“الأجدب” مقاوماً “دواعش” الأسد/ روجيه عوطة
يركز قائد المجموعة “الداعشية” الكاميرا أمامه، يقف متوسطاً مجموعته، وحاملاً ورقة طويلة، عليها كتب رسالة من زعيم التنظيم أبو بكر البغدادي إلى الشعبين السوري والعراقي. في حين يظهر خلفه علم أسود، مرسوم عليه شعار “خطر الموت”، وسخان مياه، معلق في زاوية الغرفة، ومماثل، بشكله، للبرميل، الذي ترميه الطائرات البعثية يومياً على المناطق في سوريا.
يبدأ التسجيل الفيديوي (إنتاج فرقة سالابينا)، بمعايدة، مناسبتها حلول شهر رمضان، قبل أن يحيي قارئ البيان، وعلى طريقته “الجهادية”، عدداً من الجهات، وفي مقدمتها “المؤمنات”، مهدياً إياهن، بدل الفتوى، أغنية شعبية، تطلب منهن إخفاء صدورهن البارزة. بعد ذلك، يوجه البغدادي، على لسان الناطق، تحذير إلى “الجيش الحر”، مفاده أغنية “كل مرة بتحط الحق عليي، وإنت بتكوني غلطانة”، التي يؤديها “المتطرفون”، ويرقصون على لحنها.
ذاك، أن الفرقة الممثلة تسخر من “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وتتهكم على سلوكها، بدون أن تنسى إدانتها، أو تغض النظر عن علاقتها بالسابق على حضورها، مستخدمةً الأغنيات، كنوع من أنواع الفتاوى، التي تطلقها بعد تحديد كل طرف مستهدف في كلمة البغدادي. مع الإشارة إلى أن الفيديو يقلب دور “الدولة”، أو بالأحرى يكشف واقعه، بحيث تبدو “داعش” قريبة من النظام، ومعادية للسوريين، وثورتهم. فتهنئ “القائد المؤمن” بشار الأسد بفوزه في “الإنتخابات الديمقراطية”، مستعينة ً بأغنية “أخصمك آه” لنانسي عجرم. كما أنها تظهر على عنف اعتباطي، تستعرضه بقطع رأس “مواطن”، تصفه بـ”الأجدب”، جريمته “ما عمل شي”، لكن، سبب عدمه هو “درء الفتنة”!
مع ذبح “الأجدب”، يعزي البغدادي “الوطن” إثر الذكرى الرابعة عشر لوفاة حافظ الأسد، فسرعان ما تنتفض جثة المعدوم، وتبدأ بالبكاء مثل باقي الجهاديين المحيطين بها. فمقطوع الرأس لم يمت، ولم يبق على قيد الحياة، بل بات مجرد دميةً، تحركها يد “الأسد” بخيطان “الأبد”. هذا، ويتخلل بكاء “الداعشيين” القليل من الضحك، يطلقه واحد منهم، هو، بحسب الناطق، امرأة، يأمرها بالتوقف عن فعلها الصوتي، قبل، أن يقول له شريكه: “فلأنكحها يا مولاي”، كعلامة على “جهاد النكاح”، التي روِّج لانتشارها إعلامياً. أما الفتوى-الأغنية، التي تؤديها “الدولة” كهدية للـ”قائد الخالد”، فقد تغيرت فيها “الطلائع” إلى “دواعش” “يا حبنا نعم، يا رمزنا نعم…يا راعي الدواعش يا حافظ الأسد”.
على هذا الأسلوب التهكمي، يتواصل الفيديو، مظهراً رسالة البغدادي بالجمع بين ولاء “داعش” للنظام من جهة، وإعاقتها تحرر السوريين من جهة أخرى. إذ، تبعث بتحية غنائية للإعلام البعثي “الشفاف”، قناة “الدنيا” وأخواتها، وإلى مستشارة بشار الأسد لونا الشبل، التي تؤدي لها المجموعة أغنية “إنت منك عادية، متل الطلقة الروسية، إذا ما قتلتي، بتشلي”. ذلك، قبل أن تنتهي الرسالة بسلام إلى ثورة الشعبين السوري والعراقي، أي بأغنية “لقعد لج علدرب قعود، حلوة يما عيون السود”، التي تشارك جثة “المواطن الأجدب” في الرقص على ألحانها، معبّرة، مع “الداعشيين”، عن فرحها بالتمدد الجهادي بين سوريا والعراق.
والحق أن هذه الجثة، قبل وبعد قتلها، لا تتوقف عن الحركة. في فعلها هذا اختراق لقانون التمثيل، أو شقلبة ساخرة له، خصوصاً أن الممثلين الآخرين يمثلون بعفوية، وبأخطائهم، كأنهم لا يمثلون البتة. فالضحك طافح حتى في لحظة البكاء، والأداء كاريكاتوري للغاية، لأنه ينطوي على لعب واستهزاء كثيرين، تدل عليهما الأسلحة البلاستيكية، وصعوبة الفصل بين الفرح والحزن. ما يؤدي إلى هز “الدولة”، ومعها النظام الأسدي، كما تخلخل المشهد نفسه، لتقدمه بوضوح لامسرحي.
فالممثلون يؤدون أدوار “داعش” الواقعية، بالتالي، يبيِّنوها على ما هي عليه، وبلا أي تكلف. هم، على العكس، يحذون التلقائية كسبيل إلى محو المسافة الفاصلة بين التمثيل والواقع، بين المسرحة والعيش، مرتكزين، بذلك، على استبدال الغناء بالإفتاء، والرسالة المحفوظة بورقة طويلة، والبرميل بسخان مياه، مثلما استبدلوا الغضب “الداعشي” بالهزل، الذي أسكنوا العنف به، فأصبح غير مبرر.
في الخلاصة، تظهر سخرية الفيديو كأنها لا تؤجل نتيجتها، بل تؤلفها في حين ممارستها. فعلى سبيل المثال، الجثة، التي رقصت بعد موتها، تشير، من ناحية، إلى أنها لم تمت ولم تبق حية، لأنها باتت مؤبدة على إثر ذكر حافظ الأسد، لكنها، وفي الوقت ذاته، تبدو كأنها تقاوم العنف، وتطيح به، لا سيما في المشهد الأخير، حيث تكون السباقة إلى الرقص. لذا، ليست السخرية في فيديو “من داعش مع الحب”، مضاعفة، بل أنها منطوية على الفعل ونتيجته، على تلحين الفتاوى وغنائها، على قتل الجثة وإحيائها، على التمثيل “الأجدب” “للدولة” والضحك منه.
المدن