الأسد خارج مستقبل سوريا
أسعد حيدر
الرئيس الأميركي باراك اوباما، لا يريد “أن يحرق اصابعه بالكستناء السورية”، لكنه أيضاً لن يتركها تحترق وتتفحّم، لذلك يشجّع كل مَن يريد أن يمد يده، وهو مستعد للمساندة والدعم. في النهاية “الغيمة السورية ستمطر عنده”، مهما أخذتها الرياح في الاتجاهات الأربعة. هذا الموقف جزء من النهج الأوبامي في مواجهة الأزمات المشتعلة خصوصاً في الشرق الأوسط، لأنّ لا أزمة تتقدّم على الأزمة الاقتصادية الداخلية والعمل على حلّها. أي مشكلة يرفع منسوبها الأزمة الاقتصادية الداخلية يتم استبعادها عن التدخّل المباشر. ما يساهم في دعم هذا النهج، أنّ أوباما مقتنع بأنّه يجب ترك “الربيع العربي” يفعل فعله ويصوغ التركيبة الجديدة للعالم العربي طالما أنّه يمكن التدخّل لضبط إيقاعاته عندما يلزم الأمر. في الأمم المتحدة، وقف ضدّ “دولة فلسطين” لكنه لم يجيّش الديبلوماسية الأميركية ضدّها. فرنسا تحوّلت إلى رأس حربة، وهو تركها تقوم بالدور. بالنهاية الجميع خرج رابحاً. أوباما أرضى الإسرائيليين والفلسطينيين وحلفاءه.
الرئيس أوباما الثاني، لن يكون رئيساً ينأى بنفسه عن مشاكل وقضايا العالم. منطقة الشرق الأوسط مركز لا يمكن له أو لغيره تركه. للولايات المتحدة الأميركية مصالح استراتيجية أساسية غير قابلة للإهمال فكيف للتضحية بها. حيث يمكن ترتيب الوضع بالحوار والمفاوضات والضغوط أمر جيد، لأنّه في النهاية ينتج مزيداً من الربح من دون كلفة.
أمام أوباما الثاني ملفان شائكان ومشتعلان هما: إيران وسوريا. حل أحدهما يفتح الطريق أمام حل الآخر. سقوط الأسد، يضعف إيران ويخفف من منسوب استقوائها. أي اتفاق مع إيران سيكون مستقبل سوريا جزءاً منه. في أساس الموقف الأميركي “لا مكان للأسد في سوريا”. لكن حتى الآن لم يحدّد كيفية الحسم ومستقبل الأسد. حتى الآن، واشنطن ومعها العواصم الأوروبية أطلقت ستارة من الدخان لإخفاء نأيها عن مذابح سوريا على يد النظام الأسدي. “القاعدة” و”السلفيين” و”الجهاديين” في صلب هذه الستارة. كل هذه العواصم تناست وأغفلت تعاونها المباشر مع زعماء “القاعدة” في ليبيا. آمر طرابلس، صالح بلحاج ورفيقان آخران له في قيادة الثوار من قادة “القاعدة” في المغرب العربي. عندما دعت الحاجة تخلّت واشنطن وباريس ولندن عن كل تحفّظاتها وتعاونت مع زعماء “القاعدة” لإسقاط معمر القذافي. في ليبيا النفط، وحدودها ليست مشتركة مع إسرائيل.
في سوريا التيار الظلامي لم يكن له سوى وجود رمزي. السوريون متدينون ولكنهم ليسوا إسلاميين. تدفّق عناصر هذا التيار جاء أولاً من العراق. قال العراقيون علناً: “إنّ بضاعة الأسد التي صدّرها لنا صدّرناها له”. كل يوم قتال جديد في سوريا يُستقدم ليبيون ومغاربة وصولاً إلى البوسنة. نضج في كل هذه العواصم الغربية الرأي القائل إنّ نمو التيار الظلامي هو بفعل نار الحرب الأسدية. عندما يترك الناس أمام “الشبّيحة” لا يبقى لهم سوى اللجوء إلى الله.
كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية السابقة التي صمتت دهراً، نطقت أخيراً بدعوة أوباما للتدخّل في سوريا. لم ولن يرسل أوباما جيوشه إلى سوريا، ولكنّه يترك للآخرين تحديد الطرق والوسائل لدعم الثورة من دون التدخّل المباشر. المهمّة الأولى حالياً هي توحيد القوى العسكرية تحت أي صيغة من الصيغ، لأنّ الحل السياسي لا مستقبل له. خطّة الاخضر الابراهيمي للحل ماتت قبل أن تُولد، إذا وُلدت.
دمشق تحت النار. الثوار وسّعوا حزامهم الريفي حولها، وصولاً إلى مشارف مطار دمشق الدولي. النظام الأسدي أحاط دمشق بحزام ناري من جميع أنواع الاسلحة، وقطّع قلبها بالحواجز العسكرية التي أرعبت أهل الشام. الأسد سيحرق الشام. هكذا سبق له وأن وعد تجّار دمشق عندما اجتمع بهم وقال لهم: “إنّ سوق الحميدية ليس أهم من أسواق حلب” التي أحرقها ودمّرها.
النظام الاسدي يشنّ هجوماً وقائياً على الثوّار الذين تجاوزوا طريق مطار دمشق. خوف النظام أن يضع الثوّار يدهم على طائرات صالحة ليستخدمها الطيّارون الذين انشقوا ضدّه فيسقط تفوقه الجوّي. بعد هذه المعركة معارك. بعد الاعتراف بالمعارضة وتسمية سفراء لها في باريس ولندن، أصبحت مساعدة الثوار شرعية أكثر، وسالكة على عدّة خطوط. ظهرت أسلحة مهمة، وستظهر أسلحة جديدة أكثر.
الرئيس باراك أوباما ترك لاصدقاء الشعب السوري حرّية العمل. عندما تنضج “الكستناء السورية” يتدخّل علناً. من شروط هذا النضج، مسارات مستقبل العلاقات الأميركية الروسية، والأميركية الإيرانية. يقع على الثوّار في سوريا واجب التقدّم بسرعة على الأرض. عندما تجري المفاوضات بين الكبار، من الطبيعي أخذ موازين القوى في الداخل في الاعتبار. تشترك المبادرات التي تتكاثر حالياً في نقطة أساسية، وهي أنّ لا مستقبل للأسد في سوريا سواء اليوم أو غداً أو حتى كما يريد الروس والايرانيون في العام 2014.
المستقبل