الإخوان ومستقبل الإسلام السياسي/ عباس بيضون
قد يكون الإخوان المسلمون هم التجربة التي تلخص الإسلام السياسي، هم النموذج وهم المقياس وهم التاريخ لذا تبدو نهايات الاخوان تاريخية بأكثر من معنى. الإسلام السياسي الشيعي ليس بعيداً عن تجربة الاخوان الذين كانوا الأول السابقين إلى تقرير شمولية الاسلام والمطالبة بالحكومة الاسلامية وبناء تنظيم قائم على الطاعة والانضباط، يحل فيه المرشد محل الولي الفقيه.
الاخوان المسلمون كانوا منذ تأسس تنظيمهم وتوزعه في الأقطار هم الاسلام الضارب في الايديولوجيا الشعبية، الاسلام المتماهي مع الجماعة والمتجذر في الجماعة، الإسلام الجماهيري. ومن المؤكد أن هذه التجربة كانت الرائدة وكانت المثال لبقية تنظيمات الإسلام السياسي، سنية كانت أم شيعية، تجربة تونس وبعدها تجربة مصر وقبلهما تجربة حماس أمثلة راهنة ويمكن ان نعتبر بها. بل يمكن ان نعرضها للتحليل والتحري والفحص، إذ هي المرة الأولى التي يتعرض فيها الاخوان المسلمون لاختبار من هذا النوع. بل هي المرة الأولى التي توضع فيها جماهيريتهم وسياستهم وراهنيتهم على المحك.
أول ما يمكن ملاحظته في تجربة الاخوان هو ازدواج السلطة والتنظيم، الازدواج ذاته الذي نجده في شتى الأحزاب الشمولية، الشيوعية والنازية التي يبدو أن الشمولية الاسلامية لا تختلف كثيراً عنها. ففي تونس ازدوجت النهضة والسلطة وتدامجتا ولم تكن تجربة التحالف السياسي سوى ذريعة لتركيز النهضة، أما في مصر فالأمر ذاته وان يكن بعلانية أكبر ووحدانية أكثر فالإخوان المسلمون في مصر لم يجتذبوا إلى صفهم تنظيماً كحزب النور السلفي ولم يكن تحالفهم مع الوسط سوى ارتهان للوسط الأضعف من أن يشكل حليفا متطلبا، كذلك الأمر مع الجماعة الإسلامية، والحقيقة أن اخوان مصر انفردوا بالسلطة انفراداً يكاد يكون كلياً. وإذا كانوا أفسحوا قليلا لحلفائهم كما أفسحوا للجماعة الاسلامية فإن هذا لم يكن سوى ثمن لولاء واستتباع هؤلاء. اخوان مصر وربما كذلك نهضة تونس يتحركون على الأرض وفي ضمائرهم وفي نفوسهم شبح الخلافة. بل شبح الخلافة كما نظّروا هم لها وكما رأوها، والواضح أن مفهومهم للخلافة لم يكن ليختلف كثيراً عن مفهوم الدولة العقائدية النازية او الشيوعية. الدولة هي هنا جهاز عقائدي حزبي وتحويلها إلى جهاز كهذا يحتاج إلى عمليات تطهير وعمليات تطعيم كثيرة. لذا كان بناء الدولة الاسلامية يصطدم اول ما يصطدم بالدولة الموروثة القائمة، هكذا اصطدم اخوان مصر تقريباً بكل أجهزة الدولة، الجيش والقضاء بالدرجة الأولى، والأمر نفسه جرى في تونس وان بصورة مخففة، فإن نظرية التمكين وهي تعني في ما تعني السيطرة التدريجية على أجهزة الحكم، هي ذاتها نظرية الحكم في تونس والصدام، وإن على نحو مخفّف هو الصدام نفسه الذي جرى في مصر مع أجهزة الدولة القائمة. فالنهضة التي كان مؤسسها الغنوشي يتكلم بلهجة مختلفة أكثر انفتاحاً، هي ذاتها مع احلام الخلافة والدولة العقائدية، والعجب ان الدولة الحزبية تمت إلى خليفة غير معلن هو المرشد. الغنوشي تارة ومحمد بديع تارة أخرى، ولي الفقيه بمصطلح آخر هو الزعيم غير المنظور للدولة التي لها امتدادها الحزبي كما لها امتدادها الإداري ولها رئيسها كما لها مرشدها.
الإسلام الجماهيري كان هو الاخوان، لم تكن شعبية الاسلام ممكنة السبر لأنها ضاربة في الموروث الشعبي ولأنها تعادل العقيدة والاسلام نفسهما. بيد أن عاما انقضى على حكم الاخوان في مصر وفي تونس جعل الاخوان حزبا وكالأحزاب تحولوا إلى أقلية، لقد أمكن فرزهم من الشعب وباتوا شيئاً غير الشعب وغير العقيدة وغير الاسلام. هذا كان الثمن لانخراط الاخوان السياسي. بسبب هذا الانخراط تحولوا فعلاً إلى حزب سياسي ودخلوا في علاقات المجتمع ودفعوا ثمن ذلك أقلوية وانفراداً. لقد بدا الاخوان والتجربة نفسها تكررت في بلدين أقل خطراً مما حسب الجميع. فالتجذر الايديولوجي والعقائدي لا يبعد الناس، مع بقائهم مسلمين صالحين، عن مصالحهم كما لا يبعدهم عن نعراتهم وعصبياتهم وعلاقاتهم المتأرثة. الأخوان وسواهم يبقون خارج المحاكمة ما داموا خارج العلاقات الاجتماعية وما داموا شيعة مغلقة قائمة بذاتها. هذه الشيعة المغلقة أرادت أن ترث السلطة مع بقائها مغلقة فادى هذا إلى اصطدامها بالدولة والمجتمع معاً. كانت هذه النتيجة لتغير رؤيتنا للمجتمع نفسه الذي لا يمكن لأي عقيدة أن تحيا خارج علاقاته، ولا بد لأي جماعة ان تدفع في النهاية ثمن هذه العلاقات. مثل هذا الحكم قد ينطبق على التنظيمات الإسلامية كلها التي كلما تورطت في الواقع كلما حان أوان فرزها من المجتمع وانفرادها فيه.
السفير