الأكراد وعقدة المعارضة
نحن الأكراد جزءٌ أساسيٌ من المجتمع السوري، ونساهم بشكلٍ فعّالٍ في الحراك الشعبي الثوري عن طريق الأحزاب الكردية والتنسيقيّات والمستقلين. إنخرطنا منذ الأسابيع الأولى في الثورة السورية، فامتلأت شوارع المدن الكردية بمظاهراتٍ عارمةٍ، من المالكيّة شرقاً إلى رأس العين غرباً. وليس استشهاد مشعل التمو عضو “المجلس الوطني السوري” والقيادي في حزب “البارتي” نصر الدين برهك والدكتور شيرزاد وعضو “حركة شباب الكرد” جوان القطنة إلا دليل شراكة ووحدة مصير بيننا وبين باقي مكونات الشعب السوري. يضاف إلى ذلك معاناة الكثير من الناشطين الأكراد من الإعتقالات التي تستهدف مثقفينا ونشطاءنا، وعلى رأسهم الكاتب حسين عيسو وناشط الثورة شبال إبراهيم.
ولكن هل تفهم المعارضة السورية الديمقراطية حقوق الشعب الكردي بالفعل؟ بعد مرور أكثر من سنة على اندلاع الثورة، لم نستطع أن نتخلص من القلق السياسي على مستقبلنا في مرحلة ما بعد سقوط النظام. ولعلّ أحسن مثال على هذا القلق هو الخلافات السياسيّة بين الأكراد بشكلٍ عام من جهة، والمعارضة السورية المتمثلة بالمجلس الوطني السوري من جهة أخرى. فقد تمّ تهميشنا في “وثيقة العهد الوطني” التي صيغت في اسطنبول بتاريخ 27 آذار/مارس الماضي مما أدّى لانسحاب “المجلس الوطني الكردي” الذي يمثلنا كغالبية كردية من المؤتمر.
لقد تمت دعوة “المجلس الوطني الكردي” كممثل للشارع الكردي إلى مؤتمر المعارضة لإعلان الوثيقة، لكن تبيّن بعد وصول الوفد أنّها قد صيغت من قبل “المجلس الوطني السوري” وحده دون مشاركة أيّ من باقي أطياف المعارضة. خلق هذا حالة من الإرتياب لدى ممثلي الأكراد من المجلس الوطني والمستقلين بعد قراءة الوثيقة التي همّشت حقوق شعبنا.
لم تشمل الوثيقة بنداً يتضمن حقوقنا كأكراد. ينص البند الثاني من وثيقة اسطنبول إن الدستور السوري ما بعد إسقاط النظام سيصاغ حسب هذه الوثيقة تحت مقتبس “تلتزم الحكومة الانتقالية فور سقوط النظام الحالي اللاشرعي بإجراء انتخاباتٍ حرةٍ ونزيهةٍ تنبثق عنها جمعيةٌ تأسيسيّة تتولى صياغة دستورٍ جديدٍ. ويتضمّن الدستور الجديد بنود هذا العهد ثم يطرح على الشعب للإستفتاء”.
وثيقة العهد ناقضت نتائج مؤتمر أصدقاء سوريا في تونس التي أقرّ “المجلس الوطني السوري” فيها الإعتراف بحقوق الشعب الكردي القومية في الدستور السوري الجديد وضمن وحدة البلاد. أنا متأكد من تدخل الحكومة التركية المحتضنة للمعارضة السورية ومؤتمراتها في صياغة الوثيقة وضلوعها في عدم ذكر الحقوق الكردية فيها. فمن المعروف أنّ تركيا ما زالت لا تعترف بالحقوق القوميّة للأكراد على أراضيها.
مطالب الأكراد
يرى البعض من المعارضين السوريين أننا نستغل المرحلة الحالية ونضع مصالحنا الخاصة فقط نصب أعيننا. ولكن هناك بند واحد لا نقبل بالمساومة عليه وهو “الإقرار الدستوري بوجود الشعب الكردي وهويّته القومية. وضمان إيجاد حل ديمقراطي عادل لقضية الشعب الكردي في سوريا بما يضمن تمتعه بحقوقه القومية المشروعة وفق المواثيق والأعراف الدولية ضمن وحدة البلاد وإلغاء جميع السياسات والمشاريع العنصرية والتمييزية المطبقة حيال الشعب الكردي وإزالة آثارها ومعالجة تداعياتها وتعويض المتضررين منها”.
يبدو لي أنّ “المجلس الوطني السوري” لم يبالِ كثيراً بانسحاب الأكراد وعدم انضمامهم إلى “وثيقة العهد الوطني”، وأنّه يعيش نشوة جمع طيفٍ واسعٍ من معارضي النظام ولا يهتم بنا كثيراً وكأننا مجرد فصيل معارض وليس مكوناً سورياً مختلفاً له حقوقه. وربما هذه النظرة التي تغلب على “المجلس الوطني السوري” جعلت منه قوةً معارضة غير فاعلة، لم ترتق إلى مستوى حجم الثورة. ولم يستطع المجلس حتى الآن أن يقنع العالم كله بالاعتراف به كممثل وحيد وشرعي للشعب السوري. وهذا يدلّ، حسب رأيي، على عجز المجلس عن وضع برنامج سوريٍ وطني موحّد وشامل، يضمن لكافة السوريين حقوقهم وليس الأكراد فقط.
سوريا الجديدة لكل مكوّناتها الشعبيّة
يمكنني القول إنّ مجلسنا الوطني الكُردي فشل في إقناع المعارضين السوريّين بوجهة نظره القائلة بضمان حقوق شعبه وذلك بإيراد مقترحاته حول حل القضية الكُردية في سوريا ضمن وثيقة العهد الوطني. وفشل “المجلس الوطني السوري” في المقابل في تجاوز العقلية الإقصائيّة. هذا الفشل المزدوج صبّ في النهاية في طاحونة النظام السوري الذي استطاع طيلة عقود حكمه زرع الفتنة بين كافة مكوّنات المجتمع السوري. إلا أنّ نُضج الشارع السوري والحراك الثوري الضاغط بأكراده وعربه، وإثباته أنّ الشعب السوري واحد بكل ألوانه ومكوناته يدل على عدم قبول هذا الشعب بأن يتحكّم به أحد من جديد. وهنا لا أنكر أنّ مساهمتنا كأكراد في الثورة تتطلب أيضاً تعزيز التواصل مع باقي النسيج الوطني. وأنا متأكد من أنّ في مرحلة ما بعد سقوط النظام سيكون من السهل تحقيق الحقوق الكاملة لجميع السوريين. فما أكثر الوسائل السلميّة لتحصيلها، من المفاوضات إلى الإعتصامات، وصولاً إلى التظاهر.