الأولويات القومية لتركيا والأجندة الغربية للسعودية أضعفت ثوار سوريا/ وائل عصام
منذ الأيام الأولى للثورة السورية، اقتصر الحراك الشعبي والمسلح على المناطق السنية، وانحاز موقف الأقليات تأييدا للنظام أو معارضة للثورة.
حينها كان من الواضح أن النزاع السوري، لم يكن سوى حلقة جديدة ضمن دائرة الصراع الطائفي الممتد في المنطقة، وأن النتيجة بين أطراف الحرب الأهلية في سوريا، ستتوقف إلى حد كبير على معسكر كل طرف وحلفائه، ومدى فهم الحلفاء واستعدادهم للتعامل مع «قواعد اللعبة» في الحرب الأهلية. وهكذا ظهر معسكران، أحدهما داعم والثاني معارض للنظام، تبنى المعسكر الداعم للنظام، سياسة طائفية، فحددت إيران وحزب الله وحكومة بغداد، منطلقات قواتها المشاركة بدواع طائفية، تبدأ بالدفاع عن المراقد المقدسة ولا تنتهي بـ»الثأر من قتلة الحسين»، بل إن الأطراف الداعمة للنظام من إيران وميليشيات عراقية شيعية وحزب الله، هي أصلا كيانات جهادية شيعية المشروع.
في المقابل، فإن المعسكر الداعم للثورة، يشمل دولا لا تربطها أي وشائج ولا تعرّف نفسها من منظور سني أو قومي عربي حتى، بل لعلها تزاود على الدول الغربية بالمناداة بقيم الديمقراطية والاعتدال ودولة المواطنة، وهي قيم لا تمارسها هذه الدول إلا خطابة، وفي هذا المضمون الخطابي ذاته كانت شعارات دعم الثورة، تنصّب على خطاب هلامي يتحدث عن الديمقراطية والتعددية.
لكن بعيدا عن الشعارات، فإن السياسات الفعلية لمعسكر الدول الداعمة، وعلى رأسها السعودية، كانت تتبنى الأجندة الغربية في سوريا، وتحولت أولوياتها لضرب القوى الإسلاموية السنية في سوريا، بدلا من إسقاط الأسد، خاصة أن النظام الرسمي العربي يكترث بالتهديدات على أمن النظام الرسمي، أكثر من اكتراثه بأمن البلاد القومي أمام إيران، وهكذا، صنف الاسلاميون السنة في معظم توجهاتهم المعتدلة حتى الجهادية، خطرا وعدوا رئيسيا أكثر من الاسد، بينما عرفت إيران كيف تحتوي الحالة الشيعية الدينية بمختلف أطيافها وتستخدمها لمصالح تمددها، ليس كما فعلت الأنظمة الداعمة للثورة، التي رفضت التعامل مع واقع هيمنة الفصائل الإسلامية السنية، على القوى المسلحة الفاعلة، فتحولت القوى الداعمة للثورة، وببساطة، إلى عدو للقوى الأكثر تأثيرا في الثورة السورية.
هذا التعامل غير المدرك لقواعد اللعبة في الحرب الأهلية، قابله فهم كامل لقواعدها من قبل حلف النظام، الذي ساند الأسد بقوى من كامل أطياف القوى الشيعية، وبينها الجهادية الأصولية، كونها قادرة على الفعل في نزاع كهذا في سوريا وفي المنطقة المنقسمة على أساس طائفي وعرقي، وليس على أساس اختلاف الموقف من الديمقراطية وقيم التعددية، التي ليست هي محور النزاع، وهذا الفهم لقواعد اللعبة في إدارة النزاع، لا تدركه إيران فقط، بل الولايات المتحدة أيضا، التي على الرغم من دعوتها لقيم الديمقراطية والتعددية ودولة المواطنة، إلا أنها عمليا، تدرك كدولة عظمى في العالم، أنه لا يمكن لها أن تحقق مصالحها من دون دعم أحد اطراف القوى المؤثرة الطائفية، أو العرقية، في هذه المنطقة، فتحالفت عسكريا مع القوى الشيعية في العراق، ومع القوى القومية الكردية في سوريا، كما فعلت سابقا مع القوى الجهادية السنية في افغانستان، لكن مصالحها لم تقتض هذه المرة دعم القوى السنية، وتركت تبرير ذلك لحلفائها من دول المنطقة، الذين هم خاضعون للأجندة السياسية الأمريكية اكثر من قيمها.
وكما انقادت كبرى الدول الداعمة كالسعودية، لهذه المقاربة الملتزمة بالأجندة الغربية، فإن دولة داعمة أخرى، تنازعتها بوصلتان، إحداهما تتعلق بالأجندة الغربية على المسار نفسه، ولكن الاخرى يقودها الهاجس المسيطر على مصالحها القومية، فتركيا انحازت لصف الثورة، ووجدتها منسجمة مع تاريخها ذي المرجعية الإسلامية السنية، لكن ما ظهر أخيرا، أن حساباتها القومية أكثر تأثيرا في توجهاتها الخارجية، فبينما قبلت على مضض تسوية سياسية مع اصدقائها تقود لبقاء الاسد وسيطرة نظامه الطائفي على سوريا، لم تقبل أبدا المساومة على موقفها المعادي للكيان الكردي، لأنه يشكل خطرا داخليا على نسيجها الداخلي، لا يشكله الأسد بهذه الخطورة، وهكذا قادت هذه البوصلة ذات الأولوية القومية، تركيا، لتنسحب تدريجيا من صف الداعمين للثورة، لتعيد تموضعها في صف الداعمين للنظام كروسيا وإيران، بل إن الموقف الإيراني المعادي للكيانات الكردية المستقلة عن بغداد ودمشق، جعل تركيا تبدو منسجمة مع رغبة دمشق وطهران بتعزيز سيطرة الأسد على المناطق الكردية شمال سوريا، فخسر الثوار السنة في سوريا، ظهيرا آخر، بسبب طبيعة سياسات الخارجية التركية واولوياتها القومية، بينما كانت السياسة الايرانية المنتصرة لحلفها الشيعي العلوي كأولوية قصوى، سببا في تثبيت اركان أنظمة دمشق وبغداد وتقويض أعدائهم من الكرد والعرب السنة، وهكذا عادت الحسابات القومية والمذهبية لتحدد «قواعد اللعبة» في الحرب الاهلية ، وتجعل من الذين يتقنون التعامل معها قادرين على تسخير من يمكن تسخيرهم، لتحقيق اهدافهم .
كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»
وائل عصام
القدس العربي