الأمن يطلق النار على مسيرة مؤيدة و”المسحراتي” ينادي “إصح يا نايم بشار مو دايم”
مشاهد من الثورة السورية: أنس عاد بعد صلاة العشاء شهيداً
فادي الداهوك
سوريا، إضافة إلى القمع والتعذيب والموت، اشتهرت بالإنتاج الدرامي حتى غدا إنتاجها أشبه بالمحصول الزراعي الموسمي، وبما أن موسم الدراما السورية هو شهر رمضان، فان الحدث هذا العام سبقَ الموسم وهو مستمر منذُ ما يقارب السبعة عشر شهراً لكن ما حصل في رمضان هذا العام أنّه تميّز بشخصيات جديدة دخلت ساحة الأحداث الساخنة في سوريا.
يحصلُ مثلاً أن تسمع في إحدى الحارات الشامية صوتاً مترافقاً بدقّات “طبلة” صغيرة ينادي صاحبها “قوموا عالحرية. اصح يا نايم، بشار الأسد مو دايم. قوموا على سحوركن إجا رمضان يزوركن. يسقط الشبيحة والنبيحة. قربت قربت يا بشار الأسد. جايينك”، ذلك الصّوت هو لـ”مسحّراتي” مدينة سقبا في ريف دمشق، شخصٌ يدور الحارات في موعد السحور الرمضاني لكن على طريقة الثورة وبثّ له شريط مصور على موقع يوتيوب بتاريخ السابع والعشرين من تموز 2012.
داخل أحد “سرفيس” خط البرامكة، معضمية الشام يرن جوال احد الركاب الذين استقلوا “السرفيس” من عند الإشارة الضوئية أمام نزلة جامع الأكرم على اوتوستراد المزة، والرنة أغنية لسناء موسى، يحصل أن تتوقع سماع تلك الأغنية كثيراً في أزقة الحميدية أو باب توما والقيمرية حيثُ لا يمكن للدبابة أن تمر لكثرة ما تحمل تلك الأزقة من أشياء قديمة لا يمكن سائق الدبابة أن يستوعبها عقله أو يخشى على قائده منها، أما عنصر الأمن الواقف الى جانب عربة بائع العرانيس على مدخل باب حارة القيمرية فلن يفهم معنى الكلام في الأغنية لو سمع “يا نجمة الصبح فوق الشام علّيتي . الاجواد أخذتي والانذال خلّيتي”، بعض الذين أحبّوا الأغنية لا تهمهم القيمة الموسيقية التي تحملها، لكنها بالنسبة اليهم، نوع من الرضى لشيء ما كانوا يودون قوله للشّام، شيءٌ عن “الأنذال” تحديدا.
في مشهد آخر، إحدى السيدات نشرت على حبل الغسيل ثياب ولدها أو زوجها إلاّ أنّ “الغسالة” لم تستطع إزالة بقع الدم عن الثياب المغسولة. وإن أردنا عرضَ المزيد من المشاهد نجدُ على قارعة إحدى الطرقات امرأة نازحة تلدُ طفلها في سيارة “بيك أب” ، وأحد الصحافيين ظنّ نفسه في لحظة لا شعور أنه مخرج لقطةٍ في أحد المسلسلات فيصفُ مشهداً يفوق مشاهد التغريبة الفلسطينية ألماً عن “خمسة أطفالٍ سيسجلُ في شهادات ميلادهم أنهم ولدوا أثناء استضافتهم في السويداء وما زالت الحياة مستمرة، سوريا رغم الألم باقية كشجرة تزهر” ولا تنتهي المشاهد بعنصر الجيش الحر الذي حملَ على ظهره بندقية وارتدى قميصَ نادي برشلونة الاسباني في إدلب مكتوبٌ عليه اسم “ميسي” والرقم 10، ولا عندَ آخرٍ في حمص ارتدى قميصَ “ريال مدريد” ولكثرة ما سََندت الأرض ظهره سقطت أحرف اسم اللاعب ورقمه عن القميص وظهرَ مكانهما بضعةُ من دماءِ خدوشٍ أصابت ظهره.
الإعلام السوري وحده هو مسلسل من صنف الكوميديا السوداء، إعلامٌ غارق في الغباء والحماقة حتى أنف آخر موظف فيه ومستمر في تحويل كذبة المؤامرة ومزحة “سونغا” وقصته عن “السقوط المدوي” المنشورة في صفحة “الثورة الصينية ضد طاغية الصين” على فيسبوك، إلى حقيقة وهذا إن كان أمراً يبدو في ظاهره مضحكاً إلاّ أنه مصيبة كبيرة بحجم مجزرة وكاقتراح قدّمه أحد الناشطين، يمكن إحالة القائمين على قيادة أزرار ومحرري نشرات الأخبار في استديوهات وسائل الإعلام الرسمي إلى المحكمة بتهمة النيل من هيبة الكوميديا ومن سوريا أو تحويلهم إلى محكمة عسكرية ليوم واحد وحكم واحد بعد الثورة.
