الأسد.. استجداء وانفصال عن الواقع
طارق الحميد
لا يمكن وصف خطاب بشار الأسد، الذي استغرق قرابة الساعة وأربعين دقيقة، وتجاوز 11 ألف كلمة، إلا أنه خطاب استجداء، ودليل انفصال عن الواقع، فقراءة الخطاب، وليس الاستماع إليه أو مشاهدته، تشعرك بأنك أمام رجل يعيش في عالمه الخاص، مثله مثل القذافي، وتحديدا يوم كان يخاطب أشهر عوائل ليبيا بالأسماء!
أراد الأسد أن يقول للسوريين إن هناك مؤامرة خارجية، وإنه موجود ولم يغب، حيث إن خطابه الرابع جاء بعد طول صمت، حيث يقول «أعلم أنني غبت فترة طويلة»! ثم شرع يشرح ويبرر، وينفي، فحوى حديثه مع القناة الأميركية، يوم قال إن القوات الأمنية ليست قواته، وإن من يقتل شعبه يعتبر مجنونا، وأفرط وأسهب بذلك، إلا أن اللافت أنه عاد ليكرر نفس الكلام الذي نفاه وهو أنه لم تكن هناك أوامر بالقتل! وهذا يعني أن تداعيات ذلك الحوار ما زالت متفاعلة، وتسبب له إحراجا داخل الدوائر النافذة بالنظام، خصوصا أن الأسد كان يستجدي التعاطف الشعبي للأمن، مذكّرا السوريين بأن الجنود لم يروا عوائلهم منذ شهور. ولم يكن ذلك دليل الاستجداء فقط، فحتى ما رآه البعض بأنه تهجم غير مسبوق على الجامعة العربية، والعرب، فإنه أمر غير دقيق. فهناك سوابق لهجوم النظام الأسدي تفوق ما قاله الأسد، سواء على لسانه هو سابقا، أو من خلال سفيره لدى الجامعة، لكن حديثه بالأمس كان محاولة لتبرير موقفه، ولماذا أدانه العرب، فقد كان يستجدي السوريين لأنه يعرف خطورة أن يكون منبوذا من العرب، والمجتمع الدولي، مما يرفع عنه الشرعية، ويجعله عرضة لانقلاب داخلي، ربما لن يتأخر كثيرا، وقد أفاض بذلك خصوصا عندما ادعى أن العرب يتعاملون بلطف مع إسرائيل، بينما هناك حسم وتشدد مع سوريا!
وهذا أيضا يؤكد أن خطابه هو خطاب رجل منفصل عن الواقع، فهو يريد العرب أن يصمتوا عن جرائم نظامه، مثل جريمة قتل الطفلة التي لم يتجاوز عمرها خمسة أشهر، فقط لأن القاتل سوري، وليس إسرائيليا، وهذه سذاجة عمرها هو عمر النظام الأسدي في سوريا، وآن الأوان لأن تنتهي. وهذا ليس كل شيء، فدليل الانفصال عن الواقع اتضح أيضا وهو ينتقد ما حدث بحق صدام والقذافي، وهذا نفس ما فعله القذافي قبل سقوطه يوم دافع عن مبارك وبن علي!
وعليه، فإن خطاب الأسد وحديثه عن العرب، والعرب المستعربة، وغيرها، لم يكن سوى استجداء، وانفصال عن الواقع، مثلما أنه نسخة مطورة عن خطاب القذافي الشهير، دار دار وزنقة زنقة، لكنها نسخة شبيهة بخطاب سيف الإسلام القذافي يوم قال انسوا الماء والكهرباء وانسوا البترول، خصوصا عندما أسهب الأسد في الحديث عن الزيت والزيتون.
الحقيقة أن أبرز ملهم للثورة السورية طوال 10 أشهر هو الأسد نفسه، حيث استطاع بأخطائه الفادحة أن يساعد الثورة على أن تحافظ على زخمها الداخلي، مثلما أجبر العرب والمجتمع الدولي على ضرورة الوقوف ضده، وهذا ما كرسه بالأمس بكل اقتدار.