايو) 2008، وايلول (سبتمبر) 2010، والمراقب كان يرى الفريقين يخوضان معارك سياسية وعسكرية بالنيابة طرفاها: إيران والولايات المتحدة الأمريكية بسبب الملف النووي الإيراني.
وفي الساحة الفلسطينية كان النظام السوري راعيا جيدا للشقاقات الفلسطينية، فرحل الشهيد أبو عمار وقلبه محروق على زيارة مخيمات الفلسطينيين في سورية، حيث استضاف النظام الفصائل الفلسطينية المناوئة للرئيس عرفات والمنشقة عن الفصائل في منظمة التحرير، كما تدخل بالشأن الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة، فتبنى موقف حماس والجهاد (الإسلاميتين) وهو الذي سن قانون (49) يجيز الحكم بالإعدام لكل من يثبت انتماؤه للاخوان المسلمين في سورية. مساندة حماس والجهاد كانت لمواجهة الرئيس محمود عباس (أبو مازن) الذي ساندته مصر حسني مبارك، وبقي الفريقان خصمين لدودين، وأذكر لقائي الصحافي مع ممثلين عن فتح وحماس على هامش المؤتمر الدولي للأسرى بالجزائر العام الماضي، اندهشت لحجم الخصومة بينهما، فلم أنشر المقابلتين احتياطا لصلح محتمل في رحم المستقبل، وتحققت المصالحة في بداية مايو الجاري، أغضبت إسرائيل، وبنفس الوقت أسقطت توظيف الورقة الفلسطينية من يد النظام السوري، الذي استقبل الاتفاق بفتور شديد لفت أنظار الكثيرين ممن دافعوا عن سورية ‘الممانعة’ التي ينبغي عليها الترحيب بالوحدة الفلسطينية، واكتشفنا أنها حريصة على استقرار إسرائيل وتربطه باستقرارها.
يبرر النظام السوري قمع انتفاضة السوريين على عبوديتهم لأربعة عقود بالحرب على ‘السلفية’، وإعلامه وأبواقه من الإعلاميين والفنانين والمثقفين ـ للأسف الشديد ـ الذين تشدقوا طويلا بالحرية، لا يدخرون الآن جهدا في ترويج دعاية النظام ‘المؤامرة الخارجية والامارة الإسلامية’، ويصرخون بالويل والثبور وعظائم الأمور إذا سقط النظام السوري، فسيحكم السلفيون سورية، وأنا واثقة من أنهم غير مقتنعين بما يقولون، لأني في ما مضى أجريت مقابلات صحافية مع عدد منهم، كان كلامهم غير ما يقولونه الآن، هل هو الخوف؟ في لحظة الاختيار ما من حياد إما مع قناعتك وإلا بعت نفسك .
حمدا لله أن وسائل الاتصال الجديدة، الفيس بوك وتويتر ويوتيوب، جعلت ‘المواطن صحافيا’، ونقلت الجزء اليسير مما حدث ويحدث من مجازر في سورية منذ منتصف اذار (مارس) الماضي، والنظام لازال مُصرا على ‘تيس حلبوه’، مندسون، مؤامرة خارجية لضرب موقف سورية الوطني، الممانعة، المقاومة، خاصة إذا تولى الدفاع منافقو النظام في لبنان .
أبعد هذا يا من ملأتم العــالم ضجيجا ‘ممانعة، مقاومة، مواجهة’ هل يصدقكم أحد بعد تصريح رامي مخلوف.
‘ اعلامية سورية مقيمة في الجزائر
القدس العربي