على شاشة قناة الدنيا وأثناء حملتها المستمرة بإنكار ما يحصل في سوريا، قام أحد المواطنين من حماه بالاتصال بالبرنامج وكان اسمه أحمد كما ظهر على شاشة الدنيا فكانت مداخلته “آنسة اليوم الجو كان كتير هادي بحماه وكذب كل هي المظاهرات اللي طلعت وأنا بقول الله ياخدلنا بشار الأسد ويريحنا منو” ثم قطعوا الاتصال.
في رمضان الفائت، أحد باعة البسطات ألقي القبض عليه أثناء سماعه أغنية يا حيف بعدَ أن فضحه بكاء عود سميح شقير وأصوات ضرب كفوف عازف الرّق في الأغنية وإلى اليوم لم يعلم أحد إن كان قد أطلق سراحه.
في مدينة داريا بريف دمشق ، قام نشطاء المدينة بتحضير مفاجأة لرتل أمني كان من المقرر أن يمر من أحد شوارع المدينة صباح يوم الأحد 17-07-2012 فقاموا بإعداد مجموعة كبيرة من الفزاعات الخشبية ألبسوها ثياباً وحمّلوها لافتات تطالب بإسقاط النظام وحقوق السوريين فما كان من الموكب الأمني الذي مر بالقرب منها إلاّ ان أطلق عليها الرصاص وخرّبها.
قصص الاعتقالات لا تخلو من الأحداث الغريبة. ففي دمشق قامت إحدى السيدات برحلة بحث طويلة أجرتها بين السجون والفروع الأمنية الكثيرة عن شقيقها المعتقل وأخيراً وجدته في فرع الأمن السياسي بمنطقة الميسات بدمشق، كانت السعادة بادية على وجهها لدرجة أن يخطر في بالك سؤال ما هو الأمر السعيد في كل الموضوع فتجيب “الحمدالله. طلع بالأمن السياسي، كان الخوف نلاقيه بالمخابرات الجوية “وشقيقها بدوره شهدَ العديد من الأحداث أثناء فترة الاعتقال حيثُ التقى داخل الفرع بفتىً كان ينسّق معهم للتظاهرات وفقد قبل ستين يوماً، وداخل زنزانة مجاورة يسمع صوتا مألوفا لديه فيناديه “أبو كمال “يرد” اي أبو كمال .مين إنت ؟”، أبو كمال هو شخصٌ من مدينته كان اختطفه الأمن منذُ مدة ، فتبدأ بينهما جلسة سمر خلف جدار الزنزانة الفاصل بينهما تنتهي بأن يخيرهما السّجان بين السكوت أو الدولاب.
في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، أثناء رحلة عودة من دمشق إلى مدينة دوما في الريف وداخل السرفيس رنّ جوّال أحد الرّكاب وكانت الأغنية “منحبك يا كبير” وهيَ أغنية تمجّد بشار الأسد، فأوقفَ السائق سيارة السرفيس، ونزل ليفتحَ باب الرّكاب فسألهم “مين اللي رن موبايلو، أجابت إحدى الراكبات : أنا، فأعطاها عشر ليرات، أجرة الرحلة وقال لها : انزلي خلي الكبير يوصلك”.
حلب التي تشهد حملة عسكرية شرسة، يتناقل نشطاؤها هذه الأيام حادثة قالوا إنها “حقيقية” حيث تجمع ما يقارب الـ 20 شخصاً بالقرب من جامع سعد بن الربيع وخرجوا في مسيرة مؤيدة تهتف للأسد، إلاّ أن قوّات الأمن قامت بفتح النار على المسيرة المؤيدة، ولا تبرير يمكن استنتاجه من هذه الحادثة سوى أن الأمن الذي اعتاد منذ فترة طويلة على أن أي شكل من أشكال التجمع في أي من شوارع سوريا هو تجمع وتحضير من أجل تظاهرة لم يكن يعلم بمسيرة مؤيدة ستخرج في هذه المنطقة كما يحصل في العادة ، فكانت المسيرة عفوية وإطلاق النار أيضاً .
في مخفر الشعار بحلب، وبعد سيطرة الجيش الحر عليه، قام عناصر الجيش الحر بإعادة “طريزينة” عربة بثلاثة دواليب تصنع محلياً، قاموا بإعادتها إلى صاحبها بعد أن حجزها له عناصر مخفر الشعار.
ليست كل القصص مضحكة أو أن نهاياتها تكون سعيدة وحلب شاهدة على مأساة أحد شبانها ويدعى أنس أورفلي. أنس كان يقيم في السعودية ومع بدء الثورة ووصول حركات التظاهر إلى حلب ترك كلّ شيء وعاد ليتظاهر ويسقط الأسد. قبل عيد ميلاده بيومين وبتاريخ السابع عشر من أيار العام المنصرم وفي تمام الساعة السابعة وثلاث دقائق مساءً كتب على صفحته الشخصية في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ” يلا عن إذنكن في حفلة ضرورية لازم نشارك فيها سنعود بعد صلاة العشاء إن شاء الله ” لكن أنس عادَ شهيدا.