اقتحام السفارات العربية في دمشق
رأي القدس
ان تغضب السلطات السورية من الجامعة العربية وبعض الدول التي وقفت خلف قرار تجميد عضوية دمشق فيها، فهذا امر مفهوم، ولكن ان تتم ترجمة هذا الغضب بطرق غير حضارية، مثل مهاجمة سفارات هذه الدول، والخليجية منها على وجه التحديد، فهذا امر غير مبرر علاوة على كونه غير مقبول.
السيد وليد المعلم وزير خارجية سورية اعتذر في المؤتمر الصحافي الذي عقده قبل ثلاثة ايام من الدول التي تعرضت سفاراتها للهجوم في دمشق، وأعرب عن رفضه لمثل هذه الاساليب، وهذا سلوك حضاري في حد ذاته، لان الاعتراف بالخطأ فضيلة، ولكن من الواضح ان السيد المعلم في واد والسلطات الامنية في بلاده في واد آخر، فبعد يومين من هذا الاعتذار استمرت الهجمات على السفارات العربية والأجنبية، وبالأمس هاجم محتجون سفارات ست دول، من بينها سفارات المغرب ودولة الامارات العربية المتحدة والأردن.
حماية السفارات والدبلوماسيين العاملين فيها مسؤولية السلطات في الدول التي تتواجد فيها، تنفيذا لبنود المعاهدة الدولية التي تنظم هذه المسألة وتضع المعايير القانونية المتعلقة بالتعاطي مع هذه المسألة.
لا يمكن ان نصدق ان عمليات الهجوم هذه تتم بطريقة عفوية من قبل المؤيدين للنظام السوري والغاضبين من تصرفات حكومات عربية تعمل على عزل بلادهم، وتخطط لاطاحة النظام الحاكم فيها، فلا يمكن ان يجرؤ أحد على التعدي على أي سفارة عربية او اجنبية دون الحصول على ضوء أخضر من قبل الجهات المعنية والأمنية منها على وجه الخصوص.
تستطيع السلطات السورية ان تتصرف بطريقة مختلفة تعكس من خلالها غضبها من الدول التي تحرض ضدها، وتشن حملات لعزلها عربيا ودوليا، مثلما شاهدنا قبل ايام عندما وقفت دول خليجية خلف قرار تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية، قبل ان تقطع العلاقات مع هذه الدول وتطالب العاملين في سفاراتها بالمغادرة، وهذا حق مشروع في العرف الدبلوماسي، لكن مهاجمة السفارات، وحرق الاعلام المرفوعة على مبانيها فهذا امر يتنافى مع الاعراف الدبلوماسية، ويزيد من عزلة سورية اكثر فاكثر.
نعم هناك مرارة في حلق المسؤولين السوريين بسبب الخذلان الذي يتعرضون له، ويواجهونه من قبل حكومات عربية كانوا يعتبرونها صديقة صوتت الى صالح تجميد عضوية بلادهم في الجامعة، مثلما ندرك في الوقت نفسه ان هؤلاء المسؤولين يرون في مثل هذا الموقف من جامعة عربية كانت بلادهم من المؤسسين لها اهانة لا يستطيعون بلعها، ولكن ما لا نقره هو كيفية التعبير عن هذه المرارة، بحيث تأتي النتائج عزلة اكبر لسورية، وتقديم الاعذار والمبررات لهؤلاء الذين يقفون خلف عمليات العزل هذه.
المسؤولون السوريون يجب ان لا يلوموا الدول العربية، المتآمرة او الصديقة حسب تعريفهم، بل عليهم ان يلوموا انفسهم لانهم اخطأوا في قراءة ما يجري حولهم وفي بلادهم قراءة صحيحة، وتمسكوا بالعناد والحلول الامنية التي ثبت عدم نجاحها، علاوة على كونها وظفت في غير صالحهم، ولانهم ايضا اداروا الازمة بطريقة فيها الكثير من الاستهتار بالمنتفضين من ابناء الشعب المطالبين بالعدالة والديمقراطية والكرامة.
مهاجمة السفارات لن تردع دولها وحكوماتها وتدفعها للتراجع عن مواقفها المعارضة للنظام السوري والمطالبة باسقاطه، بل قد تدفعها للمزيد من التعنت وتصعيد العداء للنظام السوري، ونعتقد ان السيد المعلم كان مدركا لهذه المسألة جيدا وعبر عن ذلك بالاعتذار عن مثل هذه التصرفات غير الدبلوماسية، وهو الرجل الخبير، بل الاكثر خبرة في هذا المضمار.
مشكلة النظام السوري ليست مع السفارات العربية والاجنبية وانما مع الشعب السوري، او قطاع عريض منه يطالب بحقوق مشروعة في التغيير الديمقراطي، واسترداد كرامته الشخصية والوطنية المفقودة على مدى اربعة عقود على الاقل من الديكتاتورية والقمع وانتهاك حقوق الانسان. وربما يفيد التذكير بان السفارات التي تتعرض للهجوم كانت حتى اقل من عام تمثل دولا كانت تعتبر حليفة وصديقة، تفرش دمشق لحكامها السجاد الاحمر تأكيدا على هذه الصداقة وهذا التحالف، وهذا يعني ان تقييم النظام لهذه الدول ومواقفها لم يكن دقيقا، وهذا ما يفسر صدمته من مواقفها الرامية الى عزلته الدولية قبل العربية، وربما المشاركة في اي تدخل عسكري لتغييره.
القدس العربي