صبحي حديديصفحات سورية

السعودية: الانقلاب رأسا على عقب؟/ صبحي حديدي

 

 

حتى حين لا يكون المرء من هواة نظرية «انقلاب القصر»، التي يُزعم أنه وقع في السعودية بعد وفاة الملك عبد الله؛ فإنّ الإقالات والتعيينات الدراماتيكية التي سارع إليها الملك الجديد، سلمان بن عبد العزيز، على مستويات مختلفة من آلة الحكم والحكومة والإمارة، ترقى بالفعل إلى مستوى الانقلاب على كثير من ركائز العهد السابق. وإذا كانت الآثار الفورية جلية اليوم، من وحي المراسيم الملكية المعلَنة، فإنّ التبدّل في السياسات، الداخلية والعربية والإقليمية والدولية، قد لا يستغرق وقتاً طويلاً حتى يتضح.

وقبل عشر سنوات، في التمهيد لزيارة عبد الله (وكان يومئذ ولي العهد) إلى الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الابن، في مزرعته الخاصة في كراوفورد، ولاية تكساس؛ ذهب الحماس بوزيرة الخارجية، كوندوليزا رايس، إلى هذا التقريظ: «السعوديون يحاربون الإرهابيين ومموّليهم، ويحاولون دفع جهود السلام الإسرائيلي ـ الفلسطيني، ويتحركون لتوسيع حقوق التصويت وحقوق المرأة. هنالك صورة لا تفارق مخيلتي رأيتها خلال الانتخابات البلدية السعودية، حين اصطحب رجل ابنته إلى مركز الانتخاب وجعلها هي التي تسقط ورقة الاقتراع في الصندوق. هذا يدلنا على ما يتوقع لحياتها أن تصبح إذا استمرت الإصلاحات الديمقراطية»!.

فهل استمرت، حقاً، بافتراض أنها كانت «إصلاحات» في الأساس؟ المجلس الاستشاري بدأ تجميلياً، وهكذا ظلّ، بدليل دوره شبه الغائب أو المغيّب في المتغيرات الأخيرة. والمجالس البلدية ظلت، بدورها، بلا إرادة مستقلة، ليس لأنّ السلطات السعودية تعيّن نصفها فحسب؛ بل كذلك لأنها بلا صلاحيات فعلية وتنفيذية. وأمّا الإجراء الإصلاحي الأبسط، في ما يخصّ المرأة السعودية على الأقلّ، فقد كان يقتضي أن تتمتع تلك الفتاة الصغيرة، التي خلبت لبّ رايس، بالحقّ في القيام بنزهة في سيّارة تقودها والدتها. ومن جانبه، ما يزال المدوّن السعودي رائف بدوي ينتظر الدفعة الثانية من عقوبة الـ1000 جلدة، بسبب دعوته إلى إلغاء «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».

ومع ذلك فإنّ معضلة الملك الجديد ستبقى، على غرار معضلة سلفه الراحل، متمثلة أولاً في عجز آل سعود عن المصالحة بين مسألتين متفجرتين: مكافحة التيارات الإسلامية المتشددة، والحدّ من عملياتها العسكرية المتزايدة، من جهة؛ والحفاظ على استقرار النظام، وتماسك علاقته بالمؤسسة الدينية الوهابية، من جهة أخرى. يضاف إلى هذا أنّ شرعية آل سعود اهتزّت دينياً وسياسياً، وأخذ يزداد ضعفاً مبدأ الطاعة المبنيّة على النص الديني، بل لعلّ المبدأ ذاته تحوّل إلى شرعية مضادّة، إنشقاقية وجهادية، تدعو إلى الخروج على الحاكم؛ فبات النظام أوهى قدرة على إقناع الجمهور، وصارت تتلاشى تدريجياً صورة التلاحم الداخلي، العتيقة، التي حرص على ترسيخها في أذهان الناس.

وقبل هذا وذاك، انتهت «دولة الرفاه»، أو تكاد، وتضررت شرائح اجتماعية عريضة كانت تعتمد مباشرة، وحصرياً، على مداخيل ريعية مصدرها الوحيد هو الدولة؛ والأوضاع الاقتصادية تسير من سيء إلى أسوأ، وثمة مشكلات هيكلية جدّية لعلّ المملكة تجابهها للمرّة الأولى منذ تأسيسها سنة 1932. العمالة الأجنبية تبلغ 90٪، وأكثر من 100 ألف سعودي شابّ يدخلون سوق العمل سنوياً، ونحو 40 ألفاً فقط هم الذين يحصلون على وظيفة، بينهم 5٪ فقط من النساء. نسبة البطالة الرسمية هي 12٪، لكنّ التقديرات المحايدة تشير إلى أنها تتجاوز 30٪.

مَن يبحث عن انقلاب، والحال هذه؛ أو بالأحرى: هل ثمة، في طول المملكة وعرضها، مَن ينكر الحاجة إلى انقلاب، رأساً على عقب أيضاً؟

القدس العربي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى