الأولوية في سورية/ سلامة كيلة
بات تناول الوضع السوري ينطلق من أولوية الحرب على الإرهاب، أو الحرب ضد داعش خصوصاً. أصبح الأمر يتعلق بالإرهاب، وليس بثورة انطلقت في 15/3/2011، وأرادت إسقاط النظام.
تدخلت أميركا من أجل الحرب ضد داعش بعد أن شكلت تحالفاً من 60 دولة، وأرادت أن تصبح مهمة الكتائب المسلحة (الجيش الحر) هذه الحرب، وليس الصراع من أجل إسقاط النظام. وتتدخل روسيا الآن تحت شعار الحرب ضد الإرهاب، وضد داعش خصوصاً، وتعتبر أن هذه أولوية، والأساس في ترتيب وضع سورية. بالتالي، باتت مشكلة سورية هي الإرهاب الذي يستدعي كل العالم من أجل دحره، وليس وضع الشعب الذي تمرَّد لأنه يريد إسقاط النظام، بعد أن بات وضعه شديد الصعوبة، ولم يعد يحتمل بقاء الوضع كما هو.
هل نقتنع بأن داعش هي الخطر الرئيسي؟ لكن، كما أشرنا مراراً، ليس من أحد يقاتلها بجدية سوى الكتائب المسلحة التي تقاتل النظام، فكل الغارات الأميركية كانت “على الحافر” كما يقال، وغارات الطيران الروسي تركز على الكتائب المقاتلة وليس على داعش، ومن يدقق في خريطة سيطرة داعش (شمال شرق سورية) ومواقع القصف الروسي (شمال غرب سورية) يلحظ ذلك بوضوح شديد. لتبدو داعش فزاعة فقط، لكن الهدف في مكان آخر. وداعش كذلك، لأنها نتاج سياسات أجهزة مخابرات تريد اللعب من أجل تحقيق سياسات، هي الفزاعة التي تفرض التدخل الأميركي، وبالتالي، فرض الشروط الأميركية. وهي كذلك فزاعة فرضت التدخل الروسي، من أجل فرض سيطرته على سورية.
بالتالي، ليس لذلك كله علاقة بأهداف الثورة، على العكس، من أهدافه التغطية على الثورة، تهميش الثورة وتحويل ما يجري “حرباً أهلية” بداية، ثم الآن “حرباً ضد داعش”. الهدف هو إلغاء حتى اسم الثورة، وفي هذا توافق أميركي روسي كبير، ومن ثم توافق مع النظام نفسه، ومع دول إقليمية تخاف من الثورات، وعملت على تدميرها. لهذا، يجري نقل الصراع من صراع شعب ضد النظام من أجل الحرية والعيش الكريم إلى صراع دول إمبريالية ضد الإرهاب، ودعم النظام في هذه الحرب، النظام الذي لا يعود مطروحاً تغييره، وإنْ أرادت دول تغيير رئيسه.
في سورية (كما في العراق)، داعش فعل لجهات متعددة، ويعمل في خدمة سياساتها، من أميركا وروسيا إلى تركيا، وإيران إلى النظام، هي أداة لجهات متعددة تخدم سياساتها. ولهذا، ليس هو قوة محلية تعبّر فئات من الشعب (كما النصرة)، بل قوة مُدخَلة من أجل أهداف متعددة، أولها تخريب الثورة، وبعدها خدمة سياسات، حيث لأميركا هدف من تفعيلها، وللنظام هدف كذلك هو شطب الثورة، واعتبار أن الصراع هو ضد الإرهاب لتوحيد العالم معه، وتركيا كانت تشوش على الآخرين عبره، وإيران تخدم سياسة النظام عبره أيضاً. ولهذا، لا أحد منها يقاتل داعش. بالتالي، سوف يتلاشى دور “الإرهاب” مع توافق تلك الدول، وترتيبها صيغة السلطة.
داعش والنصرة خطر على الثورة السورية فقط، وتستخدمان لإضعافها، حيث توضع بين القصف الوحشي للطيران الروسي ومفخخات داعش التي عملت على السيطرة على مناطق الثورة. الثورة التي تريد إسقاط النظام وبناء سورية جديدة، على الرغم من كل التشويه الذي أحدثه التدخل الخارجي فيها. بالتالي، فإن تكتيكات الدول الإمبريالية أو الإقليمية لن تحرف الثورة عن هدفها الأساس، اعتبار النظام المشكلة الجوهرية، والمطلوب تغييره، وهذه الخطوة هي التي سوف تنهي داعش وأخواته، لأن الشعب الذي قاتل هذا التنظيم المسلح في وضع صعب يمكنه أن يهزمها، حين ينتهي نظام الأسد.
لن تغيّر كل تكتيكات الدول المتدخلة من هذه البديهية. وبالتالي، كل حل يبدأ بإنهاء سلطة بشار الأسد.
العربي الجديد