الإصلاحات السورية والمبادرة العربية
عبدالله إسكندر
ما دامت المسألة في سورية «مؤامرةً» خارجية يدعمها العرب وتنفذها «عصابات مسلحة» يموّلها ويسلحها أركان «المؤامرة»، وما دامت هذه «المؤامرة» تستهدف الخط «المقاوم والممانع» الذي أرساه الحكم السوري ببنيته وأسلوب إدارته لشؤون البلاد لزهاء أربعة عقود… ما دام الأمر كذلك، فلماذا تعلن السلطات السورية تغييرات قانونية ودستورية؟ خصوصاً ان بعضها، بغض النظر عن كيفية تطبيقه والنيات وراءه، يؤشر إلى أن البنية الدستورية التي أشرف على وضعها الرئيس الراحل حافظ الأسد على مقاس حكمه، باتت الآن موضع تساؤل داخل الحكم. فهل هذا التساؤل هو نتيجة لإدراك أن بنية الحكم لم تعد صالحة للاستمرار، أم أنه نتيجة ضغط الحركة الاحتجاجية، أم أنه نتيجة الإجماع العربي على رفض أسلوب الحكم السوري في معالجة مطالب المحتجين؟
بين إعلانات الإصلاح الرسمي، وآخرها المتعلق بالتعديل الدستوري في شأن ولاية الرئيس والتعددية السياسية، وبين الممارسة على الأرض وفي السياسة هوة عميقة، لا بل تعارض كبير، إلى حد أن أحدها يلغي الآخر.
فعلى الأرض يستمر القتل اليومي، اي تستمر القوات الحكومية باعتماد لغة القوة وحدها في مواجهة المحتجين والمتظاهرين والمشيعين، رغم توقيع بروتوكول التعاون مع المراقبين العرب، والذي يلزم السلطات في دمشق بوضع حد لهذه السياسة وتوفير مناخ الهدوء الامني الذي يكفل وحده العودة إلى السياسة.
لكن، على ما يبدو، لا ترغب هذه السلطات بالعودة الى السياسة، بدليل موقفها من الشق السياسي للمبادرة العربية بنسختيها القديمة والجديدة. خصوصاً أن هذا الشق يلقى، إلى الإجماع العربي، ترحيباً من قوى أساسية في المعارضة السورية ودعماً دولياً، بما في ذلك حلفاء دمشق، مثل روسيا والصين، اللتين أشادتا أكثر من مرة بهذه الخطة. ويعتقد بأنه، مع توجه الجامعة إلى الأمم المتحدة، للترويج لهذه الخطة، سيصبح من الصعب على كل أعضاء المنظمة الدولية عدم التعامل الجدي معها. مع كل ما ينطوي عليه ذلك من ضغوط كبيرة وملحّة على الحكم السوري الذي تتناقص رقعة تأييده إلى حدود إيران وبعض أحزاب لبنان، بعدما انضم العراق الى تأييد الخطة العربية.
والأرجح أن الحديث عن إصلاحات، كما ورد في صحيفة «الوطن» السورية شبه الرسمية، يهدف الى محاصرة المطالب السياسية الواردة في الخطة العربية، وتالياً اقتصار التعامل مع الأزمة على الجانب الأمني حيث تشعر السلطات أنها متفوقة. وما قاله الوزير وليد المعلم في مؤتمره الصحافي امس، لا يخرج عن الرواية الأولى للسلطات، من دون الأخذ في الاعتبار كل ما حصل في سورية منذ عشرة شهور.
ومرة أخرى، يظهر هذا النهج قصر نظر وعدم رؤية العوامل الكثيرة المتداخلة في هذه الأزمة. كما تظهر في الوقت نفسه قلة إدراك لتصميم خصوم النظام، في الداخل والخارج، وقدرتهم على قلب المعادلة، بما في ذلك شقها الأمني على المدى الزمني المنظور. وما سحْب الثقة العربية من بعثة المراقبين، بعد المطالعة البائسة لرئيسها الفريق الدابي، كما ظهر في قرار المجلس الوزاري وانسحاب الدول الخليجية منها، إلا الدليل على أن تفادي الشر المستطير هو انخراط الحكم السوري في خطة المرحلة الانتقالية كما وردت في المبادرة العربية، وهو انخراط يفترض أن أي إصلاح جدي ينبغي ان يكون حصيلة حوار، خلال هذه المرحلة، وبتوافق الاطراف السورية جميعها، وليس قبلها
الحياة