الإغاثة الدولية للسوريين: النظام ممر إجباري
سلام السعدي
لم يتوقف السوريون طوال عامين عن الشكوى من صمت العالم وتسمَره أمام مأساتهم المرعبة، ومن “نفاق” الدول التي تدعي مناصبة النظام السوري العداء. إذ تواصل تلك الأخيرة لا مبالاتها تجاه معاناتهم، وإن غلفت ذلك بحركية دبلوماسية وإنسانية باهتة. الجديد اليوم هو شكوى المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة من ذات “النفاق” في وعود “المجتمع الدولي” المتصلة بالمساعدات الإنسانية.
ما تقدّم كشفت عنه منظمة “أوكسفام” الإغاثية الدولية، التي أشارت إلى تأخّر وصول المساعدات إلى المحتاجين، ذلك أنّه لم يصل إلى سوريا إلّا 20 في المئة من أصل 1.5 مليار دولار وعدت بتقديمها الدول المانحة في مؤتمر الكويت خلال شهر كانون الثاني الماضي. وحذرت المنظمة من أن الأزمة الإنسانية في سوريا خرجت عن السيطرة، فيما تتدهور الأوضاع الإنسانية يوما بعد آخر.
في السياق ذاته، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (“يونيسف”) إنها تحتاج إلى 80 مليون دولار لتستمر في خدمة السوريين النازحين إلى الأردن. وأضافت “نحن لا نملك الموارد اللازمة ووصلنا إلى وضع قد نضطر فيه إلى وقف خدماتنا لأننا تلقينا 11 مليون دولار فقط، أي ما يشكل 19 في المئة من 57 مليون دولار طلبناها بداية السنة”.
“يعاني ملايين السوريين اليوم من جراء النقص المريع في تأمين الغذاء والمأوى والحد الأدنى من الخدمات”، يقول عامر الناشط في مجال الإغاثة في ريف دمشق. ويشرح عامر لـ”المدن” أن التجمعات السكانية في الريف الدمشقي، تعيش حالة رعب وخوف شديد على حياتها. إذ “ليست قذائف وصواريخ النظام هي فقط ما يهدد الحياة، وإنما فقدان الخدمات وانتشار الأمراض”، ويضيف: “نلاحظ اليوم انتشار أمراض اليرقان والتيفوئيد في الغوطة الشرقية، بشكل يكاد لا يخلو بيت من إصابة”.
ويتزامن هذا التدهور السريع في شروط حياة السوريين، مع عجز الأمم المتحدة عن توزيع المساعدات الإغاثية دون المرور بالحكومة السورية. وهو ما تشير إليه مديرة مؤسسة الإغاثة والتنمية الإنسانية السورية خولة دنيا في حديث لـ”المدن”، إذ تقول: “حاول النظام السوري ويحاول احتكار قضية الإغاثة، وساعده في ذلك الوضع العالمي الذي لم يتخذ موقفاً واضحاً منه، ولا قراراً حاسماً حتى في موضوع النازحين السوريين بين المدن”. وتتابع: “لعامين، اعتمدت الإغاثة على الشبكات الأهلية المحلية أولاً، لتأمين ما يلزم وإيصاله عبر طرق غير آمنة إلى من يحتاجها، وثانياً على مصادر دعم خارجية، من خلال تبرعات السوريين في الخارج، أو المنظمات والمؤسسات المهتمة بالمساعدة”. ولا تنسى خولة المساعدات التي يقدمها الهلال الأحمر السوري، “وهو الجهة الرسمية للدولة، والتي يفترض استقلالها وعدم تبعيتها للنظام، غير أنها شكلت في أحيان كثيرة أداة للضغط على الناس كنوع من العقاب بحرمانهم من حاجاتهم الأساسية”. وإذ تشيد بمتطوعي الهلال الأحمر وبأنهم قدموا مثلهم مثل غيرهم ضريبة القيام بعملهم الإنساني “إلا أن إدارة الهلال لا تزال موضع شك من حيث حياديتها ونزاهتها”.
وكتأكيد لما تذهب إليه خولة، علقت منظمة أطباء بلا حدود على مسألة حصر العمل الإغاثي للأمم المتحدة بالقنوات الحكومية، وقالت بأنها تنتظر صدور قرار من مجلس الأمن الدولي لتوفير الإغاثة عبر الحدود من دون موافقة الحكومة السورية، لكنها استبعدت صدور هذا القرار، واعتبرت المنظمة أن أكثر موفري الإغاثة نشاطاً في سوريا اليوم، هم شبكات المغتربين والمجتمعات المحلية، وقد أتاحت لها تلك الشبكات تطوير أنشطتها الإنسانية على مدى العامين الماضيين. ففي حين لم تحصل منظمة أطباء بلا حدود على تصريح من الحكومة للعمل داخل الأراضي السورية، لكنها أقامت ثلاث مستشفيات غير رسمية في الشمال، وأرسلت أو هرَبت بعض الإمدادات الطبية ومواد الإغاثة إلى المناطق المتضررة، وتعترف المنظمة الدولية بان درجة استجابتها للأزمة الإنسانية في سوريا “ليست سوى قطرة صغيرة في محيط الحاجات”.
تُصعّد المنظمات الدولية العاملة في مجال الإغاثة من ضغوطها على كل من المجتمع الدولي والحكومة السورية، وإذ تتهم الأول بالتنصل من الوعود التي يقطعها في مجال الإغاثة، تتهم السلطة في دمشق أنها “تبقى هي المسؤولة والقادرة على فتح هذا الطريق المسدود وإزالة جميع المعوقات أمام دخول المساعدات المستقلة إلى البلاد”. أكثر من ذلك، أدانت “استراتيجية الرعب التي تلجأ إليها الحكومة السورية”، خصوصاً تعمّدها قصف المخابز والمساجد والمستشفيات.
إستراتيجية الرعب الدموية تلك، ستدخل عما قريب عامها الثالث، في ظل أوضاع إنسانية كارثية، ومساعدات هزيلة ومخزية، مقارنة مع الحاجات الهائلة للسكان ومع أعداد النازحين السوريين التي تزداد بسرعة خطيرة. إذ يضطر حوالي خمسة آلاف سوري للفرار يومياً إلى بلدان الجوار كما تؤكد منظمة “أوكسفام”، هذا فضلاً عن النازحين في الداخل، هكذا يرزح ملايين السوريين بين مطرقة النظام وسندان لا مبالاة المجتمع الدولي ووعوده الكاذبة.
المدن