الأسد وفزاعات مكررة
عقل العقل
صمت الرئيس السوري بشار الأسد شهوراً طويلة وآلة القتل والتنكيل مستمرة في ذبح المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والديموقراطية، وخرج الأسد قبل أيام في مقابلة مع صحيفة «الصندي تلغراف» البريطانية في أول مقابلة له مع صحيفة غربية منذ بداية الاحتجاجات قبل ثمانية أشهر.
كنت أعتقد أن الأسد سيميل إلى الواقعية في تشخيص ما يحدث في بلده، وأن يبدأ بتقديم تنازلات حقيقية، وألا يأخذ بلده إلى وجهة خطيرة لا أحد يعلم ما هي.
ولكن الأمل خاب بتكرار الأسد فزاعات يرسلها إلى الغرب مفادها أن أي تدخل عسكري ضد سورية سيخلق أفغانستان جديدة، بل إنه قال عشرات من أفغانستان، من العيب أن يقول رئيس البلاد مثل هذا الكلام ويؤمن بمثل هذه الاحتمالات وهو من يملك السلطة ومفاصل الدولة ويستطيع أن يخرج بلده إلى بر الأمان، يقول في هذه المقابلة إنه شرع لإصلاحات بعد أيام من بداية الحركة الاحتجاجية وإن أثر تلك الإصلاحات قد تحقق، وذلك من خلال ضعف رتم الحركة الاحتجاجية، أولاً نود أن نعرف ما هي تلك الإصلاحات التي يتحدث عنها، فتلك موجودة في مخيلته وأركان نظامه فقط، مثل هذه العزلة من قبل القيادة السورية عما يجري في المدن والبلدات السورية من حركة قوية مطالبة بتغيير النظام هي من سيدفع سورية إلى حرب أهلية لا سمح الله.
في مقابلته مع الصحيفة الإنكليزية يكرر بشار الأسد ما قاله الرؤساء العرب الذين أسقطتهم ثورات شعوبهم، فهو يكرر المقولة نفسها التي سمعناها من مبارك والقذافي وابن علي إن بلد كل واحد منهم تختلف عن بلد الآخر، وإن بلاده في منأى من الثورة، غريبة طريقة تفكير هؤلاء الرؤساء العرب، لا يستفيدون مما يجري حولهم، بل إن مثل هذه الردود تؤكد لشعوبهم أنهم بالفعل في قمة الغباء السياسي، وأنهم لا يستحقون تولي مسؤولية حكمهم أكثر من ذلك، الغريب أن بعض الأنظمة العربية الملكية والتي لم تبدأ بها بوادر الثورات استبقت الأمر وبدأت بإصلاح أوضاعها السياسية قبل أن تقدمها كتنازلات في حال حدوث تظاهرات في تلك الدول كما حدث في المغرب والأردن على وجه الخصوص.
الأسد يقول للصحيفة الإنكليزية إن المشكلة هي أن نظامه يتصدى للمتطرفين الإسلاميين الذين يحاربون الدولة القومية العربية العلمانية على حد قوله، ويذكّر بحرب معهم في الثمانينات على حد زعمه، التي كانت مذبحة لأناس أبرياء ذبحوا وأبيدت مدينتهم، مثل هذه المقولة لا يمكن قبولها من الغرب الآن خصوصاً أن الدول الغربية وعلى رأسها أميركا لا تمانع في وصول الإسلاميين المعتدلين للحكم في الدول العربية، وقد عبّرت عن ذلك وزيرة الخارجية الأميركية في تعليق لها عن الأوضاع في مصر، إضافة إلى أن التيار الإسلامي السياسي قد استفاد من تجربته السياسية في ما جرى له في بعض الدول العربية مثل الجزائر، فقد أصبح يقبل بالآخر، ليس بمبدأ التقية السياسية، ولكن كخيار استراتيجي كما هو الآن جارٍ في تونس من فوز حركة النهضة واستعدادها لاحترام التيارات السياسية الأخرى واحترام مكتسبات المرأة هناك.
أعتقد أن بشار الأسد ونظامه يكذب على العالم بادعائه أن هناك دولة قومية عربية علمانية في سورية، وأن حرباً مع الحركات الإسلامية تدور في بلاده، فأين هي الدولة العلمانية التي يتحدث عنها وعلى الأقل على المستوى السياسي، حيث أن حزب البعث هو الحزب الملهم للدولة والشعب هناك وما عداه لا يوجد.
لقد قال بشار الأسد إنه وفي خلال ثوانٍ قادر على توقيع قرارات إصلاحية، ولكنه يقول إن الوضع السياسي في سورية معقد جداً، وليس بالسهولة القيام بالتغيير بهذه السرعة، مثل هذا التفكير والإيمان بالحل الأمني هو ما سيوصل سورية للتمزق والدخول في صراع دموي، وقد بدأنا نشاهد وتيرة الانشقاقات تحدث وبشكل أكبر من حيث الأعداد في الجيش السوري، وهذا دليل على أن النظام لا يهمه مستقبل بلاده في سبيل البقاء في الحكم مهما كان الثمن.
ويردد الأسد في هذا اللقاء أنه في حال مهاجمة سورية من الغرب فإنها معرّضة للتفكك والتمزق، ويحذِّر من أن ذلك سيجر المنطقة كلها إلى التفكك والتقسيم بسبب أهمية وخصوصية سورية، وهذه فزاعة أخرى لدول الجوار العربي التي تفكر بسحب غطائها عن النظام السوري، وأعتقد أنه مخطئ في ذلك، وعلى الجامعة العربية اتخاذ قرار حازم بإحالة قضية سورية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فالعالم العربي هادن وحاول مساعدة نظام الأسد باللجوء إلى حل سياسي، ولكنه لم ولن يستجيب له ومضى بحله الأمني الذي ثبت فشله، ولكن ما عسانا نقول لزعماء يتصرّفون ببلادهم وشعوبهم وكأنها أملاك خاصة بهم.
الحياة