الإصلاحات السورية: البوطي سعيد رمضان بدلا من بثينة شعبان
أحمد كالو
قبل لحظات كنت اعبر الشارع فسمعت هدير الأطفال من المدارس وهم يهتفون بالروح بالدم للرئيس السوري، والأطفال لو أمرهم المعلمون بالهتاف لإسرائيل لفعلوا؟ صور الرئيس تملأ الشوارع بكثافة مستجدة، وهي أصلا تكتظ بصور الرئيس ولكنها مرفقة هذه المرة بجملة تقصر الإصلاح به وحده، فبشار وحده الطريق للإصلاح، أما إبداء التعاطف مع محافظة درعا وجرحها الكبير فممنوع، مع أن درعا محافظة سورية وليست بنغازي أو تل ابيب، مع أن الوحدة شعار من شعارات حزب البعث. الهتاف للشعار الثاني ـ وهو من شعارات البعث أيضا – جريمة، النداء للحرية جريمة و’فتنة’، أما الاشتراكية فقد أكل لحمها خمسة بالمئة من الاشتراكيين الجدد الذين اشتركوا في نهب 80 بالمئة من ثروات الشعب السوري تحت اسم ‘السوق الاجتماعي’، ولم يبق منها سوى العظام النخرة.
في هذه اللحظة ترفع لافتات تحتفل بميلاد البعث المجيد الذي لا ندري إن كان وضعه أفضل من التجمع الدستوري التونسي أم أسوأ. هل سيلاحقون بعد أيام أو شهور أم أنهم سيغيرون اسم حزبهم إلى ‘حزب البعث الصوفي الإسلامي’. قبل أيام ظهر (خطاب الرئيس) فصيحا في اللغة وغامضا في البيان وأجمعت المعارضة على انه خطاب أحجية، أو خطاب ‘تعا ولا تجي’، أو خطاب التسويف السياسي. وتحت وابل دماء دوما والمعضمية ودرعا.. اضطر الخطاب أن يتحول إلى مراسيم فوتت عليه بشارته وبهجته.
توقعت من الرئيس الطبيب، خريج الجامعات البريطانية، أن يخرج ويعلن للشعب أنّ كل مواطن هو سيد الوطن، وليس هو وحده سيد الوطن، وانه لن يسمح بالنفاق بعد الآن، وان سورية تتسع للجميع معارضين وموالين، وأنّ رعب الأجهزة الأمنية انتهى، وأن القضاء سيحكم بين الناس تحت الشمس، وأن جميع السكان مدعوون إلى بناء الوطن، وتوقعت أنّه سيطلب إزالة صوره وتعليق العلم السوري محلها، لكنه هدد تهديدا شبيها بتهديد جورج بوش: من ليس معنا فهو مع الفتنة! وعاد مجلس الشعب إلى ما تعود عليه، التصفيق، التصفيق، التصفيق… الذي يبلغ حد الصفاقة، وثمت حملة على الفيس بوك عنوانها قد لا تحتمله هذه الصفحة.
قبل شهور أدلى الرئيس السوري بحديث ‘شفاف’ لجريدة ‘وول ستريت جورنال’، ظهر فيه انه لا يعرف شيئا عن شعبه وعن سورية، الطريق طويل إلى الديمقراطية، وقال إن معركة سورية والتحدي الأكبر لها هو الحفاظ على علمانيتها. فبدأ وزير التربية بحملة ضد النقاب أعادت ذكرى أيام نزع الحجاب عن رؤوس النساء في الثمانينات، بنقل معلمات منقبات من المدارس إلى الخدمات، على أن يتسع التطبيق إلى وزارات أخرى في قادم الأيام، ثم عقمت السيارات من العبارات والأدعية الدينية.. أما السادة المحافظون في المحافظات فقد كانت الاتصالات على الفضائيات قبل أيام تولول من وحشيتهم أو من شبحيتهم فهم لا يُرون في مكاتبهم إلا بأتاوات وكأنهم أرباب لا يمكن اللقاء بهم. على الصعيد الاقتصادي تحولت أجهزة الشرطة إلى أجهزة لجمع الضرائب، وشرطة المرور إلى قطاع طرق، يختفون خلف الأكمة والأشجار لالتقاط صور للسيارات في أماكن غير متوقعة والفوز بغرامة، حتى دراجات الأطفال صودرت من الشوارع لأنها بلا نمرة. يجب أن تكون للمواطن نمرة، ولنفََسِه نمرة، للهاثه نمرة، ولروحه المخنوقة نمرة. المواطن حشر حشرا بين صفارة الشرطي وهراوة الأمن.. فأين المفر؟
أما الإعلام الرسمي، فحارب الفتنة الطائفية بمفردات طائفية. متصل علماني طلب من الرئيس ‘هدر’ دم الخونة والأصوليين لشرب دمهم، أما الشيوخ فتحدثوا في خطابهم عن الوحدة الوطنية وشابت أحادثيهم الداعية إلى الصبر، مفردات علمانية ودينية لإدامة سلطة السلطان الوراثي الجمهوري إلى الأبد فسبحان من له الدوام.
المتشائمون يتحدثون عن فرع أمن جديد محتمل إضافة إلى الفروع ‘التسعة والتسعين’ -وهي كناية عن كثرة الفروع الأمنية التي يبلغ عددها ستة عشر أو أكثر- الاسم سيكون على الأغلب: فرع ‘الأمر بالمنكر والنهي عن المعروف’، فمن الصعب لأجهزة شبت على امتهان المواطن وابتزازه إلا أن تشيب عليه. أما البوطي فقد رضي أن يكون ناطقا بلسان الرئيس. أكد الشيخ في حديثه وعود الرئيس التي سمعها السوريون قبل احد عشر عاما. وفي دعاء البوطي الصوفي النزعة ليلة الخميس، استنجد بأبدال الشام. والبدلية تقول ان الولاية دولة ‘قائمة باطنة في مقابل دولة الظاهر يترأسها القطب أو الغوث يليه الأمان ثم الأوتاد الأربعة، فالابدال السبعة. والأبدال هم الذين يبّدلون من أخلاقهم وأفعالهم الذميمة أخلاقاً وأفعالاً حميدة. أما مقام البدلية فهو مقام ذو مواصفات معينة تنطبق على أناس معينين من الرجال هم أربعون عند بعضهم وسبعة عند آخرين. البوطي له مشكلة مع ‘مسلسل ما ملكت إيمانكم’ وما دام قد حجب عن العرض في الفضائيات السورية فقد انتصرت الثورة السورية،
أما أطفال درعا الذين أشعلوا شرارة هذه الاحتجاجات بأظافرهم المقلوعة، فهم مؤسسو الأمل السوري، وبهم سيبدأ تاريخ جديد.
‘ كاتب سوري